أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناجح شاهين - بين الفساد البنيوي والفساد العارض















المزيد.....

بين الفساد البنيوي والفساد العارض


ناجح شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 8509 - 2025 / 10 / 28 - 12:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(الفساد في الدول العربية بما فيها السلطة الفلسطينية فساد بنيوي علاجه سياسي، لا قضائي ولا إداري).
قبل الثورة الرأسمالية الحديثة في بريطانيا ثم فرنسا، كانت الحياة الاقتصادية تحت الإشراف المباشر للحياة السياسية. كان الملك أو السيد الأقطاعي يملك الآرض والمنتجين الذين يعيشون عليها على نحو صريح، مثل الحالة العبودية وبدرجة ما الإقطاعية، أو بشكل نصف صريح مثل حالة الإنتاج الخراجي في الدول العربية الكبيرة مثل دولتي العباسيين والفاطميين. (يشيع في كتب التاريخ قول معبر لهرون الرشيد: اذهبي أيتها الغيمة حيث شئت، فأنى ذهبت، فإن خراجك إلى جيبي).
تغير الوضع في الزمن الحديث على نحو حاسم حرر المنتج من سيطرة السياسي باستقلال الحياة الاقتصادية "تماماً"، ووضعها في نطاق الحيز الخاص الذي لا يجوز للدولة أو الموظف العمومي انتهاكه، إنما واجبه الأول هو الدفاع عنه وحمايته من اعتداء الآخرين. هكذا أعلنت الدولة التي تخدم البرجوازية أن دورها الأقدس هو حماية الملكية الخاصة ورعايتها والسماح لها بالنمو والحركة والتنقل والمناورة كما تشاء وتشتهي.
في ظل هذا النظام الجديد يدفع المنتجون الضريبة للدولة لكي تقدم الخدمات والسلع العمومية، وتستعمل العنف الذي تحتكره لحماية المواطن من التهديدات الداخلية والخارجية. غني عن البيان أن هذا الشكل من الحكم لا يترك في يد الموظف الكثير من الثروات ليقتطع منها ما ينمي ثروته أو ثروة أسرته. ويذكر بعضنا دون شك أن دونالد ترامب تبرع براتبه في دورته الأولى للدولة معبراً عن زهده في ذلك الراتب الذي لا يسمن ولا يغني من جوع قياساً لثروته الطائلة. أما عندما يكون الحاكم "فقيراً" فإن توقه إلى "تحسين" وضعه قد يدفعه في هذه الحالة إلى تلقي بعض الهدايا من الأغنياء لسبب أو لآخر، وهو ما يميز القادة الإسرائيليين على سبيل المثال كثيراً.
في بلاد العرب، خصوصاً البلاد التي تعتمد على الريع، يبدو أن المواطن لا ينتج القيمة. ويعيش معظم الناس على الراتب الذي يتلقونه من الدولة التي تأتي لهم بالمال من المساعدات الخارجية (مثل السلطة والأردن والسودان..الخ)، أو من ريع النفط الذي تبيعه الدولة وتشتري بثمنه كل شيء. المواطن هنا "لا ينفق" على الدولة، وإنما هي التي تنفق عليه. ولذلك لا تبدو قضية الفساد حساسة كثيراً في هذه الأنظمة.
الأموال العامة تأتي هنا إلى البلد بجهد الدولة التي "تبيع" أوروبا وأمريكا موقفاً سياسياً وتقبض ثمنه رواتب للأمن والصحة والتعليم...الخ. هذا هو السيناريو الذي تعيشه مناطق السلطة. ولأن "المنتج" الذي لا وجود له لا يتعرض لسرقة إنتاجه، فإن الاحتجاجات تظل ضعيفة، إذ تقوم "الدولة" باقتطاع جزء من المال الذي تحصل عليه من الخارج ثمناً لجهدها أو أتعاباً لها إن شئنا استخدام لغة المحامين.
يشمل الفساد أشكالاً متعددة من قبيل الرشوة والابتزاز والمحسوبية، ومحاباة الأهل والمعارف والعشيرة السياسية أو الطائفية، وإساءة استخدام النفوذ، وانفاق المال على الأتباع والموالين، والكسب غير المشروع ، والاختلاس. ويمكن له أن ييسر العمل الإجرامي مثل الاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال والاتجار بالبشر . أخيراً يعد استخدام قوة أجهزة الدولة لأغراض أخرى غير تطبيق القانون وحماية حدود الوطن، مثل قمع المعارضين السياسيين ووحشية الشرطة فسادًا سياسيًا أيضًا. إذن دعونا نعرف الفساد بشكل مبسط بأنه حصول الفرد على منافع أو أموال ما بسبب وجوده في موقع أو وظيفة عمومية، دون أن يقدم عملاً نظير ذلك. ونقصد بالعمل هنا أي نشاط مدر للدخل في سياق الاقتصاد الرأسمالي المعتاد من قبيل الوظيفة أو التجارة..الخ. لكن الأمر الأخطر بمقدار كبير في السياق الفلسطيني هو الفساد المؤسسي أو الفساد البنيوي أو ما نحب تسميته بالفساد بالجملة.
هنا يواجهنا فساد ينخر في أساس وجود بعض المؤسسات السياسية أو الاجتماعية الكبرى من قبيل أجهزة الحكومة ذاتها ومنظمات "المجتمع المدني".
فالسلطة تتلقى تمويلاً لا بأس به من جهات دولية مانحة دون أن تقدم نظير ذلك أية خدمة اقتصادية "بيزنس" أو أية سلعة مادية واضحة. لذلك لا مناص من القول بأن المانحين الدوليين إنما يعطونها المال لقاء الموقف السياسي. هذا ريع سياسي، وهو فساد بامتياز: حصول على المال بفضل الموقع الذي يحتله الفرد أو المؤسسة والذي يؤهله للقيام بأمور يرضى عنها المانح الأجنبي. بالطبع يسمح ذلك لنا بالاستتاج بأن السلطة ليست في وضع يسمح لها ب "محاربة الفساد".
وهذا ينطبق على منظمات المجتمع المدني التي تتلقى التمويل الأجنبي دون استثناء: إنها لا تعمل للممول شيئاً في بلده، وإنما تعمل في مجتمعنا المحلي وفق أجندات الممول، فهي إذن تقدم موقفها ثمناً للتمويل. ومثل السلطة لا يسمح وضع "المجتمع المدني" من ناحية طريقه حصوله على المال مبدئياً بأن يحارب الفساد.
من الواضح إذن أن جزءاً رئيساً من الطبقة "البرجوازية" المتكونة في هذا السياق إنما نما بفضل الفساد الذي ما كان له أن يولد بدونه. وليس لدينا هنا أية معلومات بحثية حاسمة بخصوص نسبة هذه الشريحة من مجمل مكونات الطبقة البرجوازية، ولكننا نظن أنها نسبة كبيرة، وعلينا أن نتذكر أن جزءاً كبيراً من "البزنس" الرأسمالي منذ "أوسلو" ارتبط أيضاً بالفساد على نحو عميق، ومن ذلك الشركات التي احتكرت أسواقاً مضمونة الربح كالهاتف والاتصالات والأنترنت والسجائر. بل إن شركات تعمل في البناء والمعمار حققت أرباحاً خرافية بالارتباط بالفساد بالذات وعلى نطاق لا يستهان به.
ما قلناه مبسطاً في الفقرة السابقة يوضح أن الفساد هنا ليس فساداً عارضاً يشبه الذي وقع فيه نتانياهو على سبيل المثال، متوهماً وداعياً الله أن لا يتم اكتشاف أنه تلقى صندوقاً من النبيذ الفاخر أو علبة سيجار..الخ. نحن هنا في مواجهة طبقة أو شريحة كبيرة من طبقة برجوازية ولدت وترعرعت وتمارس هيمنتها بالشراكة التامة مع الفساد الذي لا حياة لها بدونه. وبهذا المعنى فإننا في مواجهة مشكلة حلها يشبه الحل الذي قدمته الثورات الكبرى الفرنسية والروسية والإيرانية وليس "هيئة مكافحة فساد" لا تملك لنفسها قبل غيرها ضراً ولا نفعاً. خصوصاً أنها تقدم تقريرها إلى الملك أو الرئيس أو الزعيم الذي يشكل القائد الفعلي والرسمي للنظام كله وللطبقة التي تقود البلاد والتي يعود الفضل في وجودها إلى بنية الاقتصاد الفاسد ذاته.



