أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ناجح شاهين - المقاومة بين بؤس الواقع وبؤس التحليل















المزيد.....

المقاومة بين بؤس الواقع وبؤس التحليل


ناجح شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 8430 - 2025 / 8 / 10 - 14:01
المحور: القضية الفلسطينية
    


السابع من تشرين شهد ما هو غير قابل للتخيل: اختراق واسع للمقاومين على نحو لم يسمع للعرب أن فكروا في فعله، ولا بد أن حرب 73 ومواجهة تموز العظيمة لم تكونا بهذا المستوى. ولسنا نبالغ إن قلنا إن المقاومة نفسها قد تفاجأت من حجم النجاح المبهر للعملية.
ما جرى بعد ذلك أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن فعل المقاومة لم يكن صدفة، أو حسن طالع ناجم عن انشغال العدو باحتفال أو عيد أو "سكرة"، فقد صحا العدو من سباته وصب جام غضبه وهيجانه موظفاً قدرات الاستعمار العالمي بكل "تكامله وتفاضله الذريين". لكن المقاومة برهنت على حسن استعدادها وشجاعتها وإبداعها الذي يتفوق على ما كان بإمكان أي محلل أو عالم علماء السياسة أن يتوقعه.
على الرغم من ذلك كانت المقاومة تعرف مثلما يعرف العلماء الحقيقيون والمزيفون أن "ساعة الحقيقة" لا بد أن تأتي بعد أسابيع أو أشهر لتعلن أن الماكينة الصهيوأمريكية الضخمة قادرة في النهاية على إلحاق خسائر مريعة بغزة مقاومة ومدنيين على السواء. أما ما كانت المقاومة تجهله، وكنا نجهله جميعاً فيما أحسب، فهو السياق الموضوعي الواقعي البائس الذي لا يحضرنا مثال يشبهه على الإطلاق. ألم يقم العرب بقطع النفط عن الغرب في سياق حرب تشرين 73؟ ألم يفتح الجيش السوري مخازنه للمقاومة اللبنانية في مواجهة تموز لتأخذ منها ما تشاء دون عد أو حساب؟ ما حصل أن المقاومة تعرضت لخذلان شامل على المستويات كلها، وتقديرنا أنه لم يكن بإمكان قيادتها توقع ذلك على الإطلاق.
حسناً لنقل صراحة: إن أحداً باستثناء المقاومة اللبنانية لم يمد يده بشيء لنصرة غزة ومقاومتها، بل إن فعل المقاومة اللبنانية ذاتها لم يكن فعلاً مؤثراً ميدانياً، وإن كان مؤثراً سياسياً ومعنوياً. دعونا نستعرض الخيبات الواقعية التي لم يكن بمقدور القائد أبوإبراهيم أو غيره توقعها، لأن أحداً في العالم كله لم يكن قادراً على ذلك:
1. ردة الفعل الشعبية العربية عموماً والفلسطينية خصوصاً: باستثناء اليمن الذي تتحرك جماهيره بتوجيه من قيادتها السياسية، فإن الجماهير العربية سلكت سلوكاً يجسد حالة الإحباط المنتشرة منذ فشل "الربيع العربي" الذي جلب ويلات ساهمت في "إقناع" الناس بأن الآمال في التغيير الإيجابي هي أوهام غبية بعد أن تحولت الأحلام إلى كوابيس في مصر وليبيا وتونس وسوريا والسودان...الخ. كأنما تم إلحاق هزيمة نفسية كاملة بالمواطنين العرب من المحيط إلى الخليج. ولكن ما طم الوادي على القرى هو حالة الذعر التي أصابت المواطنين الفلسطينيين في الداخل وفي الضفة على السواء. وأظن أن اسرائيل نجحت نجاحاً كاملاً بإسناد أمريكي وأوروبي صريح في إيصال رسالة فحواها أنها وحش ينزف ويلعق دماءه، وأنه قادر على الفتك بمن يتنفس أو يرفع صوته مهما كان فعله هامشياً أو ضيئلاً.
2. الموقف الدولي: في مشهد يذكر بما تعرض له العراق سنة 1991 "تفاجأت" المقاومة بل تفاجأنا جميعاً من استمرار الهيمنة الأمريكية التي لا ينازعها منازع. وقد بدا خصوصاً في الأشهر الأولى بعد الطوفان أن العالم الرسمي كله يلتمس لإسرائيل العذر في ممارساتها الوحشية، وهناك جزء رئيس من العالم "الأول" كان يساندها دون قيد أو شرط، خصوصاً ما يتصل بأوروبا كلها شرقاً وغرباً وشمالأ وجنوباً، وكذلك شمال أمريكا واليابان والهند. وقد ظهر جلياً منذ البداية عدم وجود إسناد حقيقي لغزة بعدما تراجع وزير خارجية إيران عن تحذيراته بأن "الوقت قد انتهى"، وتراجعت المقاومة اللبنانية عن قرار نرجح أنه اتخذ بالفعل للتدخل، لكن مشاورات حاسمة مع طهران أدت إلى إلغائه. هل كانت المقاومة في غزة تتوقع فتح جبهة من لبنان؟ نرجح أن ذلك هو واقع الحال الذي كان يتوقعه الإسرائيلي نفسه.
ما يزيد الطين بلة هو عدم القدرة على فهم حجم الانحياز الروسي لإسرائيل أو، على الأقل، عدم المبالاة الروسية تجاه القضية الفلسطينية على نحو كامل. كان الناس عموماً غارقون في وهم أن روسيا مع العرب وأنها تواجه الغرب بمن في ذلك اسرائيل على نحو نشط واستراتيجي. وكانت المواقف التي أطلقها لافروف في سياق الدفاع عن سوريا قبل العام 2020 تشي بولادة قطب جديد، كما أن المواجهة في أوكرانيا عمقت العداء الروسي/الأطلسي. وقد كانت محاولاتي لبيان ما أسمتيه منذ بداية العملية الأوكرانية "حدود القوة الروسية" تتلقى الاستهجان من المثقفين المؤيدين لمحور المقاومة والمعادين للاستعمار الأمريكي على وجه الإجمال. لذلك لا نستبعد أن قيادة المقاومة قد أعطت لروسياً دوراً أكبر عندما وضعت السيناريو لتنفيذ عملية الطوفان. لكن روسيا من ناحية كشفت عن ضعف عسكري يتجاوز حتى خيال كاتب هذه السطور، كما كشفت من ناحية أخرى عن علاقة "حب" عميقة تربطها بإسرائيل لأسباب لا مجال للخوض فيها في هذه العجالة.
