من زنزانة إمرالي إلى أفق السلام: لماذا حرية أوجلان تعني حرية الشعوب

مروان فلو

الحوار المتمدن-العدد: 8524 - 2025 / 11 / 12 - 23:36
المحور: القضية الكردية
    

مدخل

تشكل قضية اعتقال عبد الله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكُردستاني (PKK)، إحدى أبرز القضايا السياسية والفكرية في الشرق الأوسط خلال العقود الأخيرة. فالرجل الذي نُقل من مطاردته في المنافي إلى زنزانته في جزيرة إمرالي، استطاع أن يحوّل عزلة السجن إلى منبر عالمي يطرح عبره مشروعًا حضاريًا ديمقراطيًا يتجاوز حدود المسألة الكُردية ليطال مستقبل المنطقة بأكملها. إن المطالبة بحرية أوجلان لم تعد مجرد شأن قومي أو سياسي، بل باتت صرخة إنسانية من أجل بديل سلمي شامل في مواجهة النزاعات المزمنة.

أولاً: سيرة ومسار القائد عبد الله أوجلان

وُلد عبد الله أوجلان في قرية أومرلي بولاية أورفا في كُردستان باكور" التركية" عام 1949. اشتهر بلقب "آبو" أو "سروك" (القائد) بين أنصاره. أسّس عام 1978 حزب العمال الكُردستاني، الذي أعلن الكفاح المسلح في 15 آب/أغسطس 1984 ضد الدولة التركية، سعيًا إلى تحقيق كُردستان موحّد مستقل ديموقراطي، قبل أن تتحول أهداف الحزب لاحقًا إلى الحكم الذاتي والديمقراطية المحلية للكُرد داخل تركيا.

في عام 1999، جرى اعتقاله في العاصمة الكينية نيروبي بعملية دولية معقدة، ثم نقل إلى تركيا حيث حُكم عليه بالإعدام، قبل أن يُستبدل الحكم بالسجن المؤبد بعد إلغاء عقوبة الإعدام عام 2002. ومنذ ذلك الحين يقبع في عزلة شبه تامة في سجن جزيرة إمرالي.

ثانيًا: أوجلان المفكر – نتاجه من خلف القضبان

رغم قساوة العزلة، قدّم أوجلان سلسلة من المؤلفات الفكرية التي تمثل مراجعة عميقة لتاريخ الإنسانية ومساراتها السياسية والاجتماعية. من أبرز أفكاره:

نظرية الحضارة الديمقراطية: قراءة للتاريخ البشري منذ الحضارة السومرية، مرورًا بالإقطاعية والرأسمالية، وصولًا إلى بديل يقوم على الاعتراف المتبادل والعيش المشترك.

الفدرالية الديمقراطية: رؤية لنظام لا مركزي، قائم على الإدارات الذاتية، يحترم التعددية الثقافية واللغوية ويحقق المساواة بين الجنسين.

حرية المرأة: جعل قضية المرأة محورًا أساسيًا للتحرر الاجتماعي والسياسي، معتبرًا أن لا ديمقراطية بلا تحرر المرأة.

البيئة والايكولوجيا: شدّد على ضرورة بناء علاقة متوازنة بين الإنسان والطبيعة، باعتبارها ركيزة للاستدامة الاجتماعية.

هذه الرؤى تندرج في إطار ما سمّاه أوجلان بـ "الطريق الثالث"، الذي يتجاوز ثنائية الصراع العسكري/الدولة المركزية، نحو نموذج بديل للشرق الأوسط يقوم على الحوار والتنوع.

ثالثًا: الحراك الدولي من أجل الحرية

منذ اعتقاله، تحوّل أوجلان إلى رمز عالمي. نشأت مبادرات وحملات تضامن واسعة، من أبرزها:

حملة "Freedom for Öcalan" التي جمعت أكثر من 10 ملايين توقيع في أوروبا وتركيا.

حملة "حرية القائد – حل للقضية الكُردية" (2023)، التي شملت فعاليات في أكثر من 105 مدن، مع مشاركة واسعة من النساء والمنظمات الحقوقية.

إضرابات عن الطعام في السجون التركية والأوروبية تضامنًا مع قضيته.

بيانات ورسائل موجهة إلى الأمم المتحدة ولجنة منع التعذيب، صادرة عن محامين ونشطاء.

