أسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 8513 - 2025 / 11 / 1 - 18:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ئيس مجلس النواب العراقي
يتحدث
1 )
لم تكن الأمثلة التي استشهد بها الدكتور محمود المشهداني ، رئيس مجلس النواب العراقي : موفقةً في دعم وجهة نظره القائلة : بأن العراق ينتقل بثبات من دولة مكونات إلى دولة مواطنة …
2 )
قدم السيد رئيس مجلس النواب وجهة نظره هذه في الحوار الذي أجراه معه الصحافي المعروف عماد الدين أديب على قناة العربية في الساعة الرابعة والنصف من مساء الحادي والثلاثين من اكتوبر ( تشرين الاول ) 2025 …
3 )
اول ما يكًذب أطروحة المشهداني عن مسيرة العراق الانتقالية : من دولة مكونات إلى دولة مواطنة ، هو وجود ظاهرة النزوح من منطقة جرف الصخر ومن مناطق اخرى ، اذ لا يمكن الحديث عن دولة مواطنة تجبر مواطنيها على النزوح وترك بيوتهم وأراضيهم وذاكراتهم ومشاعرهم . هذه همجية لا يمكن وجودها في دولة المواطنة ، كما ان انبعاث القبلية والعشائرية بقوة وقيامها بحل المشاكل الامنية بدلاً من القضاء : ينفي وجود هذه المسيرة ، وينفي وحودها كذلك : وجود الميليشيات المسلحة التي. لا تسمح دولة المواطنة بوجودها ابداً : وقد بلغت ( وقاحة ) هذه الميليشيات ( والتعبير لقائد ميليشيات السلام ) انها نازعت الحكومة على السيادة وخطفتها ، وهي تملك الآن السيادة الحقيقية المتمثلة بقرارات الحرب والسلام …
4 )
قطعت الكثير من الشعوب والأمم قبلنا مسيرة الصعود إلى دولة المواطنة ، لكن عبر تحولات اجتماعية وسياسية ضخمة لا تجري في السر ابداً ( وآخرها المسيرة المظفرة لنلسن مانديلا في دولة جنوب أفريقيا ) .
لا شيء يمكن ان يخفي هذه التحولات التاريخية الكبرى في عصر العولمة والأقمار الصناعية والفضائيات والثورة الإلكترونية والذكاء الاصطناعي . ان الانتقال من مرحلة التجمعات القروية ، وما يشبهها من تجمعات داخل البلدات والقصبات والمدن : يجب بالضرورة ان يترافق مع تطبيق القوانين تطبيقاً نافذاً وشاملاً ، اذ الفرق بين الاثنين من وجهة نظر حضارية يكمن في تطبيق النظام ، اذ لا يمكن لدولة المواطنة ان تسودها الفوضى ، وحين لا تتمكن اجهزة الدولة من تطبيق اهم القوانين النظامية ذات الوجه الحضاري كقانون المرور : يصبح الحديث عن نظام سياسي سائر صوب تثبيت اركان دولة المواطنة نوعاً من التزوير وتزييف الوعي …
5 )
تزوير آخر للوعي يتمثل بحديث رئيس البرلمان عن مدينة بغداد التي صورها كما لو كانت مدينة توراتية لا يسكنها الّا الشعب الذي اهدى الله له الارض . لقد حاول رئيس مجلس النواب العراقي ان يجعل من بغداد أرضاً خاصة بطائفة دينية محدد . مع ايماننا العميق بعدم وجود شاهد تاريخي واحد يثبت بان الخليفة ابو جعفر المنصور مؤسس المدينة كان قد منع غيره من سكن بغداد ؛ اذ تقول المصنفات التاريخية للمسعودي ولابن كثير بان جميع مكونات الدولة الاسلامية على اختلاف أعراقها ودياناتها كانت اصحاب حق في سكن بغداد . والتفكير بغير ذلك لا يتساوق وحقيقة العمران . ذلك ان بغداد في منطق مؤسسها هي عاصمة امبراطورية مترامية الأطراف ، من صالح نظامه السياسي التفاعل مع ما تضمه الإمبراطورية من اعراق وديانات وثقافات ولغات مختلفة ...
