همام قباني
الحوار المتمدن-العدد: 8524 - 2025 / 11 / 12 - 22:47
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
إن من أكبر التحولات التي عصفت بالمجتمع العراقي في العقدين الأخيرين هو ذلك الانزلاق المخيف من حلم الديمقراطية المدنية إلى كابوس العشائرية الطائفية تحوّل لم يكن مجرد تبدّلٍ في أنماط السلوك الاجتماعي أو السياسي بل كان انقلابًا شاملاً على الفكرة التي وعد بها العراقيون أنفسهم بعد سقوط الدكتاتورية بناء دولة المواطنة والقانون لقد تحولت صناديق الاقتراع إلى خيام والأحزاب إلى عشائر والبرلمان إلى مجلس صلحٍ كبير تدار فيه الصفقات والقوانين المشبوهة لا القوانين العادلة صار الانتماء إلى المذهب أو القبيلة أكثر قيمة من الانتماء إلى الوطن وصار الولاء يقاس بمدى قربك من شيخ أو زعيم لا بمدى التزامك بمبادئ الدستور أو العدالة إن هذا التحول لم يحدث صدفة بل جرى تغذيته بوعيٍ سياسي منحرف أراد تحويل المجتمع من مجتمعٍ مدني ناشئ إلى مجتمعٍ منقسمٍ عموديًا حتى يسهل التحكم به فكلما تراجعت سلطة الدولة تمددت سلطة العشيرة وكلما ضعف القانون اشتد صوت الرصاص و"الصلح العشائري".
وهكذا انتقلنا من شعار "الشعب مصدر السلطات" إلى واقعٍ جديد يقول "الشيخ هو القانون" لقد قتلت الديمقراطية في العراق ليس برصاص الطغاة بل بالتواطؤ الاجتماعي والسياسي الذي جعل العشيرة بديلاً عن الدولة والطائفة بديلاً عن الوطن صارت الحقوق تستعاد بـ"بالكوامة" لا بالمحكمة والكرامة تصان بـ"السلاح" لا بالقانون والمواطنة تقاس بدرجة الولاء للهوية الفرعية لا بالمشاركة في الحياة العامة.
وما يزيد المشهد مأساوية هو تواطؤ النخب السياسية والإعلامية التي وجدت في هذا الانقسام وسيلة لضمان بقائها فبدلًا من أن تكون الدولة راعية للتنوع أصبحت راعية للانقسام وبدلًا من أن يكون السياسي ممثّلًا للشعب أصبح ناطقًا باسم الطائفة أو العشيرة.
إننا اليوم أمام سؤالٍ مرّ:
"هل ما زال ممكنًا أن نعود إلى دولةٍ مدنيةٍ حقيقية أم أن العشائرية قد أغلقت الباب نهائيًا على حلم الديمقراطية"؟
إن الأمل لم يمت لكنه يختنق يحتاج إلى أصواتٍ حرة وضمائر حية تؤمن أن الخلاص لا يأتي من شيخٍ أو مرجعٍ أو زعيمٍ طائفي بل من إرادة الناس حين يقررون أن يكونوا مواطنين لا أتباعًا.
#همام_قباني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