عامر صالح
(Amer Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 8461 - 2025 / 9 / 10 - 19:51
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
رغم كل متغيرات العصر من ثورة تكنولوجية معلوماتية وذكاء اصطناعي وطموح نحو الديمقراطية ومحاولات بناء نظم سياسية اجتماعية عادلة هنالك ثقافات سلبية سائدة في المجتمعات الإنسانية سواء العربية منها او عموما المجتمعات النامية وحتى المجتمعات المتقدمة ومن اخطر تلك الثقافات هي ثقافة التهميش و الإقصاء والتي تعني إبعاد الأخر وتجاهله وعدم النظر إليه مهما كانت صحة مواقفه وصدق أقواله وقد يصل الأمر إلى تخوينه أو اتهامه بغية إسقاطه ، وهذه الثقافة يمارسها الكثير من الناس فرادا او حكومات ونظم سياسية وبشتى الوسائل ضد مختلف الشرائح الاجتماعية في مختلف مجالات الحياة السياسية والأقتصادية والأجتماعية. والأختلاف في المجتمعات عموما هو حول حيز ذلك الأقصاء في الممارسات اليومية الثقافية والسياسية.
وتتعارض ثقافة الاقصاء والتهميش مع طبيعة الحياة التعددية وتصطدم مع الطبيعة النسبية للحقيقة، فالحقيقة المطلقة نوع من الكمال الذي لا يمكن بلوغه، بل يستحيل، ان يوجد في هذا الكون الناقص بطبعه. وكل انسان يرى انه على حق من وجهة نظره، وهذا ليس عيبا او نقيصة طالما هو يؤمن بحق الآخرين في الاختلاف معه واحترام وجهات نظرهم، فهذا الكون يتسع لهذا الاختلاف الذي هو من طبيعة البشر فكلنا نمتلك الصواب والخطأ بمقادير متفاوتة، أو كما قال الإمام الشافعي: ( قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب ). أو كمال قال الأصمعي: لا يزال الناس بخير ما تباينوا، فإذا تساووا هلكوا. لم يتناول الإمام عليّ عليه السلام
التنوع والاختلاف بشكل مباشر في مقولات مشهورة بهذا المعنى، لكنه دعا إلى الحكمة والتوازن في التعامل مع الناس، بغض النظر عن اختلاف صفاتهم أو آراءهم. فهو يرى أن الاختلاف هو سنة في الحياة ويجب التعامل معه بالصبر والحكمة، وأن القرب يكون بالمودّة والبعد بالعداوة لا بالنسب، وأن الحكمة تكمن في تقدير العاقل للحكمة، وعدم التورط في الخصومة. ولعل في قوله ( آلة السياسية سعة الصدر ) تجسيد حي لذلك. أو كما قال الكاتب والشاعر والفيلسوف الفرنسي فولتير "قد أختلف معك في الرأي، ولكني مستعد للموت دفاعًا عن حقك في إبداء رأيك" ويجسّد هذا الاقتباس جوهر فلسفة فولتير، التي تؤكد على أهمية الدفاع عن حرية التعبير، حتى عند الاختلاف مع الآخرين. وتظل هذه الفكرة حجر الزاوية في القيم الديمقراطية والحوار المفتوح.
في وثائق الأمم المتحدة، يشير الإقصاء (الاجتماعي بشكل أساسي) إلى حرمان الأفراد أو المجموعات من المشاركة الكاملة في جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. هو عملية وحالة تنتج عن وجود حواجز تمنع الاندماج، غالبًا ما تكون مرتبطة بالهوية (كالعرق أو الجنس) أو الوضع (كالعجز أو الفقر)، وتؤدي إلى الشعور بالعزلة وتدهور الصحة النفسية والجسدية.
الإقصاء يعني الابتعاد، التهميش، أو المنع من المشاركة الكاملة في جوانب الحياة المختلفة، سواء كان اجتماعيًا، سياسيًا، أو اقتصاديًا. يُعرّف بأنه حواجز تحول دون اندماج الأفراد أو المجموعات في المجتمع بناءً على هوياتهم، مثل العمر والجنس والعرق، أو بناءً على ظروفهم المادية والاقتصادية والاجتماعية. ويمكن أن يُمارس الإقصاء الأخلاقي، وهو اعتقاد بتفوق مجموعة على أخرى وتجريد المستهدفين من إنسانيتهم وحقوقهم.
أنواع ومظاهر الإقصاء:
الأقصاء الأجتماعي:
يشمل الحرمان من الحصول على الوظائف، والتعليم، والخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء، وعدم الاعتراف بالحقوق الكاملة كمواطن.
الإقصاء السياسي:
عندما تُعزل المجموعات المعارضة عن المجتمع أو تُحرم من حقوقها السياسية.
الإقصاء الأخلاقي:
اعتقاد مجموعة ما بتفوقها وتجريد المجموعات المستهدفة من إنسانيتها وتقليل شأنها.
أما ثقافة الإقصاء السياسي هي بيئة أو ظاهرة مجتمعية مشبعة بسلوكيات عدوانية يتم فيها استبعاد أفراد أو مجموعات معينة من المشاركة في الحياة السياسية أو صنع القرار بسبب انتمائهم أو آرائهم المختلفة، مما يؤدي إلى إضعاف الديمقراطية وتركيز السلطة لدى فئة قليلة كما هو حاضر في تجربة العراق منذ أكثر من عقدين من الزمن.
مفهوم ثقافة الإقصاء السياسي:
هي ممارسات مجتمعية وسياسية تؤدي إلى استبعاد أشخاص أو جماعات من الدائرة السياسية.
يشمل ذلك استبعادهم من التصويت، أو الترشح للمناصب، أو المشاركة في الأحزاب السياسية، أو التأثير في صنع القرار.
غالباً ما يكون الإقصاء مبنياً على أساس عرقي، ديني، طبقي، جنسي، أو سياسي، مما يحد من تنوع الآراء في المجتمع.
أسباب انتشار ثقافة الإقصاء:
تركيز السلطة:
في الأنظمة الشمولية أو الاستبدادية، يتم إقصاء المعارضين لضمان بقاء السلطة بيد الحاكم أو الحزب.
الاستقطاب السياسي:
عندما يصبح المجتمع منقسماً بشدة، قد تلجأ الأطراف السياسية إلى إقصاء المخالفين لتعزيز قاعدتهم.
التحيزات الاجتماعية:
يمكن أن تؤثر الأحكام المسبقة ضد مجموعات معينة في المجتمع على مشاركتها السياسية.
ضعف المؤسسات:
عدم وجود مؤسسات ديمقراطية قوية يحمي حقوق المواطنين قد يسمح بالإقصاء.
آثار ثقافة الإقصاء السياسي:
ضعف الديمقراطية:
الديمقراطية تقوم على مشاركة أوسع، والإقصاء يقلل من هذه المشاركة.
تزايد عدم الاستقرار:
قد يشعر الأفراد والمجموعات المبعدة بالإحباط والغضب، مما يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية.
هدر المواهب:
يتم حرمان المجتمع من مساهمات وخبرات أفراد تم استبعادهم، مما يضعف قدرته على التطور.
ترسخ الأنظمة غير الديمقراطية:
تساعد ثقافة الإقصاء في تقوية الأنظمة التي تعتمد على السيطرة والشمولية.
الإقصاء السياسي هو حرمان الأفراد أو المجموعات من المشاركة في الحياة السياسية، ويدعي البعض أن ذلك يندرج تحت تطبيق القوانين، إلا أن له مخاطر نفسية واجتماعية عميقة تتضمن الشعور بالغضب والإحباط وعدم الانتماء لدى الأفراد المستهدفين، بينما يعاني المجتمع من تفاقم الاستقطاب الاجتماعي وفقدان الشرعية للسلطة وفقدان الثقة في المؤسسات السياسية .
مخاطر الأقصاء السياسي:
على المستوى النفسي:
الشعور بالإحباط والعجز: يشعر الأفراد المُقصون بأن أصواتهم غير مسموعة وأن لا قيمة لهم، مما يؤدي إلى الشعور بالعجز وفقدان الأمل.
الغضب والعدوانية: يمكن أن يؤدي الحرمان المستمر من الحقوق السياسية إلى شعور بالظلم والغضب، والذي قد يتحول إلى عدوانية أو سلوكيات متطرفة بفعل عوامل الحرمان الطويل الأمد الذي يسبب في الكبت والأحباط ثم العدوان.
القلق والاكتئاب: العزل السياسي قد يسبب القلق الاجتماعي والاكتئاب، خاصة عند الأفراد الذين يرون أنفسهم مُهمشين وغير قادرين على التأثير في محيطهم .
على المستوى الاجتماعي:
تزايد الاستقطاب والانقسام: يؤدي الأقصاء السياسي إلى زيادة الانقسام بين المجموعات في المجتمع، مما يخلق جوًا من عدم الثقة والعداوة.
فقدان الشرعية للسلطة: عندما تُمارس السلطة بشكل يحد من مشاركة فئات معينة، فإن شرعيتها في نظر المجتمع تتضاءل، مما يضعف استقرار النظام السياسي.
ضعف الاندماج الاجتماعي: يساهم الأقصاء في تفكيك النسيج الاجتماعي، حيث يُفقد الأفراد المستهدفين الشعور بالانتماء إلى مجتمعهم، مما يقلل من قدرتهم على المشاركة الفعالة في الحياة العامة.
زعزعة الاستقرار الاجتماعي: في بعض الحالات، يمكن أن يؤدي الأقصاء السياسي الممنهج إلى اضطرابات اجتماعية واسعة النطاق، أو حتى إلى نزاعات مسلحة.
ادعاء تطبيق القوانين كواجهة للأقصاء السياسي:
غالباً ما تستخدم السلطات ادعاء تطبيق القوانين أو قوانين مكافحة الإرهاب لتبرير الإقصاء السياسي. ولكن هذا الادعاء غالباً ما يكون واجهة تخفي وراءها دوافع سياسية لتهميش أصوات المعارضة أو مجموعات معينة. هذا يعني أن القوانين قد تطبق بشكل انتقائي وموجه ضد فئات محددة، بينما يُسمح لجهات أخرى بتجاوزها، مما يشير إلى أن الهدف ليس العدالة وإنما الحفاظ على السلطة أو قمع المعارضة .
يتمثل الاقصاء السياسي في انكار حقوق المواطنه بكل اشكالها مثل المشاركة السياسية وكذلك الامن الشخصي وحرية التعبير وتكافؤ الفرص. وان الاقصاء السياسي يتضمن سلوك النظام الحاكم والذي لا يتحلى بالحيادية او تقبل الصوت المعارض بل يعمل لصالح الفئات المهيمنة في المجتمع لحد الغاء الاخر وهذا يؤثر على المجتمع بطرق مختلفة وبدرجات متفاوتة مع مرور الوقت، وقد يكون علائقيا اي نتاج علاقات قوة غير متكافئة في التفاعلات الاجتماعية مما ينتج عنه تمزق في العلاقات بين فئات المجتمع الواحد وقد يسبب صعوبة في الاندماج بين السلطه الحاكمه والشعب وهذه الفصامية تقود السلطة الى حد القتل والتعسف والتشهير والتخوين. وهناك علاقة وثيقة بين الاقصاء السياسي والصراع وانعدام الامن في احيان كثيرة. لذلك يكون الوعي بالاقصاء وعدم المساواة الخطوة الاولى لاي حراك سياسي اجتماعي فردي او حزبي.
الأقصاء السياسي يهدد دولة المواطنة القائمة على فكرة أن جميع مواطنيها متساوون قانونياً وسياسياً واجتماعياً، بغض النظر عن دينهم أو عرقهم أو جنسهم أو انتمائهم. تقوم هذه الدولة على "عقد مواطنة" بين الفرد والدولة، يضمن للفرد حقوقًا مثل المساواة والعدالة والحرية، وفي المقابل، يلتزم الفرد بواجبات تجاه الدولة والمجتمع. تتميز دولة المواطنة بالمساواة في الحقوق والواجبات، والمشاركة المدنية والسياسية، وسيادة القانون، وتفصل بين الدين والسياسة، وتعزز ثقافة السلام والتسامح والتعددية وبالتالي فأن أي نقض لتلك العلاقة هو تهديد السلم الأهلي.
تصاعدت في المشهد السياسي العراقي، ظاهرة الأقصاء بين الأطراف المتنافسة، حيث لم يعد الصراعُ يقتصر على قبة البرلمان، بل امتد إلى استخدام أدواتٍ أخرى، مثل القضاء والإعلام وتوقيت توجيه التهم. وأن هذه الأساليب، تستخدم بشكلٍ متزايدٍ لإضعاف الخصوم، والتأثير على الرأي العام، قبيل أي استحقاقٍ سياسيٍ أو انتخابي وما نشهده اخيرا من قوائم أبعاد المئات من المرشحين للأنتخابات البرلمانية العراقية للعام 2025.
إلى جانب التهديدات المستمرة بفضائح جنسية عبر نشر فديوهات خاصة لسياسيين وسياسيات في خضم المنافسة الأنتخابية وهي بدون شك منافسة غير شريفة وغير نزيهة وتهدد البعد الأخلاقي للمنافسة الأنتخابية بل وتساهم في إسقاط رموز سياسية بغض النظر عن مكانتها وشخصيات انتخابية بعيدا عن حجمها مما يضفي على المشهد السياسي المزيد من التعقيد والفوضى القادمة حيث تختلط السياسية بالسقوط الأخلاقي والتشهير في الخصوصيات في مجتمع ينتشر فيه السلاح المنفلت وتسيطر فيه تقاليد الأنتقام والثأر والعشائرية التي تهدد ما تبقى من السلم المجتمعي.
#عامر_صالح (هاشتاغ)
Amer_Salih#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