عبد الكريم حسن سلومي
الحوار المتمدن-العدد: 8507 - 2025 / 10 / 26 - 01:47
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
تعد مشكلة تملح التربة والمياه في العراق من التحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية الخطيرة التي تهدد الأمن الغذائي والاستقرار في البلاد. تنتج هذه المشكلة عن مجموعة معقدة من العوامل الطبيعية والبشرية، وأهمها سوء إدارة الري والصرف، وتأثيرات السدود في دول المنبع، وتغير المناخ. تتطلب المواجهة نهج متكامل وشامل يجمع بين الحلول الهندسية والتقنية والتشريعية والزراعية فالأملاح في العراق اليوم لها تأثير كبير وخطير على الاراضي والمياه الجوفية والمياه السطحية
اولا:-الملوحة في العراق
يعد العراق اليوم من أكثر بلدان المنطقة تأثرا بمشكلة الملوحة نتيجة تفاعل عوامل طبيعية وبشرية.
تشير الدراسات إلى أن أكثر من 50% من الأراضي الزراعية في وسط وجنوب العراق تعاني من درجات متفاوتة من الملوحة وأن آلاف الهكتارات خرجت من الخدمة بسبب تراكم الأملاح.
كما أن درجة التوصيل الكهربائي (EC) في المياه الجوفية والسطحية ترتفع تدريجيا باتجاه الجنوب لتتجاوز في بعض المناطق القيم الصالحة للري والشرب.
تأتي الأملاح في العراق من مصدرين رئيسيين:
1. مصادر طبيعية
أ- ترب العراق بالأصل تكونت من رواسب الأنهار التي حملت معها أملاح من صخور المنطقة.
ب-المياه الجوفية المالحة توجد في العديد من المناطق خاصة في المناطق المنخفضة والصحراوية.
ج-: تنقل التعرية الرياحية والمائية الطبيعية للصخور الرسوبية الغنية بالأملاح هذه الأملاح من المناطق الصحراوية والسبخات (الأهوار الجافة) إلى المناطق الزراعية.
د- تبخر المياه السطحية والضحلة وتركيز الأملاح في الطبقات العليا
2-مصادر بشرية
أ- الري بمياه عالية الملوحة سواء من الأنهار أو المياه الجوفية المالحة
ب-سوء الصرف الزراعي وهو العامل الرئيسي وراء انتشار التملح
ج-تسرب مياه الري المالحة أو مياه الصرف الزراعي إلى التربة والمياه الجوفية
د-ارتفاع منسوب المياه الجوفية المالحة وقربها من السطح من جراء سوء ادارة مياه الري
ثانيا:-انواع الاملاح
الأملاح السائدة في اراضي العراق هي
كلوريد الصوديوم (NaCl) وكبريتات الكالسيوم والمغنيسيوم (CaSO₄, MgSO₄) بيكربونات الصوديوم (NaHCO₃)
كبريتات الصوديوم (Na₂SO₄)
ثالثا:- الأسباب الرئيسة لانتشار الملوحة في العراق
1. السياسات المائية لدول المنبع حيث ان بناء السدود الكبيرة على نهري دجلة والفرات في تركيا (مشروع GAP) وإيران أدى إلى انخفاض حاد في واردات العراق المائية وقلل من قدرة الأنهار على غسل الأملاح وتخفيف ملوحة التصاريف المائية الواردة من دول المنابع (تركيا، إيران، سوريا)
2. سوء إدارة الري والبزل وعدم وجود شبكات فعالة لتصريف المياه المالحة حيث ان الري بالغمر (الفيضاني) التقليدي يؤدي إلى استخدام كميات هائلة من الماء تتجاوز حاجة النبات مما يرفع مستوى المياه الجوفية المالحة قرب سطح التربة.
3. تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة يزيد من معدلات البخر-نتح مما يسرع عملية تراكم الأملاح على سطح التربة
4. ارتفاع منسوب المياه الجوفية المالحة في مناطق السهل الرسوبي.
5. استخدام مياه رديئة النوعية للري نتيجة الشحة المائية
6. التوسع في الري السطحي التقليدي دون اعتماد أساليب حديثة كالرش أو التنقيط.
