أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال غبريال - محاكمة ذبيحة- قصة قصيرة














المزيد.....

محاكمة ذبيحة- قصة قصيرة


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 8520 - 2025 / 11 / 8 - 09:30
المحور: الادب والفن
    


كانت القرية القديمة قد دخل بها أهلها إلى  نفق مظلم، ساروا فيه ردحاً من الزمن، ولا يعلم أحد متى سيتمكنون من الخروج منه. . وكانت العدالة أكثر ما تأذى من الإظلام في تلك القرية البائسة، فكان أن وُضِعَ الضحايا في أقفاص الجناة، وانتصب الجناة في منصات الادعاء.. . هذا بالتحديد مماثل لما حدث في محاكمة قتلة الشمس التي أرادوا لها أن تغيب، لأنه ليس ثمة موضع للنور في قريتنا، لكن شمس د. فرج فودة كانت أقوى من أن يقهرها غروب!!
 
الواقعة دماء تخضب أحجاراً، على جانب طريق غير مطروق، وقطع من لحم مهري. مدهوس أو منهوش. . على  مبعدة هناك في قرية محاطة ببادية، يبحثون عن صبية أو فتاة، قال بعضهم اختفت اليوم، وأكد كثيرون أنها ضاعت من سنين، صعب عليهم حصرها. .  حين يتكلمون في حواري القرية الضيقة، يتخايل لهيب الصمت في ليالي الشتاء الطويلة، ويلفح كل الوجوه، يجثم هديراً، ترتج الديار الآيلة، يتقلقل الحصى الناعس في التراب، وأصداف بحرية قديمة، تروي قصة الانحسار، وانكسار الموج. . رمال عاصفة تدور وتزوم، خارج الدور المتلاصقة في الممرات المتكسرة والزوايا الرطبة، حيث تعربد الشهوات المقموعة، وتتفاقم أشباح النهار.
يتحدثون عنها كثيراً، يتصايحون. يتنهدون. يشرحون ويفسرون، يتساءلون ويَسُبَُون ويلعنون الأيام والسنين، وحين يدخلون ويغلقون عليهم أبوابهم الخشبية المتهالكة، يفترس الذكور الإناث، يتعالى الفحيح واللهاث. . تنهل الأنثى إلى آخر قطرة، بعدها تدور الدفة ربع دورة، مساومات. تأنيب وتبرير، وعود وأمان.. . أخيراً يندسون في عباءة سلطان النعاس المنشورة، حتى صياح ديكه مازالت مصرة على اللاجدوى، والفجر الكاذب.
سأل القاضي: صف ما رأيت.
الشاهد: أظنها أحجاراً ملونة بلون قاتم. يقولون دماء. . وقطع مهروسة، ربما من لحم.
القاضي: حدد إجابتك يا رجل، هل هي أحجار ملونة، أو ربما أوراق ملونة كومها بعض الأطفال؟
الشاهد: أظن. أظن يا سيادة القاضي كانت أوراقاً غير ملونة، أوراقاً قديمة. . . . .
القاضي: أمرنا بإحضار خبير الأوراق القديمة. . ليتفضل فضيلته بالشهادة. . تخصص له جلسة أو جلسات. علمه غزير، والأوراق القديمة سطورها متلاصقة، وحروفها متآكلة وخالدة.
الادعاء: نحن أمام جريمة اختطاف وقتل، ربما كان بالأمر أيضاً شبهة اغتصاب.
تغص القاعة بالحضور، مهمومون، ومنهكون. . تقترب الرؤوس، يرفد الهمس بحر الضجيج المتلاطم. . كان الخلاف عميقاً حول القضية: أيُقَسَّم لحم الذبيحة السنوية بالتساوي على كل البيوت، أم يراعى عدد النفوس بكل بيت كالعام الماضي؟
اختفت البِنَيَّة ولم نعثر لها على أثر. خمرية طويلة الجدائل. يبتسم لها الصبح، حتى وإن أطبقت عليها رموش المساء. . . .
القاضي: لماذا لم تبلغوا السلطات؟
الجمهور: الكل افتقدها يوم ضاعت، فمن يبلغ من؟
الادعاء: لا علم بذلك للجهات المسؤولة.
بذلت تلك الجهات حتماً جهداً خارقاً لتبقى خارج دائرة النور. . من النافذة انساحت الأصوات: من دا بكره. بي قرشين. . ببلاش. ببلاش. . تطغى البسمات على الوجوه المنهكة بالنقاش، وبشتات الأشواق المهدرة.
القاضي: ترفع الجلسة وتستكمل المستندات.
هو فعلها، ليس غيره. هددها وشاكسها كثيراً. . ذَكَرُ الخنزير البري ذاك. . حدثنا عنها بالطيب، فكيف يفعل ذلك؟
فعلها وسيكررها. لو حدث منه هذا وجب عليه أن . . . . لكن حتماً بالأمر سر، ربما فعلها غيره ليلصقها به، ثم لماذا تنفر منه وهو حبيبها؟
خنزير. . لا بل يحبها، وهو أسد خارج من أعماق الكهوف العتيقة. أمل ورجاء. . ألم تشاهده يوماً ينتهكها؟  بلى، لكن. لكن. كان نوعاً من الغزل العفيف. . . . سيقدمون اللحم وحده، أم فوق ثريد؟  مع الغروب سيكون الكل هناك. . وذكر الخنزير؟  هذا هو يومه.
لابد من استكمال المحضر. شهادة الميلاد. . كيف ذلك؟ لابد أنك تهذي، نحن في عصر المستندات.. لا تحدثني عن هذا، فهو خارج عن الموضوع. . الموضوع اختفاء الصبية. . لا، بل حقيقة وجودها. . وهل هذا محل شك؟  مستندياً نعم. . أ أنت حقاً لا تعرفها؟  يا جبال الصبر. أعرفها يا رجل، لكنه القانون، قانون ومستندات. . هل تطلبها المحكمة؟  بل تطلب المحضر، لكن ابرز أولاً شهادة الميلاد.
الادعاء: أقوال الشاهد متضاربة. . تفوح من أقواله رائحة إثم.. اعترف يا رجل!!
الشاهد: يا عالم، يا سيادة القاضي، يا فخامة الادعاء، ذكرت ما رأيت، لا شأن لي بما حدث.
في لحظة اختفت قطع اللحم تماماً من فوق تل الثريد. . انصرف بعضهم، وغاصت أيادي البعض تبحث في الأعماق عن قطعة لحم شاردة. . وجودها محل شك قانوني، وبالتالي واقعة الاختفاء. . كل صباح تحمل الجرة لتملأها من النهر. تستحم. تمشط شعرها. . في الطريق تسقي حشداً من العطشى والمغرمين. . من البدء تفعل، ذكر الخنزير البري. . . . . .
القاضي: اجلس أيها العجوز المخرف. . لماذا لم تستكمل الأوراق؟
الشاهد: يدعي أنها بدون شهادة ميلاد. . تشهد على مولدها الصخور والزمن. . . . . .
القاضي: صه أيها المعتوه.
الشاهد: ويشهد الزرع الأخضر والماء السلسبيل. . . . . .
القاضي: لو تكلمت بغير إذن سأطردك من الديوان الموقر.
أطايب الذبيحة كانت على الصواني في المندرة البحرية. . وضعوا لنا فوق الثريد العظم والشغت. . عيون لا يملأها إلا التراب. . ألم ينتفخ بطنك باللحم؟  بل بالثريد.
القاضي: مَنْ مِن الحضور يعرفها يقيناً؟
الجمهور: كلنا. كلنا.
القاضي: فليتقدم من يعرفها للشهادة.
. . . . . . . .
القاضي: من يعرفها فليتقدم. . من؟  من؟
كان ينقصه الكثير من الملح، وبعض البهارات، وحبذا لو كانوا قد أضافوا بضعة فصوص من الثوم، ومع ذلك لم يتبق منه لحسة لهرة.
القاضي: لم يتأكد وجودها بالدليل القانوني. . لا سند إذن لبلاغ الاختفاء. . لا يوجد أثر لمثل هكذا بلاغ بالأوراق. . أحضروا الآن من رأى الأحجار المخضبة وقطع اللحم.
الجمهور: لم يحضر اليوم.
القاضي:  يحاكم لتهربه من العدالة.
الادعاء: قدم شهادة مرضية، فقد انحشرت في حلقه عظمة من وليمة الأمس، ومازالوا يحاولون إخراجها.



