أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - علي ابوحبله - رواية الفساد والفاسدين














المزيد.....

رواية الفساد والفاسدين


علي ابوحبله

الحوار المتمدن-العدد: 8489 - 2025 / 10 / 8 - 00:12
المحور: قضايا ثقافية
    


بقلم: المحامي علي أبو حبلة
الفصل الأول: الميراث الملعون
في ذلك المساء الرمادي، حين كانت الشمس تلفظ آخر أنفاسها خلف أفقٍ ملبّدٍ بالغيوم، عمّ صمتٌ ثقيل في بيتٍ فخمٍ تتدلى من سقفه ثريّاتٌ باهتة لا تضيء شيئاً سوى الغبار العالق على جدران الزمن.
على السرير العريض، كان الشيخ المريض يلفظ أنفاسه الأخيرة، محاطًا بأنفاس الممرضة وضجيج الأجهزة الطبية. ذلك الرجل، الذي عُرف في الأوساط السياسية والمالية باسم “الرجل الذي لا يُسأل من أين له هذا”، كان يتهيأ لمغادرة الحياة، وهو لا يزال يتشبث بآخر أسرارها.
اقترب منه ابنه الوحيد، شابٌّ لم يتجاوز الثلاثين، يحمل في عينيه نظرةً حائرة بين الحزن والطمع، وقال بصوتٍ متهدّجٍ تختلط فيه البراءة بالفضول:
> – علّمني يا أبي، في علم الفساد علماً لا أسأل بعده أحداً.
ابتسم الأب ابتسامةً مشوبةً بالمرارة، ثم قال بصوتٍ مبحوحٍ يخرج من عمق التجربة:
> – يا بُنيّ… للفساد قواعد وأصول، من جهلها غرق، ومن أتقنها ساد.
وهكذا بدأ الدرس الأخير في حياة الأب، والدرس الأول في حياة الابن.
الفصل الثاني: وصايا الظلال
أشار الأب بيده المرتجفة، كمن يرسم خريطةً سرية على هواء الغرفة، وقال:
> – اسمع يا بني، فهذه الوصايا هي مفتاح الملك، إن حفظتها فستعلو، وإن نسيتها فستُؤكل قبل أن تذوق الكعكة.
ثم تلاها واحدة تلو الأخرى، بصوتٍ يشبه تعاويذ الكهنة:
1. لا تكن وحدك.
الفساد لا يعيش في العزلة، بل في الجماعة. الفاسد الفرد يسقط، أما العصابة فتبقى ما بقيت المصالح.
2. اقترب من الكبار.
ابحث عن الذين يقال عنهم "فوق القانون"، فبهم تُفتح الأبواب المغلقة، وتُختصر المسافات نحو المجد الملوث.
3. احذر أن تأخذ أكثر مما يُعطى لك.
في مائدة الفساد، من يأخذ أكثر مما يستحق، يُطرد قبل أن يُهضم الطعام.
4. كن كريماً.
وزّع فتاتك على الصغار، فهم جنودك المخلصون يوم ينقلب السحر على الساحر.
5. كن فاسداً قانونياً.
المختلس البدائي يُسجن، أما المحترف فيُصفّق له الناس ويُمنح الأوسمة.
6. أخفِ الأدلة، وأغرقها في أول مجرى للمياه.
فالأثر هو العدو الوحيد للفاسد الناجح.
7. لا تخف ولا تخجل.
نحن إمبراطورية تمتد من المكاتب إلى البرلمانات، من الوزارات إلى المعابد.
8. أقم الحفلات.
كلما ارتفعت الموسيقى، نامت الضمائر، وازداد الولاء.
9. غيّر لغة الجريمة.
لا تقل "رشوة"، قل "عمولة". لا تقل "سرقة"، بل "مكافأة مستحقة". فالأسماء تُجمّل القبح.
10. تحدّث عن النزاهة.
أكثر من الخطب، واشتم الفساد علناً، فذلك يحميك من الشبهات.
11. اغسل صورتك بالإعلام.
ابحث عن بوقٍ مأجور يجمّلك متى احتجت، ويغسل وجهك متى اتّسخ.
12. اعلم أن الفساد معدٍ.
حتى الشريف إذا لمس المال كثيراً يضعف يوماً ما.
13. ابتعد عن المثقفين.
فهم مشغولون بخلافاتهم، ولن يلتفتوا إليك إلا بعد فوات الأوان.
14. القاضي الفاسد كنز.
اشترِ ذمته، فهو وحده من يمنح الشرعية للقبح.
15. احذر الشفافية.
فهي بداية النهاية، فحاربها كما يحارب الليلُ الفجر.
16. وأخيراً…
عدوك الأول هو الضمير. إن أفاق من غيبوبته، انهارت مملكتك.
أنهى الأب وصيته، وأسلم روحه مبتسماً كمن ترك إرثاً أثمن من المال نفسه.
الفصل الثالث: صعود الابن
مرت أيام العزاء ببطء، وبدأ الابن يمارس الطقوس التي علّمه إياها أبوه.
أعاد فتح المكاتب القديمة، جمع الوجوه التي كانت تبتسم للأب، وأعاد شبكة الفساد إلى الحياة كما يُعيد ساحرٌ دميةً إلى الحركة.
شيئاً فشيئاً، صار اسمه يُذكر في المجالس، وتُفتح له الأبواب المغلقة. تعلم لغة التبرير، وتفنن في توزيع الفتات على الصغار. حتى الإعلام بدأ يصفه بـ«رجل المرحلة».
كان يسير على خطى أبيه بدقةٍ مذهلة، وكأن الدم يحمل ذاكرةً لا تُنسى.
لكن في كل ليلةٍ، حين ينطفئ كل شيء، كان يسمع صوتاً خافتاً يأتي من داخله، يسأله سؤالاً واحداً لا يجد له جواباً:
> – إلى متى يا أنا؟
الفصل الرابع: لحظة الصدع
في إحدى الليالي، عاد إلى بيته متعباً بعد اجتماعٍ طويلٍ مع بعض المسؤولين. كان المطر يقرع النوافذ بعنفٍ، فجلس قرب المدفأة، وأخرج الورقة التي كتب فيها وصايا أبيه بخطٍّ مرتجف.
قرأها من البداية حتى النهاية، وفي كل سطرٍ كان يشعر أن الكلمات لم تعد مجرد نصائح، بل سلاسل تكبّله.
وعندما بلغ القاعدة الأخيرة – «عدوك الأول هو الضمير» – شعر بشيءٍ في صدره يتحرك ككائنٍ غارقٍ يحاول التنفس.
تذكّر وجه أمه التي ماتت حسرةً على ظلمٍ لم يُرفع، وتذكّر طفلاً صغيراً يبيع الحلوى أمام مكتبه كل صباح، وامرأةً عجوزاً تمدّ يدها لتأخذ ما يسدّ رمقها.
حينها، نهض، أخذ الورقة، وأشعلها في المدفأة. شاهدها وهي تحترق ببطء، والدخان يصعد كروحٍ تتحرر من لعنات الأجيال.
الفصل الخامس: بعث الضمير
في صباح اليوم التالي، استيقظ وكأنه شخصٌ جديد.
لم يعد يلهث وراء العقود ولا يسعى لاسترضاء المتنفذين. بدأ يكشف الملفات، ويُعيد الأموال التي اختفت.
كانت صدمته في نفوس شركائه عنيفة، فقد حسبوه مجنوناً أو متمرّداً، لكنّه كان يعرف أنه بدأ طريقاً آخر، طريق العودة إلى ذاته.
الفصل السادس: العظة الأخيرة
في النهاية، جلس الابن في مقهى صغيرٍ بعيدٍ عن الأضواء، يكتب رسالة إلى ابنه الصغير:
> "يا بني، لم يترك لي جدّك سوى دروسٍ في الفساد، ولم أترك لك سوى عبرةٍ من النار.
تعلم أن المال بلا ضمير لعنة، وأن السلطة بلا عدل دمار.
لا تغترّ بمن يزينون الباطل، فكل فسادٍ يشيخ، وكل ظالمٍ يُنسى.
قد يربح الفاسد الجولة، لكنه يخسر المعنى، والإنسان بلا معنى ميتٌ قبل موته."
رفع رأسه نحو السماء، وقال لنفسه:
> "ها قد انتهت إمبراطورية الظلال… وبدأت مملكة الضمير."



