عامر صالح
(Amer Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 8480 - 2025 / 9 / 29 - 20:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لماذا كل هذا العداء لأحمد الشرع رئيس سوريا المؤقت الذي قدم ليملئ الفراغ السياسي الذي حصل بفعل هروب بشار الأسد وتهاوي نظامه بطريقة دراماتيكية ومخزية بعد أن فشل النظام لعقود في حل أزمة الحكم وتأسيس دولة المواطنة.
لقد رزخت وعانت المجتمعات العربية والعالم العربي من سياقات شاذة منذ خروج المستعمر البريطاني والفرنسي والأمريكي في تشكيل أنظمة الحكم حيث شكلت المسحة الأنقلابية العسكرية على ظهر الدبابات أو اصطياد الفرص مسلكا متعارف عليه في السيطرة على السلطة السياسية فلا اعتراف أو احترام للديمقراطية ولا للتداول السلمي للسلطة وبالتالي فلا غرابة في الأمر أن يأتي السيد الشرع ويحكم سوريا فهو يجسد الأمتداد الطبيعي لأرث متعارف عليه ولا يشكل نشاز مرفوض إلا بقدر تعارضه مع طموحاتنا نحو الديمقراطية والتعددية السياسية.
وطموحاتنا رغم مشروعيتها الأنسانية ليست بالضرورة أن تكون مقياسا ناجحا في الممارسة العملية, فالعراق الذي يفترض أن يكون ديمقراطيا حقا بعد عقدين من الزمن لا يزال يراوح في المكان بل وأصبحت فيه صناديق الأقتراع وسيلة للأنفراد بالسلطة وأعادة إنتاج ذات الطبقة السياسية الفاسدة منذ سقوط الدكتاتورية في 2003 على يد المحتل الأمريكي وأعادة تكريس الطائفية والأثنية البغيظة القائمة على المحاصصة التي تنظر للسلطة والحكم كمغانم وليست لخدمة الشعب والصالح العام.
والسيد أحمد الشرع امتداد طبيعي لتلك البيئة المثقلة في الأقصاء والأنفراد في السلطة فهو لم يأتي من كوكب ٱخر والمشكلة ليست معه شخصيا بل مع سجله الأرهابي في العراق ولكن هل تبنى السياسات والمواقف السياسية على تلك الجزئية رغم قساوتها على العراقيين أم على الأجندة العقائدية التي يحملها الشرع والتي كانت سببا في أزهاق أرواح الأبرياء، لأرتكاب الجرائم الجنائية هناك طريق قضائي أما العقائد التي تبرر القتل فهو أمر ٱخر وهو الأخطر لأنه يمنح القتل غطاء شرعي.
المشكلة في الأسلام السياسي هو صعوبة التخلي عن اجندته العقائدية عندما تتوفر الفرصة للتداول السلمي للسلطة وكلا الحالتين العراقية والسورية مصابة بذات الداء واغلب تجارب الأسلام السياسي في مختلف البلدان العربية يجري الألتفاف على فسحة الديمقراطية إن وجدت وهي تتعامل مع التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الأقتراع مجرد تكتيكات على طريق الأستحواذ على السلطة وأفراغ التجارب من محتواها وتشويهها والأطاحة بها بمختلف الأساليب.
لا يمكن القبول بالقول الشائع أن السياسية بدون اخلاق لأنه اذا كانت السياسة هي خدمة الصالح العام وتمكين الناس في ادارة شؤونها العامة سواء في السياسات الداخلية والخارجية وبناء دولة المواطنة فأن الأخلاق السياسية شرط لازم لتحقيق ذلك كما انعدام الأخلاق العامة من صدق وأمانة ووفاء لدى السياسي هو الأطاحة بالسياسة كأداة للأستقرار المجتمعي .
أما السياسة فهي إدارة الشأن العام بما في ذلك إدارة مؤسسات الدولة وإدارة الخلافات بين مكونات المجتمع، وتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبين الدولة وغيرها من الدول والمنظومات الإقليمية والدولية.
القيم الإنسانية هي المبادئ والأخلاقيات السامية التي تنظم تعاملات الأفراد والمجتمعات، وتشمل مفاهيم مثل الكرامة،والمسؤولية،الصدق،الحب،العدل،الحرية،المساواة، والسلام، والرحمة، وهي متجذرة في الفطرة البشرية وتشمل كل جوانب الحياة الإنسانية، من السلوكيات الفردية إلى بناء المجتمعات وعلاقات الدول، وتشكل أساسًا للتعاون والتفاهم الدولي، وتساهم في تحقيق مستقبل أكثر تقدمًا وإنسانية. هذه القيم ضرورية لبناء شخصية قوية، وتعزيز التفاهم بين الأفراد والمجتمعات، وضمان مجتمع أكثر عدلا وسلاما، وهي مشتركة بين البشر وتنمو من خلال الخبرات والتفاعلات الأجتماعية والثقافيّة، ولا يختلف اثنان على تلك القيم بأنها إنسانية وان ضدها من كذب ونفاق ورياء وغدر ووحشية وتنكيل هي اخلاق لا أنسانية.
الكثير يقال عن العراق أنه بلد يمتلك كل مقومات النهوض الحضاري والتنموي من موارد نفطية وطاقات بشرية وتخصصات في مختلف المجالات ولكن هناك أزمة اخلاق سياسية لا ترى في خدمة الشعب والدولة واجب مقدس لا يمكن التفريط به جراء هيمنة المصالح الشخصية الضيقة، والسياسة يجب أن تكون جزء من الفضاء الأخلاقي وإلا تفقد قيمتها في ادارة الشأن العام.وإلا بماذا نفسر الفساد المستشري وسرقة المال العام واهدار موارد الدولة وتهالك البنية التحتية الاقتصادية والأجتماعية وضعف الأمن المجتمعي والسلاح المنفلت وغيرها من المظاهر التي تقف بالضد من بناء دولة المواطنة والقانون سواء أنها افعال لا اخلاقية.
فصام الأخلاق والسياسة شكل ظاهرة من الظواهر المستعصية في الأنظمة العربية الحاكمة مما جعل من الأخلاق الأيجابية والسياسة ضدان لا يمكن أن يلتقيا فالأنظمة الدكتاتورية العربية والأسلامية أتخذت من إدعاء الأخلاق لأعادة انتاج خضوع الشعب والهيمنة عليه وقد اكدت تجربة عقود مع الأنظمة القمعية أنها غير مهتمة بمصالح شعوبها ولم تبني دولة المواطنة ولم تعالج أزمة الحكم ولم تسعى لتحسين ظروف العيش والأرتقاء بمستويات إنسانية لحياة كريمة.
الوجه الٱخر لحالة الفصام والانفصال بين الأخلاق والسياسة في الأنظمة العربية هو عند سقوط النظام الدكتاتوري في العراق عام 2003 على يد المحتل الأمريكي هرعت بعض من الأنظمة العربية والأسلامية تدعم التنظيمات الأرهابية كالقاعدة وداعش والنصرة وغيرها بما فيها نظام الأسد وتحت ذريعة مقاتلة المحتل الأمريكي والذين هم أنفسهم سهلوا له احتلال العراق عبر قواعد أمريكا العسكرية في بلدانهم ولكن اجندتهم اثارة الفتنة الطائفية وقتل مئات الألوف من الأبرياء العراقيين وكان السيد احمد الشرع " الجولاني سابقا " ضمن تلك المجموعات الأرهابية والمطلوب للقضاء العراقي والأمريكي. ولم تقف تلك الأنظمة والحركات المساحة إلى جانب الشعب العراقي في محنته للتخلص من الأحتلال والتأسيس لنظام يسمح للعراقيين في الخلاص من الحروب الداخلية وبقيت اجندتهم ضد اي بارقة امل لأستقرار العراق.
