أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - البشير عبيد - من يقاوم الهزيمة لا يخشى النهايات















المزيد.....

من يقاوم الهزيمة لا يخشى النهايات


البشير عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 8482 - 2025 / 10 / 1 - 16:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


البشير عبيد / تونس

في عالم يزداد تشظّيه الأخلاقي وتتعاظم فيه سطوة الاستهلاك والتشييء، يظل سؤال الإنسان قائمًا بإلحاح: ما جدوى الصمود؟ وهل للكرامة أن تنتصر في زمن الانكسار العام؟ لقد صار الدفاع عن الإنسان وقيمته معركة يومية، لا يخوضها المحاربون وحدهم في ساحات النار، بل يخوضها المفكرون، والمبدعون، والمواطنون العاديون، في تفاصيل الحياة اليومية. إن الكرامة لم تعد ترفًا، بل ضرورة وجودية. في ظل المجازر المتواصلة في غزة، وتكالب المنظومات الدولية على الشعوب المقهورة، تتجلى الصورة واضحة: لسنا في صراع جغرافي، بل في معركة مصيرية تُحدّد مصير الكائن البشري فوق هذه الأرض. من هنا، تكتسب هذه الكلمات معناها. فهي ليست خطابًا عموميًا أو تكرارًا لمحفوظات سياسية، بل محاولة لالتقاط نبض التاريخ، من موقع الحرقة والانتماء، والوقوف في الصف الذي لا يتردد في أن يقول: لا.

عناد الطغاة.. والتمسك بالغنيمة

لا يعترفون بالهزيمة، بل يواصلون تعنتهم وصلفهم وعشقهم للغنيمة. لا يملكون أدوات الحقيقة ولا يشعرون بالذنب، لأنهم لا يعترفون أصلًا بوجود الآخر ككائن جدير بالحياة. هذه الصفات ليست تفاصيل جانبية في شخصيات الطغاة، بل هي بنية ذهنية كاملة، تُعيد إنتاج ذاتها عبر العنف والاستحواذ والتزييف. لقد عرفنا هذه النزعة المتغطرسة جيدًا من دفاتر التاريخ، ورأيناها تتجلى في مشاهد الاستعمار، والأنظمة القمعية، وحروب الإبادة، والنظم النيوليبرالية المتوحشة التي حولت الإنسان إلى شيء. لكن وحده الزمن، بكل مفارقاته وانعطافاته، قادر على كشف كل الألاعيب والمؤامرات. ليس من موقع الحياد، بل من موقع الانتصار الصامت لقيم الإنسان العميقة: الكرامة، الحرية، الحق. سنواصل السير على جمرات الواقع، غير آبهين بإنهاك الجسد أو تشظي الذاكرة. فالمعركة ليست خيارًا، بل قدر أخلاقي. الخروج من النفق الكبير لم يعد ترفًا، بل فعلًا نضاليًا لا يحتمل التأجيل. نحن أمام مفترق حاسم: إما البقاء في الظل، أو صناعة النور رغم الصعاب.
كل مشروع تحرري حقيقي، لا بد أن يتكئ على قيم التنوير والعقلانية ومناهضة الظلامية والتجهيل.