6 )
سكان دولة المواطنة ، احرار في التنقل وتبديل السكن لان الحراك الاجتماعي هو السمة الارأس من بين سمات المواطنين ، اما السكون واللاحركة فهما من سمات ؛ الرعايا …
7 )
بغداد في رؤية المشهداني لها : فسطاط او معسكر غزاة يرابطون بها للابد . انها - في شدة غيرته عليها من سكن الطوائف الأخرى فيها - ليست اكثر من مكان خامد ، هامد : ارتبط من الأزل وسيظل للابد مكاناً لمجموعة متوهمة اسمها البغداديون ( وهي موضة شائعة هذه الأيام تدل على تسلل التعصب الطائفي إلى وعي غالبية العراقيين ) وبدل ان تكون صفة البغدادي دلالة على التبغدد ، اي على التحضر ، شحنها الوعي الطائفي بمضمون عنصري اجوف . يسمي بعض الناس في المحافظات انفسهم ؛ تنبتية ، تمييزاً لهم عن المهاجرين من فلاحي القرى المحيطة ، وهو نوع من أنواع الوعي العنصري )
8 )
تحط هذه النظرة البدوية في ( افتراس ) المكان وامتلاكه من قيمة بغداد : اذ تجعلها ملكاً لمجموعة بشرية خيالية ( كانت بغداد في اصل تأسيسها : عاصمة أممية أوجدها العباسيون لتكون عاصمة لإمبراطورية عابرة للقارات ، فلا بد لها ان تكون - والحالة هذه - مدبنة اختلاط وتمازج وحوار ثقافات ولغات ( ألم يرد هذا المعنى في اصل تسمية : بابل التوراتية ) كل عواصم الإمبراطوريات تصبح بالضرورة مدناً : كوزموبولتية ، وهذه هي حال باريس ولندن وواشنطن في أيامنا )
9 )
هذا المنطق في تصوير مدينة بغداد : يسقط عنها مضمونها الإبداعي الذي لم يختص به المشاهدة ولا سكتة الكرخ وحدهم . ولم يختص به سكنة الضفة الأخرى من نهر دجلة ، لقد ضمت الضفتين اشهر الفقهاء وعلماء الكلام والمتصوفة والفلاسفة والأطباء : وجلهم من اصول غير عربية وينتمون إلى مذاهب إسلامية عديدة اطنب في شرحها البغدادي في : الفرق بين الفرق ، وابن حزم في : الملل والنحل ، وبمكن عد الأشعري في : مقالات الإسلاميين يصب في هذا الاتجاه . واول مَن منح اللغة العربية ديباجتها النثرية التي صارت علامة على البلاغة العربية هو الفارسي : ابن المقفع . وبهذه الصورة لا بسواها خلّدت بغداد لها اسماً في التاريخ العالمي ذا مضمون غير طائفي وغير عنصري . لا يمكن تحجيم : وتصغير هذه المدينة التاريخية بربطها بمجموعة ساكنين : لو دققتَ في نسبهم لوجدتهم من بقايا غزاة : غزو بغداد في أوقات مختلفة فمنهم : البدو الغزاة ، والصفويون الغزاة ، والأتراك والعثمانيون الغزاة . في وسط هذه البقايا من الغزاة تسود لغة التعصب الشديدة . عن ماضيهم في التاريخ وعن حاضرهم الذي لوثه الغراب بسكنهم لبغداد …
10 )
الانتقال من دولة المكونات إلى دولة المواطنة مسيرة تاريخيّة لا ينجح في قيادتها الّا ساسة من نوع مختلف عن ساسة الحكم الحاليين ومنهم الدكتور المشهداني نفسه . لا بد ان يقود هذه المسيرة سياسيون فكوا ارتباطهم بمقولات العالم القديم السياسية : كونها لا تخرج عن الإطار الطائفي العنصري . قادة هذه المسيرة وطنيون حتى النخاع ، يسترشدون في ممارستهم للسياسة بمفهوم المواطنة الذي يعني المساواة الفعلية للمواطنين في الحقوق والواجبات ، ومساواة الجنسين ، والتمسك باستراتيجية التداول السلمي للسلطة في أصعب الظروف : كما فعل عبد الكريم قاسم الذي رفض تسليح المواطنين الذين تطوعوا للدفاع عنه ضد الفاشست الانقلابيين ...
