التعاونيات رافعة للاقتصاد الوطني الفلسطيني: تقييم واقعٍ واستراتيجية تأهيل وإصلاح

علي ابوحبله

الحوار المتمدن-العدد: 8492 - 2025 / 10 / 11 - 12:05
المحور: القضية الفلسطينية
    

اعداد وتقرير المحامي علي أبو حبلة —
تُعدّ الحركة التعاونية في فلسطين أداةً محتملةً لتعزيز الصمود الاقتصادي المحلي، ودعم القطاعات الإنتاجية الريفية والحضريّة، وتقليص الاعتماد على المساعدات الخارجية. ومع ذلك، يشهد القطاع تحديات تنظيمية ومالية وإدارية كبيرة؛ فجزء من التعاونيات لم يعُد يمارس دوره التشاركي وطني الطابع، بل عانت ظواهر تفرد واستحواذ وكسب غير مشروع. تتضمن هذه الورقة بيانًا موجزًا لحجم القطاع ومساهمته النسبية، مراجعةً للتأطير القانوني الحالي، تشخيصًا لأبرز الاختلالات، ثمّ حزمة سياساتية واستراتيجية لإعادة التأهيل وضمان مساهمة فعّالة وطويلة الأمد للتعاونيات في الناتج المحلي الفلسطيني.
1. المقدّمة والإطار المنهجي
تعتمد الورقة على مراجعة أدبيّة وتقارير وطنية ودولية ذات صلة، مع استخراج أبرز المؤشرات الإحصائية المتاحة حول عدد التعاونيات، عضويتها، وحجم أصولها وتأثيرها في قطاعات الزراعة والسكن والخدمات. تُقدَّم هنا مقاربة سياسة عامة تهدف إلى إعادة وضع التعاونيات كرافعةٍ للاقتصاد الوطني، لا كمؤسسات مساعدة أو جمعيات خيرية فحسب.
2. حجم القطاع والمؤشرات الكمية (أحدث أرقام متاحة)
عدد التعاونيات النشطة (الضفة الغربية — إحصاءات حديثة مرجعية): في بيانات جمعيات ومنظمات الحركة التعاونية ورد أن عدد التعاونيات الفاعلة يصل إلى نحو 342 جمعية تعاونية، بعد حصر نشط سلَّطه مرجعو الحركة التعاونية والإتحادات التعاونية. كما تُشير تقارير الجمعيات الموحدة إلى نحو 39,370 عضوًا في التعاونيات النشطة، مع نسبة مشاركة للنساء بلغت نحو 30.9%، ونسبة تعاونيات نسائية كاملة تقارب 12.6%. هذه أرقام مرجعية أساسيّة لفهم بنية القطاع وسعة العضوية.
قيمة وأصول التعاونيات ومرتكزات التوظيف: دراسات محلية قدّرت أن رأس المال والأصول في قطاع التعاونيات بالضفة لا يتجاوز أرقامًا متواضعة (مرجع دراسة سابقة قدّر أصولًا إجمالية تقارب 147 مليون دولار في الضفة)، وأن مساهمة القطاع في التشغيل والاقتصاد الوطني تبقى هامشية مقارنة بالقطاعات الأخرى؛ حيث توضح دراسات سابقة أن نسبة العمالة التي يوفرها القطاع التعاوني متواضعة (مثال: نحو 2.7% من قوة العمل حسب دراسات سابقة). هذه الأرقام تشير إلى حاجةٍ لرفع حجم وقيمة التعاونيات لتلعب دورًا اقتصادياً ملحوظًا.
مساهمة القطاعات المرتبطة (خاصة القطاع الزراعي): القطاع الزراعي كمجال رئيسي لعمل العديد من التعاونيات يسهم بنسب متغيرة في الناتج المحلي؛ تقارير بيّنت تراجع حصة الزراعة من إجمالي الناتج عبر عقود (مثال: من نحو 32% في الستينات إلى مستويات أقل بكثير، مع تقديرات حديثة لقطاع الزراعة بنحو 3–5% من الناتج المحلي حسب مصدر إحصائي وطني). لذا فإن رفع أداء التعاونيات الزراعية يمكن أن ينعكس إيجابًا على الناتج المحلي، خاصة إذا تم استغلال مساحات غير مستخدمة وإعادة تأهيل السلاسل الإنتاجية.
ملاحظة منهجية: الأرقام أعلاه مصدرها تقارير حركية التعاونية ومنشورات دراسات وطنية ودولية؛ بعض المؤشرات الإحصائية القطاعية (مثل مساهمة التعاونيات مباشرةً في الناتج المحلي) ليست دائماً منشورة بصورة منفصلة في قواعد بيانات وطنية رسمية، لذا قامت الورقة بالجمع بين بيانات الحركات التعاونية ودراسات تحليلية وطنية وإقليمية لتقديم أفضل تقديرٍ ممكن.
