عامر صالح
(Amer Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 8402 - 2025 / 7 / 13 - 16:14
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
كان فزع وزراة التعليم العالي بدخول ثمانية جامعات عراقية ضمن قائمة العلم الأحمر فزعا غير مبررا ومفتعلا بل أنه شكل استجابة كاذبة لوضع مزري حيث تورط تلك الجامعات في تزوير البحوث وانتهاك النزاهة العلمية والتجاوز على تقاليد النشر الأكاديمي, و الجامعات المهمة بذلك هي:
جامعة بغداد.
جامعة البصرة
جامعة الموصل
جامعة المستنصرية
الجامعة التكنولوجية
جامعة بابل
جامعة الكوفة
كلية المستقبل الجامعة
ماذا يعني تصنيف Research Integrity Risk Index وماذا يؤشر:
مؤشر RI² غير معني بقياس جودة البحث العلمي، ولكنه مؤشر أو معيار يؤشر التزام المؤسسة بمبادئ النزاهة فيما يخص البحث وفيه أسوأ معيار وضع العلم الأحمر Red Flag وهناك قبلها وضع المؤسسة أو الجامعة بفئة الخطر العالي High Risk وعلى وفق ما يلي:
معدل سحب البحوث (Retraction Rate): أي نسبة الأبحاث التي يجري سحبها بعد نشرها لأسباب التوصل لحقيقة تزوير و-أو انتحال و-أو اكتشاف أخطاء جسيمة. في الورقة العلمية المنشورة..
معدل النشر بدوريات محذوفة (Delisted Journals Rate): وهي مجلات خرجت من قواعد بيانات Scopus أو Web of Science بسبب عدم التزامها بالمعايير الأكاديمية المعمول بها دوليا.
أن تشكيل وزارة التعليم والبحث العلمي العراقية لجنة لتحقق من ذلك هو أمر مضحك مبكي وكأن الوزارة تسبح في برج عاجي لا تعلم ما يجري في الجامعات العراقية من انتهاك فج وصريح لكل التقاليد الأكاديمية, وأن سلوك افتعال الصدمة والأستغراب من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي هو سلوك ليست بجديد لأمتصاص ٱثار عمق الأزمات التي تعاني منها الجامعات ومؤسسات البحث العلمي.
وللأسف الشديد أن الجامعات العراقية كانت تتمتع بسمعة عالمية في عقود خلت سابقة للعام 2003 إلى جانب سمعتها الإجتماعية الطيبة وكفاءة خريجها ولكن الحروب العبثية للنظام السابق وسياسات التبعيث وسقوط النظام لاحقا وما رافق ذلك من انهيار لمؤسسات الدولة أسهم كثيرا في ألحاق الأذى بسمعة المؤسسات العلمية العراقية.
وفي وقت يتجه فيه العالم إلى تعزيز استقلالية الجامعات لما في ذلك من تدعيم مناخات صناعة المعرفة، ولتحريرها من الأطر البيروقراطية باتجاه المزيد من الحريات الجامعية المؤطرة بقيم الرصانة العلمية والانضباط الأكاديمي، فإن ما تفعله النخبة السياسية هو تصدير أزمتها الحزبية والسلطوية إلى الجامعات العراقية.
أن أسباب تخلف البحث العلمي وتدهوره هو جزء من تخلف الحياة العامة الذي يعكسها تخلف البنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والذي ينعكس بدوره على تخلف المنظومة التربوية والتعليمية والتي يرتبط بها العلم والبحث العلمي والقناعة به كمنهج للحياة وحل المشكلات. وتتضح ابرز أسباب ملامح ضعف البحث العلمي وكفاءته فيما يأتي:
هيمنة الفكر السياسي والديني المتعصب في الحياة العامة والذي يرفض جميع أشكال التطور والتقدم العلمي والتكنولوجي والمعلوماتي, ويتشبث في الماضي لإيجاد الحلول لمشكلات الحاضر, ويرفض ممارسة النقد والنقد الذاتي لفكره وممارساته, فيعتبر ما عنده صالح لكل الأزمان والأمكنة, وبالتالي يشل قدرة العقل على التواصل مع معطيات الحضارة العالمية.
الاستبداد السياسي المتمثل بفقدان حرية الرأي وغياب الديمقراطية في كل مفاصل الحياة, ابتداء من السلوكيات الفردية والمؤسساتية صعودا إلى قمة النظام السياسي, التي تحاصر الحريات الفردية اللازمة لتطوير شخصية الفرد وعطائه, وتحول الكيان الاجتماعي إلى كتلة هامدة عديمة التمايز والفاعلية, تجيشها متى ما تشاء وتخرسها عند الحاجة وتساوي أفرادها هلاكا, حيث أن التمايز الفعال بين الأفراد في القابليات والقدرات هو احد حقائق الوجود الإنساني وصيرورته.
