أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماعيل شاكر الرفاعي - حل بيولوجي للصراع















المزيد.....

حل بيولوجي للصراع


اسماعيل شاكر الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 8498 - 2025 / 10 / 17 - 10:07
المحور: الادب والفن
    


حل بيلوجي للصراع

[ سجِّل أنا عربي ورقم بطاقتي خمسون ألف
وأطفالي ثمانية ، وتاسعهم سيأتي بعد صيف ]

1 )
هذه القصيدة المعمدة بهموم محمود درويش الوطنية : هي واحدة من روائع الشعر العربي الحديث ، متألقة كعموم شعره الذي تمّ الاحتفاء به عربياً في وقت مبكر : ربما قبل غيره من أصوات ( شعراء المقاومة ) وقد وعى محمود سلبية هذا التمجيد الذي احاطت به الثقافة العربية الرسمية : شعرَ المقاومة ( وهي ثقافة قهر واستبداد ذكوري ) فأطلق صرخته الشهيرة : انقذونا من هذا الحب القاسي …
2 )
تنتمي قصيدة درويش : " سجّل أنا عربي " إلى الزمن الثوري الذي كانت فيه المقاومة الفلسطينية تمثل - الأمل بالخلاص من عار الاحتلال , وبؤس الحياة في ظل أنظمة الهزيمة والاستبداد .
في ذلك الزمن الثوري ( ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم ) كانت دلالة الثورة تعني : التصميم على الخروج من التبعية السياسية والاقتصادية ، وطرد ظلام الجهل بنور العقل ، والتخطيط بوعي للحاضر والمستقبل من قبل أنظمة سياسية وصلت إلى السلطة سلمياً عبر آلية الانتخابات : قبل ان ينتشر - منذ نهاية سبعينيات القرن المنصرم معنى آخر للثورة : قفل الأبواب بوجه التفكير بالحاضر والمستقبل ، داعياً إلى الهروب من نور العقل ، والبحث في ظلام الماضي عن حلول لمشاكل الحاضر ، وتكفير كل مَن لا يوقر حاكميه ( اولي الأمر ) ويدعو لهم بالحكم الأبديّ …
3 )
ولجَ محمود درويش بعد كتابة قصيدته " سرحان يشرب القهوة في الكافيتريا " . مرحلة شعرية جديدة اتسمت : بالنفس الملحمي المشوب بالقلق والتساؤل والحس النقدي ، وبالتأمل المصاغ بلغة مجازية متوهجة : اختفت منها نبرة الوعيد ومفردات الفعل الدموي المباشر :
[ وآكل لحم … ] ، وجاءت ترفل بلونٍ شعريّ جديد مستمد من ثقافة الشاعر الفلسفية التي أعانته على استعارة الدعابة السوداء الواردة في شعر الحارث بن وعلة : ( قومي همُ قتلوا أميم اخي
فإذا رميتُ يصيبني سهمي ) وذلك في قصائده بعد أيلول الأسود 1970 ، وما نتج عنه من ترحيل للمقاومة الفلسطينية إلى بيروت ، ثم انكسارها الثاني في بيروت وترحيلها إلى تونس 1982
4 )
في تلك المرحلة الثورية ( قبل الانكسارات المتلاحقة التي ستتوالى على منظمات التحرير منذ عام 1982 ) كان شعراء المقاومة يكتبون بلغة قريبة في دلالاتها من لغة الخطاب اليومي للناس ، فكانت قصيدتهم تتميز بالوضوح والمباشرة اللتيْنِ هما صفتان من صفات الحكي اليومي ، وليس من صفات الوعي الشعري الذي يتوهج كلما عبَّر عن افكاره بصور شعرية تعتمد المجاز والإيحاء والرمز . وهذا ما واجهته قصيدة محمود درويش : سجِّل أنا عربي ، التي تنتمي إلى المرحلة الثورية التي برع فيها محمود : في صياغة قصيدة مقاوِمة تتناص بعمق مع ما يحمله المحكي اليومي من أمثال وافكار وشحنات ثورية : اذ ان التناص - خاصة مع الذاكرة والموروث - يحمل في احد جوانبه خطر تحويل ما ترويه الذاكرة الشعبية من حكايات وأمثال وقناعات ، إلى حقائق علمية مُبرْهَن عليها : وهو ما حدث للقناعة الشعبية التي تُمَجّدُ رحم الأم ،( وتوحي بان لا خوف من كثرة التضحيات ) اذْ حوَّلتها قصيدة محمود درويش إلى واحدة من حقائق الموروث العلمية الكبرى ، خاصة وان الموروث روى لنا سردية : تمجيد كثرة الولادات مصحوبة بحديث نبوي : ( تكاثروا فاني مباهٍ بكم الامم يوم القيامة ) ومحمود افتخرَ بهذه القناعة الشعبية وجعلَ منها ( وهي ليست اكثر من وهم ) الترياق والأمل الضامن لانتصارنا على عدونا : بل ان صوت الراوي في القصيدة وهو يلَّوحُ بالمستقبل المشرق الموجود كامكانية يحملها رحم الأم الفلسطينية - يعلن بوضوح : عن سر الفلسطيني في هذه المواجهة التاريخية مع الصهيونية : الذي يتمتع بقوّة غريزية تحملها بصمات الأم الوراثية : نتغلب فيها - لكثرة ولاداتنا - على ما يتمتع به العدو الصهيوني من تفوق علمي وتكنولوجي …
