علم الاقتصاد المُستباح في الفضائيات العراقيّة

عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)

الحوار المتمدن-العدد: 8503 - 2025 / 10 / 22 - 23:34
المحور: الادارة و الاقتصاد
    

كُل العراقيّين "سياسيّين".. وبَلعناها..
أمّا كلّ العراقيّين "اقتصاديين"، ويتحدّثونَ بالاقتصاد، فهذا سيقودنا حتماً إلى هذا "الوضع الاقتصادي" الذي نُعاني منه الآن.. ولا شيء آخر.
على قناة دجلة الفضائيّة (في برنامج المُقاربة)، كان هناك "قيادي" في كتلة "الاعمار والتنمية" يُحاوِرُ أحد أعضاء اللجنة الماليّة في البرلمان، وهو أيضاً "قيادي" في كتلةٍ أخرى، ويقولُ له: "عيبٌ على البنك المركزي أن يحتسب الدين العام بهذه الطريقة"!
ويستَطرِدُ القيادي في كتلة الاعمار والتنمية مُستنكِراً استخدام عضو اللجنة المالية لبيانات الدَين العام (التي أعلن عنها البنك المركزي العراقيّ مؤخّراً) في انتقاد السياسات الاقتصادية للحكومة: "إن نسبة الدين العام في العراق إلى الـ " GBA" في العراق هي نسبة "شبه طبيعية". !
لماذا هذا طبيعيّ؟ يسألهُ عضو اللجنة البرلمانية.. فيجيبهُ القيادي في كتلة الاعمار والتنمية بثقة هائلة:"لأنّ كل دين جَوّه الـ 40‎%‎ من GBA يعتبر مقبول"!!
وهنا يُلقي عضو اللجنة المالية في البرلمان على مُحاورهِ الواثق جداً من نفسه، قنبلة من العيار الثقيل، فيقولُ لهُ لإحراجه: "طيحتلك" الدين الخارجي، إحجيلي بالدين الداخلي !!!!
فيُعيد "القيادي" في الاعمار والتنمية طرح حُجّته الدامغة: نسبة الدين العام إلى الـ "GBA" طبيعية!!!
أخيراً يشعر المُحاوِر بالجزَع، لأنّهُ مُحرَج لعدم معرفته بهذا الـ "GBA"فيسأل بدهشة: ما هو هذا الـ "GBA" يَمعوّد ؟
فيجيب القيادي في كتلة الاعمار والتنمية: أنّهُ "مجموع القيمة السوقية للاقتصاد".. وأن الـ "GBA" في العراق يبلغ 250 مليار دولار أمريكي!!
أي أن القيادي في كتلة الاعمار والتنمية يقصد بالـ "GBA" في العراق، الناتج المحلي الإجمالي للعراق "GDP ".
"GDP" هو اختصار لـ Gross Domestic Product
أمّا الـ "GBA" فهو اختصار لـ (Game Boy Advance) أي: جهاز ألعاب فيديو محمول من إنتاج شركة "نينتندو"!!!
بربّكُم.. أليس من المُخجِلِ والمُعيب، أن يكونَ هذا هو محتوى "حوار" بالشأن الاقتصادي بين خصمين سياسيّين في "فضائيّة"عراقيّة، في زمن الذكاء الاصطناعي؟؟
سيرُدُّ علينا القيادي في كتلة الاعمار والتنمية، وكذلك مُحاوِرُه، بأنّ الخطأ واردٌ في المصطلحات الاقتصادية لغير المتخصّصين بـ "علم الاقتصاد" المُستباح.. وهما ليسا "مُختَصّانِ" في ذلك.
إذا لم تكُن "مُختصّاً في الاقتصاد، فهل هذا يعني أنّكَ حُرٌّ في "اختراع" مُصطلحات اقتصادية جديدة؟
حتّى آدم سمث، حتّى كارل ماركس، حتى جوزيف شومبيتر، حتّى جون مينارد كينز.. لم يفعلوا ذلك.
الواجهات والوجوه الإعلامية للكتل والأحزاب المتنافسة في الانتخابات القادمة يفعلونَ ذلكَ بكلّ بساطة، لأنّ "علم الاقتصاد" في العراق، مثل "علم السياسة" في العراق، باتَ رخيصاً إلى درجةِ أنّ المُتحدّثينَ في سياقه العام أصبحوا "يخترعونَ" المفاهيم، ويُسوّقونها للناس على أنّها جزءٌ من العِلم وجزءاً من الحقيقة.
في التعليقات على الفيديو الخاص بهذه الحلقة، ستجِد أنّ الكثير من العراقيين يمتدحونَ القيادي في كتلة الاعمار والتنمية لـ "دقّة طروحاته"، ويصفون مُحاوِره بأوصاف مُسيئة، وهؤلاء هم ذاتهم من سينتَخبونَ هذا، ولا ينتَخبونَ ذاك.. هذا إذا ذَهبوا إلى مراكز الاقتراع.. وانتَخَبوا أصلاً.

#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)       Imad_A.salim#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل