أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ليث الجادر - حين يصبح الكيان سجنًا للوطن: دعوة إلى الكونفدرالية العراقية














المزيد.....

حين يصبح الكيان سجنًا للوطن: دعوة إلى الكونفدرالية العراقية


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8514 - 2025 / 11 / 2 - 17:11
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


من الوطن إلى الكيان

حين نُعرّف الوطن بمعناه الحقيقي، لا السياسي، نجد أنه ليس مجرد مساحة تُحدّدها الخرائط، بل هو الفضاء الذي تتطابق فيه الذاكرة الجماعية مع الوجود المادي للناس؛ أي حيث تصبح الأرض امتدادًا للذات والتاريخ معًا. بهذا المعنى، فإن ما يُسمّى اليوم بالعراق لا يمكن اعتباره وطنًا بالمعنى العميق للكلمة، بل كيان سياسي أُنشئ بقرارٍ استعماريّ صاغته بريطانيا لتأمين نفوذها في الممرّ الرافديني نحو الخليج، وجمعت فيه جغرافيتين متباينتين في التاريخ والبنية والوجدان.

فالكردي يرى وطنه في كردستان، حيث تتكوّن هويته من اللغة والجبل والأسطورة، والعربي يرى وطنه في وادي الرافدين، بوصفه امتدادًا حضاريًا لسومر وبابل والعباسيين. أمّا “العراق” ككيان سياسي، فهو محاولة إدماج قسرية بين هذين العالمين دون عقدٍ اجتماعي أو مشروع وطني جامع. ومن ثمّ، لم يكن العراق يومًا وطنًا لأحد، بل إطارًا إداريًا فُرض على وطنين تاريخيين لم يُتح لهما أن يتصالحا على هويةٍ مشتركة.

من الدولة إلى السلطة

لم يفشل العراق لأنه متنوع، بل لأنه أنكر تنوّعه. فالدولة التي أُقيمت منذ 1921 لم تُبنَ على قاعدة المواطنة، بل على مبدأ السلطة المركزية التي تدّعي تمثيل الجميع وهي في الحقيقة تمثّل ذاتها.
الدولة لم تكن يومًا مؤسسات، بل نظامًا سلطويًا يتوارث أدوات السيطرة باسم الوحدة الوطنية. وهكذا غابت فكرة الدولة بالمعنى الحديث، لتحلّ محلها سلسلة سلطات تتبدّل وجوهها دون أن يتغيّر جوهرها.

النتيجة أن الكيان العراقي لم يعرف يومًا معنى “الشرعية التعاقدية” بين مكوّناته، بل عاش على منطق الغلبة؛ غلبة المركز على الأطراف، وغلبة الهوية الرسمية على سائر الهويات.
فصار “العراق” مسرحًا للسلطات أكثر منه وطنًا للدولة، وورث شعبه ذاكرةً مثقلة بالخيبات لا بالتجارب المشتركة.

الكونفدرالية: نحو عقدٍ جديد

انطلاقًا من هذا التشخيص، فإن الدعوة إلى الكونفدرالية العراقية لا تعني تقسيم الكيان القائم، بل إعادة تعريفه على أسس واقعية وتعاقدية.
الكونفدرالية، في جوهرها، هي اتحاد بين كيانات متكافئة تتقاسم السيادة ضمن اتفاقٍ طوعيّ، بحيث يحتفظ كل طرفٍ بإدارته الداخلية واستقلاله في القرار، بينما تُدار الشؤون المشتركة باتفاقٍ متوازن لا يخضع لهيمنة أحد.

بهذا المعنى، فإن الكونفدرالية ليست انشقاقًا، بل تسوية تاريخية بين وطنين وذاكرتين.
هي انتقال من منطق الدولة المفروضة إلى منطق الدولة التوافقية، ومن وهم “الوحدة بالقسر” إلى واقعية “الاتحاد بالاختيار”. إنها الصيغة الوحيدة القادرة على تحويل هذا الكيان من محبسٍ جغرافي إلى إطارٍ للتعايش الحرّ والمسؤول.

العراق بين التاريخ والضرورة

إن الكيان الذي لم يُخلق كوطن لا يمكن إصلاحه بمنطق الدولة الواحدة.
فما لم يُبنَ على إرادةٍ حرة، لا يُمكن أن يُدار بالوصاية. الكونفدرالية ليست حيلة سياسية، بل ضرورة تاريخية لإعادة التوازن بين المكوّنات التي فُرض عليها التعايش دون عقد.
إنها السبيل لتحويل التعدّد من عبءٍ سياسي إلى بنيةٍ منتجة للتكامل، بحيث تصبح الاختلافات مصدراً للغنى لا للانقسام.

بهذا الوعي، تغدو الدعوة إلى الكونفدرالية إعلانًا لوعي جديد: وعيٍ يعترف بأن العراق لم يُخلق كوطن، لكنه يستطيع أن يُعاد تأسيسه كعقد إنساني حرّ بين وطنين متجاورين في الجغرافيا، مختلفين في الذاكرة، ومتّحدين في المصير.

