بديعة النعيمي
كاتبة وروائية وباحثة
(Badea Al-noaimy)
الحوار المتمدن-العدد: 8494 - 2025 / 10 / 13 - 11:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
صالح الذي اختار أن لا يكون مجرد متفرج على معاناة أهله في غزة وقرر أن يرويها بكل صدق وجرأة رغم ما حمله ذلك القرار من مخاطر، استشهد أمس ١٢/أكتوبر/٢٠٢٥ جنوب مدينة غزة وهو يوثق حجم الدمار الذي خلفه الاحتلال. فكان شاهدا على الحقيقة ثم شهيدا لها.
صالح الذي نجا من إبادة وقصف وحصار وجوع لأكثر من عامين استشهد أمس لا بغارة صهيونية إنما برصاص غادر ممن يفترض أنهم من أبناء جلدته.
صالح المبتسم، الباكي، الذي عرفناه من خلال البثوث المباشرة ومقاطع الفيديو التي كانت سلاحه وصوته للعالم استشهد أمس. ولكن المؤلم لا يكمن باستشهاده، فهذا مطلب كل حر يحمل في قلبه قضية أصيلة، إنما الألم الذي اخترق قلوبنا أن استشهادة كان على يد عناصر من عائلة "دغمش" الغزاوية.
ومع أنني تجنبت خلال مقالاتي التوثيقية اليومية بعد السابع من أكتوبر أن أتطرق لمثل هذه المواضيع، إلا أني اليوم اضطررت أن آتي على ذكرها، وكان يجب أن أدونها للتاريخ برغم ألم تدوينها، فقط من باب ذكر الحقيفة فيما يتعلق ببدء تصفية هذه العائلة من قبل وحدة سهم التابعة لكتائب القسام. ولماذا البدء بتصفيتها؟ لأن البعض بدأ يبث السموم ويدعي أن ما فعلته وحدة سهم ما هو إلا بداية حرب أهلية في القطاع..
لمن لا يعرف، ميليشيات عائلة "دغمش" المدعومة من الاحتلال نشطت خلال فترة الحرب على غزة، ومارست العار على أبناء شعبها، فشاركت عناصرها في تجويعهم والتعرض لشاحنات المساعدات وسرقة آلاف أكياس الطحين ومساعدات أخرى، كما تسببت باستشهاد العشرات من أبناء غزة، وغيرها من الأفعال التي يندى لها الجبين والتي لا يسعني الإتيان عليها في هذا المقال.
وصالح الذي قتلته رصاصات غدر هذه العائلة، ليس أول صحفيا يرتقي شهيدا وهو يؤدي واجبه تجاه أرضه وشعبه، غير أن رحيله كان مؤلما وصادما لأنه جاء بعد أن انتهت الحرب برصاص كان يجب أن يكون موجها لصدر العدو لا لصدر صالح العاري إلا من قلب يمتلئ بحب الوطن.
وكيف لا يكون خبر استشهاده صادما وهو الذي وقف في مواجهة الحقيقة يحمل كاميرته دون خوف كابن بار للأحياء المدمرة بصوته الإنساني العفوي الصادق، يعبر عما يعتمل في قلبه دون تكلف أو تصنع لأنه كان لغزة وكانت غزة له، فكان صوتا لها، واليوم هو شهيدها الذي يحق لها أن تبكيه بأرضها وسمائها وبحرها.
فمن سينقل أعباء وهموم ما بعد الحرب؟ من ينقل لنا وجع الأم حين تحتضن بقايا البيت الذي ضم أطفالها وكان قبرا لهم؟ من يخبرنا عن بكاء الرجال حين تفقد الحياة معناها؟
اليوم بقي الركام ورحلت يا شهيد الكلمة، سجلت انتصارا قبل هذا الرحيل لأنك كنت حرا وستبقى، ونقلت الصورة كاملة دون مواربة ، رحلت وتركت لنا الصمت الذي لن تملأه الكلمات.....
#بديعة_النعيمي (هاشتاغ)
Badea_Al-noaimy#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