أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد زكرد - اليوم العالمي للفلسفة 2025… حين يُعاد طرح الأسئلة التي تحدّد مصير الإنسان














المزيد.....

اليوم العالمي للفلسفة 2025… حين يُعاد طرح الأسئلة التي تحدّد مصير الإنسان


أحمد زكرد
باحث في مجال الفلسفة و العلوم الانسانية

(Ahmed Zakrad)


الحوار المتمدن-العدد: 8532 - 2025 / 11 / 20 - 14:04
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يعود اليوم العالمي للفلسفة هذا العام ليذكّر العالم بأن التفكير ليس ترفًا، وأن العقل ليس زينة ثقافية، بل هو الفضاء الوحيد الذي يمكن للإنسان أن يعيد داخله ترتيب فوضاه. ما يلفّ حياتنا من توترات سياسية واقتصادية وبيئية يجعل الفلسفة حاجة يومية، لأنها تمنح الإنسان القدرة على فهم ما يحدث له، لا بوصفه حدثًا عابرًا، بل كعلامة على تحولات عميقة تنخر العالم من الداخل.
في هذا السياق، يأتي الاحتفال العالمي الذي تُطلقه اليونسكو في 19 نوفمبر ليعيد تسليط الضوء على الوظيفة الحية للفلسفة: وظيفة النقد، والحوار، والقدرة على استعادة المعنى. فالفلسفة، كما تُشير اليونسكو في وثائقها، ليست مجرد تاريخ من الأفكار، بل ممارسة تُعلّم الإنسان أن يخرج من سلطة المألوف، وأن يرسم لنفسه موقعًا حرًا داخل مجتمع يتغير بسرعة تفوق قدرة البشر على التكيّف.
ما يميّز احتفالية هذا العام هو محور بالغ الحساسية: أخلاقيات عدم المساواة والقيم التي تصنع مجتمعات المستقبل. لقد أدركت اليونسكو أن اللامساواة لم تعد قضية تقنية تُحلّ عبر الأرقام والسياسات الاقتصادية، بل أصبحت جرحًا يتسع في صميم التجربة الإنسانية. الثراء الفاحش، كما يبرزه عدد من الفلاسفة والاقتصاديين اليوم، لم يعد مجرد امتياز، بل تحوّل إلى قوة تُعيد تشكيل السلطة وتوزيع الفرص ومعنى العدالة نفسها.
من هنا يكتسي اليوم العالمي للفلسفة 2025 أهمية خاصة، لأنه يسائل الأسس التي يقوم عليها المجتمع الحديث: كيف يمكن للعالم أن يستمر في ظل اقتصاد يخلق الثروة القليلة للفئات القليلة، ويترك البقية في سباق غير متكافئ؟ هل يمكن لسياسة بلا قيم أن تُنقذ البشرية من هشاشتها؟ وهل يستطيع نموذج التنمية الحالي أن يضمن مستقبلًا لا تنقض فيه الحضارة ذاتها؟
المحاضرة التي ستلقيها البروفيسورة إنغريد روبينز، وهي واحدة من أبرز الباحثات في أخلاقيات المؤسسات، تُعطي لهذا التساؤل عمقه الفلسفي. فهي تنطلق من عملها في نظرية "الحدّية" لتوضح أن معالجة اللامساواة لا تبدأ بالإحصاءات، بل بإعادة النظر في مفهوم الثروة نفسه. فالثروة المفرطة، كما تشير، ليست مجرد فائض مالي؛ إنها شكل من أشكال السلطة الأخلاقية التي تُنتج خللًا في موازين المجتمع، وتُضعف القدرة الجماعية على تحقيق العدالة.
تلفت روبينز الانتباه إلى أن البشرية تقف اليوم عند مفترق طرق: إمّا أن تستمر في مسارها الحالي الذي يضاعف الفوارق ويعمّق الانقسامات، أو أن تعيد ابتكار نظام اقتصادي يضع الإنسان في مركزه، ويُعيد للتضامن مكانته، ويمنح البيئة حقها في البقاء. وهو ما يجعل هذا اليوم العالمي للفلسفة ليس مجرد احتفال، بل لحظة تأمل في المصير الحضاري للبشرية.
من زاوية أخرى، يعبّر هذا الحدث عن معنى أعمق للفلسفة: أنها ليست «معرفة» بقدر ما هي تربية على الوعي. وهي لا تغيّر العالم فورًا، لكنها تغيّر الطريقة التي يرى بها الإنسان العالم، وهذا التغيير في الرؤية هو الشرارة الأولى لأي تحول تاريخي. حين يتعلّم الطفل التفكير النقدي، وحين يمتلك الطالب الشجاعة لطرح السؤال، وحين يتخلّى الراشد عن خوفه من الاختلاف، تبدأ الفلسفة في أداء مهمتها الكبرى: تحرير الإنسان من استهلاكه الأعمى للواقع.
ولأن اليوم العالمي للفلسفة يجمع في برنامجه مناظرات وورش عمل ومحاضرات حية، فهو يعيد للفلسفة دورها العمومي الذي كانت تمارسه منذ عهد الإغريق. إنها تعود إلى ساحة المجتمع، لا إلى القاعات الأكاديمية وحدها، لتطرح الأسئلة الجوهرية: ما العدالة؟ ما الخير المشترك؟ أين يبدأ معنى المساواة؟ وكيف يمكن للقيم أن تقود السياسات بدل أن تكون زخرفًا لغويًا؟
في عالم يُسرّع خطاه نحو المجهول، تظل الفلسفة درعًا ضد التفكك الداخلي، لأنها تُبقي الإنسان قادرًا على التفكير في معنى الحياة، لا في تفاصيل العيش. فكل أزمة سياسية أو بيئية أو اقتصادية تُعيدنا إلى سؤال أعمق: كيف نريد أن نحيا؟ أي عالم نريد أن نتركه لمن يأتي بعدنا؟ وما القيم التي تستحق أن تُبنى عليها حضارتنا؟
هذا هو النداء الذي يرفعه اليوم العالمي للفلسفة 2025: أن نفكر، لا لنجد الحلول الجاهزة، بل لنمنع العالم من السقوط في فوضى بلا معنى. التفكير هنا يصبح فضيلة أخلاقية، ومساحة لمساءلة أنفسنا، ولصياغة تصور مشترك لمستقبل يتسع للجميع.
من وسط هذا الزخم، يتّضح أن الفلسفة ليست ذكرى سنوية، بل ممارسة للحاضر، ومختبرًا للغد، وعملية مستمرة لإعادة الإنسان إلى مركز العالم، لا على أطرافه. هي القوة التي تمنح البشرية القدرة على اجتياز عواصف التاريخ دون أن تُفقدها بوصلتها الداخلية.



