أسامة خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 8493 - 2025 / 10 / 12 - 14:10
المحور:
القضية الفلسطينية
كاتب فلسطيني
في ظل الأحداث الجارية والاتفاق على المرحلة الأولى من وقف الحرب على غزة وتبادل الأسرى، تبرز ضرورة التوافق الوطني على استراتيجية وطنية لمواجهة استحقاقات المرحلة الثانية من خطة ترامب، هذه الخطة تربط بين ترتيبات إنهاء الحرب وبين المستقبل السياسي لقطاع غزة، وصولاً إلى فتح «مسار نحو حق تقرير المصير الفلسطيني وإقامة الدولة». امتحان الخطة الأول أن خطة ترامب تطرح هذا المسار باعتباره «طرف خيط» لو قدرنا على إمساك بدايته قد نصل إلى نهايته، وإنجاز كل بنود المرحلة الأولى شرط للدخول في المرحلة الثانية، وهي أخطر من المرحلة الأولى. وثانيها أن اسرائيل تسعى إلى تجزئة خطة ترامب إلى مراحل من أجل إضاعة «طرف الخيط الآخر»، فالنهج الإسرائيلي كان دائماً يسعى لكسب الوقت، ومساعي نتنياهو لإطالة أمد الحرب، واليمين الحاكم يقوم بمحاولات دؤوبة لتخريب المسار التفاوضي وتعطيل الاتفاق، ووأد أي فرصة لوقف العدوان، وممارسة التفاوض لأجل التفاوض، أو التفاوض أداة لتحقيق الأهداف التي تعجز عن تحقيقها في ساحة القتال، وقد خبرنا السياسة الاسرائيلية بصفات عدم التزام المبادئ، وعدم الوفاء بالعهود، مما يقود إلى عدم الاطمئنان إلى حسن نيات الطرف الإسرائيلي، حيث التخوفات من نقض تعهده بوقف الحرب على غزة، وأن يستأنفها بعد أن تطلق حركة حماس سراح الاسرى الأحياء والأموات، كما فعل في آذار/مارس الماضي عندما خرقت اتفاق 15 كانون الأول/ يناير 2025 لإنهاء الحرب. سياسة الخداع سلوك راسخ في الاتفاقيات والمفاوضات كوسيلة للمناورة والتهرب من الالتزامات، جعل الوفد الفلسطيني يطلب بإصرار ضمانات في مرحلة التنفيذ.
يرى وزير خارجية إيران عباس عرقجي التفاوض عنصراً فعّالاً وأصيلاً في ممارسة السياسة الخارجية لأي دولة، وجزء من مسار تدوينها، ومن دون استخدامه استخداماً صحيحاً ومنطقياً لا يمكن استثمار القوى المتعددة الأبعاد، الخشنة والصلبة، والناعمة والذكية، في تحقيق الأمن والمصالح الوطنية، أو القومية.
ذلك في كتاب «قوة التفاوض: مبادئ وقواعد المفاوضات السياسية والدبلوماسية»، من أبرز إسهامات هذا الكتاب تركيزه على العلاقة بين القوة الوطنية ونجاح المفاوضات.
ما زال درب التفاوض طويلاً وشاقاً، وهو درب وطني يشمل الجميع من حيث مقدماته ونتائجه، وليس شأناً فصائلياً محدود التمثيل،واجتياز هذا الدرب يشبه اجتياز حقل ألغام في ساحة حرب وصراع إرادات وحسابات موازين القوى، وخطة ترامب مليئة بالألغام الهادفة إلى المس بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس وعودة اللاجئين. وما يجعل دور «م. ت. ف.» في التفاوض ذا أهمية من أيِّ وقت مضى، الرغبة الدولية المتزايدة بتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، ووضوح أهداف تقسيم المسار التفاوضي إلى مراحل، أسباب عديدة تؤكد ضرورة تشكيل وفد فلسطيني موحد تحت راية «م. ت. ف.»، يتولى إدارة المفاوضات حول تطبيق خطة النقاط العشرين التي طرحها الرئيس ترامب، بما يقطع الطريق على أية بدائل للحل الوطني لمستقبل قطاع غزة، بما في ذلك فرض الوصاية عليه، وفصل الضفة الغربية عن القطاع، بما يسمح لإسرائيل بضمها وفرض السيادة عليها. وصفت المفاوضات بالمفاوضات الماراثونية، كل خطوة غير محسوبة ومدروسة تؤدي إلى خطر أكيد، يهدد المسار التفاوضي المحتاج إلى يقظة وطنية عالية ومتابعة دقيقة لآلية تنفيذ الاتفاق لضمان نجاحه.
وقد فاوضت حركة حماس بالنيابة عن الجميع، حاورت وشاورت الفصائل الفلسطينية الأخرى، وأعدت رداً على خطة ترامب في إطار مهلة الثلاثة إلى أربعة أيام. ويتوقع عندما يحين وقت التفاوض على المرحلة الأخيرة بما يخص حل الدولتين، أن تحاول واشنطن وتل أبيب نقل التفاوض من حركة حماس إلى السلطة الفلسطينية، وأن تلعب على هذا الوتر، مما يتطلب بشدة توحيد الفريق الفلسطيني المفاوض تحت راية «م. ت. ف.».
مباحثات السلام في الشرق الأوسط ومفاوضات إقامة الدولة الفلسطينية، أمور من أعقد وأصعب جولات التفاوض، وتزداد تعقيداً بتوسع الاستيطان في الضفة الغربية وتعنت الطرف الإسرائيلي، وإنكاره حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. أولى احتياجات الوفد المفاوض الذي يمثل الكل الفلسطيني دعم راسخ من القوة الوطنية المتمثلة في وحدة الصف والموقف الوطني مدعوماً بمرجعية شاملة تمنح الفريق المفاوض القوة والثبات، تعدُّ قوة الحوار نفسها أحد عناصر القوة الوطنية. فلا يمكن تحقيق الأهداف الوطنية، في ميزان القوى الراهن دون الحوار. تعرّض الوفد المفاوض للضغوط والعقوبات والتهديد بفتح أبواب جهنم، ووصف بالإرهاب، بهذه الذريعة تعرض لمحاولة اغتيال على أرض قطر الدولة التي تقوم بدور الوسيط، في هذا السياق ارتفعت أصوات فلسطينية فردية تطالب الوفد المفاوض بالخضوع للمطالب الإسرائيلية والأميركية وتسليم أسرى العدو بلا ثمن.
مصادر قوة المفاوض الفلسطيني، وتعديل اختلال ميزان القوى اعتماد استراتيجية تفاوضية متفق عليها في الإطار الوطني، مستندة إلى صلابة صخرة الصمود الفلسطيني، وثبات كل أبناء شعبنا على مدار عامين، وبطولات المقاومين وشجاعتهم وإلحاقهم خسائر فادحة بالعدو، وصلابة جبهات الإسناد ولاسيما في اليمن الذي وقف إلى جانب شعبنا ومقاومته، وقدم الشهداء، وقوة الانتفاضة العالمية ضد حرب الإبادة، وسيل الاعتراف الدولي بدولة فلسطين. وأهمية التنسيق مع الدول الثماني العربية والإسلامية التي ساهمت في صياغة الخطة، فالمفاوضات الناجحة تتطلب أوضاع متماثلة من حيث القوة، ومستوى أعضاء الوفد، وعدد الخبراء فيه، وتنوعهم. ولا تُعقد في موقف ضعف كخطأ قبول التفاوض تحت القصف، الذي ميز المرحلة الأولى، وأدخل في اعتبارات المفاوض أعداد الشهداء الذين يرتقون بالعشرات كل يوم، شلال الدم النازف هذا يهدف إلى استسلام الطرف الأضعف بقوة النيران بعدما ينهكه الزمن والضربات المتواصلة بالقنابل الثقيلة، ولحسن الموقف فهذا أمر لن يدخل في حسابات المراحل المقبلة من التفاوض.
الدبلوماسية وحدها لا تكفي، وكذلك شخصية المفاوض الناجح الذي يتمتع بالذكاء والمعرفة والانضباط النفسي، ولا مهارته في الإقناع والقدرة على إنهاء التفاوض في الوقت المناسب، لا بد من ركيزة صلبة تدعمها القوة الوطنية، وتماسك الموقف الداخلي، وضبط التوقعات، وتقدير اللحظة المناسبة للضغط أو التنازل، مع أهمية إعداد سردية إعلامية داعمة.
طريقة المفاوضات وأسلوب تقديم خطط عبر الوسطاء لم توضح استراتيجية رئيسية ولا استراتيجيات بديلة للمفاوض الفلسطيني، فبعد أن يستلم الوفد المفاوض مقترحاً، وغالباً ما كان المقترح إسرائيلياً، يُقدم على أنه أميركي قد صاغه المبعوث الأميركي ويتكوف، تصف الولايات المتحدة دورها في المفاوضات أنها وسيط في حل الصراع في فلسطين، لكن في انحيازها المطلق لإسرائيل لا تقدم حلولاً متوازنة، بل خططاً تخدم مصالح اسرائيل الاستراتيجية. وتوضع الكرة في ملعب حركة حماس لترد على الخطة، وحين تضع ملاحظات أو تعديلات تتهم بأنها ترفض المقترح، ويتم تحميلها مسؤولية عرقلة عملية السلام وإنهاء الحرب. من خلال هذه الردود يمكن التمييز بين الأهداف الثابتة التي لا تتغير، أولوية وقف العدوان على شعبنا، والتمسك بإطلاق سراح أصحاب المؤبدات في سجون الاحتلال، سلاح المقاومة، انسحاب الجيش الإسرائيلي. أما الأهداف التكتيكية فتتغير بناء على المرونة وحسابات الربح والخسارة، كتخلي حركة حماس عن حكم قطاع غزة أو المشاركة فيه.
لقد دفع شعبنا ثمناً باهظاً في معركة الصمود والتصدي لحرب الإبادة التي يشنها العدو. ويجب ألا تضيع هدراً حجم تضحيات شعبنا، هذه مسؤولية تاريخية لن ينجو من الحساب على إهدارها أحد. مسؤولية الوفد الفلسطيني المفاوض أن يضع نصب عينيه مطالب أبناء شعبنا بوقف حرب الإبادة، وإنهاء العدوان على غزة، وانسحاب الاحتلال ورفع الحصار.
#أسامة_خليفة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