المشروع الوطني والدفاع عن المعنى

المدافع الجسور عن المشروع الوطني الديمقراطي بأفقه الاجتماعي، لا يرعبه العنف الرمزي أو المادي، ولا ترهبه حملات التشويه والتخوين. بل على العكس، كلما اشتد الضغط اشتدت عزيمته، وكلما حاولوا إسقاطه عاد أكثر وعيًا وصلابة. فهو محارب، لا من أجل السلطة، بل من أجل كرامة الفكرة. لقد أثبتت التجارب عبر التاريخ، أن الشعوب الطامحة للتحرر والإنعتاق لا ترهبها التضحيات الجسام ولا الخسائر في الأرواح والممتلكات. بل تُعيد صياغة صبرها، وتبتكر أدوات نضال جديدة. فكل دمعة تُسكب، وكل شهيد يُزف، يتحول إلى دليل على مشروعية المسار، وإلى وقود تستأنف به القافلة المسير رغم الصخر والأسلاك. ليست الحرية لحظة شعرية أو شعارًا بلاغيًا. إنها بناء طويل النفس، يتطلب وعيًا عميقًا، وصبرًا نادرًا، وإرادة لا تهتز. من يطلبها، عليه أن يتجرد من وهم الإنجاز السريع، وأن يؤمن بأن الانتصارات الكبرى تُصنع على مدى أجيال. من هذا المنظور، فإن كل مشروع تحرري حقيقي، لا بد أن يتكئ على قيم التنوير والعقلانية ومناهضة الظلامية والتجهيل. لأن الظلم لا يولد من العدم، بل من تواطؤ منهجي بين الجهل والقوة. ولهذا فإن أخطر ما تواجهه الشعوب اليوم ليس فقط الاستبداد، بل خيانة العقل، واستقالة النخبة، وتآكل الإيمان بالجدوى.

غزة.. بوصلة الكرامة وامتحان الضمير العالمي

يبدو أن الإنسانية في هذه المرحلة التاريخية تمر بأحلك فتراتها على الإطلاق. ربما لم يكن الدم يومًا رخيصًا كما هو اليوم، ولم يكن الكذب يومًا مشروعًا كما هو في هذه الحقبة. ولعل ما يجري في غزة من مذابح ترتكبها (إسرائيل) الغاصبة، بغطاء واضح من القيادة السياسية والعسكرية للإمبريالية الأمريكية، يمثل أقصى درجات الانحطاط الأخلاقي للنظام الدولي. هناك، تُغتال الحياة على مرأى من العالم، ويُعلن صراحة أن القانون لا يسري على الأقوياء. لم تعد غزة ساحة مواجهة محلية، بل أصبحت مرآة كونية تكشف حقيقة التواطؤ الدولي، وتفضح خواء الشعارات عن حقوق الإنسان والعدالة والمساواة. لم تعد القضية الفلسطينية مجرد ملف سياسي، بل صارت اختبارًا شاملًا للضمير الإنساني في لحظة تراجعه المروع. ليس هناك أي أفق للخروج من هذا النفق، سوى تحالف موضوعي حقيقي بين كل القوى السياسية والمدنية في العالم التي ما زالت تؤمن بقيم الإنسان، وبفكرة أن العدالة لا تُجزّأ، وأن النضال ضد الاحتلال والعنصرية والهيمنة الرأسمالية هو نضال واحد. إن التاريخ لا يتقدم إلا حين تلتقي الإرادات التنويرية الكبرى في مواجهة قوى الاستعباد. لا تحدث الطفرات التاريخية من فراغ، بل تولد من رحم المعاناة الجماعية، وتتغذى على وعي يتجاوز الفرد إلى ما هو جمعي. لهذا فإن معركة غزة ليست هامشًا، بل قلب المعركة الكونية على المستقبل.

الإنسانية في مواجهة العبودية المعاصرة

ستبقى الإنسانية تائهة في متاهتها، طالما أن القوى المؤمنة بأنسنة المجتمعات لم تتوحد بعد، ولم تُدرك أن لحظة الانفصال بين القيم والممارسة قد بلغت حدّ الانتحار الحضاري. ولأن الغد لا يُصنع بالخطب ولا بالمراوغات، بل بالوضوح والالتزام، فإن الواجب الآن هو تكتل العقول المستنيرة، والقلوب المؤمنة بالتغيير، في جبهة أخلاقية وفكرية ضد وحوش الاستغلال والاستبداد. الغد لا يُمنح. إنه يُنتزع. يُصاغ من وجع الناس، من تفاصيلهم المهملة، من جوعهم وصبرهم وأحلامهم المجهضة. الغد ليس لوحة طوباوية، بل نتيجة طبيعية لصراع تُخاض فيه كل المعارك: معركة الكلمة، ومعركة الشارع، ومعركة الذاكرة. كل من راهن على نسيان الشعوب أخطأ التقدير. وكل من ظن أن صوت الضحايا يخفت مع الزمن، لم يفهم معنى التاريخ. لقد بدأت الشعوب تفهم أن معركتها الأعمق هي مع إعادة تعريف ذاتها: لا ككتل انتخابية صامتة، ولا كضحايا دائمين، بل كأمم تصنع مصيرها وتعيد للكرامة معناها. ما بين مجازر غزة، وانتكاسات الداخل العربي، وتواطؤ المجتمع الدولي، يبقى الصوت الوحيد الجدير بالإصغاء هو صوت الإنسان الذي يقاوم، لا لكي ينتصر فقط ٫بل لكي يحتفظ بإنسانيته وهذا وحده انتصار عظيم.



#البشير_عبيد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزة في زمن الإبادة : شهادة على العجز الدولي و صمود الإنسان
- رشاد أبو شاور ..روائي المقاومة و ذاكرة فلسطين
- رفح.. العملية النوعية التي كسرت وهم المنطقة الآمنة
- عبد الجبار العش.. الكلمة الحرًة و الموقف المبدئي
- زياد جيوسي...مسيرة فكربة و نقدية لافتة
- محمد داني: بين السرد و النقد.. رحلة الوعي و الإبداع
- حنظلة لا يموت : ناجي العلي و الثقافة المقاومة
- نصر الدين العسالي : حين تتجلًى اللوحة في مواجهة قسوة الواقع
- علوية القانون و سيادة القرار : رهانات الدولة الحديثة
- صنع الله ابراهيم : الروائي الذي كتب الحرية بمداد الحقيقة
- حين تنطق الأرض : غزة تردً بالعقل و الدهاء
- ثورة 23 يوليو..الحلم القومي في مفترق التاريخ
- تونس الراهنة : اختبار الوعي السياسي و إرادة التغيير
- في حضرة الغائب الحاضر : غسان كنفاني و ذاكرة الجمر
- حذاء نورو للروائي التونسي محمد دمّق..حين يتحوًل الجسد إلى شظ ...
- اوهام الشرق الأوسط الجديد :بين الهيمنة الصهيونية و استعصاء ا ...
- الناقدة اللبنانية زينب الحسيني تكتب عن قصيدتي ورقات النسيان
- اليد التي لم تُرَ : الإختراق الصهيوني الهندي في قلب إيران
- تونس في مواجهة العتمة ..الدولة ضد التحالفات الخفية
- الكيان الصهيوني الغاصب و إيران: المواجهة التى تأخرت


المزيد.....




- مصر.. البرلمان يتجه لإقرار مشروع قانون الإجراءات الجنائية رغ ...
- أوروبا تتحصّن: قمة كوبنهاغن تبحث إنشاء -جدار مسيّرات- لمواجه ...
- المغرب ـ نداءات للتهدئة وحكومة -تتفهم- .. فهل تتوقف مظاهرات ...
- رغم التحذيرات.. أسطول -الصمود- يواصل طريقه نحو غزة
- منظمات النضال: مسؤوليتنا التاريخية في الوقوف إلى جانب الشباب ...
- القمة الأوروبية : أي جدار واق من روسيا ؟
- ما هو تطبيق -ديسكورد- الذي استخدمه -جيل زد- لإطلاق الاحتجاجا ...
- -شبكات- تتناول تفاعل المنصات مع استهداف الحوثيين سفينة هولند ...
- إل باييس: إيطاليا تتوحد خلف غزة
- جيمي كيميل يروي كيف علم بإيقاف برنامجه عن البث


المزيد.....

- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - البشير عبيد - من يقاوم الهزيمة لا يخشى النهايات