#أحمد_زكرد (هاشتاغ)       Ahmed_Zakrad#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيلم فرانكشتاين 2025: حين ينهض المخلوق شاهداً على خطايا الخا ...
- من التحليل النفسي إلى التحليل الوجودي : قراءة في فكر لودفيغ ...
- الوجود المشترك: قراءة فلسفية في فكر جان-لوك نانسي
- قراءة في فكر بيتر فيسل زابفه: مأساة الوعي وعبث الوجود
- الوجودية: بين الحرية والعزلة، والمعنى والعبث
- كتاب غسق الأفكار: رحلة في عوالم إميل سيوران الفلسفية
- الإنسان بين الحضور الوجودي والحضور الافتراضي نحو مساءلة فلسف ...
- إشكالية العلم والتقنية: من بدايات التفكير الفلسفي إلى تحديات ...
- مدرسة فرانكفورت: الأثر النقدي من النشأة إلى الامتداد المعاصر
- القضية الفلسطينية: مرآة الجرح الإنساني وصراع القوى الكونية
- فلسفة نيتشه عن المرأة
- أزمة القيم والتربية في عصر الإعلام الرقمي
- اليوم العالمي للمرأة: تأمل فلسفي في مسار النضال والعدالة وال ...
- الطبيعة والثقافة في ضوء فيلم LEnfant Sauvage: رحلة الإنسان م ...
- إشكالية الحب عبر التاريخ
- الريح التي حملت الأمل: قراءة في فيلم The Boy Who Harnessed t ...
- تأملات في مسيرة الإنسان وتحديات المستقبل من خلال كتاب العاقل ...
- إشكالية الرغبة والسعادة في عالم متغير: من خلال فيلم -Nomadla ...
- الأتمتة وسؤال الإنسان
- الريد بيل Red pill: فلسفة جديدة لفهم العلاقات بين الجنسين وت ...


المزيد.....




- الباغيت يواجه مستقبلًا غامضًا.. كيف تعيد فرنسا التفكير في خب ...
- أقراط ماسيّة بقيمة نصف مليون دولار.. جنيفر لورنس تروّج للمجو ...
- السعودية.. محمد بن سلمان يعلق على الاستقبال المهيب بأمريكا ب ...
- تحليل.. لماذا تحصل السعودية على طائرات إف-35 بينما تكتفي أوك ...
- هل مازالت الاتفاقيات الإبراهيمية قائمة؟ - مقال في نيوزويك
- الاتحاد الأوروبي يعتزم تدريب 3 آلاف شرطي في قطاع غزة
- جون آفريك: معسكر حفتر في ليبيا يعلن إنشاء قوة مشتركة مع الجي ...
- صحيفة إسرائيلية: بن سلمان يضغط لإقامة دولة فلسطينية في 5 سنو ...
- مستقبل مجهول بانتظار مئات الأطفال السودانيين بعد فقد ذويهم ب ...
- هذه أكثر برامج البودكاست الأميركية رواجا في 2025


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد زكرد - اليوم العالمي للفلسفة 2025… حين يُعاد طرح الأسئلة التي تحدّد مصير الإنسان