أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علاء الدين حسو - الرومانسية الواقعية اتجاه فرضته الثورة السورية / قراءة في قصيدة -لا تعد دون جرحٍ من الحرب- للشاعر علي محمد شريف















المزيد.....

الرومانسية الواقعية اتجاه فرضته الثورة السورية / قراءة في قصيدة -لا تعد دون جرحٍ من الحرب- للشاعر علي محمد شريف


علاء الدين حسو
كاتب وإعلامي

(Alaaddin Husso)


الحوار المتمدن-العدد: 8529 - 2025 / 11 / 17 - 12:01
المحور: الادب والفن
    


الشاعر علي محمد شريف معروف بحسّه الرومانسي الواقعي المطعم بالرمزية. تتجلى هذه السمة من خلال علاقته بالطبيعة والمرأة. فالطبيعة عند علي الشريف هي علاقة تجسيد وإفاضة للحياة الإنسانية عليها. تحمل بصمتها الخاصة، ترفعها لدى المتلقي من حالة حسية إلى نوع من القدسية، عبر الرمزية العالية لها. وكذلك من خلال المرأة، فهي حاضرة دائمًا وعنصر أساسي في شعره، هي الحبيبة والأم والوطن. لم تظهر في هذه القصيدة بالمرأة كعاشقة ضمن هذه التراجيديا، بل هي حاضرة كأم وكعرافة ووطن ومتيّمة ببطل القصيدة المنشغل عن السكن الذاتي (الأنثى) بالسكن الأعظم، أي الوطن.
قبل الخوض في تفاصيل القصيدة، من الجيد وضعك في جوها العام.
تخيل أنك مقاتل مغوار، فارس لم تهزمك السيوف، لكنك خسرت الحرب بعد جولات عديدة من المعارك، ولم يكن أمامك طريق سوى الانسحاب. هذا الانسحاب ليس نقيصة، فجراحك هي أوسمة الشرف، وقد انتصرت حتى لو خسرت الحرب. الحرب رحى الرجال، تطحنهم كما تطحن الرحى القمح، والنصر أنك لم تُطحن. ولكن لا بد من أن تترجل لتعرضك للخيانة، فالخيول التي كانت داعمة لك لم تكن صادقة.
هي إذن سيرة محارب يحافظ على سيفه وحصانه، وجسده المُزين بالجراح دليل على بسالته. إنه حزن مغوار ترك الحرب رُغمًا عنه، ليجد نفسه في حرب أخرى أشد وطأة.
نقطة مهمة يجب توضيحها قبل الشروع في قراءة القصيدة وهي أن الحرب هنا شاملة، ليست حربًا كلاسيكية فقط. لذلك، المحارب هنا ليس فقط من يحمل سيفًا ويمتطي حصانًا؛ فالأسلحة متنوعة والوسائل متعددة. القلم، الريشة، الصوت، والجسد كلها أسلحة. وكذلك الصحف، اللوحات، الأغاني، الصرخات، الاعتصامات، والاحتجاجات والمسيرات وسائل.
العنصر الأهم في القصيدة هي شخصية المحارب في ثوب لاجئ. المحارب هنا ليس التقليدي حامل البندقية، بل هو أشمل. هو بطل الحكاية الرافض للظلم، الذي خاض معارك من أجل الكرامة والحرية واسترداد الديمقراطية التي اغتصبت وهي طفلة صغيرة. هذه هي الحرب الأولى التي خرج منها رُغمًا عن أنفه، ليخوض الحرب الثانية، حرب الكرامة في بلد غريب لجأ إليه. فهو السوري الذي لم تزعجه الهزيمة بقدر ما آلمه الخيانة والخيبة ممن ظن أنهم معه.
وعندما لجأ إلى بلد بشكل مؤقت كي يسترد أنفاسه، وجد نفسه في حرب أخرى مركبة بين نفسه التواقة إلى العودة للحرب، وهو المحارب الذي قضى عمره في سبيل أهدافه، وبين الحياة التي فُرضت عليه وأطالت مكوثه حتى خريف العمر، واكتشف أنه محاصر فيها ومطالب بتأمين سبيل الحياة وحماية القيم التي خرج من أجلها.
العنصر الثاني البارز هو الجرح. فقد تكررت كلمة "الجرح" أكثر من ثماني مرات، وهو عنصر مهم؛ فهو الوَسام والشاهد. وكذلك مفردة الغريب قد تكررت ست مرات وهي عنصر أساسي في القصيدة لا يقل عن مدلول الجرح، فهو جرح من نوع آخر.
وطبعًا العنصر الأبرز هو الطبيعة (المرأة): كان توظيفها فطريًا، إذ ردها إلى أصلها. فالأرض هي الأم الحنون التي لجأ إليها من مخاطر السماء والرياح والوحوش.
اختار الشاعر في بناء القصيدة طريقة التقطيع إلى تسعة مقاطع، كأننا أمام تسع لوحات. كل لوحة/مشهد تتحدث عن جزء من الحكاية:
يبدأ المقطع الأول بوصف خسارة المعركة، والسبب ليس المحارب وإنما الحصان. فلكل فارس كبوة، وما حيلة محارب قوي أمام جيش جرار؟
سيكبو حصانكَ/ لا ترتعدْ/ دعهُ يخبِتُ مثل مليكٍ
وفي المقطع الثاني يقدم تعزية للفارس بأن يتجاهل الحصان ويهتم بالجرح، فثمة خسارة أكبر: حلم استرداد الوطن.
ولا تكترث للذي دون / جرحكَ / ليس احتمالاً تبعثره/الريح