#علي_ابوحبله (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ازدواجية الجنسية في المناصب الوزارية: خرق محتمل للقانون الأس ...
- أسطول الصمود العالمي: حين كُسر الحصار إعلاميًا قبل أن يُكسر ...
- بيان الرئاسة الفلسطينية: خارطة طريق لترسيخ مؤسسات الدولة في ...
- الحمير على السطح
- -خطة ترمب المعدّلة: بين فخّ التسوية واستحقاق الوحدة الوطنية-
- خطة ترمب لإنهاء الحرب في غزة تتناقض مع مخرجات مؤتمر نيويورك ...
- رواية كفر مالك تحت النار: أسطورة الثبات والصمود في وجه الدخل ...
- مبادرة ترمب لوقف الحرب في غزة: هيمنة أميركية على حساب الشرعي ...
- ضحكة مرة في زمن عربي طويل
- المبادرة الأمريكية: هل هي إعادة إنتاج لاتفاق أوسلو؟
- رواية الفساد والفاسدين
- المبادرة الأمريكية بين الطموح السياسي وواقع الرفض الإسرائيلي
- حين أُكِل الثور الأبيض
- ترامب يرفض ضم الضفة في مواجهة خطاب إسرائيلي ينكر الوجود الفل ...
- رواية قصيرة تربوية وتحفيزية تحت عنوان المسؤولية أمانة — حافظ ...
- الإصلاح في السلطة الفلسطينية: من استحقاقات الداخل إلى متطلبا ...
- رواية: بركة الرضا
- قراءة في طرح الفريق جبريل الرجوب: الاعتراف الدولي خطوة نحو ا ...
- رواية: صمود على التلال
- المعازل التي لا تُهزم


المزيد.....




- بدولة عربية.. ترامب يشبّه زعماء الديمقراطيين بانتقاد حاد مثي ...
- نزوح غزة -غير مسبوق ولم يره العالم منذ عقود-
- كم بلغ عدد القتلى الفلسطينيين منذ بدء الهجوم الإسرائيلي على ...
- البحرية الإسرائيلية تهاجم أسطول الحرية المتجه إلى غزة
- مظاهرات في العالم دعما لغزة والأمن يقمع محتجين في برلين وجني ...
- قصف متفرق على غزة وصور تكشف الدمار الهائل
- متى يشارك رئيس فريق التفاوض الإسرائيلي في مفاوضات شرم الشيخ؟ ...
- قنصل إسرائيلي سابق لـCNN: نتنياهو -مُرغم- على قبول خطة ترامب ...
- قصة حرب الرمال بين المغرب والجزائر
- بوركينا فاسو: توقيف ثمانية من أعضاء منظمة إنسانية بينهم ثلاث ...


المزيد.....

- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - علي ابوحبله - رواية الفساد والفاسدين