فعاليات ثقافية وفنية، مثل روايات مصوّرة ومعارض في برلين وعواصم أخرى.

وبهذا تحولت قضيته من ملف محلي إلى قضية حقوقية ذات أبعاد كونية.

رابعًا: الديناميكية السياسية الراهنة – نحو السلام؟

في 27 شباط/فبراير 2025، أصدر أوجلان بيانًا تاريخيًا من سجنه بعنوان: "دعوة للسلام والمجتمع الديمقراطي". دعا فيه حزبه حزب العمال الكوردستاني PKK إلى إلقاء السلاح وحل التنظيم، بحوار بينه وبين السلطة التركية باتفاق غير معلن تفاصيله حتى اليوم ، وهو ماعتُبر نقطة تحول تاريخية.

تزامن ذلك مع إعلان هدنة من الحزب دعمًا لمبادرة السلام، وإشارات من بعض القوى السياسية التركية – بما فيها تصريحات من حليف للرئيس رجب طيب أردوغان – إلى إمكانية إدماج أوجلان في العملية السياسية إن تخلى عن العنف.

هذه المبادرات فتحت ما وصفه مراقبون بـ "النافذة التاريخية" لإنهاء النزاع، رغم ما يكتنفها من تحديات تتعلق بانعدام الثقة بين الأطراف.

خامسًا: أصوات من المجتمع والنشطاء

"القائد أوجلان هو طريقنا نحو الحرية. فكرته جعلتنا نستعيد إنسانيتنا وقوتنا الإرادية… لا حدود أمام من يريد الحرية."

"حرية القائد تعني حرّيتنا نحن أيضًا؛ لا يمكننا أن ندعي الحرية إن ظل بلا تحرير."

"النظام يكذب عندما يقول إن الثورة انتهت. الحركة الكُردية وفكر أوجلان يبرهنان عكس ذلك."

هذه الشهادات تختزل كيف أصبح أوجلان، من زنزانته، صوتًا يتردد في شوارع مدن كُردستان والعالم.

سادسًا: آفاق فكر أوجلان – نحو رسالة عالمية؟

ما يطرحه أوجلان لا ينحصر في الملف الكُردي، بل يتعداه ليقدم تصورًا شاملاً قد يشكل نموذجًا للحوار في الشرق الأوسط، بل وحتى في مناطق أخرى تعاني من صراعات هوياتية وطائفية. فهل تتحول رؤيته إلى أساس لمشروع ديمقراطي عالمي؟ أم أن العوائق السياسية ستبقيها حبيسة الكتب والبيانات؟

الإجابة على هذا السؤال تعتمد على توازن القوى، وعلى مدى استعداد الدولة التركية والقوى الإقليمية لفتح صفحة جديدة قائمة على التسوية لا الإقصاء.

خاتمة

قضية عبد الله أوجلان ليست قضية سجين سياسي فقط، بل هي انعكاس لبحث شعوب بأكملها عن الحرية والعدالة. إن المطالبة بإطلاق سراحه تمثل دعوة لتبني مسار بديل يرفض العنف ويؤمن بالسلام الديمقراطي. فالحرية هنا لا تخص فردًا بعينه، بل ترمز إلى مستقبل أكثر إنصافًا لكل شعوب الشرق الأوسط.


مروان فلو
٩/٩٢٠٢٥

—--------------------

المراجع

1. Öcalan, Abdullah. Democratic Confederalism. International Initiative Edition, 2011.


2. Öcalan, Abdullah. Manifesto for a Democratic Civilization (Vols. I–V). Mesopotamian Publishers, 2001–2015.


3. Jongerden, Joost & Akkaya, Ahmet Hamdi. Democratic Confederalism as a Kurdish Spring: The PKK and the Quest for Radical Democracy. In The Kurdish Question in Turkey: New Perspectives on Violence, Representation, and Reconciliation. Routledge, 2013.


4. Gunes, Cengiz & Lowe, Robert. The Impact of the Öcalan Movement on Kurdish Politics. Chatham House Report, 2015.


5. تقارير الحملة الدولية "Freedom for Öcalan", الموقع الرسمي للحملة (2023–2025).


6. بيانات PKK وأوجلان المنشورة في شباط/فبراير 2025.

#مروان_فلو (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل