أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - كرم خليل - المستبدّ وصانعه: في علم النفس الجمعي للمطبل السوري














المزيد.....

المستبدّ وصانعه: في علم النفس الجمعي للمطبل السوري


كرم خليل
سياسي و كاتب وباحث

(Karam Khalil)


الحوار المتمدن-العدد: 8495 - 2025 / 10 / 14 - 07:55
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


في لحظةٍ تختزل مأساة أمة، يعتلي الخطيب المنبر ليقول للرئيس:

“الوطن العربي قليل عليك، أنت يجب أن تقود العالم يا سيادة الرئيس!”

فيضجّ الجمع بالتصفيق، وترتفع الوجوه في نشوةٍ عبوديةٍ كأنها تؤدي طقسًا مقدّسًا.
أما الحاكم، فينتفخ وجهه سرورًا، يبتسم بارتباكٍ يشبه السُكر، كأنه يسمع وحيًا يؤكد أنه المختار من بين البشر.
لم يكن هذا المشهد مسرحيًا فحسب، بل هو انعكاسٌ عميق لعلاقةٍ مريضة بين النقص والولاء، بين عقدة الزعيم وشهوة العبد.
إنه ليس استبدادًا سياسيًا بقدر ما هو مرضٌ أنثروبولوجي متجذّر في البنية النفسية للمجتمع العربي.

الزعيم كعُقدة… والمواطن كأداة تعويض

الطاغية في جوهره ليس قويًّا كما يتوهم الناس؛ إنه في الأصل كائنٌ هشّ، مأزومٌ في داخله، يحمل جرحًا عميقًا في الوعي، يبدأ بالشعور بالنقص، ثم يتضخّم مع الزمن حتى يصبح جنون عظمةٍ كامل.
وحين يجد حوله جوقةً من المنافقين والمطبلين، يتحوّل هذا الجرح إلى إيمانٍ مطلق بذاته، ويبدأ بتقمّص دور الإله أو المنقذ.
لكنه لا يستطيع أن يبلغ هذا الجنون دون مساهمة أولئك الذين يصنعون مجده الوهمي — المصفقون الذين يقدّمون له الهوس على شكل حب، والعبودية على شكل إخلاص.

نفاق الجماهير: علم النفس الأسود للولاء

إننا أمام ظاهرة نفسية واجتماعية معقدة، يمكن أن نسميها بـ “السكوباتية السياسية” — تلك الحاجة المزمنة لدى الفرد العربي لأن يرى في المستبد انعكاسًا لأبٍ قوي، أو خلاصٍ جماعي من الخوف.
إنها تواطؤٌ نفسيّ بين الحاكم والمحكوم، يلتقي فيه الشعور بالنقص الفردي مع غريزة الطاعة الجماعية.
في هذا السياق، لا يُفرض الطغيان بالسيف، بل يُمنح بالتطويع، ويتغذى بالنفاق اليومي الذي يمر عبر العلاقات، والمديح، والسكوت، والتبرير.

وكلما كَثُر المصفقون، ازداد الحاكم مرضًا، وكلما ازداد جنونه، ازدادت الجماهير تصفيقًا — حتى تغدو الدائرة مغلقة، أشبه بطقسٍ دينيٍّ بلا فكاك.
إنها عبودية طوعية — كما سماها الفيلسوف الفرنسي إتيان دو لابويسي — لكن بطابعٍ شرقيٍّ صافي، حيث يُخلط الدين بالزعامة، والكرامة بالخضوع، والحقيقة بالخوف.

أزمة الأخلاق قبل أزمة الحكم

المشكلة في عالمنا ليست في وجود المستبد، بل في البيئة الأخلاقية التي تُنتجه.
المجتمع الذي يقدّس القوي، ويُهين الضعيف، ويعتبر الصمت حكمةً والنفاق ذكاءً، هو مجتمع يزرع بذرة الاستبداد في كل بيتٍ ومدرسةٍ ومؤسسة.
فالمطبل الذي يمدح قائده في التلفاز، هو ذاته الذي يكذب على رئيسه في العمل، ويتملّق جاره القوي، ويغشّ في البيع، ويُربي أبناءه على الخوف.
هكذا، يتحول النفاق من سلوكٍ سياسي إلى بنيةٍ ثقافية – أخلاقية شاملة، تُعيد إنتاج المستبد بأشكالٍ مختلفة، حتى يصبح الطغيان جزءًا من الهوية الاجتماعية ذاتها.

حين يصفق العبيد… يخلد الطغاة

الاستبداد لا يُولد من رحم القوة، بل من غياب الضمير الجمعي.
والدول لا تسقط حين يضعف جيشها، بل حين تنهار منظومتها الأخلاقية.
فحين يصفق المواطن لمن يسرق خبزه، وحين يمدح الجلاد من أجل فتاتٍ من الأمان، يكون قد تنازل عن آخر ما تبقّى من إنسانيته.
إنه موتٌ معنوي بطيء، يسبق موت الوطن بسنوات.

وهكذا، يصبح الديكتاتور ليس ظاهرة سياسية، بل مرآةً كبرى لعيوبنا.
إنه صورة مكبّرة لمجتمعٍ فقد شجاعته، وارتضى الخضوع، واعتاد الكذب كوسيلة للعيش.
وفي النهاية، لا يسقط المستبد بالرصاص فقط، بل يسقط عندما يتوقف الناس عن التصفيق له، وعن الكذب على أنفسهم.

الحرية تبدأ من الداخل

الثورة الحقيقية لا تبدأ في الشوارع، بل في العقل؛ حين يجرؤ الإنسان على التفكير دون إذن، وعلى قول “لا” دون خوف، وعلى استعادة صوته من بين الضجيج.
فقط عندها تنكسر الدائرة، ويولد وعيٌ جديد قادر على إنتاج الإنسان الحرّ، لا المواطن العبد



#كرم_خليل (هاشتاغ)       Karam_Khalil#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة الكراهية في سوريا… حين يصبح الاختلاف عداء
- الموالاة الجديدة.. وجه آخر للانحطاط السياسي السوري
- أحياء في ضمير الثورة: الشهداء الذين حموا سوريا أحياءً وأموات ...
- حين يصبح الإجماع قيدًا: في نقد الوعي الجمعي العربي
- الليبرالية: مشروع وجودي أم مجرد جهاز قانوني؟
- تركيا بين اهتزاز الداخل وتشابك الإقليم: قراءة في الواقع والم ...
- سوريا بين خطاب المركزية وأزمة التشكل: قراءة في مسارات إعادة ...
- سوريا في معترك المواجهة: الخطة الوطنية للتصدي لهيمنة الإحتلا ...
- من بوق الحدث إلى عقل الأمة: الإعلام ودوره في بناء الثقة والو ...
- بسّام العدل: من بريق الطائرة إلى ظلام القمامة قصة خيانة تكشف ...
- بين الموعظة والقانون: رحلة الإنسان بين خلود الفكرة وفناء الج ...
- قانون قتل الإخوة في الدولة العثمانية: بين السلطة والفوضى
- التحول السوري: قراءة في المرحلة الراهنة وتوصيات لبناء الدولة ...
- أهمية العلاقات السورية الأمريكية في هذه المرحلة الحساسة
- تجاذبات وإعادة رسم للخارطة الجيوسياسية في سوريا
- الخصخصة في سوريا.. حديث في الإيجابيات والسلبيات والطريق نحو ...
- وسائل الإعلام في مجتمعات ما بعد النزاع: بين الهيمنة والتحرر
- ظاهرة التكويع وسلطة الأمر الواقع
- العدالة الانتقالية والية الاصلاح
- الجهاز الأمني السوري الجديد


المزيد.....




- مئات من المتظاهرين الأصليين يطالبون بالاعتراف بالأراضي في عا ...
- لا لبرلمان افقار الجماهير واستعباد النساء وسلب الحريات
- نتنياهو بين ترامب واليمين المتطرف.. أي طريق سيختار؟
- م.م.ن.ص// تقرير حول الوضع الصحي بإقليم تاونات: واقع مزري يع ...
- قتلى باشتباكات بين متظاهرين داعمين لفلسطين والشرطة الباكستان ...
- قتلى باشتباكات بين متظاهرين داعمين لفلسطين والشرطة الباكستان ...
- جيل- زد والمقاومة بالحيلة
- الفاشية الجديدة والإمبريالية والحرب والثورة في الشرق الأوسط ...
- جريدة المناضل-ة الشهرية تعود للصدور
- كاتبة بريطانية: شباب الغرب أصبحوا يفضلون اليمين المتطرف على ...


المزيد.....

- ليبيا 17 فبراير 2011 تحققت ثورة جذرية وبينت أهمية النظرية وا ... / بن حلمي حاليم
- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - كرم خليل - المستبدّ وصانعه: في علم النفس الجمعي للمطبل السوري