|
مضمون التضحيات في خطاب خالد مشعل
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 8493 - 2025 / 10 / 12 - 18:20
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سجِّل : أنا عربي ورقم بطاقتي خمسون ألف وأطفالي ثمانية وتاسعهم سيأتي بعد صيف …
طفر هذا المقطع من قصيدة محمود درويش :سجِّل أنا عربي ، إلى واجهة ذاكرتي حين استمعتُ إلى حديث : خالد مشعل ( فنحنُ لا تهمنا كثرة التضحيات طالما أرحام نسائنا خصبة ) القائد الاسبق لمنظمة حماس في ذكرى العمل العسكري الذي قامت به حماس في ما أطلقت عليه طوفان الأقصى : وهو طوفان لم يغرق سوى حماس وأهالي غزة وبدرجة أضعف اهالي الضفة الغربية ، ثم امتد تأثيره السلبي ليشمل اعضاء حلف ( المقاومة ) في لبنان وسوريا واليمن ، وتوسع ليغرق المنشآت النووية الإيرانية ، وما زال العراق معلقاً بانتظار الموقف من ايران بعد نهاية مؤتمر : شرخ الشيخ الذي سينعقد غداً الاثنين 13 / 9 … 2 ) نظرة حماس التي تتغذى منها آيدلوجياً تقوم على قلب الحقائق : ان لها منطق خاص في الرؤية يختلف عن منطق الرؤية لدى جميع البشر في مختلف عصورهم : منذ ايام أرسطو في القرن الرابع قبل الميلاد حتى أيامنا . اذ لا يوجد فرد واحد على ظهر البسيطة يقتنع بمنطق العقل الحمساوي الذي يرى بأنّ خسارة اسرائيل لألف وخمسمائة فرد قد وصمها بعار الهزيمة الشاملة ، في حين ان خسارة الفلسطينيين التي بلغت 160 الف فلسطيني لا تعني اي نوع من انواع الهزيمة بل تشير إلى نص ٍ مؤزر . منطق حماس في هذا الباب لا يختلف عن منطق الملل والنحل في التاريخ الإسلامي التي روت لنا كتب : الفرق بين الفرق للبغدادي ، والملل والنحل للشهرستاني ، ومقالات الإسلاميين للأشعري وملل ابن حازم الأندلسي : حكاياتها التي تنظر فيها كل طائفة منها إلى نفسها ( حتى لو كان عدد المؤمنين بتأويلها لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة ) بانها تجسيد حي لسر انتصار الإسلام واستمرار ديمومة انتشاره ، وبالمثل فان حماس ما زالت تؤمن على لسان خليل الحيّة - حتى وهي تدخل مفاوضات تسليم سلاحها وإجلائها من غزة - بان طوفان الأقصى قد فرض العزلة على اسرائيل ، وان امريكا سائرة الى فك الارتباط بها ، وعقد تحالفاً جديداً مع قطر وحماس … 3 ) ذاك لان حماس تنظر الى وجود بقايا منها على قيد الحياة ، بعد معركة : طوفان الأقصى هو معيار الانتصار ( وهو نفسه المعيار الذي كانت تقيس به أنظمة الانقلابات العسكرية : انتصاراتها في حروبها الخارجية ، فإعلامها يكللها بغار النصر طالما ظلّ جمال عبد الناصر في السلطة او ظل حافظ الاسد فبها ، وهو الانتصار نفسه الذي حققه صدام حسين في معركة احتلال الكويت طالما ظل حاكماً رغم الحصار ورغم تدمير العراق من اقصاه إلى اقصاه … 4 ) ولم تنظر حماس إلى هروبها من المواجهة وترك مليونين ونصف غزاوي أسرى بيد آلة الاحتلال الصهيونية : على انه هزيمة ، حتى والاحتلال العسكري يهدم منازلهم ، ويفرض عليهم العيش لسنتين كاملتين على شكل قطعان بشرية تسير على إيقاع أوامر نتنياهو : ولا تعد حماس اختفاءها عن الأنظار وعدم إطلاق طلقة واحدة بوجه قوات الاحتلال لأكثر من سنة : لا تعد ذلك وفق منطقها هزيمة : طالما ظل بعض جنودها يتجولون سراً بين الأنفاق وبين بعض تجمعات النازحين من اهالي غزة … 5 ) لم يحرك هذا الرقم المخيف من التضحيات البشرية الفلسطينية ( مائة وستين الف ضحية ) مشاعر خالد مشعل ولا تعاطفه ، مما يعطينا انطباعاً بليغاً عن دونية الانسان في وعي حماس ، وان ما تعلن عنه من مقاومة في سبيله : مجرد اكذوبة لا أساس لها من الصحة : فالإنسان في رؤيتها مجرد آلة واجبها العمل على الموت من اجل