أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سنية عبد عون رشو - شهيق وزفير














المزيد.....

شهيق وزفير


سنية عبد عون رشو

الحوار المتمدن-العدد: 8383 - 2025 / 6 / 24 - 03:40
المحور: الادب والفن
    


تعانق نسيمات الصباح خصلات شعرها الأشيب الذي يحمل قصصا من ماضيها الذي لا تود ان تبوح به لأقرب الناس اليها .
كعادتها تجلس قبالة باب الدار فربما يزورها أحدهم تنتظر دون ملل مرتمية فوق كرسيها الخشبي المتهالك تحت شجيرة الياسمين . وبعد ان يخذلها الانتظار تعود الى غرفتها صامتة تجر أطراف شالها الأخضر بلون أمانيها .. وهمسات الحنين تسكن أضلاعها .
تمسك ست وداد قلما ودفترا وتكتب بسرية تامة دون ان تسمح لأحداهن ان تعرف شيئا عن مذكراتها أو ربما تكتب قصة حياتها في دفتر كأنه سجل مدرسي لونه يميل للرمادي الغامق انه يذكرها بسجلاتها المدرسية قبل احالتها على التقاعد .
عشرون عاما واسمها يتصدر لوائح مديرية التربية كأفضل مديرة مدرسة في تلك المدينة اضافة لكونها ربة أسرة وأم لثلاثة أبناء ذكور . وها هم اليوم رجال ملتحون .
أستشهد زوجها في حرب الثمان سنوات . ولن يثنيها هذا عن دورها كأم مكافحة في بيتها ومربية ناجحة في مدرستها .
متوسطة القامة ومكتنزة قليلا لكن ملامحها تنبؤ بما كانت تتمتع به من جمال في سالف أيامها . وما زالت شديدة الاهتمام بملبسها واناقتها التي عرفت عنها دائما الست وداد .
الظروف وضعتها هنا رغما عنها . وهي تتأبط سجلها وصندوق يحمل كل ذكرياتها وسرها الذي لا يعرفه سواها . كانت تكتب رسائلها التي لا ترسل ، ولا زالت تتذكر صوته حين قال لها : ان ضاعت الأيام فلا تدعي الحب ان يضيع ..انتظريني سأعود ، لكنه لم يعد وبقيت هي كما وعدته تنتظر ..وكل ما تملكه هو صوته في آخر لقاء ونظرة طويلة بدرت منه قالت كل شيء وكأنه تنبأ لفراقهم الأبدي . لم تنسَ ذلك اليوم ولكن عقلها الباطن يرفض مسألة موته في جبهة القتال وضياع جثته بين الوديان . ولتبقى تنتظر من لا يعود .
كان الجميع يحترمون رغبتها في الانعزال والصمت الذي ينهش عزلتها ..وحنينها الجارف لأبنائها الثلاثة الذين ربتهم بدور الأم والأب . لقد انشغلوا عنها تماما . لم يزرها أحدهم منذ أمد بعيد وكل ما تبقى منهم ورقة معلقة فوق جدار سريرها : اتصلي بنا عند الضرورة .
اثنتان كن يشاطرنها سكن غرفتها في دار المسنين
كانت احداهن مولعة بمتابعة المسلسلات من خلال جهاز التلفاز في قاعة الدار .وكانت تتفاعل بشدة مع احداث القصص وتذرف دموعها من اجل البطل أو البطلة ..لذا يكون تواجدها نادرا .
اما السيدة الثانية فكانت تشغل جلّ وقتها بقراءة الكف لبقية النزيلات وهي شديدة التعلق بهذه الهواية . لكنها ثرثارة قليلا
سألتها ذات مساء لماذا لم تتزوجي بعده ..؟؟ تضحك الست وداد بهدوء وهي تقول : انا متزوجة من الانتظار ...وفاء لزوجي فربما يعود لي ذات يوم .
اذن وماذا تكتبين ولمن ..؟؟
أخذت الست وداد شهيقا طويلا ثم الزفير بعده وببطء ايضا .
ثم قالت : أكتب له ..ربما يقرأه ان عاد ويشعر انني كنت هنا وكنت اتذكره ولن انساه يوما واني بقيت أحبه رغم كل هذا الغياب . انه لا يكذب حين قال لي انتظريني ..
كانت الأيام في دار المسنين تمر ببطء ولوعة . والوقت لا يقاس هناك بالساعات والأيام بل بعدد مرات شهيقها وزفيرها وبعدد زيارات ابناءها التي لم تتحقق أبدا .
وذات ليلة تموزية شديدة الحرارة شعرت الست وداد بدوار شديد مع ارتفاع درجة حرارة جسدها وعدم تقبلها لوجبة العشاء وكذلك لوجبة فطورها الصباحي في اليوم التالي . وهذه الحالة لا تشبه نشاطها اليومي المعتاد ، نقلت على أثرها للمشفى .
طلب منها الطبيب ان لا تغادر المشفى تحسبا لأي عارض .
ولكن في اليوم الثاني ازدادت حالتها سوء وأخذت تهذي مع ارتفاع شديد بدرجة حرارة جسدها .وقبل ان تغمض عينيها طلبت من الممرضة ان تحتفظ بدفترها وتعطيه لولدها البكر ان حضر .
اتصلت مسؤولة الدار على رقم ولدها البكر . وقد تأخر كثيرا في الحضور للمشفى لكنه جاء أخيرا ليستلم جثتها مسجاة داخل ثلاجة المشفى .
بقي المقعد الخشبي خاليا في دار المسنين والدفتر بين يدي ولدها البكر والياسمين مازال يتساقط بصمت فوق شاهدة قبرها كأنه يعرف تماما ان هنا يرقد قلب أحب بصمت ورحل بصمت .
تنقل ولدها البكر بين صفحات الدفتر ليجد رسائلها الموجهة له ولأخويه . كتبتها بحنان الأم ولوعة المشتاق .
..أثارت شجونه هذه العبارة في أول ورقة بالدفتر وأول سطر فيها أولادي : سامحوني ان أثقلت عليكم في طفولتكم فقد كنت أما وحيدة ومرتبكة ومسؤوليتكم كانت ثقيلة فوق أكتافي .. ربما كنتم تكرهون عصبيتي أحيانا . لكنني أحبكم يا أغلى الناس .
تساقطت دموعه فوق السطور ..لكنها تساقطت في الوقت الخطأ
1 / 6 / 2025



#سنية_عبد_عون_رشو (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المتهم رقم واحد
- طفلة من غزة
- كذبة نيسان
- الحلم الكاذب
- مَنْ المسؤول
- رماد السنين نص شعر
- المزارع والحسناء
- رسام الكاريكاتير
- حدثني أديم الأرض
- منعطف الطريق
- درس التعبير
- صبي القُمامة ...قصة قصيرة
- جرح قديم
- قصتان قصيرتان هي...هو
- وضاع العمر
- ملامح غريبة
- رقص الافاعي
- غدا يوم آخر
- النازحة
- صانعة القلق


المزيد.....




- التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...
- فنانون سوريون ينعون ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس
- المفكر الإيراني حميد دباشي.. التصورات الغربية عن الهوية الإي ...
- فيلم -باليرينا-.. درس جديد في تصميم الأكشن على طريقة -جون وي ...
- التشادي روزي جدي: الرواية العربية طريقة للاحتجاج ضد استعمار ...
- ما آخر المستجدات بحسب الرواية الإسرائيلية؟
- تردد قناة ماجد الجديد لأطفالك 2025 بأحلى أفلام الكرتون الجذا ...
- -أسرار خزنة- لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولو ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سنية عبد عون رشو - شهيق وزفير