علاء الدين حسو
كاتب وإعلامي
(Alaaddin Husso)
الحوار المتمدن-العدد: 8340 - 2025 / 5 / 12 - 12:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قبل الحديث عن العوامل التي تحدد زيادة التشابه، لنبدأ بإلقاء نظرة سريعة على تأسيس الجمهورية التركية بشكل مجرد من أي نقد لتلك التجربة، خصوصًا مع الأخذ في الاعتبار التجربة الإسلامية في تركيا، وهي تجربة معروفة ومعقدة. يجب أن نفهم التجربة التركية في سياقها التاريخي الخاص، دون الخلط بينها وبين سياقات أخرى مختلفة.
في نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918، كانت الإمبراطورية العثمانية من بين الدول المهزومة. تم توقيع معاهدة سيفر عام 1920 بين الحلفاء والدولة العثمانية، والتي فرضت شروطًا قاسية على الإمبراطورية وتضمنت اقتطاع أجزاء كبيرة من أراضيها لصالح الحلفاء واليونان.
لم يقبل الوطنيون الأتراك بقيادة مصطفى كمال باشا (أتاتورك لاحقًا) بشروط معاهدة سيفر. انطلقت حرب الاستقلال التركية (1919-1922) بهدف تحرير الأراضي التركية وإقامة دولة مستقلة. تميزت هذه الحرب بتنظيم مقاومة وطنية قوية ضد القوات اليونانية والفرنسية والإيطالية والأرمنية التي احتلت أجزاء من البلاد، بالإضافة إلى القوات الموالية للحكومة العثمانية في إسطنبول.
في عام 1920، تم تأسيس الجمعية الوطنية الكبرى في أنقرة (البرلمان)، والتي أعلنت نفسها السلطة الشرعية الوحيدة في تركيا بقيادة مصطفى كمال. رفضت الجمعية معاهدة سيفر وقادت الكفاح الوطني.
حققت القوات الوطنية التركية انتصارات حاسمة في حرب الاستقلال، أبرزها طرد القوات اليونانية من الأناضول في معركة دوملوبينار عام 1922.
بعد تحقيق النصر في حرب الاستقلال، أدركت القيادة الوطنية أن بقاء السلطنة العثمانية يتعارض مع فكرة الدولة الوطنية الحديثة. في 1 نوفمبر 1922، تم إلغاء السلطنة العثمانية بشكل رسمي من قبل الجمعية الوطنية الكبرى، مما أنهى حكم السلالة العثمانية الذي استمر لقرون.
بعد انتهاء حرب الاستقلال، تم توقيع معاهدة لوزان في 24 يوليو 1923 بين تركيا والحلفاء. حلت هذه المعاهدة محل معاهدة سيفر المجحفة، وأقرت بالحدود الوطنية لتركيا الحديثة وسيادتها الكاملة على أراضيها.
في 29 أكتوبر 1923، تم إعلان تأسيس الجمهورية التركية رسميًا من قبل الجمعية الوطنية الكبرى. تم اختيار أنقرة عاصمة للجمهورية، وانتُخب مصطفى كمال باشا أول رئيس للجمهورية التركية.
قامت على الأسس والمبادئ الأولى التالية:
• السيادة الوطنية: تم التأكيد على أن السيادة المطلقة للأمة التركية.
• العلمانية: بدأت خطوات نحو فصل الدين عن الدولة.
• التحديث: تبني نموذج الدولة الحديثة وإجراء إصلاحات شاملة في مختلف المجالات.
• القومية التركية: التركيز على الهوية الوطنية التركية.
بهذا الإعلان وتوقيع معاهدة لوزان، وُضعت الأسس للجمهورية التركية الأولى، التي شهدت لاحقًا سلسلة من الإصلاحات الجذرية تحت قيادة مصطفى كمال أتاتورك بهدف بناء دولة تركية حديثة وعلمانية ومستقلة.
الآن، وبعد هذا الاستعراض السريع لتأسيس الجمهورية التركية، ما الذي يدفعنا تحديدًا للتفكير في وجود تشابه مع السيناريو السوري الافتراضي؟
أوجه تشابه محتملة (في حال تبنت الحكومة الجديدة مبادئ مشابهة):
يمكن أن نطرح بعض النقاط حول هذا التشابه، ولكن لا بد من التأكيد على أن الأمر يعتمد على طبيعة وأهداف الحكومة الجديدة، وثمة فارق حذر وكبير بين النقطتين. مع التذكير بان المقارنة في هذه الحالة مع جمهورية أتاتورك الأولى مقارنة بين وضعين مختلفين تمامًا، أحدهما واقع تاريخي والآخر سيناريو افتراضي لم يتحقق بعد.
وفق الإعلان الدستوري الذي وقَّعه الرئيس السوري أحمد الشرع في 13 مارس/آذار 2025، محددًا المرحلة الانتقالية في البلاد بـ 5 سنوات، يمكن أن نؤكد أن هناك نقاط تشابه نوجزها في:
• السعي نحو بناء دولة وطنية موحدة: قد تسعى حكومة جديدة بقيادة أحمد الشرع إلى تجاوز الانقسامات والصراعات الداخلية وبناء دولة سورية موحدة ذات هوية وطنية جامعة، وهو ما سعى إليه أتاتورك في بناء الجمهورية التركية على أساس الهوية التركية.