الارض : حتى لو لم تكن ثمة نتيجة إيجابية من هذا الموت العبثي . كان على خالد مشعل في تلك اللحظة التي يتحدث فيها عن ذكرى معركة الطوفان : ان يحرض ( إذ لم يكن يملك صلاحية اتخاذ القرار منفرداً ) على ضرورة احلال استراتيجية عمل جديدة محل استراتيجية معطلة عن فعل تحرير الارض على مدى 60 سنة . فيكون هو السبّاق إلى الوقوف بجانب اتخاذ القرار الصحيح ، الشجاع ، والإنساني : قرار وقف مذبحة الشعب الفلسطيني في غزة التي تسببت بها استراتيجية عمل لا تعمل الّا بالمزيد من التضحيات . عمر هذه الاستراتيجية في الميدان ستون سنة ، لكن من غير مردود إيجابي : فهي لم تحرر شبراً واحداً : واستقلال الضفة الغربية وغزة حصل نتيجة معاهدة أوسلو للسلام . وبدلاً من ذلك دعا خالد مشعل في كلمته إلى ضرورة مواصلة طريق التضحيات ، مع الدعوة إلى بعث : العمليات الانتحارية ، مذكراً بالتضحيات المليونية التي قدمها الجزائريون : في مقارنة تصر على قلب الحقائق وتزييفها . اذ لا يوجد اي وجه شبه في نتائج تضحيات الطرفين : اذ حسمت تضحيات الثورة الجزائرية المعركةَ لصالحها في تسع سنين ( 1953 - 1962 ) : فيما استمرّ الفلسطينيون يقدمون التضحيات المتوالية على مدى ستة عقود دون جدوى … 6 ) رأي خالد مشعل : في المزيد من التضحيات ، هو رأي أغلبية الفلسطينيين والعرب والمسلمين ( الذي قد يصبح رأي " أقلية متشددة " إذا نجح مؤتمر شرم الشيخ غداً في جعل السلام وإعمار غزة من نقاط الرئيس الأمريكي الواحدة والعشرين ، هي محور نشاطه السياسي ) . لقد تأسست في ضوء صيحة : " المزيد من التضحيات " اول استراتيجية " تحرير " فلسطينية : وظلت هذه الاستراتيجية تستنسخها المنظمات الفلسطينية من بعضها البعض منذ عام 1965 وهي تتغنى بإيقاع : " طالعلك يعدوي طالع من كل بيت وحارة وشارع " واتذكر انه كلما علا صوت المذياع في العراق بهذا النشيد الحماسي ، كلما تقافز الناس من تخوتهم الخشبية في المقاهي : معبرين عن لوعة فقدان : شارع او مدينة او حارة جديدة . لقد فقد الرعيل الذي كتب كلمات هذا النشيد : ما تبقى من فلسطين التاريخية من حارات وشوارع ومدن : فقدها تباعاً منذ لعلعت بندقية فتح عام 1965 ، وما تلاها من بنادق من مختلف المنظمات . وما قاله الرعيل الاول قبل 60 عاماً ، لا يختلف عما قاله خالد مشعل اليوم : بان التضحيات والمزيد منها هو المنهج السليم على طريق تحرير فلسطين … 7 ) تتمثل سمات هذا المنهج الأَرأَس ؛ بالتهرب من نقد الذات ، والانغلاق عليها ، وتمجيد خسائرها المهولة وتضحياتها الجسام ، والولع بتزييف حقائق الميدان ، وذلك بتحويل ااهزائم الى انتصارات تاريخيّة . ويجد هذا المنهج جذوره في سلطة الفقه الإسلامي الذي يرفض النقد : ويعده نوعاً من الضلال والهرطقة والانحراف عن الأصول التي قننها وقَعّدها السلف الصالح في كل فروع المعرفة ، وكل نقد عند الفقهاء : هو بالضرورة تآمر على الذات الدينية … 8 ) انتج هذا المنهج نوعين من الهزائم والانكسارات : تتمثل الهزيمة الاولى بخسارة القضية الفلسطينية لعمقها العربي بعد معركة أيلول الأسود 1970 ، اذ حاولت فتح ان تفرض ارادتها على سيادة الأردن والملك حسين ، وتجعل عمان هانوي اخرى تقارع الصهيونية والإمبريالية : وهو ما لا قدرة للمجتمع الأردني على دفع فاتورته المرهقة ( وهنا تتوضح أولى حقائق تزييف الواقع : فبدلاً من ان تقوم قيادة منظمة فتح بالمقارنة بين عمان الأردنية التي تتلقى المساعدات من المعسكر الذي تنوي فتح محاربته ، وببن هانوي الفيتنامية التي تتلقى مساعدات ضخمة من المعسكر الاشتراكي ، وان تقارن قبل ان تقدم على اي احتكاك عسكري مع الجيش الأردني : بين قيادة " هوتشي منة " على رأس حزب ( ذي انضباط حديدي - لنين ) وبين قيادة ياسر عرفات الذي لم تكن قيادة منظمته الفدائية مشغولة تماماً بقضية التحرير ، والّا لتلافت الوقوع بمواجهة عسكرية مع الجيش الأردني ، ولما سمحت لياسر عرفات بان يورث زوجته وبنته قصراً في فرنسا ، فيما لم يخلف " هوتشي منة " سوى خفين مطاطين ( مسرحية الرجل ذي الخف المطاطي ) . عام 1970 تم ترحيل منظمة فتح إلى لبنان فاستغرقتها مشاكل لبنان الداخل ، ولم تستطع تغليب تناقضها الأساسي مع الاستعمار الاستيطاني على تناقضاتها مع طوائف لبنان وأحزابها اليمينية : فتم ترحيلها إلى تونس سنة 1982 ، ولم تعد إلى الضفة الغربية وغزة إلا بمفاوضات سلام ( أوسلو ) ومنذ وفاة ياسر عرفات : لم تنجز سلطة الرئيس محمود عباس اي مأثرة : عدا اجراء انتخابات يتيمة … 9 ) وتتمثل الهزيمة الثانية بعزل القضية الفلسطينية عن منهجها السلمي الذي باشرته منظمة فتح ( بعد انكساراتها المتوالية ) باتفاقية أوسلو . وقد لعبت حماس دور عزل القضية الفلسطينية عن مسار السلام ، ومنعها من بلوغ مستوى التعايش والعيش المشترك مع اليهود . فحماس لم تنشأْ نتيجة الشعور بالحاجة إلى وجود مقاومة للاحتلال ( فالمقاومة موجودة ) بل نشأت كنقيض استدعى وجوده الموروث الإسلامي ليكون نداً لمنهج منظمة فتح السلمي الجديد . وفي هذه النديّة ستلتزم حماس بتنفيذ تأويلها الديني الذي يطالبها بتكفير : خط السلام والتعايش مع اليهود وفق صيغة تتبلور خلال حوار متواصل . وفي قرار الوقوف بوجه الحل السلمي أطلقت حماس. انتفاضة الحجارة الثانية ليكون التأسيس الفعلي لحماس متزامناً مع بروز الحركات التكفيرية للمجتمعات العربية التي قام ستراتيجها على تكفير المجتمعات العربية وعلى هجرها ثم العودة اليها وحملها بالقوة على تنفيذ احكام الإسلام كما يراها تأويل هذه الجماعات …
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فرحة اهالي غزة يجب ان تكتمل
-
غالب الشابندر
-
حين يتواضع الطغاة
-
عالم الاجتماع علي الوردي ، وبرنامج : - سجال
-
قطر والإخوان وقنابل اسرائيل
-
قبائل البدون ومؤتمر التضامن
-
اعرف عدوّكَ اولاً
-
إمارة قطر مثل الجمهورية الإسلامية :بلا غطاء جوي
-
الحشد الشعبي : ظاهرة من ظواهر التخلف
-
وصاية الإطار التنسيقي ونتيجة الانتخابات الحرة
-
خناق زعاطيط البرلمان العراقي
-
حول دعوة الفصائل المسلحة ( الوقحة ) لتسليم سلاحها
-
الاخوة في الفن : فكرة عبّد الله سنارة
-
سياسة حماس التافهة
-
ثورة 14 تموز
-
لقحوا سياساتكم بشيء من الإنسانية
-
في الذكرى السنوية لعيد ميلادي في الاول من تموز
-
نصوص : اولاً ، نص القصيدة
-
أطراف الحرب الثلاثة : مَن المنتصر ؟؟
-
ايران : البحث عن شرعية جديدة للحكم
المزيد.....
-
خوري يلتقي بطريرك القدس للاتين في عمّان ويؤكدان أهمية تعزيز
...
-
ما رمزية ودلالات زيارة بابا الفاتيكان القادمة إلى تركيا؟
-
بابا الفاتيكان: نتمنى أن يكون وقف إطلاق النار في غزة سلام عا
...
-
بابا الفاتيكان يصف وقف إطلاق النار في غزة بـ-شرارة أمل-
-
رئيس الكونغرس اليهودي العالمي يدعو لإطلاق سراح البرغوثي.. وإ
...
-
جدل بسوريا بعد ظهور اسم حافظ الأسد على مئذنة الجامع الأموي ب
...
-
مسيحيو العراق قلقون: تمثيلنا يُختطف من قبل جماعات مسلحة والك
...
-
جدل الإجازات في ألمانيا .. عندما تصطدم الأعياد الدينية بجداو
...
-
تقرير: إسرائيل تجند طلابا يهودا من العالم للانضمام لجيشها وم
...
-
حرس الثورة الاسلامية يكرم الاعلامية سحر إمامي
المزيد.....
-
كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان
/ تاج السر عثمان
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
المزيد.....
|