ومن سوء الأخلاق في السياسة وبعد سقوط نظام الأسد تسارعت الأنظمة الداعمة للإرهاب في دعم الحكومة الجديدة في سوريا في دعم النظام الجديد متكالبة على الوقوف معه دون معرفة ماذا سيحل بسوريا وأنما فقط نكاية بنظام الأسد القمعي وحلفائه وقد تسارعت الكثير من الأنظمة العربية والأسلامية للحضور بثقلها في سوريا ليست دفاعا عن نظام ديمقراطي تعددي محتمل في سوريا ودولة مؤسسات قادمة وقضاء عادل فهذا لم نسمعه في خطاباتهم بل تصرفوا في بعض مواقفهم كغزاة جدد يريدون تقاسم الكعكة السورية على حساب وحدة الشعب السوري ومكوناته الأثنية والثقافية، وان الكثير من هذه الأنظمة هي ذاتها تعاني من اشكالية مفصلية في أزمة الحكم وتخشى الديمقراطية والتعددية. بل حتى أمريكا التي كانت تطالب برأس احمد الشرع في العراق وترصد ملايين الدولارات لألقاء القبض عليه، بل ان مديروكالة الاستخبارات الأمريكية السابق ديفيد بتريوس والذي عمل عسكريا في العراق وهو أحد المطالبين برأس الجولاني وفي مقابلة صحفية مع الشرع في قمة كونكورديا التي انعقدت على هامش اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة يناديه بسيدي الرئيس، والشرع نفسه " عدو أمريكا " يلهث وراء علاقات استثنائية مع أمريكا والغرب، هل يعكس ذلك فقط أجندة ومصالح أم ضعف للبعد الأخلاقي في السياسة وتكريس للنزعة الطائفية والأثنية او تكريس لنزعة احتواء الأنظمة الجديدة في أطار المصالح الإقليمية والدولية بعيدا عن هوية النظام الجديد وتطلعاته وعدم الأكتراث بمستقبل الشعوب.
يفترض ان تكون السياسة هي جزء من المنظومة الأخلاقية. فهي مجموعة وسائل لقيادة الجماعات البشرية، وتدبير شؤونها لخيرها ومصلحتها؛ أما الأخلاق، فهي مجموعة القيم والمثل التي تحكم السلوك البشري لخيرهم وصلاحهم. ووفقا لذلك نرى أن الأخلاق هي الفضاء الأوسع، والسياسة هي جزء منه. فلا يمكن أن نتصور سياسيا او نظام حكم ملتزما بالمثل الأخلاقية، وفي الوقت عينه جائراً في سلوكه السياسي. ولا يمكن أن نتصور سياسي أو نظاما متمردا على القيم الأيجابية أن يكون مستقيما وعادلا اتجاه القضايا المصيرية للشعوب.
أزمة نظام الحكم في سوريا والعراق رغم الفارق الكبير في التجربتين وفي القوى التي تقود التغير والبعد المؤسساتي الذي استقر في العراق على ما هو عليه لا تستدعي فقط حلا سياسيا بل تستدعي مزيدا من تضمين الأخلاق الأيجابية في السياسة سواء على مستوى الفاعل السياسي الداخلي والعربي والأقليمي لحل أزمة الحكم لبناء أوطان تصلح للجميع بتنوعاتهم الدينية والمذهبية والثقافيّة والأثنية بعيدا عن الأنحيازات المريضة التي تعبث في استقرار الأوطان، فقد يبعث استلام السلطة وتغير نظام الحكم إلى فرح وسعادة مؤقتة لم تدوم طويلا اذا لم يقترن بأخلاقيات العمل السياسي ذو النزعة الأنسانية التي ترسم ملامح مستقبل آمن. نعم السياسة فن الممكن ولا يوجد عدو او صديق دائم ولكنها ليست منزوعة الصلة من الأخلاق حيث المقياس الأخلاقي الثابت هو مصلحة الشعب ومستقبله وليست التشبث في البقاء في السلطة بأي ثمن.
#عامر_صالح (هاشتاغ)
Amer_Salih#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