عبدالله بولرباح
كاتب وباحث
(Abdellah Boularbah)
الحوار المتمدن-العدد: 8512 - 2025 / 10 / 31 - 02:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
جيل Z، خوارزمية مفتوحة على احتمالات لا تحصى، تستحضر القلق الوجودي والبحث عن المعنى، لكنها في الوقت ذاته تعكس، من زاوية نظر معاصرة، ملامح جيل يعيش تحولات رقمية واجتماعية وسياسية عميقة.
إنها حركة تسائل الهوية، لا بمعناها الفردي فقط، بل بوصفها هوية جيل بأكمله يفتش عن موقعه في وطن وفي عالم سريع التغير.
جيل Z إحالة إلى فضاء الحوسبة السحابية (cloud) الذي يحتضن اليوم ذاكرة العالم الرقمي، تلك الذاكرة التي تسير بخطى حثيثة لتصبح ذاكرة العالم نفسه، جوهر الذاكرة الإنسانية والحضارية المعاصرة.
إنه جوهر التحول العميق الذي يميز جيل Z، الجيل الذي ولد وترعرع في حضن التكنولوجيا الرقمية، حتى غدا أثر فكرة آتية من رأس "غيم" إلكتروني أعمق في وجدانه من أثر سماء الطبيعة. لقد صار"الغيم" الرقمي يؤثث فضاءه الداخلي أكثر مما تفعل غيوم المطر او أنوار القمر، كأنه استبدل رومانسية الطبيعة برومانسية الرقمنة.
ولعل ما ذهب إليه الفيلسوف الفرنسي ميشيل سيريس يضيء هذا التحول بعمق لافت، إذ يرى أن حضارتنا الحديثة انطلقت مع اختراع الطباعة وانتشار الكتاب والقراءة، مما أدى إلى تنشيط مناطق جديدة في دماغ الانسان، ومع ظهور الرقمنة وتوسعها ستنشط مناطق أخرى، إيذانا بميلاد حضارة جديدة. وبحسب هذه الرؤية، نحن اليوم نشهد أفول شمس حضارة الطباعة وبزوغ فجر حضارة الرقميات، وهي النقلة التي يجد فيها جيل Z نفسه في صميم الحدث، بل في قلب التحول البيولوجي والمعرفي ذاته.
جيل Z ، أيضا مرآة لخيبات النداءات الوطنية المتواصلة منذ الاستقلال، التي لم تجد صدى لها في آذان من بيدهم السلطة والقرار.
إنه صدى لتلك النداءات، التي طالما رفعتها القوى الحية بالبلاد من أجل الكرامة والحرية والديمقراطية، وصوت انتظار طويل لفجر لم يأت بعد... انتظار طال حتى فقد ذاكرته.
حركة جيل Z تختزل وعيا جيليا مأزوما باللايقين، فالشباب اليوم لا يثق في الطرق التي سلكها من قبله، ولا يشعر أن الخطى الموروثة تعبر عنه.
إنه وعي نقدي وتمردي في الآن ذاته، يرفض القوالب القديمة، والسرديات المتآكلة، ويبحث عن طريق جديد لم يرسم بعد، ويبني سرديات مختلفة.
تجربة جيل Z بعمقها الرمزي وحسها الغائم، هي تجربة جيل يعيش بين العوالم: بين الغيم الرقمي المفتوح على العالم والواقع الاجتماعي المأزوم، بين الأمل والخذلان، بين الذاكرة والنسيان.
إنها ليست فقط حركة مفتوحة على كل الاحتمالات، بل هوية في طور التشكل، جيل يحاول أن يكتب سطره الخاص في نص الوطن، بعد أن ضاقت به هوامش النصوص السابقة.
#عبدالله_بولرباح (هاشتاغ)
Abdellah_Boularbah#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