أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مروان فلو - بين مشروع أوجلان الإنساني ومشاريع الخرائط الممزقة: من أجل شرق أوسط بلا حروب















المزيد.....

بين مشروع أوجلان الإنساني ومشاريع الخرائط الممزقة: من أجل شرق أوسط بلا حروب


مروان فلو

الحوار المتمدن-العدد: 8522 - 2025 / 11 / 10 - 23:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في زمنٍ تتقاذفه الأزمات والحروب وتُعاد فيه كتابة خرائط الشرق الأوسط بالدم والدموع، تبرز رؤيتان متناقضتان تمامًا في جوهرهما:
رؤيةٌ إنسانية تسعى إلى ترميم النسيج الاجتماعي والسياسي عبر بناء أمة ديمقراطية تشاركية تحترم الاختلاف وتستوعبه، وهي رؤية الزعيم الكُردي عبد الله أوجلان؛
ورؤيةٌ أخرى تُعاد فيها صياغة المنطقة وفق حسابات القوى الكبرى ومصالحها، وعلى رأسها إسرائيل، كما تجسدت ملامحها في المؤتمر اليهودي–الكُردي المنعقد في برلين عام 2025.
وبين هاتين الرؤيتين، يقف الإنسان الشرقي أمام سؤال مصيري:
هل نريد شرقًا أوسطًا يتنفس بالحرية ويحتضن تنوعه؟
أم شرقًا أوسطًا ممزقًا تُحركه مصالح القوى الخارجية وتُبقيه في دوامة صراع لا نهاية لها؟
أولاً: أوجلان... من الثورة إلى الحكمة
لم يكن عبد الله أوجلان مجرد قائد سياسي، بل مفكرٌ تمرّد على منطق الدولة القومية التقليدية التي حوّلت شعوب الشرق إلى خصوم دائمين. من زنزانته الضيقة في جزيرة إيمرالي، رسم أوجلان خريطة جديدة للعالم، ليست خريطة حدود وجيوش، بل خريطة قيم وأفكار تقوم على “الأمة الديمقراطية”(1).
في نظره، لا خلاص لشعوب المنطقة بتقسيمها إلى دول جديدة، لأن كل تقسيم يولّد حربًا جديدة، بل الخلاص يكون بتحرير المجتمعات من داخلها، عبر إشراكها في إدارة نفسها، وتمكين كل مجموعة من التعبير عن هويتها بحرية دون إقصاء أو هيمنة(2).
أوجلان لا يدعو إلى إلغاء الدولة، بل إلى تحديثها أخلاقيًا، كي تتحول من أداة سلطة إلى إطار عدالة. فالديمقراطية لديه ليست صندوق اقتراع فحسب، بل ثقافة مشاركة يومية، تذيب الجدران بين المكونات وتفتح الطريق أمام تعايشٍ دائم.
إنه لا ينادي بدولة كُردية مغلقة، بل بـ«كُردستان مفتوحة» تتواصل مع العرب والأتراك والفرس كجيرانٍ لا كأعداء. فالقضية عنده ليست «من يحكم؟» بل «كيف نحكم؟».
ثانياً: المؤتمر اليهودي–الكُردي... تحالف تحت المجهر
في المقابل، جاء المؤتمر اليهودي–الكُردي الذي عُقد في برلين في 7 سبتمبر/أيلول 2025 ليحمل عنوانًا براّقًا، لكنه يخفي خلفه معادلةً مقلقة.
فالمؤتمر، الذي نظمته منظمات يهودية وكُردية بمشاركة رسمية ألمانية وإسرائيلية، طرح فكرة «تحالف استراتيجي» بين الشعبين اليهودي والكُردي ضد ما سمّاه «الاستبداد التركي والإيراني»(3).
غير أن الخطاب العاطفي للمؤتمر لم يُخفِ خلفيته الجيوسياسية، إذ بدا وكأنه إحياءٌ لروح المؤتمرات الصهيونية القديمة التي مهدت لتأسيس دولة إسرائيل، ولكن هذه المرة بوجهٍ كُردي جديد.
الرسالة المبطّنة للمؤتمر كانت واضحة:
إن إقامة كيان كُردي مستقل سيخدم «الاستقرار» في المنطقة من خلال التحالف مع إسرائيل.
لكن أي استقرار هذا الذي يقوم على تقسيم الجغرافيا وإشعال التناقضات؟