5 )
جاء ادخال محمود درويش لهذه الرؤية في صلب قصيدته ، منسجماً مع بنيتها الداخلية القائمة على الحوار الداخلي والتداعي الحر لراوي القصيدة : فأضاء مقطع القصيدة هذا بوضوح اعماق الشخصية الفلسطينية التي تنطوي على تفاؤل مدهش ، نابع من هذه القناعة : مع ان كل الاستراتيجيات العسكرية لتحرير الارض : كانت نتيجتها سلبية في الممارسة العملية ، ( كما لو كانت مصممة على الإنتحار الذاتي وتدمير الشعب الفلسطيني معها )
6 )
يدور الصراع في القصيدة داخل فلسطين : بين السكان الأصليين وبين دولة الاحتلال ، فهي لا تصوّر وقائع حرب ومعارك وأزيز رصاص ودوي مدافع ودخان قنابل وانهيار أبراج وبيوت وعمارات ، انما هي تصور مونولوج داخلي لفلاح فلسطيني يروي بالنيابة عن جموع الفلاحين الفلسطينيين : ما جرى لهم من عمليات مصادرة للأرض وللمزارع ، وغضبهم على ما جرى : لكن درويش وهو مأخوذ بإيقاعات قصيدة غاضبة لم يفسح في قصيدته مكاناً للحضور الأنثويّ …
7 )
جعل محمود درويش القصيدة تجري على لسان رب عائلة ، بلغة قريبة من فهم الناس العام ومُحببة إلى نفوسهم : يسرد رب العائلة هذا ( بطل القصيدة ) خلفيته التاريخية والمهنية ، ويسرد مواقفه في تحدي الاحتلال وشجاعته ، وتصميمه على جعل مسار الاحداث يجري لصالحه : ويصور ثقته بالنفس وبما يقول كما لو كان يحمل إرادة اله كلي القدرة : قادر على ان يجعل انتصاره حقيقة مؤكدة ، وهو يتحدث عن التآزر الشامل للطبيعة والتاريخ معه : لكن من غير حضور لاي مَعْلَم من معالم الحضور الأنثوي : كما لو ان الكفاح الذكوري لا بمكن ان يحقق نصراً : بمشاركة المرأة ، وانه يمكن له ان يبلغ الغاية من المقاومة والنضال ( تحرير الارض ) من غير مشاركة وحضور للأنثى …
8 )
لم تراعِ القصيدة : ثقافة المكان الذي يجري فيه الحدث الأكبر : حدث النضال ضد الاحتلال : وما يضفي حضورها على الحياة من جمال في مكان جغرافي : اضفى فيه حضور المرأة جمالاً اخاذاً في جمبع الفترات الحضارية السابقة على ولادة الاديان بثلاثيتها المعروفة : أ - آلهة سماوية منفصلة ، ب - ترسل رسلاً وأنبياء بشرائع ، ج - إلى شعوب مختارة هي مجموعة قبائل بدوية ( ولكن الشرائع والرسالات السماوية ستصبح - ما ان تتمكن هذه القبائل من السلطة ، وتتوسع حدود سلطاتها - موجهة إلى البشرية جمعاء ) …
9 )
لقد لعبت آلهة الحب والجمال في فلسطين ، وفي عموم منطقة الهلال الخصيب والشرق الأوسط ( عشتار وأدون وأدونيس وافروديت ) دوراً عظيماً في جعل الحياة ذات معنى . ومع ان القصيدة تتضمن الرؤية التي تجعل من خصب رحم المرأة : سر قوة الامة الفلسطينية وهيبتها : الّا ان صوت الراوي في القصيدة أمعن في اخفاء المرأة وحجب صوتها عن التباهي - هي لا هو _ بكثرة ولاداتها ، فالقصيدة من أولها إلى آخرها يرويها الذكر ( وهو طرف واحد في معادلة الإنجاب التي يفتخر من خلالها بالمستقبل …
10 )
ومن هذه الزاوية : زاوية حل تناقضاتنا مع اعدائنا بتكثير النسل والاعتماد على البيولوجيا والوراثة لا على التجديد والإبداع : تجمد الصراع مع العدو الصهيوني اولاً ثم تراجعَ دور المقاومة الفلسطينية فيه ( وكانت وطنية ) إلى دور مختزَل في تنظيمات دينية ( مبنية على العصبية الطائفية ) . وهكذا ، ومع كل كارثة تجلبها الى الفلسطينيين هذه المنظمات السلفية يتذكر البعض خصب رحم المرأة وكثرة ولاداتها فيتغنون مع محمود درويش بنشيد كثرة العدد :
سجِّل أنا عربي
ورقم بطاقتي خمسوا الف
وأطفالي ثمانية
وتاسعهم سيأتي بعد صيف