استدراك: الكونفدرالية الواقعية المقنّعة

من الناحية الفعلية، الكونفدرالية قائمة في العراق منذ عقدين، ولكن بوجهٍ مشوّه. فمنذ انهيار النظام السابق، انهارت الدولة المركزية ولم تقم مكانها مؤسسات اتحادية حقيقية، بل نشأت سلطات محلية تتصرف باستقلال فعلي تحت مظلّة فدراليةٍ شكلية.

تُمارس هذه الفدرالية اليوم بوصفها غطاءً لسلوكٍ انفصاليّ لا يعترف بالمركز إلا حين يحتاجه.
فالأحزاب الكردية، مثلًا، تشارك في الانتخابات الاتحادية لا باعتبارها فعلًا ديمقراطيًا، بل كوسيلة ابتزاز سياسي تضمن استمرار استقلالها المالي والإداري داخل الإقليم. وهكذا تتحوّل الفدرالية إلى أداة شرعنة للانفصال، لا إلى وسيلة شراكة.

إن ما أدعو إليه ليس هذه الكونفدرالية المقنّعة التي تخفي الانقسام خلف واجهة الوحدة، بل كونفدرالية صريحة وواعية، تُبنى على الاعتراف المتبادل لا على المناورة، وعلى التنظيم العقلاني للعلاقة لا على فوضى التوازنات.
فهي وحدها القادرة على أن تحوّل الانفصال القائم بالفعل إلى اتحادٍ عقلانيّ مؤسسيّ بين وادي الرافدين وكردستان، بين الدولة الممكنة والوطن الغائب.



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتخابات على ضفاف دجلة... ودجلة يحتضر
- مقاطعة الدم: لماذا يجب أن تقاطع النساء صناديق القتلة
- العودة إلى الواقع — التنظيم المباشر كأساس للثورة
- تعيين مبعوث خاص إلى العراق: قراءة في الدلالات السياسية والبر ...
- الرقمنة بين سلطة العنف وسلطة الجماهير – مفارقة التوظيف التقن ...
- بين التفاؤل اليساري والصرامة الماركسية قراءة في احتجاجات جيل ...
- بين التفاؤل اليساري والصرامة الماركسية قراءة في احتجاجات جيل ...
- ملاحظة تحليلية حول مقال بن درور يميني: تقاطع في القراءة أم ا ...
- الحزب الشيوعي العراقي بين المشاركة العقيمة والمقاطعة المثمرة ...
- الاحتجاجات العراقية ودور الحزب الشيوعي العراقي: نقد الأداء و ...
- النتوء الرأسمالي – الاقتصاد الرقمي داخل جسد الرأسمالية وعلاق ...
- العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية: اختلاف تكتيك أم خلاف استرات ...
- -غزة: دورة المأساة بين الهيمنة الدولية والسلطة المحلية والأي ...
- سلامٌ ؟ في يوم ذكرى تأسيس البحريه الأمريكيه… وفي الخلفية حما ...
- البلوب والنتؤ الرأسمالي: قراءة مكملة في الذكاء البنيوي لمجتم ...
- آلية التفكير الطبقي: من الذكاء بلا عقل إلى البلوب الأمريكي
- لعبة الاستغفال ...لماذا يطالب حزب الله بالاستسلام ..وتلهث دو ...
- ثورة من خلف الشاشات: جيل Z المغربي بين المطلبية والغموض القي ...
- الناخب كفاعل مضاد للمصلحة العامة: قراءة في تشوّه الوعي الانت ...
- كوبا: اشتراكية الصمود وتناقضات الواقع الاجتماعي


المزيد.....




- البوليساريو: القرار الأممي بشأن الصحراء الغربية خطوة إيجابية ...
- جبهة البوليساريو تعتبر قرار مجلس الأمن الدولي بشأن قضية الصح ...
- بعد وقف إطلاق النار، مهامنا من أجل تحرير فلسطين
- The Woman Liberation Paradigm and the Universal Claim of the ...
- Human Rights Beyond Liberalism: ?calan’s Call for a Democrat ...
- Rejection of Imperialist Aggression and the Authoritarian Re ...
- There is No Rock Bottom: The Trump Regime’s Depravity Will C ...
- زهران ممداني.. هل يعد المرشح الديمقراطي لعمدة نيويورك النسخة ...
- الإسلام والاشتراكية في قلب أمريكا، المرشح ممداني يقترب من قي ...
- Bomber Nobel? Compare and Contrast


المزيد.....

- كراسات شيوعية(الفرد والنظرة الماركسية للتاريخ) بقلم آدم بوث2 ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (العالم إنقلب رأسًا على عقب – النظام في أزمة)ق ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الرؤية الرأسمالية للذكاء الاصطناعي: الربح، السلطة، والسيطرة / رزكار عقراوي
- كتاب الإقتصاد السياسي الماويّ / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (المغرب العربي: الشعوب هى من تواجه الإمبريالية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علم الاعصاب الكمي: الماركسية (المبتذلة) والحرية! / طلال الربيعي
- مقال (الاستجواب الدائم لكورنيليوس كاستورياديس) بقلم: خوان ما ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ليث الجادر - حين يصبح الكيان سجنًا للوطن: دعوة إلى الكونفدرالية العراقية