فمثل هذا المشروع، إن وُضع موضع التنفيذ، سيخلق صراعًا مفتوحًا بين الكُرد والعرب والترك والإيرانيين، يُستنزف فيه الجميع بينما تبقى إسرائيل في موقع المستفيد الوحيد(4).
بهذا المعنى، لا يمكن اعتبار هذا التحالف مشروعًا إنسانيًا، بل هو مشروع لإعادة توزيع النفوذ تحت غطاءٍ ثقافي وتاريخي. إنه رؤية قصيرة النظر، تُحوّل آمال الشعوب في الحرية إلى وقودٍ لصراعاتٍ جديدة، وتستبدل الاستعمار العسكري بالتحالف الجيوسياسي.
ثالثاً: مقارنة جوهرية بين الرؤيتين
الفارق بين مشروع أوجلان والمشروع الجيوسياسي المقابل ليس مجرد اختلافٍ سياسي، بل اختلافٌ في الجوهر الأخلاقي والإنساني.
أوجلان ينطلق من فكرة أن الحرية لا تُجزّأ، وأن العدالة لا يمكن أن تكون حكرًا على شعبٍ دون آخر.
بينما ينطلق المشروع الآخر من مبدأ المصلحة الضيقة، حيث تُقاس العدالة بمدى ما تحققه لإسرائيل من أمنٍ وتفوق.
مشروع أوجلان لا يسعى إلى تقسيم أحد، بل إلى إعادة لُحمة المنطقة عبر بناء نظام ديمقراطي مرن، تكون فيه المجتمعات شريكة لا تابعة، وصاحبة قرار لا أداة.
أما المشروع اليهودي–الكُردي، فيسعى إلى تغيير الخرائط لا تغيير الذهنيات، وإلى استبدال خصومةٍ بأخرى بدل تجاوزها.
إن جوهر الفرق هو أن رؤية أوجلان تؤمن بأن السلام يولد من الداخل، من قلوب الناس ومن قدرتهم على العيش المشترك، بينما تؤمن الرؤية الثانية بأن السلام يُفرض من الخارج بالقوة والتحالفات.
وفي النهاية، الأولى تسعى إلى بناء عالمٍ يربح فيه الجميع، أما الثانية فتنتهي دائمًا بعالمٍ يخسر فيه الجميع ما عدا الطرف الأقوى.
رابعاً: نحو مستقبلٍ مشترك لا منقسم
الشرق الأوسط، بكل تنوعه القومي والديني، لا يحتاج إلى خرائط جديدة تُرسم بالحبر الأجنبي، بل إلى عقود اجتماعية جديدة تُكتب بإرادة شعوبه.
فبدل أن نبحث عن "دولة لكل قومية"، يجب أن نبحث عن "مجتمع لكل إنسان"، وبدل أن نحتمي بالأسوار، علينا أن نبني الجسور.
إن مشروع أوجلان، بعمقه الإنساني، يُقدّم فرصة نادرة لتجاوز قرنٍ من الدماء والدموع. فهو مشروعٌ لا يرفض أحدًا، ولا يقوم على إقصاء أو ثأر، بل على شراكةٍ بين الشعوب لا على استغلالها.
أما المشاريع القائمة على الخرائط والولاءات الخارجية، فمصيرها أن تُغرق الجميع في بحرٍ من الحروب التي لا تنتهي، لأن من يبدأ من مبدأ المصلحة لا يمكن أن يصل إلى العدالة.
لهذا، فإن الكفة الأخلاقية والإنسانية تميل بوضوح نحو رؤية أوجلان، لأنها تزرع الأمل في أرضٍ أنهكتها المآسي، وتعيد للإنسان في الشرق الأوسط مكانته كغايةٍ لا كوسيلة.
فبين مشروعٍ يفتح الباب للسلام ومشروعٍ يكرّس الصراع، يختار العقل والضمير معًا طريق أوجلان... طريق الحرية المشتركة والكرامة للجميع.
خاتمة
في نهاية المطاف، لا يمكن لخرائطٍ تُرسم بالحسابات أن تُعيد الدفء إلى قلوبٍ أنهكها الخراب، ولا لتحالفاتٍ تُبنى على الخوف أن تزرع الأمان في أرضٍ تبحث عن الطمأنينة.
لقد أثبتت التجارب أن الشرق الأوسط لا يُرمَّم بالحدود ولا يُصلَح بالولاءات، بل يُشفى حين يتصالح مع ذاته، حين تدرك شعوبه أن التنوع ليس لعنة بل نعمة، وأن الاختلاف ليس تهديدًا بل غنى.
رؤية أوجلان، بكل ما تحمله من عمق