3. الإطار القانوني والتنظيمي الحالي
المرجعية التشريعية الأساسية: تم توحيد الإطار القانوني للتعاونيات في فلسطين عبر المرسوم التشريعي رقم (20) لسنة 2017 الذي نظّم عمل التعاونيات وأنشأ جهة تنظيمية تروّج وتُسجّل التعاونيات (جهاز أو مفوّضية تعاون بحسب التسمية التنفيذية). هذا المرسوم حل محل تشريعات قديمة (منذ الطور العثماني/الانتدابي) وأتى كخطوة لتحديث الحوكمة التعاونية. مع ذلك، أشارت دراسات تحليلية إلى وجود ثغرات تنفيذية واحتياج لنظم فرعية ولوائح تنفيذية واضحة وتطبيق فعَّال.
الهيئات الرقابية والإشرافية: تأسيس «هيئة/مفوضية الشغل التعاوني» (Cooperative Works Agency / CWA) كجهة تنظيمية يعتبر تقدماً؛ لكن فعالية الإشراف تتطلب موارد بشرية وهياكل رقابية ومسوغات قانونية تؤهلها للتحقق الميداني والمالي المستمر. كما تتقاطع مسؤوليات عدة جهات وزارية (العمل، الاقتصاد، القضاء والداخلية) مما يوجب توضيح الأدوار لتفادي تداخل أو فراغ رقابي.
4. تشخيص الاختلالات الأساسية
1. التحول من الطابع التشاركي إلى التفرد والملكية الخاصة: حالات تحويل التعاونيات إلى «ملكية خاصة فعلية» من قبل إدارات/أفراد أدت إلى تفريغها من أهدافها التعاونية، واستغلال الموارد لغايات شخصية. هذه ظاهرة تم رصدها في شكاوى وتقارير رقابية، وبعض الملفات أُحيلت للجهات المختصة لملاحقة حالات الكسب غير المشروع.
2. نقص الشفافية والمساءلة المالية: غياب آليات معيارية للحوكمة (قوائم حسابية معيارية، تدقيق خارجي إلزامي، إفصاحات دورية) يسهل الاختلاسات ويحد من ثقة الأعضاء والمموّلين.
3. ضعف رأس المال والربط بسلاسل القيمة: أصول قطاع التعاونيات محدودة وتفتقر إلى برامج ربطٍ فعّالة مع الأسواق الوطنية والإقليمية، ما يحدّ من قيمتها المضافة ومساهمتها في الناتج.
4. إطار تشريعي وتنفيذي غير مكتمل التطبيق: بالرغم من إصدار مرسوم توحيد القوانين، تبقى اللوائح التنفيذية والأنظمة الفرعية ضرورية لتعبيد آليات التسجيل والترخيص والتفتيش وتنفيذ العقوبات.
5. الرؤية الاستراتيجية والأهداف المقترحة (على المدى القصير والمتوسط والطويل)
الرؤية: تعاونيات فلسطينية قوية، شفافة، ومترابطة بسلاسل القيمة الوطنية تُسهم بوضوح في الناتج المحلي وتخلق وظائف مستدامة وتدعم صمود المجتمع الفلسطيني.
الأهداف الكمية والجودة (أمثلة):
رفع عدد التعاونيات الفاعلة والمُنظمة بنسبة 30–50% خلال خمس سنوات عبر برامج تمكين وإعادة تأهيل.
زيادة مساهمة التعاونيات في الناتج المحلي (مباشرة/غير مباشرة) عبر زيادة الإنتاجية وربطها بالأسواق المحلية والإقليمية — استهداف زيادة قابلة للقياس في قيمة الإنتاج/الصادرات التعاونية خلال 3–5 سنوات.
تحقيق شفافية مالية كاملة (تدقيق سنوي إلزامي، نشر تقارير مالية مختصرة لأعضاء كل جمعية).
6. توصيات سياساتية وإجرائية عملية (قابلة للتنفيذ)
أ. حوكمة وشفافية ومسائلة
1. إلزام التدقيق الخارجي السنوي لجميع التعاونيات التي يتجاوز رأس مالها أو إيراداتها حدًا معيّناً؛ ونشر ملخّصات مالية موجزة للأعضاء.
2. نظام مركزي لسجل التعاونيات وبياناتها المالية تديره مفوّضية التعاون (CWA) مع واجهة إلكترونية تتيح تتبّع التسجيل، الأعضاء، وتاريخ الشكاوى والإجراءات التأديبية.
3. آلية تحقيق قضائية وإدارية تسري بصرامة على حالات الكسب غير المشروع والتحايل؛ والتنسيق مع هيئة مكافحة الفساد لتسريع التحقيقات وإحالة الملفات.
ب. تشريعات وتنظيمات تنفيذية
4. إصدار لوائح تنفيذية للمراسيم الحالية تشمل شروط التأسيس، القواعد المحاسبية الواجب اعتمادها، نموذج أنظمة داخلية إلزامية، ومعايير فصل الأدوار بين الإدارة والمجلس.
ج. تمويل ودعم إنتاجي
5. صندوق إعادة تأهيل ودعم التعاونيات بمنح ومنحٍ مشروطة وقروض ميسّرة مخصصة لإدخال التكنولوجيا، التغليف، التسويق وربط التعاونيات بسلاسل القيمة ووقف كل اعمال الاستغلال عن طريق خلق مشاريع وهمية
6. برامج تربوية وبناء قدرات: تدريب أعضاء مجالس الإدارات والمحاسبين والمنتجين على الحوكمة، التسويق، وإدارة السلاسل.
د. ربط بالسياسات الوطنية والمناصرة
7. ربط استراتيجيات التعاونيات بخطط الأمن الغذائي والاقتصاد المقاوم، وإدراج التعاونيات كأولوية في برامج التنمية الريفية وسياسات دعم الصمود (مثل استصلاح الأراضي، المياه، تسهيلات التصدير).وتحت رقابة صارمة
هـ. تمكين المرأة والشباب
8. سياسات تشجيعية لتأسيس تعاونيات نسائية وشبابية (حوافز مالية، منح تأسيسية، برامج إرشاد تسويقي) لرفع مشاركة النساء والشباب في النشاط الاقتصادي التعاوني.
7. آليات تنفيذ ومؤشرات قياس (M&E) مقترحة
مؤشر 1: عدد التعاونيات النشطة المُسجَّلة سنويًا. (قاعدة مقارنة: 342 التعاونية النشطة — مرجع)
مؤشر 2: نمو قيمة الإنتاج التعاوني (دولار/سنة).
مؤشر 3: نسبة التشغيل المباشر الموفّر من قبل التعاونيات (نسبة مئوية من قوة العمل).
مؤشر 4: حجم القروض/المنح المُقدَّمة للتعاونيات ونجاح إعادة الاستثمار.
مؤشر 5: عدد وقائع الرقابة والمخالفات المحالة ونتائج التحقيقات (مؤشر للشفافية والمساءلة).
8. خاتمة واستنتاجات استراتيجية
التعاونيات الفلسطينية تمتلك رصيدًا تاريخيًا ومجتمعيًا مهمًا يجعلها مرشحة لأن تكون رافعة استراتيجية للاقتصاد الوطني. لكن ذلك يتطلّب إصلاحًا مزدوجًا: إصلاح سياسي-تشريعي (لوائح تنفيذية، موارد مفوّضة) وإصلاح تشغيلي-مالي (حوكمة، تدقيق، تمويل)، إلى جانب دعم تقني ولوجستي يربط التعاونيات بالأسواق. معالجة حالات الاستحواذ والكسب غير المشروع ليست رفاهية بل شرط ضروري لاستعادة ثقة الأعضاء والمجتمع، ولجعل التعاونيات محركًا فعليًا للنمو والتشغيل.
المراجع الأساسية (مقتطف مختار للقراءة والاقتباس)
1. ICAAP / Palestine Country Snapshot — «Cooperatives in Palestine» (بيانات: 342 تعاونياً، 39,370 عضوًا، نسب مشاركة النساء).
2. Coops4Dev — Palestine Key Figures / Legal Framework Analysis (مرسوم/قانون التعاونيات رقم 20 لسنة 2017 وتفسيرات حول الحاجة للوائح تنفيذية).
3. MAS — «Reforming the Cooperatives Sector in Palestine» (تقديرات حول أصول القطاع وحجم التوظيف النسبى ~2.7%).
4. تقارير رسمية وإحصائية من الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (PCBS) — «Palestine in Figures 2024 / الإحصاءات الوطنية» (لمؤشرات الناتج المحلي وتكوين القطاعات).
5. دراسات قطاعية حول التعاونيات الزراعية وقيمتها الإنتاجية (COMCEC / دراسات زراعية) كمراجع مساعدة حول مساهمة التعاونيات الزراعية في قيمة الإنتاج.

#علي_ابوحبله (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل