أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء والتعريفة أم بالصواريخ؟ الحلقة الثانية عشرة














المزيد.....

لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء والتعريفة أم بالصواريخ؟ الحلقة الثانية عشرة


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8481 - 2025 / 9 / 30 - 08:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في كل تحوّل كبير عبر التاريخ، كان الإنسان يتوهم أنه يمسك بخيوط مصيره، من اختراع اللغة، إلى الزراعة، إلى الثورة الصناعية، لكن اللحظة الراهنة تضع هذا الوهم موضع الشك، السيطرة نفسها، كمفهوم، تبدو اليوم على حافة الانهيار، فالإنسان الذي كتب التاريخ لم يعد يملك مفاتيح السرد؛ الأدوات التي صنعها باتت تكتبه نيابة عنه.
ما يجري في العالم والإمبراطورية الأمريكية بعد مجيء دونالد ترامب، ليس ثورة على طبقة أو نخبة، بل احتمالية انفصال الإنسان عن تاريخه ذاته، هل ما زلنا نصوغ المستقبل، أم بتنا مجرد شهود على تحوّله؟ من القرارات الاقتصادية التي تُتخذ آليًا وفق نماذج خوارزمية، إلى الأنظمة الأمنية التي تتحرك دون إذن بشري مباشر، إلى سياسات تُبنى على تحليل البيانات لا على الخطاب السياسي، يتقلص حضور القرار الإنساني لحساب التوجيه الآلي.
هل نعيش زمن ما بعد الإنسان؟ أم أنها مجرد غفوة كبرى قبل الصدمة؟
قال بول ريكور “السيطرة على الزمن تبدأ بالسيطرة على السرد” فإذا كانت الخوارزميات اليوم هي التي تنتج الأخبار، وتحدد ما نقرأه، وتصوغ أولويات الخطاب، فهل بقي الإنسان الكاتب الأول للرواية؟ أم صار شخصية ثانوية في حبكة تُدار من مكان آخر؟
انظر إلى سوق الأسهم، لم يعد المصرفيون هم وحدهم من يضبطونه، بل الذكاء الاصطناعي الذي ينفذ ملايين الأوامر في الثانية، يتفاعل مع إشارات رقمية ويؤثر في قرارات الحكومات، أو إلى المنصات الاجتماعية، من يقرر المزاج العام؟ ليس المجتمع، بل خوارزميات مصممة بعناية تعيد تشكيل الرأي العام لحظة بلحظة، هنا يصبح التاريخ نتاج حسابات لا مواقف، ويُكتب وفق قابلية النشر لا قيمة الفكرة.
فهل يمكن استعادة السيطرة؟ أم أنها لم تكن موجودة أصلًا؟ إذا عجز الإنسان عن الإبطاء، عن التأني، عن إعادة النظر، فهذا أول دليل على أنه فقد حريته، وصار تابعًا لإيقاع أسرع منه. وكلما تسارعت المنظومة، تضاءلت قدرتنا على الفهم، فما بالك بالفعل.
ومع ذلك، قد تكون في الوعي بالخسارة بذرة خلاص. فالسيطرة الكاملة قد لا تعود، وربما لم نملكها أبدًا، لكن يمكننا أن نستعيد شيئًا أثمن، المعنى. أن نُعيد للإنسان مكانته في المعادلة، لا كمصدر بيانات، بل ككائن له ما لا تُدركه الخوارزميات، الإيمان، الحدس، الألم، الغفران، والحنين. أن نُعلّم أطفالنا الشك قبل الحفظ، وأن نعيد للثقافة دورها في مساءلة التكنولوجيا لا تبجيلها، وأن نخلق مجتمعات تُبطئ وتفكر وتتردد قبل أن تنساق.
هنا يطل السؤال الرمزي، ماذا لو أصابت الرصاصة ترامب؟ لم يكن الأمر سيخص الجسد وحده، بل التاريخ نفسه. لم يكن سقوط رجل، بل سقوط عصر، ليس لأن ترامب استثنائي بذاته، بل لأنه مرآة تعكس تحولات أعمق مما نجرؤ على الاعتراف به، كل رصاصة في التاريخ تمزق الغشاء الرقيق بين الممكن والواقع، بين ما كان سيحدث وما لم يُكتب له أن يكون.
في عالم يذوب فيه الفرق بين الواقع والمحاكاة، لم يعد اغتيال زعيم مجرد إسقاط جسد، بل تهشيم نظام رمزي. ترامب لم يكن مجرد حدث سياسي، بل نذيرًا بأننا نودّع الفكرة الكلاسيكية للسلطة والسيادة، العالم القديم، الدولة، القانون، الجغرافيا، يُسحب من تحت أقدامنا لصالح فضاء جديد تحكمه المعطيات وتديره مزارع الخوادم.