++++++++++++++++++++++&&&
الهوامش والمراجع:
(1) أوجلان، عبد الله. القضية الكُردية وحل الأمة الديمقراطية. دار آفا للنشر، 2011.
(2) أوجلان، عبد الله. مانيفستو الحضارة الديمقراطية، المجلد الثاني: نحو المدنية الديمقراطية. 2010.
(3) تقرير المؤتمر اليهودي–الكُردي الأول، برلين، ألمانيا، 7 سبتمبر/أيلول 2025.
(4) أوزدمير، نسرين. التحالفات الجديدة في الشرق الأوسط: البعد الجيوسياسي للعلاقات الكُردية–الإسرائيلية. مجلة الشرق الجديد، العدد 48، 2025.



#مروان_فلو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحركات الدبلوماسية التركية: قراءة في تداعيات زيارة هاكان ف ...
- التعايش بين المكوّنات – نحو دولة تعددية تُدار بالمساواة الكي ...
- حين تتكلّم الجبال: اللغة الكُردية والذاكرة المنهوبة في ظلّ ص ...
- بين سيفر ولوزان: التحولات الراهنة في القضية الكُردية وإمكاني ...
- عثمان بايدمير بين أنقرة وروژآفا وإقليم كوردستان: تقاطعات الم ...
- إعادة تشكيل الدولة السورية بين مشروع اللامركزية الديمقراطية ...
- قسد تفرض شروطها: طريق مسدود مع دمشق واستعدادات مفتوحة للحماي ...
- الجزيرة الكُردية: حضور تاريخي راسخ في سياق التكوين السياسي ل ...
- افتتاح جمعية عثمان صبري للثقافة والتراث في دمشق: تكريم للذاك ...
- تحليل بصري و سياقي لحجر منسوب للأتراك القدماء: بين الحقيقة و ...
- الساسانيون وسرقة التراث الكردي: كيف أعاد القوميون الفرس والم ...
- من الدوحة إلى العالم: الأمم المتحدة تضع حقوق الكُرد وعديمي ا ...
- بين الدين والهوية: الانتفاضة الكردية التي أرعبت أتاتورك
- اللغة والهوية: حق إنساني مشروع للشعب الكُردي في إطار العدالة ...
- ماذا يجري في عفرين؟: تحليل إخباري–أكاديمي مفصّل
- الجذور التاريخية: بين -التركية- وتعددية الهويات
- جبل الأكراد: دراسة تاريخية وجغرافية عن التواجد الكردي وفقدان ...
- قسد داخل الجيش السوري: شراكة استراتيجية أم بداية تفكيك الدول ...
- هل الساكا، أتراك، أم كُرد: دراسة مقارنة بين اللغة، الثقافة، ...
- هل هناك انفراجات حقيقية بين قسد ودمشق وبين قسد وتركيا؟


المزيد.....




- سوريا تصدر بيانا بشأن لقاء أحمد الشرع وترامب في البيت الأبيض ...
- أشبال الباندا الحمراء يرون الثلج لأول مرة في حديقة حيوانات أ ...
- محكمة بلغارية تُرجئ النظر في تسليم لبنان مالك السفينة المرتب ...
- لبنان: إخلاء سبيل هانيبال القذافي الموقوف منذ العام 2015
- تبادل لإطلاق النار غرب السويداء.. ولجنة التحقيق تؤجل مؤتمرها ...
- نتانياهو يبحث مع كوشنر المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق ال ...
- لولا خلال افتتاح كوب 30: العمل من أجل حماية المناخ -أقل كلفة ...
- هانيبال القذافي يختار البقاء في لبنان مع عائلته بعد إفراج ال ...
- فرنسا تلاحظ -إشارات- جزائرية إلى -رغبة في معاودة الحوار-
- الرئيس الألماني يطلب من الرئيس الجزائري العفو عن الكاتب بوعل ...


المزيد.....

- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مروان فلو - بين مشروع أوجلان الإنساني ومشاريع الخرائط الممزقة: من أجل شرق أوسط بلا حروب