ويرتبط بالعوامل المذكورة أعلاه غياب ثقافة أهمية البحث العلمي والاكتشافات العلمية والرغبة في الإبداع والاختراع في الوعي والتفاعل الاجتماعيين, وبالتالي يغيب التفكير والتشجيع والدعم عن المسار البحثي والعلمي وعن العلماء والباحثين والمكتشفين في المجتمع, وترتبط جذور ذلك أصلا في غياب القيمة البحثية في مناهج التعليم بمراحله المختلفة والقائمة أصلا على الحفظ والتلقين والاستذكار التقليدي, وهذا النظام التعليمي التلقيني لا يحتاج إلى كفاءات عالية ولا إلى مستلزمات تقيم متطور لقياس مهارات الطلاب في الفهم والتفكير وحل المشكلات, إلى جانب كونه نظام يدفع إلى الكسل والاتكالية والخمول العقلي, ولا يستثير في الطالب فكرا أو تساؤلا بل يقتل فيه ملكة التفكير, وتنتفي في هكذا نظم تعليمية القدرة على صناعة الباحثين في الخطط التعليمية عبر التراكم المعرفي في مراحل التعليم المختلفة.
ضئالة الموارد المالية المخصصة للبحث العلمي وللباحثين في الجامعات العراقية بصورة عامة بسبب من غياب إستراتيجية واضحة في هذا المجال وتخلف النظرة إلى الإنفاق باعتباره إهدارا واستهلاكا للأموال غير مجدي, وليست استثمارا طويل الأمد يأتي أضعاف ما ينفق عليه, الى جانب ما حملته كورونا وأزمة النفط العالمية من شحة في المال والانفاق.
الفساد الإداري والمالي وضعف معايير الكفاءة والأهلية المهنية والعلمية في انتفاء الكادر القيادي لمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي, واللجوء إلى معايير الحزبية والمذهبية والطائفية والموالاة في انتقاء الكوادر الإدارية, وغالبا ما تكون هذه القيادات بعيدة كل البعد عن مفهوم الاستقلالية والنزاهة, بل هي أطراف أساسية في صراعات مصلحيه ضيقة مع غيرها, بل هي أطراف في الفساد بمختلف مظاهره, مما يحرم هذه المؤسسات من الاستقرار والنزاهة والحيادية التي هي شروط لازمة للارتقاء بالعلم والبحث العلمي. ويرتبط بذلك ويرافقه سياسات أبعاد الكوادر العلمية عن مواقعها العلمية والبحثية من خلال التهجير ألقسري والإحالة على التقاعد وانتهاء بالتصفيات الجسدية ومسلسل الاغتيالات للكوادر في مختلف التخصصات العلمية.
أن غياب إستراتيجية شاملة للبحث العلمي في العراق تتضح آثاره جليا في ما يسمى بالفوضى البحثية, والتي تتضح أبرز معالمها في العمل البحثي الفردي لأغراض فردية وذاتية بحتة, سواء لأغراض الترقية العلمية فقط أو للحصول على المال في أمكنة النشر, وعدم وجود فرق بحثية تتكامل بين أفرادها, وهو سمة مهمة من سمات تطور وارتقاء البحوث في عالمنا المعاصر, وعدم التنسيق بين المراكز البحثية المنتشرة في البلد الواحد, وانفصال البحوث عن المشكلات الاجتماعية واحتياجات المجتمع, مما أدى بدوره إلى تكرار واجترار البحوث السابقة, فهي لا تخدم في معظمها قطاعات صناعية أو زراعية ولا تواكب حاجات المجتمع في ميادينه الناشئة الحديثة كتقنية المعلومات والتكنولوجيا المتطورة, وكان ذلك سببا في إنتاج كم هائل من المجلات والدوريات ذات الموضوعات المتكررة في البلد الواحد بل وفي القسم و الكلية والجامعة الواحدة في البلد المعني, واغلب هذه الدوريات غير معروف عالميا ولا يضيف قيمة علمية للبحوث العالمية .