3. الموقف الرسمي العربي: لا بد أن المقاومة كانت تعلم يقيناً أن الدول العربية، إن لم تتعرض لضغط شعبي عارم، ستقف إلى جانب اسرائيل. ذلك أن الكل يعلم أن دول الخليج تعيش الزمن الإبراهيمي، وتحمل حقداً أبدياً تجاه "حماس"، وينطبق الأمر ذاته على مصر السيسي والمغرب ...الخ، بينما تعلم قيادة المقاومة أن سوريا أضعف من أن تفعل شيئاً يتجاوز الدعم بالأسلحة الذي كانت تقوم به بالفعل، ولا نظن أن المقاومة قد توقعت الكثير من الجزائر. على الرغم من ذلك نستطيع أن نقدر أن الضغط الشعبي كان يمكن أن يردع الدول العربية عن تبني مواقف داعمة لإسرائيل على نحو شبه علني من قبيل إرسال شاحنات الأغذية من الخليج عبر الأردن...الخ. ومن هذه الناحية نعتقد أن قيادة المقاومة توقعت أن فعلها البطولي سيحرك الشوارع العربية في كل مكان.
4. الموقف الإسلامي: لا بد أن المقاومة قد راهنت على موقف تركيا. تركيا دولة قوية جداً، بل قد تكون الدولة الأقوى على مستوى "الشرق الأوسط" دون منازع. وقد كشفت عن قدرات لا يستهان بها في دعم "الثورة" السورية ضد نظام الأسد في مواجهة دعم روسي وإيراني سخي للنظام، وكانت "حماس" شريكاً لتركيا في هذه المجهودات، وقدمت في سياق ذلك الكثير من التضحيات والعديد من "الشهداء" لذلك لا نستبعد أن قيادة المقاومة توقعت دعماً سياسياً مهماً من تركيا. ولا بد أن خطاب اردوغان العالي النبرة ضد اسرائيل، مع تواصل العلاقات الأمنية والتجارية بين البلدين، هو أمر لم تتوقعه المقاومة، وعلى الرغم من معرفتنا أن تركيا دولة أطلسية حليفة لأمريكا والصهيونية، إلا أننا لا نستطيع أبداً أن نطالب المقاومة بأن تراها بهذه العيون، فهي دون شك تعاملت مع تركيا على أنها دولة الخلافة المنتظرة، ولا بد أن المقاومة كانت تضعها في حساباتها دائماً وهي تخطط مواجهاتها مع العدو. بقية الدول الإسلامية لا يحتل أن المقاومة حسبت لها حساباً مهما في المواجهة.
5. موقف المؤسسات الدولية: لا نستبعد أبداً أن المقاومة قد بنت خططها على توقع دور مهم للمؤسسات الدولية وأذرع الأمم المتحدة في ردع العدوان الصهيوني وإبقائه ضمن حدود الوحشية المعتدلة على الأقل. وهو توقع مشروع في رأينا، بل إن "اليسار" الفلسطيني نفسه كان يرتكز في أحلامه السياسية منذ أوسلو على ضغط المجتمع الدولي والعدالة الدولية والأمم المتحدة..الخ. وليس من الإنصاف مطالبة المقاومة في غزة بأن تنجح في تقدير ما فشل "اليسار" في تقديره من زيف هذه المؤسسات الكامل وعدم فاعليتها في ظل هيمنة امريكا العكسرية والسياسية المطلقة.
أما ما طم الوادي على القرى فهو الاختراق الذي كانت تعيشه المقاومة اللبنانية وإيران منذ زمن ما بما سمح لإسرائيل بتنفيذ اغتيالات هامة في لبنان وايران، أصاب فيها قيادات المقاومة الفلسطينية واللبناينة على السواء، وهذا بالطبع ما لم يكن متوقعاً من قبل أي "محلل" أو عالم سياسة. وأخيراً احتلال العصابات لدمشق ليضعف جبهة المقاومة في لبنان وغزة على نحو مدمر، وبغض النظر عن خطأ المقاومة قبل عشر سنوات في الاصطفاف مع أعداء النظام، إلا أن ما جرى وجه لكمة قوية للمقاومة في غزة وأحكم الحصار الخانق على حليفها الأهم في لبنان. بداهة أن احتلال سوريا لم يكن في "بال" أحد، وهو نظير مذهل لاختراق البيجرز وقتل قيادات المقاومة في لبنان، كما أنه تجسيد لفشل الجميع في تقدير ما تستطيع الامبريالية الأمريكية أن تفعل على الرغم من تراجع أهميتها الكونية. بالطبع مثل إنهاك روسيا في حربها مع اوكرانيا أحد الشروط الأساس التي سهلت الانقضاض على دمشق.
كان يمكن لأي متغير في اللوحة الواقعية السوداء الموصوفة أعلاه أن يغير الواقع على نحو مؤثر لمصلحة غزة وفلسطين وقضية الصراع العربي ضد الصهيونية على وجه الإجمال، ولكن تضافر هذه العوامل المريعة ضد المقاومة، حرمها من قطف ثمار حرب بطولية ذكية وشجاعة لم يتبق منها على ما يبدو إلا الدرس الاستثنائي الخطير المتضمن لفكرة أن حرب التحرير ضد المشروع الصهيوني المدعوم من الاستعمار العالمي ليست محالاً. وإذا كانت غزة الصغيرة وحدها قد نجحت في مواصلة القتال والصمود طوال هذه الشهور الممتدة، فكم حري بمقاومة تنطلق من سوريا أو لبنان أو الضفة أوالأردن أن تقود إلى دحر المشروع، ولا بد أن توحيد القوى المشار إليها سيضيف قوة هائلة إلى فكرة المقاومة. لكن ذلك الإمكان يظل أملاً مشروطاً بتغييرات عميقة في المنطقة العربية وربما في العالم أجمع.