7. . ضعف وتدهور شبكات الصرف الزراعي و عدم كفاءتها أو انسداد قنوات الصرف فتمنع غسل الأملاح من التربة وتصريفها خارج الحقول مما يؤدي إلى تركيزها
8. تأثير رجوع مياه الخليج إلى شط العرب بظاهرة المد والجزر مع قلة تصريف دجلة والفرات.
9-قلة هطول الأمطار وهذا يقلل من مصدر طبيعي مهم لتخفيف الملوحة وغسل التربة
10-طبيعة تربة والمناخ بالعراق هو المناخ الجاف وشبه الجاف السائد في العراق وهذا يساعد على تراكم الأملاح بسبب قلة الأمطار وارتفاع معدلات التبخر
11 -الإدارة غير المستدامة للأراضي وعدم اتباع دورة زراعية مناسبة مع الإفراط في استخدام الأسمدة الكيميائية
وإهمال صيانة البنى التحتية للري والصرف زادت من تملح الاراضي
12-استخدام مياه البزل أو مياه الصرف المعاد استخدامها دون معالجة
13-لقد استمرت ادارة المياه العليا بالعراق من سحب مياه الثرثار الغنية بالأملاح وقد ادى هذا السحب الى الاضرار بالأراضي والمياه الجوفية فهذه الممارسة هي مثال صارخ على معالجة مشكلة (نقص المياه) بخلق مشكلة أكبر وأكثر خطورة وهي تدمير للتربة والمياه
رابعا :-تأثير الملوحة على الموارد الطبيعية
1-تأثير الملوحة على الأراضي (الترب)
أ-تدهور خصوبة التربة حيث تسبب الأملاح تراكم أيونات الصوديوم (Na+) الذي يؤدي إلى تدمير بنية التربة وانخفاض نفاذية التربة مما يجعلها قاسية وغير منفذة للماء والهواء
ب-تقليل نمو النبات حيث تؤدي الملوحة العالية إلى تقليل قدرة النبات على امتصاص الماء بسبب الجهد الأسموزي العالي
حيث يصعب على جذور النبات امتصاص الماء من التربة.
ج- تشكل سمية أيونية حيث تراكم أيونات الكلوريد (Cl-) والصوديوم (Na+) في أنسجة النبات يسبب تسممها وموتها.
د-تمنع الملوحة امتصاص العناصر الغذائية المهمة مثل البوتاسيوم والكالسيوم.
ه-تصحر الأراضي حيث تتحول الأراضي المنتجة إلى أراضي جرداء لا تصلح للزراعة مما يزيد من ظاهرة التصحر.
و-تشكيل الطبقات الملحية حيث تتركز الأملاح على سطح التربة بعد تبخر الماء فتتشكل قشرة بيضاء تمنع إنبات البذور.
ز- -تناقص الغطاء النباتي والإنتاج الزراعي.
ح-تحول الأراضي المنتجة إلى أراضٍ قاحلة أو سبخية.
2-تأثير الملوحة على المياه الجوفية:
أ-تلوث الخزانات الجوفية حيث تتداخل المياه المالحة مع الخزانات العذبة فتسرب مياه الري الزائدة المحملة بالأملاح من الحقول إلى الخزانات الجوفية يؤدي إلى تدهور نوعيتها وزيادة ملوحتها.
ب-استنزاف الموارد فيصبح استخدام المياه الجوفية للشرب أو الزراعة أكثر صعوبة وتكلفة بسبب الحاجة إلى معالجتها وزيادة الملوحة مع الزمن نتيجة التسرب من مياه الري والبزل حيث تتدهور نوعية المياه مما يجعلها غير صالحة للشرب أو الزراعة في كثير من المناطق
3-تأثير الملوحة على المياه السطحية:
أ-ارتفاع ملوحة مياه الأنهار خاصة في المناطق الجنوبية بسبب قلة الإيرادات المائية نتيجة بناء السدود في تركيا وإيران مما يقلل من تدفق المياه العذبة التي كانت تخفف الملوحة حيث لوحظ ارتفاع ملوحة نهري دجلة والفرات كلما اتجهنا جنوبا.
ب-رجوع مياه البحر في شط العرب بسبب انخفاض منسوب مياه دجلة والفرات مما يسمح لمياه الخليج العربي المالحة بالتوغل داخلا حيث تدهورت جودة المياه في شط العرب بسبب اختلاطها بمياه الخليج
ج-تصريف مياه الصرف الزراعي لمصادر المياه النقية حيث عودة المياه المالحة من الحقول إلى الأنهار والقنوات.
