بديعة النعيمي
كاتبة وروائية وباحثة
(Badea Al-noaimy)
الحوار المتمدن-العدد: 8467 - 2025 / 9 / 16 - 11:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
*النازحون عطشى وجوعى… والمستشفيات تلفظ أنفاسها
آلاف الشيوخ والنساء والأطفال والمرضى يسيرون في قوافل نزوح على أقدام متشققة ومركبات متهالكة، يحملون بعض الأواني والملابس والأغطية.
عطش شديد بلا ماء للشرب، يلجأون للتيمم أو ماء البحر للصلاة.
جوع خانق بلا رغيف خبز، ولا يجدون ما يأكلونه لليوم التالي.
ملابس ممزقة وبالية، وما توفر يُعطى للنساء والأطفال.
لا خيام، لا مخيمات نزوح، لا دورات مياه… حتى قضاء الحاجة صار عذابًا.
الحاجة عاجلة: خيام، أغطية، فرش، دورات مياه متنقلة، طعام معلب، تمور، ملابس، وحقائب إسعاف.
الوضع الصحي ينهار: إجهاض يومي، وفاة أطفال خدج، مستشفيات معطلة، نقص أدوية وعلاجات.
إنها إبادة صحية وإنسانية حيث يلتقي الجوع بالمرض، والتشريد بالموت البطيء.*
بهذه الكلمات كتب الدكتور منير البرش، مدير عام وزارة صحة غزة، ما يشبه نداء في زمن الصمت والتواطؤ. قرأتها أكثر من مرة، إنها الحقيقة كما هي، الحقيقة التي تعري صمتنا وتقصيرنا تجاه غزة وقد تجاوز العدوان الدموي عليها أكثر من ٧٠٠ يوما، أو بالأحرى ٧٠٠ خيبة.
لم أكن أريد أن أكتب. بصراحة، لا أعرف ما الذي يمكن أن تضيفه الكلمات أمام هذا الألم. هناك شعور داخلي متواصل بالعجز… كأني محاصرة داخل غرفة زجاجية أرى من خلالها كل شيء، وأسمع كل شيء، ولكني أعجز عن فعل شيء.
أشعر بالضغط في كل تفاصيل حياتي اليومية. أشعر بالخجل وأنا أفتح حنفية الماء بسهولة، أو أحصل على وجبات طعامي أيضا بسهولة. هذا النوع من الرفاهية انقلب إلى عبئ أخلاقي ثقيل يجثم على صدري ويخنق أنفاسي.
أتابع أخبار غزة على مدار الساعة، ولا أدري لماذا أستمر، وكل خبر وجع جديد، وكل صورة ثقل يضاف إلى ثقل قبله. أُغلق الهاتف، ثم أعود بعد دقائق لأفتحه من جديد، ربما أبحث عن أمل واهن وسط الدم، أو عن ضحكة غابت تحت الركام.
الأصعب من كل ذلك هو الشعور أن كل ما أكتبه، لا يغير شيئا، لكني رغم ذلك أكتب. ربما لأُفرغ شيئا من هذا الضغط، أو لأذكر نفسي ومن يقرأ لي، أن الصمت خيانة.
لا أعرف ما الذي يمكن أن نفعله وسط هذا العجز، وأنا فقط أكتب، وأعلم أني لن أحدث فرقا، ولكن ربما لأقول إنني سمعت، وأنني رأيت كيف يخذل الأخ أخاه، وكيف يتركه فريسة لعدو دموي لا يرحم، رأيت قسوة الجوع وكيف يصبح سببا للموت في القرن الواحد والعشرين.
وربما أكتب لأن هذا أقل ما يمكن فعله حين يعجز كل شيء آخر، وحينما نتأكد أن أشياء في دواخلنا انكسرت ولم تعد كما كانت.
#بديعة_النعيمي (هاشتاغ)
Badea_Al-noaimy#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