حكمت الحاج
الحوار المتمدن-العدد: 8485 - 2025 / 10 / 4 - 16:11
المحور:
الادب والفن
ما هو الله..! خمس ترجمات لقصيدة واحدة..
مقدمة وتعليق وتحشية: حكمت الحاج *
# في هذا الملف نقدم خمس ترجمات مختلفة لقصيدة واحدة للشاعر الألماني "فريدريتش هولدرلين" بعنوان "ما الله". وهنا أولا، نص القصيدة الأصلي باللغة الألمانية:
Was ist Gott..
Was ist Gott? unbekannt, dennoch
Voll Eigenschaften ist das Angesicht
Des Himmels von ihm. Die Blitze nemlich
Der Zorn sind eines Gottes. Jemehr ist eins
Unsichtbar, schiket es sich in Fremdes. Aber der Donner
Der Ruhm ist Gottes. Die Liebe zur Unsterblichkeit
Das Eigentum auch, wie das unsere,
Ist eines Gottes.
---------
# القصيدة القصيرة العجيبة هذي، من الشاعر الخالد "هولدرلين"، هي "نص تأملي" يتأرجح بين الميتافيزيقي والأنطولوجي: يربط عالم الغيب بعالم الشهادة (البرق/ الغضب)، ويجعل السماء مرآة للصفات، ثم يعيد التفكير في فكرة الخلود كحبّ متأصل في النفس البشرية، لكنه منسوب إلى الألوهية.
وفي لحظة صداقة وإبداع فارقة، وبعد نشري للقصيدة مترجمة إلى العربية في موقع مجلة "كناية"، وجهت دعوتي إلى أصدقائي: دعاء، نبيل، نادية، علي، وأنور، لكي يساهموا باقتراحات ترجمية عبر لغاتهم التي يترجمون منها وإليها، إثراء للمشهد والخيال، فكانت هذه المساهمات الجميلة التي يسرني جمعها هنا وتقديمها للقراء، آملا أن تصلني مساهمات إضافية من لدن أصدقاء آخرين ينشطون في لغات مختلفة أخرى توفرت فيها قصيدة هولدرلين الآنفة الذكر، على غرار الإسبانية والروسية والبرتغالية والفارسية والتركية وغيرها..
ليس من السهل مقاربة شعر فريدريش هولدرلين (1770–1843)، شاعر الفلاسفة وعاشق المطلق، بلغة أخرى غير لغته الأم. قصيدته القصيرة "ما هو الله؟" (Was ist Gott) نص تأملي متوتر يطلّ على الماوراء من خلال عناصر الطبيعة (البرق، الرعد، السماء) ويعيد التفكير في فكرة الخلود بوصفها توقًا إنسانيًا متأصلاً، لكنه أيضًا امتداد للقدرة الإلهية.
ما بين الحضور والغياب، الظهور والتخفي، يرسم هولدرلين صورة للإله بوصفه المجهول/المعلوم، الغريب/القريب، المرئي عبر قوى الطبيعة واللامرئي في جوهره. ومن هنا تنشأ صعوبة الترجمة: كيف يمكن للغة أخرى أن تنقل هذا الاهتزاز الدلالي والطبقات الرمزية في بضعة أسطر؟
من هذه الرغبة وُلد هذا الملف، وتمت الدعوة إلى الأصدقاء، وحصلت الاستجابات المختلفة من لغات وسيطة (الألمانية، الفرنسية، الإنكليزية، السويدية)، ثم اجتماعها هنا كفسيفساء، كل واحدة تُلقي ضوءًا خاصًا على النص الأصلي.
ولكن بودي هنا أن أضع حاشية سريعة تلقي بعض ضوء من المقارنة اللازمة ما بين الترجمات في محصلتها العربية، فلربما أجابت أيضا على بعض تساؤلات قرائنا الكرام، والترجمة أولا وأخيرا، كما يقول ذلك جورج شتاينر، ما هي إلا لعبة مسلية يلعبها المترجم مع قاريء النص في اللغة المستهدفة، بعيدا عن مؤلف النص في لغته الأصلية.
1. بدت لي ترجمة د. ناديا علم الدين (عن الألمانية) هي أقرب إلى الأسلوب الكلاسيكي، واضحة ومباشرة، تحافظ على التوازن بين الغموض والصفاء، وتمنح النص بعدًا تفسيرياً سلساً. تبدو هي الأقرب إلى النص الألماني من حيث البنية والاقتصاد في الجملة.