#ناجح_شاهين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف أمكن لإسرائيل أن تمارس الإبادة وتجهر بالترانسفير؟
- معالجة البانيز للقضية الفلسطينية
- قراءة في العدوان الصهيوأمريكي على إيران
- المواجهة الإيرانية مع الحلف الصهيوأطلسي: المحددات والآفاق
- الإنسان السوي، الذي لا يفكر، وضرورة الحزب والقائد الكاريزمي
- العيوب الاستراتيجية للنظام الأسدي
- أوسلو، كورونا، سوريا والتلاعب بالوعي الشعبي
- الفساد وقمع الحريات في سوريا البعث
- مصر السيسي ونمط الإنتاج الكولونيالي
- ترامب والدولة العميقة
- نقد مغامرة حماس
- ترامب والاستراتيجية الأمريكية الجديدة في مواجهة الصين
- الديمقرطية بين أمريكا وسوريا
- هل انتصرت غزة؟
- في انتظار دونالد ترامب
- دون كيشوت وآلام فراق النزام
- تحرير سوريا على يد الجولاني
- الاحتلال السهل لسوريا
- المقاومة وحدود الممكن التاريخي
- لو كنت نتانياهو


المزيد.....




- بها حانة ومهبط هليكوبتر وحصن.. جزيرة بريطانية خاصة تطرح للبي ...
- تاركة أمريكا في عزلة بين أقرب حلفائها.. أستراليا تُعلن عزمها ...
- مجلس الأمن يدين أعمال العنف ضد المدنيين في السويداء ويدعو جم ...
- ظنّ أن لقاح كوفيد دفعه للانتحار.. مسلّح يهاجم مركزًا صحيًا ف ...
- من هو الوريث لحركة -اجعل أميركا عظيمة مجددًا-؟ ترامب يُبقي خ ...
- مسيرة شعبية في أنقرة تطالب بدخول المساعدات إلى قطاع غزة
- تشييع جثماني مراسلي الجزيرة في غزة الشريف وقريقع
- إدانات واسعة لاغتيال إسرائيل مراسلي الجزيرة الشريف وقريقع
- -أوصيكم بفلسطين درة تاجِ المسلمين-.. وصية أنس الشريف تشعل ال ...
- أنس الشريف.. صوت غزة والشاهد على كل فصول إبادتها وتجويعها


المزيد.....

- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه
- تمزيق الأقنعة التنكرية -3 / سعيد مضيه
- لتمزيق الأقنعة التنكرية عن الكيان الصهيو امبريالي / سعيد مضيه
- ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ ... / غازي الصوراني
- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ناجح شاهين - المقاومة بين بؤس الواقع وبؤس التحليل