عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 8502 - 2025 / 10 / 21 - 12:01
المحور:
سيرة ذاتية
هذا أنا.. وهذه هي "صورتي" بالأبيضِ والأسوَد.. كأيِّ كائنٍ كانَ عليهِ أن يكونَ أمّا "أبيضَ" وإمّا "أسوَدَ" في هذا العراق.
"هذا أنا".. أو أنا هذا.. عندما كنتُ جنديّاً "مُكلّفاً" في البطرية الثانية/ كتيبة مدفعية الميدان/48 .
أربيل/ راوندوز/ بافستيان/ 1976-1978.
كنتُ "مدفعجيّا" حالِماً جدّا.
طيلة مدّةَ خدمتي العسكريّة هناك لم تُطلِق هذه "البطرية" قذيفةً واحدة.
لديَّ "شهودٌ" أحياء على ذلك.
ربّما كانَ السبَبُ في ذلكَ "السَلام" المُمكِن الوحيد، والمستحيل.. هو أنّ هذه "البطرية" بالذات، بجنودها ومراتبها وضبّاطها.. كانت "حالِمةً" مثلي.
ربّما.
فمدافع الميدان لم تكن موجودةً هناكَ لترمي وردَ النرجسَ على أرض كردستان.. ومع ذلك، وطيلةَ عامٍ ونصف، لم نقصِف أحداً هناك.. ولم يُطلِق علينا أحَدٌ رصاصةً واحِدة.
ومن بين مفارقات العراق العجيبة، أنّ سائقي سيّاراتِ الأجرة الكُرد كانوا ينقلوننا من وسط أربيل (والكثيرون منّا كانوا نياماً طيلة الطريق) إلى "وحداتنا" و "ربايانا" الواقعةِ في أقصى شمالها.. وحين تصِل السيّارةُ إلى وجهتها كان السائقُ "الكُرديُّ" يوقظنا من نومنا قائلاً: يلّله كاكا.. وصلتوا!
أمّا عند نوبات الحراسة في "وحداتنا"، وطيلةَ ذلك الليل الأسوَدِ الباردِ البهيم، فقد كان بيننا جنودٌ "مُكلّفونَ" أكراد يتناوبون الحراسةَ معنا.
في الحرب العراقيّةِ الايرانيّة، عشتُ هذه "الأُلفةَ" ذاتها مع الجنود الكُرد، وماتَت روحي مع مقتَلِ الكثيرينَ منهم.. أولئكَ الفِتيَةُ الطيّبونَ جدّاً، والأقربَ من روحي إليّ.
حراسةُ ماذا.. ولِماذا.. ومِن مَن؟
والحربُ لماذا.. ومعَ مَن، وضِدّ من؟
إلى الآن.. لستُ أدري.
ما أدريه.. هو أنّهُ عندما تسكُتُ المدافعُ، تبدأُ الأُلفة..
لكنّ الأصدقاءَ، كما الأحِبّة، يُواصِلونَ موتَهُم "السعيد".. مثلَ نجمةٍ سابِقة، في سماءٍ بعيدة.
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