أما المقطع الثالث: هو من أشد المقاطع ألمًا، حيث الخيبة والخذلان والتنكر. فليس له سوى اللجوء إلى الطبيعة، عودة طفل إلى أمه، يستمد منها القوة بعدما تنكرت له الحرب وأعرضت عنه الوسائل المساعدة. فما كان له سوى اللجوء إلى الجبل، فالسماء والوديان تنكرت له، ولعل هنا إشارة إلى الطائرات والدبابات بالمعنى المجازي. وإن كان هناك استدعاء تاريخي إيحائي (قصة الطوفان) بداية حياة جديدة. لا عودة للخلف، شب الطفل وبات كهلًا، وأن هذا الاختيار الجديد (اللجوء) الذي جاء في خريف العمر ليس إلا بداية لمشوار طويل وليس مؤقتًا.
تضيق السهوب/فتأوي إلى جبلٍ يعصم/القلبَ/من خثرة الخوفِ/ من رِدّةٍ لا تُردّ
وزائرةٍ/ أوقدت نارها في/ الخريف
في المقطع الرابع دعوة للتحلي بالصبر، وتذكير بأن هذه حرب غير متكافئة وطويلة. ويكفي له فخرًا هذه الجراح، فهي إكليل غار ونصر ووسام شرف.
هو الصبرُ... ذُقْهُ/ وغرغرْ/ بماءٍ اليقينْ
يتميز هذا المقطع بعلاقة الشاعر بالطبيعة، حيث نجد الأرض جندت كل ما تملك له، فهي تروي ظمأه، وتضمد جراحه، وهي التي تقدم له تاج الفوز.
وأن تذرف الأرض صلصالها / في فم الجرحِ
ذلك أن البداية رؤيا/ تفيضُ/ عن البئرِ، إن مسّها الوهنُ/ تُنبت جرحاً سخيّاً
يسرد لنا في المقطع الخامس طريق اللجوء. هنا يبدأ الشاعر في التهيئة للانتقال للمرحلة الثانية، للحرب الثانية التي تنتظره، وأولها طريق اللجوء.
حين عبرت إلى بلدةٍ/ شاحبٍ/ زيتُها/ قلتَ:/ لا ألتفت للذي هو/ أدنى،
يصف شعور المحارب وهو يسلك هذا الطريق بعين رافضة، ولكن بنفس عنفوان وسمو.
ينام الغريب على حجرٍ في/ الطريق/ إذا أعتم الوقتُ
ويبدأ يعبر في المقطع السادس عن قلق اللاجئ وصراعه الذاتي. فالمكروب يرى كل الدنيا مكروبة، وكذلك الفرح يرى كل الدنيا فرحة. إنها حالة القلق في لحظات التحول وما أصعبها. إنها مرحلة جديدة، ولا سبيل للعودة.
أنام بعينين مفتوحتين/ وكفّين/ تبتهلان إلى/ غيمةٍ/ أوشكت أن تجفّ،/ ونجمٍ
ويتابع في المقطع السابع الشعور بالغربة، وبداية الصراع الجديد مع الغربة والاغتراب.
كما ندبةُ الطُعمِ في/ كتف/ البنتِ/ يبدو/ الغريب/ كنسمة/ صيف تلامس عشب/ المساء
نصل إلى الذروة في المقطع الثامن وهو أشد المقاطع تراجيدية. ثمة حنين وثمة قوة دافعة تطلب منه العودة مرة أخرى. لذلك تجد كل العناصر مجتمعة فيه: الغربة، الجراح، الحرب، والطبيعة، كلها تخاطب الجزء المحارب منه، تطلب منه العودة، والثأر والانتقام. حتى أنه أدخل الأسطورة هنا من خلال الدم البابلي، ليذكرنا بشريعة حمورابي: العين بالعين والسن بالسن. فماذا يضر بعدما حدث؟ وهذا هو الاستدعاء التاريخي الثاني.
وهل قلّدتكَ المنافي/ دماً/ بابليّاً لتعدو/ إلى/ جمرها خلسةً؟
عدْ،/ يعودُ الحليب إلى/ صدرِ/ أمّك، /عُدْ/ يشتهي/ملحَك الخبزُ/ والعابرون،/ عراةً، إلى/معبد/ الجرحِ
ويأتي المشهد الأخير حيث يبدو (كأن) الصراع قد حُسم، و(لا) إمكانية للعودة، (لكن) الخاتمة تذكرك ما هي الا جولة من جولات الحرب وهذا ناموس في الكون، ولكن ليست نهاية استسلام، بل إقرار بالدورة الزمانية، ولكل زمن رجاله. وإن الحزن يفتك به وهو يرى تمزق وطنه، ويرتدي وطنًا ليس وطنه. ولكن ليس هو الأول ولن يكون الأخير.
سيكبو زمانك/ وتخبو/ قناديل روحكَ/ لن/ تنتبه، في الحقيقةِ، / أنّ/ بلاداً تراود عينيك/ عن/ صورة للبلادِ
الجملة الأخيرة نقلت النص من ترتيبه الزمني المستقيم إلى الحركة الدائرية المغلقة وهي من أهم سمات القصيدة الحديثة. الحركة الدائرية التي قصدتها، بأن هذا التكرار دائمًا موجود طالما هناك حياة: صراع بين الخير والشر. وكذلك من خلال عدم استخدام مفردة "رجعة" وإنما "عودة"، والعودة تكون دائرية على الأغلب بينما الرجعة تعني التراجع. وهذه ميزة تُحسب للشاعر؛ فحركة الرجوع والتشبث بالماضي والتغني بأمجاد الماضي العبثي لا نجده، بل حركة مستقيمة إلى الأمام تُقر بالواقع ولكن تؤمن بدورة الحياة من جهة أخرى، أي تداول الأيام، وسيأتي ذلك اليوم وينتصر الخير مهما طال الزمان. وربما كان هذا سببًا لاختيار البحر المتقارب الذي يعتمد على تكرار تفعيلة "فعولن".
تعتبر هذه القصيدة، المكتوبة قبل التحرير، بعد أحد عشر عامًا من الثورة السورية، اليوم وبعد التحرير مع أخواتها شاهدة على مرحلة مفصلية من مراحل سوريا الحديثة. وتتميز عن باقي قصائد الشاعر علي محمد الشريف باستخدامها لعناصر ومفاتيح تعكس تغير الظروف. تعبر عن حالة السوري اللاجئ، فقصة كل سوري هي قصة محارب خسر معركة وليس الحرب. المهم ان تحمل ذلك الشرف أنك لم تخرج فارا دون هدف وانما لأنك كنت رافضا ومحاربا وعلامة المحارب جرح.



#علاء_الدين_حسو (هاشتاغ)       Alaaddin_Husso#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المتيّم بالحنين-: حلب بين أسطورة العشق وواقع الردى
- من -عطسة النور- إلى -شاشة السكون-: كيف سرقت وسائل التواصل مت ...
- المنشور الشعبوي: مقصٌ يُمزّق النسيج المجتمعي
- القوة تُحدث التغيير ولكن هل وحدها كافية لتحقيق الازدهار؟
- مفهوم الجمال والقبح في عالم متغير: بين السياسة وكرة القدم
- تحديات بناء قاعدة شعبية مستدامة
- هل ترامب -جودو- الشرق الأوسط ومنقذ المنطقة العربية من الصراع ...
- استشراف مستقبل سوريا الجديدة - النموذج الاول (الاتاتوركي)
- استشراف مستقبل سوريا الجديدة - المقدمة
- النصب والذكاء الصناعي
- هل بدأ عصر أشرقة اوروبا ؟
- صراع الوعي
- حركة النص_ انسي الحاج نموذجا
- الباقي من الزمن ساعة، قراءة سياسية للرواية
- النهر الدامي _ بارليف الشمالي
- هل آن أوان سحب الثقة من المنصات السورية ؟
- إذا كان هذا يحدث في البرازيل ، فيمكن أن يحدث هنا ... نحو قرا ...
- المجتمع الخامس
- هذه بضاعتنا، وهذه خبرتنا.. فماذا نفعل ؟
- الائتلاف السوري بين المطرقة الدولية وسندان الشعب


المزيد.....




- تايلور سويفت تتألق بفستان ذهبي من نيكولا جبران في إطلاق ألبو ...
- اكتشاف طريق روماني قديم بين برقة وطلميثة يكشف ألغازا أثرية ج ...
- حوارية مع سقراط
- موسيقى الـ-راب- العربية.. هل يحافظ -فن الشارع- على وفائه لجذ ...
- الإعلان عن الفائزين بجائزة فلسطين للكتاب 2025 في دورتها الـ1 ...
- اكتشاف طريق روماني قديم بين برقة وطلميثة يكشف ألغازا أثرية ج ...
- من الجو..مصور يكشف لوحات فنية شكلتها أنامل الطبيعة في قلب ال ...
- التمثيل الشعري للذاكرة الثقافية العربية في اتحاد الأدباء
- الكوتا المسيحية: خسارة ريان الكلداني وعودة الجدل حول “التمثي ...
- مؤرخ وعالم آثار أميركي يُحلل صور ملوك البطالمة في مصر


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علاء الدين حسو - الرومانسية الواقعية اتجاه فرضته الثورة السورية / قراءة في قصيدة -لا تعد دون جرحٍ من الحرب- للشاعر علي محمد شريف