تخيّل لو مات ترامب، لم يكن النظام سينهار، لكن الرمزية كانت هائلة، ما كان سيُقتل هو القناع الأخير للفردانية. صورة الإنسان–البطل التي صاغتها الأسطورة الأمريكية كانت لتتلاشى، لتحل محلها صورة أخرى، المستخدم، المستهدَف، القابل للتنبؤ، لم نعد نعرّف ذواتنا من داخلنا، بل مما تعرفه المنصات عنا. الرغبة، الرأي، الخوف، وحتى الحنين تحولت إلى بيانات يُعاد تدويرها واستثمارها.
ولعل ذلك يعيدنا إلى الذاكرة الأمريكية ذاتها، اغتيال لينكولن لم يُسقط الاتحاد، لكنه هزّ صورة الأمة الفتية. اغتيال كينيدي لم يُوقف الحرب الباردة، لكنه كشف عن عمق الانقسام وصراع الأجهزة، كذلك، لو اغتيل ترامب، لما انهارت المنظومة، لكنها كانت ستفقد آخر رمز فردانيتها، لتدخل علنًا في عصر ما بعد الفرد.
قال وليم بليك: “من يقيّد الرغبة، يدمّرها.” لكن ما نعيشه اليوم أخطر، الرغبة تُقيَّد بالإشباع المستمر، بالوهم. لم يُمنع الإنسان من الحلم، بل غُمر بنسخة اصطناعية منه، الحرية تحولت إلى ديكور نفسي، والخيارات الكثيرة أخفت حقيقة أننا لم نعد نختار.
لو مات ترامب، ربما كانت الصدمة لتوقظ سؤالًا قديمًا جديدًا، من نحن؟ من يحكمنا؟ ومن يكتب القصة؟ فالموت لا يغيّر المنظومة، لكنه يكسر رتابتها ويعيد إلينا لحظة وعي، ربما لهذا لم يكن السؤال عن القناص وحده، ولا عن ترامب وحده، بل عن هشاشة الحاضر نفسه وسرعة اندثاره.
أن تُطلق النار على رمز قد لا يغير النظام، لكنه يوقظ فكرة، أن هناك نظامًا لم نعد نراه، لكنه يرانا جميعًا، وما تبقى من الإنسان فينا قد يكون الجواب الوحيد الذي لا تستطيع الخوارزميات أن تحسبه.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
15/4/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من غربي كوردستان إلى البيت الأبيض تجارة ترامب وأوهام أردوغان ...
- فضيحة الألف عام والألفي عام، ترامب يقرأ من كتاب أردوغان
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- من العشيرة إلى الأمة وليس العكس
- الكورد أصل الأرض وأكذوبة الهجرة سلاح البعث والجولاني
- ثلاثة محاور أساسية
- مسرحية القمة العربية والإسلامية وخطاب الجولاني الفارغ
- الجولاني وسط الحوار المرئي، الحقائق تُكشف
- الكتلة الوطنية لماذا تتنكرون للفيدرالية وتعيدون إنتاج خوف ال ...
- قمة قادة العرب في قطر لحظة إعلان نهاية حماس
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- يُمنح الإرهابيون المنابر ويُحرم الكورد من مقعدهم في هيئة الأ ...
- تراجع شعبية إسرائيل وصعود المأزق الفلسطيني
- منطق القوة لا يرحم الكورد بين عجز المجلس الوطني وهيمنة الإدا ...
- منطق القوة لا يرحم الكورد بين عجز المجلس الوطني وهيمنة الإدا ...
- منطق القوة لا يرحم الكورد بين عجز المجلس الوطني وهيمنة الإدا ...
- هل تعطّلت مخرجات مؤتمر قامشلو؟ 2/2
- هل تعطّلت مخرجات مؤتمر قامشلو؟ 1/2
- الحكومة السورية الانتقالية بين خطاب الوحدة وممارسة التجزئة
- كوردستان وقادم الشرق الأوسط تحولات كبرى وصراع على المستقبل


المزيد.....




- على ساق واحدة.. فيديو يُظهر كيف عبر قرد طريف نهرًا لتجنب الب ...
- بعد حملة لقمع -ممارسات لا أخلاقية-.. أفغانستان بلا إنترنت وس ...
- تحليل: إسرائيل تدعم خطة ترامب المكونة من 20 نقطة.. ولكن هل س ...
- فوائد غير متوقعة للعزلة الاجتماعية
- بقيمة مليار دولار.. شركة دار غلوبال السعودية تطلق مشروع -ترا ...
- نتنياهو وحصان طروادة: كيف قلب الزعيم الإسرائيلي الطاولة على ...
- ميدفيديف يحذر أوروبا من الخطر النووي للحرب مع روسيا
- رئيس وزراء السويد: روسيا أرسلت مسيرات للتحليق فوق مطارات اسك ...
- إنقاذ 400 مهاجر قرب السواحل الفرنسية خلال عطلة الأسبوع
- بيان أوروبي مشترك لإيران: إعادة فرض العقوبات لا يعني نهاية ا ...


المزيد.....

- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء والتعريفة أم بالصواريخ؟ الحلقة الثانية عشرة