11 )
يطابق قادة هذه المسيرة الانتقالية بين الفعل والقول ، متفرغين تماماً مثل عبد الكريم قاسم للعمل من اجل دولة المواطنين ، وينظرون إلى انفسهم كموظفين يعملون بلا كلل لخدمة مشروعهم الوطني في بناء دولة المواطنة ، ويحرمون على انفسنم استغلال مناصبهم : فأيديهم نظيفة من ( سرقات القرن ) المليارية ، بسطاء لا يثرثرون كثيراً كمحدثي النعمة ، ولم يستولوا على عقارات الدولة وبيوت المواطنين ( في الاسبوع المنصرم قاد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بشخص رئيس عشيرته " دگة عشائرية " في قلب بغداد ، وقبلها بيومين كان يستعرض مع مستشاريه فديو عن امرأة عراقية صوروها بطريقة لا اخلاقية لمجرد ان زوجها من المعارضة ) ..
12 )
ان الارتقاء بالمجتمع العراقي من مرحلة المكونات إلى مرحلة ذات تنظيم عقلاني ارقى : تتطلب عبور مرحلة انتقالية وسطى ، يكون فبها العراقيون قد انجزوا ثورة ثقافية ، تنطلق من قواعد المكونات الثلاثة الشعبية : تبدأ بالاحتجاج العلني ضد النظام السياسي الذي اصابهم بأذىً شديد نتيجة اعتماد سياسة طائفية محاصصاتية : وأنهم يطالبون بتجاوزها وازالة كل العقبات التي تحول دونهم ودون توقهم العظيم إلى عبور مرحلة تحولهم من رعايا إلى مواطنين . لم نسمع او نر بمثل هذه الثورة الثقافية ، ولم نسمع او نرى وجود مجموعات تنسيقية تنتشر في مختلف أماكن المكونات الثلاث ، وتنقل للعالم الخارجي الفعاليات الثقافية التي يقيمها المواطنون العراقيون على طول نهري دجلة والفرات وفروعهما : فعاليات تعبر عن توقهم إلى الانعتاق من فكر عصور التردي والهزيمة وضيق الأفق الطائفي ، وتطلعهم إلى دستور جديد ديمقراطي فيدرالي : حقيقي لا شكلي …
13 )
وبالتأكيد ستنتج هذه الثورة الثقافية أحزابها الوطنية التي ينتمي أعضاؤها لمختلف المكونات ببرنامج وطني واضح يشير إلى ان العقبة الأساسية التي يجب ازالتها للتحرر تتمثل بالإقدام على ازاحة الطبقة السياسية الحاكمة …
14 )
تسبق الثورة الثقافية ؛ تبلور وعي سياسي جديد مناقض للطائفية السياسية : يجسده المواطنون عبر ممارسات جماعية تعبيراً عن توقهم للخلاص من العصبية الطائفية ومن التعصب القومي عبر زواج جماعي متبادل او عبر علاقات اقتصادية مشتركة وعبر مشاريع ثقافية وفنية والاحتفال المشترك بمناسبات دينية او فلكلورية بحيث تتم صناعة مناسبات تكون رصيداً رمزياً للوحدة الوطنية …
15 )
ولاننا لم نلمس وجود ما يشير إلى توجه المواطنين إلى عبور المرحلة فإننا نعتبر اجابات رئيس البرلمان العراقي مجرد حنكة دبلوماسية وتغطية على واقع فاسد تماماً ( أشار اليه هو شخصياً مرات عديدة ) لمصلحة بفائه قائداً روحياً ( كما أشار إلى ذلك في المقابلة ) للكتل الثلاث السنيّة ( وليس لاحزاب دولة المواطنة التي تترفع عن منطق التناقضات …
31 / 10 / 2025
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
الفيسبوك
التويتر
اليوتيوب
الانستغرام
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