#ناجح_شاهين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيان لستك والعقلانية السياسية الفلسطينية
- أوسلو والحالة الفلسطينية الراهنة
- الدولة وخطايا المقاومة
- محور المقاومة يخسر المعركة الايديولوجية والإعلامية
- المقاومة بين بؤس الواقع وبؤس التحليل
- كيف أمكن لإسرائيل أن تمارس الإبادة وتجهر بالترانسفير؟
- معالجة البانيز للقضية الفلسطينية
- قراءة في العدوان الصهيوأمريكي على إيران
- المواجهة الإيرانية مع الحلف الصهيوأطلسي: المحددات والآفاق
- الإنسان السوي، الذي لا يفكر، وضرورة الحزب والقائد الكاريزمي
- العيوب الاستراتيجية للنظام الأسدي
- أوسلو، كورونا، سوريا والتلاعب بالوعي الشعبي
- الفساد وقمع الحريات في سوريا البعث
- مصر السيسي ونمط الإنتاج الكولونيالي
- ترامب والدولة العميقة
- نقد مغامرة حماس
- ترامب والاستراتيجية الأمريكية الجديدة في مواجهة الصين
- الديمقرطية بين أمريكا وسوريا
- هل انتصرت غزة؟
- في انتظار دونالد ترامب


المزيد.....




- لقطات مهيبة.. كاميرا ترصد شكل عين إعصار ميليسا من الداخل
- -تأملوا تاريخكم العدواني-..الصين تحث اليابان على احترام مخاو ...
- -لم يُعرف عنه قط أنه أينشتاين-.. مشرعة ترد على ترامب ووصفه إ ...
- إليسا تتألق بفستان فضي على مسرح أبو بكر سالم في الرياض
- شقيق شيرين أبو عاقلة: تقرير جديد يكشف تستّر واشنطن على مقتله ...
- من الأرز الأمريكي إلى مضرب الغولف.. كيف كسبت تاكاتشي ودّ ترا ...
- هل تقف فرنسا وراء قرار -اليونيفيل- إسقاط مسيّرة إسرائيلية في ...
- هل سيصدر ترامب أمراً بالإفراج عن البرغوثي؟
- إسرائيل تتحدث عن تسلمها -جثة كاذبة- من حماس
- بعد قضية الجثة.. بن غفير يوجه لنتنياهو -طلبا- بشأن حماس


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناجح شاهين - بين الفساد البنيوي والفساد العارض