سنية عبد عون رشو
الحوار المتمدن-العدد: 8499 - 2025 / 10 / 18 - 22:18
المحور:
الادب والفن
منزعجة حيال تصرفه الغير اللائق فهي تشعر بحالة من قرف ومقت حين تتذكره...كان يلاحقها طوال شهور. تراه في الامكنة التي ترتادها على الاكثر. يبتسم لها ابتسامة تكاد لا تعرف لها معنى....لكن جرأتها ولسانها الحاد يدفعان عنها تطفله. يسمع ضحكتها الهازئة التي تخلصها منه. الرجل الذي غزا الشيب ذوائبه. عافه قطار الزمن ولا أحد يعرف سبب عزوفه عن الزواج وقلة اختلاطه مع الاخرين . منذ صباه يتفاخر بما ورثه . مزرعة وقصر مشيد تظلله الاشجار على ضفاف نهر الفرات
تبدو حانقة وقد احمرت وجنتاها غضبا . تحاول الصبية ان تجفف دموعها في غرفة الباحثة الاجتماعية المنعزلة عن فضول الطالبات. تسرد حكايتها مع الرجل الذي أخذ يضايقها ...ثم تضع رأسها فوق حافة المنضدة وهي تنشج باكية . وبالتأكيد كانت بحاجة ماسة لتفريغ شحنة غضبها بهذا الحديث الذي بدا للباحثة كأنه ضرب من خيال مراهقة صغيرة تحاول اختلاق القصص الحزينة .
...كانت لا تقوى على مجابهة نظرات الباحثة لعينيها . رغم انها تحتمي بستائر الغرفة الداكنة الا ان خيوط الشمس المنعكسة من خلال زجاج النافذة تكاد لا تتيح لها فرصة مناسبة للشعور بالطمأنينة والاستقرار في جلستها .
تقول بصوت تتكسر نبراته . ما حدث لم يكن بالحسبان فقد لمحته يخرج من دارنا ووجدت أهلي يهيمون اعجابا بخصاله وكرمه الباذخ
بخجل تطلب رأي الباحثة . إزاء الموقف وتطلب مساندتها ووقوفها بجانبها . إذ انها ستغدو كيمامة يخدعها سربها في رسم مساراته. انها تائهة وحيدة في فضاء مخيف . ربما تكسر الريح جناحيها فتقودها لمصير مجهول
أوجست الباحثة خيفة في نفسها تجاه مشاعر الصبية الغضة ان صح ما تدعيه . لكنها فضلت الصمت لحين تفهمها الموضوع بالضبط
تقول الباحثة .ودعتني بقلب منكسر وعيون تحكي قصة أيامها الحائرة . عانقتها وتظاهرت بافتعال ابتسامة ممزوجة بهدوء شددت على يدها . ستكونين بخير . وسيكون غدك هو الاجمل
تنهدت ورمقتني بنظرة حادة كأنها تعاتبني . حملت حقيبتها تتثاقل خطاها لترسم بؤسها ومحنتها شيعتها نظراتي حتى اختفت عند حافة سور المدرسة
كيف أفلح بتلبية نداء استغاثتها وكيف أشرح لها أسبابي التي لا ترقى لمداركها الغضة. أداؤها في الفهم مازال فتيا . فهي قد ولدت قبل حلول الالفية الثالثة بعامين وحسب. بمعنى. انها لم تعبر الخامسة عشرة من عمرها بعد
. وبالرغم من ذلك وربما. لسوء حظها استقبلتها أحضان لا تعبأ بقدوم أنثى ...وتتعامل معها تعامل الجاهلية الاولى في وأد بناتها الفرق هنا. ان الوأد قد يكون رميها في احضان رجل بعمر ابيها
حتما ستنحصر مسؤوليتي كباحثة اجتماعية داخل سور المدرسة وبالتأكيد هناك خطوط ليس بمقدوري تجاوزها . لكن الصبية تمتلك عالمها المرهف بعيدا عن عالم أسرتها وقريتها
أغمضت الباحثة عينيها . وضحكت ضحكة حائرة ماذا بوسعي ان افعل .؟؟ هل احرضها على أهلها وهل من قوة ستحميني ؟؟ وهل دوري ينحصر إلا في السماع . ؟؟
شعرت بموجة من الندم تجتاح نسيج روحها إذ ان الصبية ذكرتها بماضيها . ارتشفت قهوتها دفعة واحدة دون ان تشعر بمذاقها .... وهي تفكر بزمان قد مضى لكن حسرته تكاد تضايق أنفاسها ان عادت بذاكرتها لتلك السنين . فقد كانت تسمع ضجيج المآتم ونحيب الثكالى يرافقها قرع طبول الحرب !! وليس هناك من طرق بابها للزواج . فكانت تنتظر . وتشاطر مالك الحزين همومه
إذن يتوجب عليها مساندة الصبية . غير انها بذلت جهودا كبيرة في بادئ الامر ولكن دون فائدة أمام اصرارهم . فحاولت على الاقل اقناعهم بعودة الصبية لمدرستها
التغيير الذي طرأ على احساس الباحثة ذكرها أيضا بلقب الانسة الذي رافقها منذ سنين. كيف يتسنى لها ان تتخلص منه وقد أنجبت الحرب وريثا قد أزهق الارواح جوعا . بما يسمى بالحصار . ثم أخذت الحرب تتكاثر على مدى سني عمرها
لتبقى الباحثة تبحث عن أمانيها
بعد حلول المساء عادت الصبية من مدرستها. تفاجأت بتجمع النسوة في دارها. من أقاربها وجيرانها وهن بأجمل زينتهن... يؤدين رقصة (الدبكة ) بادرت احداهن وسحبت يدها لتشاركهن .لكنها . تغنجت بدلالها المعهود . ثم اعتذرت . ان لديها امتحان في الصباح الباكر . انفجرت النسوة بضحكات متواصلة وكأنها فجرت فيهن طاقة مخزونة للضحك
حملت احداهن إناء كبير تفوح منه رائحة الحناء وأخذت تخضب يديها الصغيرتين . وبادرت أخرى تغني بصوتها الشجي
...ارتجفت الصبية واندهشت حين قالت أمها ان الحفلة مخصصة لعقد قرانك
تأكدت هي . ان لا جدوى من بكائها وصراخها أمام ارادة أسرتها الطاعنة بأميتها . عادت المرأة تخضب يديها ( تختار أمها من بين النسوة من هي مشهود لها بكثرة الانجاب لتقوم بهذه المهمة ) ..
أخذت النسوة تقدم التهنئة للصبية لكنها كانت غارقة بخيالها في مدرستها وتفوقها في درس الرياضيات . وإعجاب مدرسة اللغة العربية بأسلوبها في درس الانشاء حين طلبت منها ان تقرأ موضوعها في الصفوف الاخرى
لكن الرجل العجوز سبق طموحاتها ودفع مالا كثيرا . لكنه انصاع راضيا لمطلب أسرتها وبما طرحته الباحثة الاجتماعية لإكمال دراستها
مازالت الباحثة تفكر في المفارقة المذهلة . مفارقة ان تزوج الصبية مبكرا وان تترك هي في زوايا النسيان
كانت تفكر في حل لتلميذتها لكنها انشغلت في معضلة الوأد وأدها منسية. ووأد الصبية . هي حفرتان . حفرة التذكر وحفرة النسيان
ان تكوني مطلوبة يا طفلتي من عجوز غني
يعادل نسياني في الزمان وفي المكان. متشابهة هي الفصول. يا طفلتي
عادت الصبية لمدرستها . تحمل حقيبتها وتحمل معها لقبا جديدا .
( أصغر سيدة ) . عادت مطرقة الرأس . تنبئ صفرة وجهها. بإحباطها وإذلالها
#سنية_عبد_عون_رشو (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