2. ترجمة الشاعر علي بن نخي (عن الإنكليزية) جاءت ذات نزعة تجريبية، تلعب على الفراغات والبنية البصرية، وتفتح مساحة إيقاعية جديدة. لكنها أحيانًا تنزاح بعيدًا عن نَفَس هولدرلين لصالح تركيبات حداثية.
3. ترجمة الشاعريت، دعاء فطيس ونبيل شوفان (عن الفرنسية) هي ترجمة شعرية أنيقة، تميل إلى التخفيف من حدة النص الأصلي، مع لمسة رومانسية. تؤكد أكثر على فكرة "الأثر" و"النشيد" من الرعد.
4. ترجمة الشاعر أنور بن حسين (عن الإنكليزية) كانت أقرب إلى الترجمة التفسيرية منها إلى الشعرية، فيها توضيح ميتافيزيقي مباشر: "ونحن كذلك من سلالة إله". تضيء البعد الأنثروبولوجي في النص، لكنها أقل التزاماً بالتركيب الأصلي.
5. أخيرا، ترجمتي (عن السويدية) حرصت فيها أن تميل إلى البساطة والدقة، وفيها نزوع لتكثيف المفردة وتوضيح العلاقة بين الصفات الإلهية والإنسانية، ولتوظيف "التوق للخلود" بشكل متوازن بين الغموض والإيضاح، تجليا للقدرة الربانية.
ومن وجهة نظري، وكخلاصة للموضوع، فإنني أرجح إذا ما سُئلت عن الترجمة الأقرب للأصل الألماني، فربما كانت ترجمة د. ناديا علم الدين (عن الألمانية مباشرة) هي الأكثر وفاءا للنص من حيث البنية والمعنى، مع حفاظها على نبرة هولدرلين المترددة بين الغموض والبيان. أما باقي الترجمات فهي قراءات إبداعية متوازية: كل واحدة منها تكشف وجهاً مختلفاً للقصيدة، فتجعلنا ندرك أن النص الشعري الكبير لا يُترجم مرة واحدة، بل يولد في كل لغة حياة جديدة، كما لو أن هولدرلين نفسه يعيد طرح سؤاله القديم: ما هو الله؟
-_-_-_-_-_-_-_
ما الله! ..
قصيدة: فريدريتش هولدرلين
ترجمة (عن الألمانية): د. ناديا علم الدين
ما الإله؟ لغز لا يُعرف،
ومع ذلك، تتلألأ ملامحه في وجه السماء.
البرق كلامه، والغضب صدى حضوره.
غير منظور، يتخفّى في كل غريب،
لكن الرعد يُعلن مجده.
المجد من الله، والحبّ إلى الخلود له،
حتى ما نظنه لنا، ما نتمسك به،
هو ملكٌ للإله.
ما هو الله؟ ..
قصيدة: فريدريتش هولدرلين
ترجمة (عن الإنكليزية): علي بن نخي
ما هو الله؟
غريبٌ هو
لكن وجه السماء
ناضجٌ بملامحه
السخط المسمى بروقًا
يقدحه إله
كلما ازداد خفاءً مغلزٌ صار الخفاء
لكنه مجد الرعود
وما نحن إلا شهوة للخلود
أفرزتها أطيافه.
ما الله؟ ..
قصيدة: فريدريتش هولدرلين
ترجمة (عن الفرنسية): دعاء فطيس ونبيل شوفان
ما الله؟
مستتر.. غير أنّ أثره
يكسو وجه السماء
البرق بالذات.. غضبه
كلما توارى
سار نحو غرابته
الرعد نشيد مجده
حبه للخلود،
ملكته
التي تتملكنا
صنع إله.
ما هو الله؟ ..
قصيدة: فريدريتش هولدرلين
ترجمة (عن الإنكليزية): أنور بن حسين
ما زال وجه السماء ممتلئا بصفاته غير المألوفة
السخطُ المسمى برقا، هو من إله
بقدر ما يكون الواحد غير مرئي ،
بقدر ما تزيد غرابته
لكن مجد الرعد هو إلهي
إن حب الخلود أيضا هو صفة أخرى
ونحن كذلك من سلالة إله.
ما هو الله ..
قصيدة: فريدريتش هولدرلين
ترجمة (عن السويدية): حكمت الحاج *
ما هو الله؟
هو المجهول،
ومع ذلك
يمتلئ وجه السماء
بصفاته. فالبروق
هي غضب الله.
وكلما كان الشيء
أكثر خفاءً،
وأكثر غرابة،
فهو صيت الله.
إن التوق للخلود
وحب التملك
كما هي عندنا،
هي من شؤون الله.
#حكمت_الحاج (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