عدم وضوح فكرة أن الجامعات هي جزء من آليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي يجب أن تكون بحوثها على تماس مع مشكلات المجتمع بمختلف قطاعاته, وبسبب غياب الرؤى في هذا المجال نرى أن اغلب بحوث الماجستير والدكتوراه تستهدف تهيئة وتدريب الكادر على طرائق ومنهجية البحث العلمي, وهي بهذا بعيدة كل البعد عن المساهمة في البحث عن الحلول للمشكلات الاجتماعية المختلفة, وبسبب من ذلك تأتي اغلب الأبحاث سواء الأساسية منها أو التطبيقية تكرارا لسابقتها, إن لم يكن تكرارا مملا فهو تكرارا بحلية شكلية ترضي المشرف عليها, وقد تبدو لصاحبها أصيلة وهي بعيدة كل البعد عن الأصالة.
غياب إستراتيجية واضحة للبحث العلمي في ضوء احتياجات المجتمع المحلي لها, حيث أن المبادرة الفردية للباحث والأستاذ تلعب دورا كبيرا في تقرير ذلك, ومعظمها يجري لأغراض الترقية العلمية أو لأغراض المتعة العقلية الخالصة للبحث, ويجري ذلك في ظل انعدام صناديق متخصصة لدعم وتمويل البحوث, وضعف القاعدة المعلوماتية, وعدم وجود مراكز أو هيئات للتنسيق بين المؤسسات البحثية, وضعف الحرية الأكاديمية كتلك التي يتمتع بها الباحث في بلدان العالم الديمقراطي, وعدم تفهم أو انعدام دور القطاع الخاص ومشاركته في الأنشطة العلمية حيث لا يزال قطاعا متخلفا يركز على الربحية السريعة والسهلة ولا يعي حقيقة وأهمية البحث العلمي في تطويره.
تدهور المستوى العلمي والتحصيلي للطلاب جراء تدهور الوضع الأمني والانقطاع عن الدراسة, أو النجاح بأي ثمن تحت وطأة تهديد الأستاذ الجامعي من قبل مليشيات الأحزاب السياسية ـ الطائفية وفرض معايير مشوه للتفوق الدراسي لا تعبر عن إمكانيات الطلاب الفعلية, بل تعبر عن أولويات الانتماء السياسي أو المذهبي أو الطائفي, وهي تذكرنا بممارسات التبعيث لفرض النتائج الدراسية وانتقاء الطلبة على أساس الولاء للحزب الحاكم.
ضعف البنية التحتية للأبحاث النظرية والتطبيقية من مختبرات وأجهزة ومكتبات علمية, فالمختبرات وأجهزتها وصيانتها ونقص المواد الأساسية لها بمختلف التخصصات ونقص الكادر الفني ذات الصلة بذلك هو سمة بارزة لأغلب ما تعانيه الجامعات العراقية وتشكو منه, إلى جانب ضعف قاعدة المعلومات الحديثة, سواء من مطبوعات ودوريات علمية عالمية أو غياب المكتبات الرقمية أو الالكترونية وقواعد البيانات البحثية وغبرها من أدوات التعليم الالكتروني للتواصل مع العالم البحثي.
اما الجامعات الأهلية فهي مشاريع ربحية لمالكيها وتعاني من تردي المعايير وضعف الرقابة وضعف مخرجاتها التي تفوق حاجة سوق العمل واحد منابع بطالة الخريجين, إلى جانب تغلغل مستثمري الجامعات الأهلية في قرارات وتوجهات وزارة التعليم العالي وتشكل عوامل ضغط على الوزارة واغلب مالكيها من احزاب السلطة ويملكون دعما سياسيا بل اصبح العديد من هذه الجامعات امكنة لغسيل الأموال والفساد, كما انها من البيئات الضاغطة على الأستاذ الجامعي من خلال تحالف خفي بين المستثمر وبين الطالب الذي يدفع الأجور له والأحساس لدى الطالب يجب أن ينجح مقابل ذلك وليست بأمكانياته العلمية تجسيد لشعار " ادفع قسطا تنجح سنة دراسية".
أن معالجة أزمة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق تكون عبر معالجة الأزمة بقمة هرم السلطة في النظام السياسي، أي أزمة التوجّه العام للحكومات المتعاقبة في ظل نظام المحاصصة؛ فلا نهوض للتعليم نحو الجودة والجدوى، أو للبحث العلمي نحو الجدّة والجدّية، ولا للمجتمع نحو التجدد الحضاري في دولة تعاني من التفكك في رؤيتها السياسية، والضبابية في نظرتها إلى نفسها والمجتمع، والفوضى في إداراتها والعشوائية في سياساتها, والتي تتعامل مع المناصب الحكومية والوزارات كغنائم وليست لخدمة المجتمع.
#عامر_صالح (هاشتاغ)
Amer_Salih#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