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفُلك- قصة قصيرة
- موسى التوراتي بين التاريخية والأسطورة
- مختلف مقاربات الموروث المقدس
- تطور اللاهوت العبراني من التعدد للتوحيد
- معضلة مسؤولية القمة والقاعدة
- القاعدة أم القمة
- الچينات واختلاف ذكاء الشعوب
- رسالة يسوع
- قراءة في فنجان الإنسانية
- -ربّنا بالمقاس-. . عفواً د. حسام بدراوي
- مقال قديم سنوات اللاحسم
- القرن الرابع وتأليه يسوع
- حكاية لاهوت آريوس
- مع AI ورحلة نصف قرن
- أنا والذكاء الصناعي والوضعية المنطقية
- أنا والذكاء الصناعي والفلسفة الوجودية
- عندما تنتحر الحضارة
- أسطورة الناتو العربي
- عفواً أصدقائي اليساريين
- سقوط الأساطير: آدم وحواء


المزيد.....




- مصر.. علاء مبارك يثير تفاعلا بتسمية شخصية من -أعظم وزراء الث ...
- الفيلم الكوري -أخبار جيدة-.. حين تصنع السلطة الحقيقة وتخفي أ ...
- بالاسم والصورة.. فيلم يكشف قاتل شيرين أبو عاقلة
- السباق نحو أوسكار 2026 ينطلق مبكرًا.. تعرف على أبرز الأفلام ...
- إطلاق الإعلان الترويجي الأول للفيلم المرتقب عن سيرة حياة -مل ...
- رئيس فلسطين: ملتزمون بالإصلاح والانتخابات وتعزيز ثقافة السلا ...
- السباق نحو أوسكار 2026 ينطلق مبكرًا.. تعرف على أبرز الأفلام ...
- شاهد رجل يقاطع -سام ألتمان- على المسرح ليسلمه أمر المحكمة
- مدينة إسرائيلية تعيش -فيلم رعب-.. بسبب الثعابين
- اتحاد الأدباء يحتفي بشوقي كريم حسن ويروي رحلته من السرد إلى ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال غبريال - محاكمة ذبيحة- قصة قصيرة