خامسا:-كيفية مواجهة مشكلة الملوحة في العراق
تتطلب المعالجة خطة استراتيجية متعددة المحاور:
1- الحلول الهندسية والفنية :
أ-إنشاء وتطوير شبكات الصرف الزراعي ويعتبر هذا العمل هو حجر الزاوية في معالجة التملح. يجب بناء قنوات صرف مغطاة وفعالة وصيانتها الدورية وتشغيل محطات الضخ لتصريف المياه المالحة بعيداعن الأراضي الزراعية وإلى أماكن آمنة
ب-تحسين كفاءة الري والتوجه فورا نحو أنظمة الري الحديثة (الري بالتنقيط، الري بالرش) لتقليل كميات مياه الري ومنع ارتفاع منسوب المياه الجوفية.
ج-إنشاء محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي والزراعي لإعادة استخدامها في ري أنواع معينة من المحاصيل أو لأغراض أخرى.
د-بناء حاجز مائي (ناظم ) لمنع مد مياه البحر المالحة في شط العرب.
ه-إنشاء أحواض لتجميع مياه الصرف الزراعي المالحة وعدم خلطها بمياه الري.
و-استخدام الخلط بين المياه العذبة والمالحة لتحسين النوعية.
ط-إقامة سدود تنظيمية صغيرة وخزانات في أعالي الأودية لتجميع مياه الأمطار وتخفيف الاعتماد على مصادر مالحة.
2-الحلول الزراعية:
أ-غسل التربة واستخدام كميات مدروسة من المياه لغسل الأملاح من منطقة جذور النباتات إلى طبقات أعمق بشرط توفر شبكة صرف فعالة.
ب-استخدام محاصيل ملحية وتشجيع زراعة أنواع من النباتات تتحمل الملوحة (كالشعير والقطن وبعض أنواع الخضروات والأعلاف
ج-تحسين خصوبة التربة بإضافة المواد العضوية (الكمبوست) والجبس الزراعي للتخلص من ايونات الصوديوم
د-اتباع دورة زراعية مناسبة تتضمن محاصيل تتحمل الملوحة وتساعد في تحسين التربة.
3-الحلول التشريعية والإدارية:
أ-تفعيل قوانين المياه والزراعة و وضع تشريعات صارمة لتنظيم استخدام المياه وفرض رسوم على هدرها مع تحديث التشريعات لاستخدام المياه المالحة وإعادة الاستخدام الآمن
ب-إنشاء هيئة وطنية لإدارة المياه والاراضي والملوحة وتنسيق الجهود بين الوزارات (الموارد المائية، الزراعة، البيئة)
ج- الإرشاد الزراعي وتوعية المزارعين بمخاطر الملوحة وأساليب الري والصرف الحديثة والمستدامة.
د-التعاون الإقليمي وتعزيز الحوار مع دول الجوار (تركيا وإيران) لإدارة مشتركة وعادلة للموارد المائية المشتركة
وتثبيت حصص عادلة.
ه- إعداد خريطة وطنية للملوحة تحدد مناطق الخطورة ودرجاتها.
و- نشر الوعي الزراعي بين المزارعين حول مخاطر الملوحة وأفضل أساليب الري.
4-الحلول التقنية والبحث العلمي:
أ-استخدام التقنيات الحديثة مثل الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية (GIS) لرصد مناطق التملح وتقييمها.
ب-دعم مراكز الأبحاث الزراعية لإجراء بحوث حول أصناف جديدة من البذور المقاومة للملوحة وتطوير طرق فعالة وتشجيع البحوث والدراسات التطبيقية حول الملوحة ومعالجاتها.
الخلاصة
مشكلة الملوحة في العراق هي تحد وجودي يتطلب إعلان حالة طوارئ وطنية للتعامل معها وان نجاح أي خطة لمكافحة الملوحة يعتمد على الإرادة السياسية والتخطيط العلمي السليم والتنسيق بين جميع الجهات والأهم من ذلك مشاركة المزارع العراقي الذي يمثل حجر الزاوية في عملية الإصلاح وبدون مواجهة جذرية وشاملة ستستمر مساحات كبيرة من أخصب أراضي العراق بالتحول إلى تربة مالحة وغير منتجة.
المهندس الاستشاري
24-10-2025
#عبد_الكريم_حسن_سلومي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