• التوجه نحو التحديث والإصلاح: قد تتبنى الحكومة الجديدة أجندة إصلاحية شاملة تهدف إلى تحديث مؤسسات الدولة والاقتصاد والمجتمع، وهو ما كان سمة بارزة في مشروع أتاتورك.
• التركيز على السيادة الوطنية والاستقلال: قد تولي الحكومة الجديدة أهمية قصوى لاستعادة سيادة سوريا الكاملة واستقلالها ورفض التدخلات الخارجية، وهو ما كان هدفًا رئيسيًا لحرب الاستقلال التركية وتأسيس الجمهورية.
• إعادة بناء المؤسسات: بعد سنوات من الصراع، قد تحتاج الحكومة الجديدة إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس جديدة، وهو ما قام به أتاتورك بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية.
العوامل التي ستحدد هذا التشابه
إذا ما قلنا في البداية إنه سيناريو افتراضي، فكيف يمكن تشكيل هذه الدولة انطلاقًا من الجمهورية التركية الأولى التي تغيرت مع مرور السنين ولها أخطاء (لا نقف على سلبياتها، فالسلبيات كثيرة، ولكننا نتحدث هنا عن الأسس العلمية أو أسس البداية التي بدأت فيها هذه الدولة التركية)؟ في البداية، كان كل الشعب معها وقاتل الجميع، ثم بدأت تؤسس هذه الدولة بنموذجها المطلوب منها (العلمانية كنموذج)، وبدأت تُقصي كل من عارضها بطريقة أو بأخرى. حتى أن عباس محمود العقاد يتحدث في إحدى كتاباته عن شخصيات وجدها في تلك الفترة بأنها شخصية قادرة على فعل شيء، بينما وحيد الدين خان قال بأنه فشل لأنه اكتفى بالمظهر دون المضمون. والعوامل ستحدد مدى التشابه مع هذا السيناريو.
أولًا: الأيديولوجيا السياسية للحكومة الجديدة:
هل ستتبنى الحكومة الجديدة مبادئ... لا نقول مبادئ علمانية حتى تشمل... هل ستتجه نحو مبادئ أيديولوجية خاصة بها أم أنها ستكون منفتحة؟ بمعنى آخر، علمانية بطريقة أخرى. هناك من يقول بأن السيد أحمد الشرع قد يرى أن يحول الأيديولوجية إلى الليبرالية أو بطريقة أخرى يصنع نموذجًا جديدًا مما سماه البعض "الليبرالية الحديثة" أو "الدول الإسلامية الديمقراطية". هناك عدة مصطلحات ليست واضحة الآن. إذن، هل سيكون التركيز على الدين أو القومية أم أنها ستكون منفتحة للجميع؟ وهذا ما سنلاحظه من خلال تصرفات الحكومات في الأيام القادمة.
ثانيا: طبيعة النظام السياسي:
هل ستؤسس نظامًا ديمقراطيًا تعدديًا أم نظامًا ذا سلطة مركزية قوية؟ في ضوء الوضع الراهن، لا يزال هناك عدم اتفاق حول ما إذا كانت هناك ضرورة لسلطة لا مركزية موسعة أم لسلطة مركزية قوية.
ثم: ما علاقته بالدين أيضًا؟ كيف ستتعامل الحكومة الجديدة مع دور الدين في المجتمع؟ هل سيكون هناك فصل في التعاملات أم ستكون هناك وصاية من نوع ما؟ سمعنا أولويات...
هل الأولويات التي ستكون في الحكومة الجديدة هي الاقتصاد، التعليم، المرأة، الحريات العامة؟ ما هي هذه الحريات؟ نلاحظ بأن هناك توجهًا نحو ذلك، ولكن مع المحافظة على التقاليد. والشكل لا يمنع (فأتاتورك وضع قبعة، وهنا قد تكون ربطة العنق). إذن، إلى أي مدى يمكن أن نرى هذه النتائج في هذا النموذج؟ من المبكر الحديث عن ذلك. ولكن فيما لو حصل هذا الموضوع، هل يمكن أن يكون له سيناريوهات إيجابية أم سلبية؟
تصوري:
تركيا قامت في تلك الفترة في بلد مقسم، أجزاء وأطراف محتلة، خاسر، يعاني من صراعات داخلية. استطاع بلحظة أن يحاول أن ينهض، ولكنه اتكأ على طريقة مختلفة، اتكأ على قطع التراث وعزل تركيا عن ماضيها واحدثت هذه القطيعة انقسامًا حادًا نشهده حتى اليوم في تركيا. لذلك، هذا النموذج (التركي) من الصعب أن يتحقق بنسبة 100% في سوريا، وإن كانت هناك بعض الخطوط التي يمكن أن تتشابه وتصل إلى ما نرغب فيه.
يتبع ...
#علاء_الدين_حسو (هاشتاغ)
Alaaddin_Husso#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