رياض سعد
الحوار المتمدن-العدد: 8479 - 2025 / 9 / 28 - 10:56
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
من مسلّمات الاجتماع البشري أن الإنسان ابن بيئته، يتشكل وجدانه ونفسيته من المحيط الذي نشأ فيه، كما تتخلل جيناته ميراث الأسلاف في تكوينه البيولوجي والسلوكي... ؛ لذلك، فإنّ انتماء المرء لا يُشترى ولا يُباع، ولا يُكتسب بالادّعاء والتمنّي، بل هو دم وهوية وجذور... ؛ فمن وُلِد من طين هذه الأرض وعاش في رحابها، لا يمكنه أن ينكر أصله أو يتبرأ من قومه إلّا إذا انسلخ عن إنسانيته أولاً، وتحول إلى ما دون الإنسان : إلى "الدوني" الخائن، والمرتزق الرخيص... ؛ فهؤلاء كالأنعام بل اضل سبيلا .
في مجتمعاتنا العربية، طالما احتقر الناس من يتخلّى عن عشيرته، ويهجر قومه، ويتنكر لهويته، ويلوذ بالغريب أو العدو... ؛ فتراه يُوسم بلقب "اللصيق"، أو "المولى"، أو "اللملوم"، أو "عديم الأصل"، وهي أوصاف تحمل في طياتها دلالات اجتماعية عميقة على فقدان الشرعية الأخلاقية والانتماء الوجداني... ؛ فكيف بمن يتخطى ذلك ليبيع أهله ووطنه للغريب ويعمل ضدهم بوعيٍ وإصرار؟
إننا لا نتحدث هنا عن تحوّلات فكرية صادقة، ولا عن اختلافات عقائدية نابعة من اجتهاد أو تجربة... ؛ بل نتحدث عن طراز من البشر مسكون بالدونية والعُقد والحقارة والانحطاط ، يُشهر خيانته لأقرب الناس إليه طمعًا أو خوفًا أو مرضًا نفسيًا... ؛ و هو ذاك الذي يُجلَد من أبناء جلدته، فيُقرر أن يحرقهم جميعًا، وينقلب عليهم ليعانق من هم أشدّ كرهًا له، فيغدو عبدًا ذليلًا في بلاط الغريب، ويظن أنّه بات "مقبولًا"، وهو في الحقيقة مجرّد أداة رخيصة يتم التخلص منها فور انتفاء الحاجة إليها.
هؤلاء الدونية هم الخنجر المسموم في خاصرة الأمة والاغلبية العراقية ، وسرطان الجبهة الداخلية الذي يتيح للأعداء اختراق الصفوف... ؛ فالاحتلال لا يحتاج إلى جيوشه حين يجد بيننا من يفتح له الأبواب، ولا يلزمه الإنفاق على الجواسيس إن كان بين ظهرانينا من يبيع المعلومات والمواقف مقابل حفنة من الدولارات أو وعد بوظيفة أو منصب ... .
وقد شهد العراق في تاريخه الحديث أشنع أنواع الخيانة حين تسلّط على الحكم شذّاذ الآفاق من الفئة الهجينة، واستعانوا بشرذمة خائنة من أبناء الأغلبية والامة العراقية لقتل أهلهم وتدمير مناطقهم... ؛ وذلك عبر تولي الشيعي البعثي تعذيب الشيعي الحر، والكردي المتعاون قمع الكردي المنتفض، وهكذا جرى تمزيق النسيج الوطني عبر السياسة المنكوسة للفئة الهجينة والطغمة الطائفية الغريبة : "جلاب تاكل جلاب"... ؛ والمفارقة أن هؤلاء الخونة كانوا يُحتقرون حتى من أسيادهم، إذ لم يُنظر إليهم إلا ككلاب حراسة وقت الحاجة، ثم يُرمى بهم في أقرب مزبلة للتاريخ.
ولم يكتفِ هؤلاء الدونية بالخيانة الماضية، بل تكرر سلوكهم في الحاضر، فعادوا إلى الارتباط بالمخابرات الأجنبية والأنظمة الإقليمية المعادية للعراق، وسعوا لإسقاط التجربة الديمقراطية وتخريب الانتخابات، ونشر الفوضى والفتنة من الداخل... ؛ و رفعوا شعارات النزاهة والوطنية، لكن باطنهم كان حفرة مظلمة من الكذب والنفاق والارتزاق.
#رياض_سعد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