#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مضمون التضحيات في خطاب خالد مشعل
- فرحة اهالي غزة يجب ان تكتمل
- غالب الشابندر
- حين يتواضع الطغاة
- عالم الاجتماع علي الوردي ، وبرنامج : - سجال
- قطر والإخوان وقنابل اسرائيل
- قبائل البدون ومؤتمر التضامن
- اعرف عدوّكَ اولاً
- إمارة قطر مثل الجمهورية الإسلامية :بلا غطاء جوي
- الحشد الشعبي : ظاهرة من ظواهر التخلف
- وصاية الإطار التنسيقي ونتيجة الانتخابات الحرة
- خناق زعاطيط البرلمان العراقي
- حول دعوة الفصائل المسلحة ( الوقحة ) لتسليم سلاحها
- الاخوة في الفن : فكرة عبّد الله سنارة
- سياسة حماس التافهة
- ثورة 14 تموز
- لقحوا سياساتكم بشيء من الإنسانية
- في الذكرى السنوية لعيد ميلادي في الاول من تموز
- نصوص : اولاً ، نص القصيدة
- أطراف الحرب الثلاثة : مَن المنتصر ؟؟


المزيد.....




- ورشة برام الله تناقش استخدام الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار ...
- أسماء أحياء جوبا ذاكرة نابضة تعكس تاريخ جنوب السودان وصراعات ...
- أنقذتهم الصلاة .. كيف صمد المسلون السود في ليل أميركا المظلم ...
- جواد غلوم: الشاعر وأعباؤه
- -الجونة السينمائي- يحتفي بـ 50 سنة يسرا ومئوية يوسف شاهين.. ...
- ?دابة الأرض حين تتكلم اللغة بما تنطق الارض… قراءة في رواية ...
- برمجيات بفلسفة إنسانية.. كيف تمردت -بيز كامب- على ثقافة وادي ...
- خاطرة.. معجزة القدر
- مهرجان الجونة يحتضن الفيلم الوثائقي -ويبقى الأمل- الذي يجسد ...
- في روايته الفائزة بكتارا.. الرقيمي يحكي عن الحرب التي تئد ال ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماعيل شاكر الرفاعي - حل بيولوجي للصراع