أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - علي لهروشي - هولندا تحقق في قضية تجسس المغاربة وتستدعي مدير الاستخبارات المغربية المقرب من الملك محمد السادس















المزيد.....


هولندا تحقق في قضية تجسس المغاربة وتستدعي مدير الاستخبارات المغربية المقرب من الملك محمد السادس


علي لهروشي
كاتب

(Ali Lahrouchi)


الحوار المتمدن-العدد: 8478 - 2025 / 9 / 27 - 17:08
المحور: الصحافة والاعلام
    


منذ وصول المغاربة إلى الأراضي الهولندية، لم يكفّ النظام المغربي عن محاولاته للهيمنة وممارسة نفوذه، عبر مراقبة مواطنيه في الخارج والتجسس عليهم. وفي المقابل، اتخذت السلطات الهولندية إجراءات أمنية لمواجهة التهديدات الإرهابية والتطرف، مستعينة بأجهزة استخبارات مثل جهاز الأمن العام والمخابرات والاستخبارات العسكرية . هذه القضية تفضح كيف تتداخل الحدود بين حماية الأمن القومي والتجسس الأجنبي، خصوصًا عندما تُخفى المعلومات الحساسة عن القنوات الشرعية.
الجدل حول الجالية المغربية في هولندا لم يتوقف، فالصحف والمجلات مليئة بالمقالات، والبرامج الحوارية لا تكف عن مناقشة الموضوع. وتتركز الأنظار غالبًا على المهاجرين المغاربة المقيمين هناك. أكثر ما شغل الرأي العام الهولندي هو الجرائم التي ارتكبها بعض المغاربة: سرقات، اقتحام منازل ومحلات تحت التهديد بالعنف، إضافة إلى أعمال تطرف ديني يمارسها مغاربة ضد كل من يجرؤ على انتقاد عقيدتهم. في هذا المناخ، كثيرًا ما يتم استغلال المواطنين المغاربة من قبل أئمة مخبرين تابعين للديكتاتورية الحاكمة بالمغرب أو من أئمة قادمين من الشرق الأوسط. هؤلاء الأئمة يدركون هشاشة المجتمع المغربي من الناحية الدينية والفقهية، نتيجة ضعف التعليم وقلة المعرفة. والعائق اللغوي يضاعف الأزمة: فالكثير من الأمازيغ في شمال المغرب متدينون ومتحمسون، لكنهم لا يتقنون العربية أو حتى الدارجة المغربية، مما يجعلهم فريسة سهلة لتأثير الأئمة الذين يبسطون الدين في معادلات سطحية: حلال أو حرام، خير أو شر. ومع غياب أي إشراف أو رقابة، تجد الجالية عاجزة عن التفكير المستقل أو استيعاب القضايا الدينية العميقة.
من جهة أخرى، ينغمس عدد غير قليل من المغاربة في هولندا في هوس جمع المال، بأي وسيلة كانت. وتحت ضغط الأسرة والبيئة الاجتماعية، ينجرّ بعضهم إلى عالم الجريمة، بحثًا عن مكاسب مالية سريعة. هكذا ارتفعت معدلات الجريمة داخل الجالية: من الاحتيال والسرقة إلى تجارة المخدرات وتعاطيها، وصولاً إلى استغلال الفتيات والفتيان في الدعارة عبر ما يعرف بـ"عشاق الغواية". حتى الفساد وتسريب المعلومات السرية شملت بعض المحامين والإعلاميين الهولنديين من أصول مغربية، الذين ارتبطت أسماؤهم بمجرمين بارزين مثل رضوان الطاغي. هذه الجرائم لم تعد غريبة عن وسائل الإعلام، بل تُعرض كأحداث روتينية، مع عنصر إضافي أشد خطورة الذي هو التجسس.
المخابرات المغربية لا تتورع عن استخدام أي وسيلة، مهما بلغت من دناءة، لفرض مخططاتها وتحقيق أهدافها. فهي ترعى الدعارة وتجارة المخدرات، وتنشر الجريمة، وفي الوقت نفسه تتسلل إلى المساجد لصناعة متطرفين يجري تحريكهم متى شاء النظام. عبر الجمعيات والمؤسسات، تُحكم قبضتها على أنشطة المغاربة وأموالهم وآرائهم وحتى التزامهم الاجتماعي، لتضغط بهم على الدول التي يقيمون فيها. وعندما يظهر تنظيم إجرامي منظم، تجد يد المخابرات المغربية حاضرة فيه؛ إذ يصعب على المغاربة الاندماج في الشبكات الإجرامية دون دعم سري. المغاربة يتحدثون كثيرًا، وسرية أنشطتهم تكاد تكون معدومة، إلا إذا تدخلت "الأيادي الخفية" المدربة لإخفاء معالم الجريمة أو الإرهاب لصالح المخابرات المغربية. ولفرض نفوذها، تتبع المخابرات المغربية سياسة "العصا والجزرة". فالقنصليات والسفارة لم تعد مؤسسات دبلوماسية طبيعية، بل تحولت إلى أوكار للتجسس والقمع والابتزاز، خاصة تجاه الشخصيات المغربية البارزة في الرياضة والثقافة والاقتصاد والسياسة وغيرها، للحصول على معلومات سرية وخدمة مصالح النظام و الترويج لسُمعة المغرب. وهكذا، حيثما وُجد مغاربة، وُجدت مخاطر التجسس. تلك المؤسسات تحولت في أحيان كثيرة إلى قنوات لإرسال المعلومات مباشرة إلى المخابرات المغربية، في إطار استراتيجية أوسع تهدف إلى إحكام السيطرة على المواطنين المغاربة في الخارج، وبالأخص في هولندا.
من أبرز القضايا التي كشفت المستور: قضية رضوان المهاولي سنة 2008، وهو هولندي من أصل مغربي تسلل إلى جهاز الشرطة الهولندية ليصل إلى معلومات حساسة وسرية نقلها لاحقًا إلى المغرب، البلد الذي يرسخ الاستبداد. وهذا يطرح سؤالًا أخلاقيًا صارخًا: كيف لأشخاص نالوا من هولندا الجنسية والحرية والكرامة، أن يتحولوا إلى جواسيس لنظام صادر إنسانيتهم و كرامتهم قبل كل شيء؟ وهناك فضائح أخرى لا تقل خطورة، حيث تبيّن أن جواسيس مغاربة اخترقوا أجهزة المخابرات الهولندية نفسها، ليمدوا جماعات إسلامية متطرفة بالمعلومات. ومن المرجح أن نشاطهم امتد من المساجد والجمعيات إلى البرلمان والوزارات. بعض هؤلاء العملاء نالوا أوسمة شرف من الملك المفترس الديكتاتور محمد السادس نفسه!
لكن السؤال الذي يجب أن يهزّ الضمائر: ما الذي يدفع هؤلاء الجواسيس إلى بيع شرفهم وخيانة المجتمع الذي منحهم الحياة بعدما كانوا مجرد أموات؟ أي مكسب يعوض خيانة الحرية والأمن اللذين وفرتهما لهم هولندا، مقابل خدمة دكتاتورية ترمي بهم في مزابل التاريخ؟ ما دافع هؤلاء المغاربة الذين يضحون بكرامتهم طمعًا في فتات مادي، حتى وإن كان الثمن خيانة أهلهم وأبناء جاليتهم؟
النظام المغربي يستخدم المساجد والمتاجر والأسواق والمدارس المغربية كأذرع لجمع المعلومات ومراقبة المواطنين والتحكم فيهم. هذه المؤسسات تُستغل مرارًا لتمرير التقارير إلى أجهزة المخابرات، في عملية منهجية لإخضاع الجالية وتوجيهها. يبقى السؤال الحاسم: كيف يمكن مواجهة هذا الوضع؟ كيف تُعاد الثقة ويُضمن أمن الجالية المغربية في هولندا، مع وضع حد لممارسات التجسس التي تقوّض قيم الديمقراطية الهولندية؟ من بين الحلول المطروحة: إلغاء الجنسية المزدوجة، بحيث يُجبر كل مغربي على الاختيار بين الجنسية المغربية أو الهولندية. وإذا اختار هولندا، فإن صلته بالقنصليات والسفارة المغربية وكر التجسس و الضغط ستنقطع، ما سيخفف من الضغوط التي تمارسها الرباط على الجالية.
لمحة تاريخية عن التجسس المغربي في هولندا
من الصعب تتبع تاريخ التجسس المغربي في هولندا بكل تفاصيله، لكن الدور الذي يلعبه جهاز الاستخبارات المغربي الخارجي في الخارج واضح للعيان. كثيرًا ما وُجهت إلى المغرب اتهامات باستغلال أجهزته الأمنية لبسط النفوذ على الجاليات المغربية في أوروبا، خصوصًا في دول مثل هولندا حيث تعيش جالية واسعة. استهداف المخابرات المغربية يشمل عدة مستويات:
المعارضة السياسية: محاولة إخضاع الأصوات الرافضة للنظام.
المدافعون عن حقوق الإنسان: ملاحقة الناشطين المنتقدين لسياسات الدولة وتخويفهم.
التحكم في الجالية: السعي المستمر لإبقاء المواطنين تحت السيطرة، حتى وهم خارج حدود المغرب.
أولى الشائعات حول نشاطات التجسس المغربي في هولندا تعود إلى مطلع الثمانينيات، لكن القضايا الموثقة لم تظهر إلا لاحقًا. في سنة 2008، تم اعتقال رضوان المهاولي بتهمة الاشتباه في تورطه بالتجسس. كان ناشطًا في مؤسسة تدّعي العمل على مشاريع ثقافية واجتماعية، لكنها كانت في الواقع غطاءً لتمرير معلومات حساسة إلى المخابرات المغربية. المهاولي كان على اتصال بدوائر هولندية نافذة، وربما حتى ببعض أفراد العائلة الملكية الهولندية، ما مكّنه من الحصول على أسرار ونقلها إلى المغرب. الوثائق كانت تتعلق بالمغاربة في هولندا والمعارضين السياسيين للنظام المغربي. هذه القضية فجّرت قلقًا عميقًا بشأن تغلغل أجهزة استخبارات أجنبية في صميم الأمن الهولندي والجالية المغربية.
وفي العام نفسه 2008، وُجهت تهمة التجسس إلى دبلوماسي مغربي يشغل منصب السكرتير الثاني بسفارة المغرب. فقد حاول تمرير وثائق سرية عن الأجهزة الأمنية الهولندية إلى الرباط. الحادثة تسببت في توتر دبلوماسي مؤقت بين البلدين، لكن الدبلوماسي لم يخضع لمحاكمة بسبب تمتعه بالحصانة الدبلوماسية.في 2011، وُجهت التهمة إلى مواطن مغربي يدعى محمد ر. بالتجسس لصالح المغرب في هولندا. وُجد أنه جمع معلومات عن معارضين مغاربة هناك، خصوصًا المرتبطين بالنضال من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان. القضية انتهت بإدانته والحكم عليه بالسجن خمس سنوات بعد ثبوت تسريبه للمعلومات. في 2016، برزت قضية أخرى تورط فيها مهاجر مغربي يُدعى عبد السلام، أدين لأنه عمل كعميل للمخابرات المغربية. كان مكلفًا بجمع بيانات حول الشبكات المتطرفة داخل هولندا، وأدين بالفعل، لتصبح هذه أول مرة يُدان فيها مواطن مغربي في هولندا بتهمة العمل الاستخباري لصالح قوة أجنبية. أما في أكتوبر 2023، فقد انفجرت فضيحة مدوية بطلها عبد الرحيم المنوزي، الموظف السابق في جهاز مكافحة الإرهاب . اعتُقل في مطار سخيبول بينما كان يهم بالسفر إلى المغرب، بتهمة تسريب أسرار دولة إلى المخابرات المغربية. الحدث أثار زلزالًا سياسيًا ودبلوماسيًا في هولندا. كان المنوزي يعمل منذ عام 2001 مترجمًا ومحللًا رئيسيًا في مركز لمكافحة الإرهاب والتطرف، وهو جهاز يتبع مباشرة لوزارة العدل. بحكم موقعه، كان يطّلع على ملفات حكومية سرية وتحليلات صادرة عن جهاز المخابرات العامة . يوم 31 أكتوبر 2023، أُلقي القبض عليه وفي حوزته " مفتاح ؤسب " قرص يحتوي على 120 ملفًا، بينها 65 وثيقة سرية للدولة. أحد هذه الملفات كان تحليلًا رسميًا لأنشطة المخابرات المغربية داخل هولندا، ما جعل القضية أكثر خطورة. كما جرى اعتقال شرطية مغربية تُدعى أنيسة موسان، كانت تعمل بدورها مع جهاز ، واشتُبه بتورطها في تسريب المعلومات. تمت مراقبة المتهمين بدقة خلال المحاكمة، التي خلّفت تداعيات سياسية واسعة. الرأي العام الهولندي أصيب بالذعر من احتمال اختراق أجهزة استخبارات أجنبية لمؤسسات الأمن القومي. الضغوط السياسية تصاعدت على الحكومة، وارتفعت المطالب بإجراء تحقيق شامل في أمن الدولة وسلامة الأجهزة الاستخباراتية.
التجسس جريمة جسيمة في القانون الهولندي، وعقوباته قاسية. ففي قضية المنوزي فهو الأن يُحاكم و يواجه احتمال السجن 15 عامًا. المخابرات العامة والنيابة العامة الهولندية قامتا بتحليل الملفات المضبوطة بدقة. وتبين أن الوثائق، رغم أنها ليست "جواهر التاج" كالمعلومات العملياتية الجارية، إلا أنها تضم تحليلات سرية قادرة على إلحاق ضرر بالغ بالأمن القومي. هذه القضايا – خصوصًا فضيحة المنوزي – فجرت توترًا سياسيًا بين هولندا والمغرب. تعاملت الحكومة الهولندية بحذر حتى لا تتفاقم الأزمة الدبلوماسية. طُرحت مقترحات مثل طرد دبلوماسيين مغاربة، لكن في الوقت نفسه شدد البعض على ضرورة استمرار التعاون بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب. عقب هذه الفضيحة، فُرضت معايير أمنية أشد في جهاز الاستخبارات والشرطة، خصوصًا على الموظفين الذين يتعاملون مع المعلومات الحساسة. كما فُتح تحقيق مستقل حول الثغرات وإمكانية الاختراق. هذه التطورات أشعلت نقاشًا عامًا في هولندا حول هشاشة المنظومة الأمنية، وكيفية تغلغل النظام المغربي في قلب أجهزة الدولة الهولندية.
إن هذه القضايا تفضح هشاشة المجتمعات المنفتحة والديمقراطية مثل هولندا. فبينما تُعتبر الرباط رسميًا "حليفًا" في مكافحة الإرهاب، تكشف الوقائع أنها في أحيان كثيرة مصدر لعمليات زعزعة واستهداف غير مباشر. التأثير المغربي لا يتوقف عند الحدود الدبلوماسية أو الأطر القانونية، بل يتجاوزها ليشكل تهديدًا لأمن الدول الأخرى واستقرارها. المغرب ينظر إلى هولندا كبلد استراتيجي داخل الاتحاد الأوروبي، ليس فقط بسبب موقعه، بل بسبب وجود جالية مغربية ضخمة هناك. ومن ثم صاغت الرباط استراتيجيتها الأمنية والاستخباراتية بما يمكّنها من التحكم ليس فقط بالجالية، بل أيضًا بالتأثير على الخيارات السياسية الهولندية، دون الحاجة إلى واجهات دبلوماسية رسمية.
الدول الديمقراطية في مواجهة التجسس المغربي
تجد الدول الديمقراطية مثل هولندا نفسها في موقع ضعف أمام عمليات التجسس، إذ يصعب عليها جمع المعلومات من دون لفت الأنظار. وفي حالات كثيرة – كما في قضيتي الجاسوسين المغربيين المهاولي والمنوزي – تضطر هذه الدول إلى حماية نفسها من أساليب خفية توظفها أنظمة أجنبية، بأساليب تحت الأرض ودون أي اعتراف رسمي. الإجراءات القضائية المحيطة بقضايا التجسس تحظى بأهمية قصوى، ليس فقط للمتهمين المعنيين، بل أيضًا لانعكاساتها المباشرة على الأمن القومي الهولندي. قضية المنوزي (64 عامًا) استقطبت اهتمامًا واسعًا من الأجهزة القضائية والأمنية، والخطوات المقبلة ستحدد مسارها النهائي. فالمنوزي متهم رسميًا بتسريب أسرار الدولة الهولندية إلى جهاز استخبارات أجنبي، هو المخابرات المغربية. التهمة ثقيلة وتندرج تحت جريمة التجسس، التي تصل عقوبتها في هولندا إلى خمسة عشر عامًا من السجن. خطورة الاتهام تفرض الاعتماد على شهادات أجهزة الاستخبارات الأمنية و العسكرية الهولندية لإثبات تورطه. بينما أن محامي المموزي أعلن أن موكله يمارس حقه في الصمت. وقد يحاول استخدام ما يُعرف بـ"دفاع الولاء"، مدعيًا أنه ظل مخلصًا لهولندا ولم يخنها قط. بعض الخبراء لا يستبعدون أن يكون قد خضع لضغوط أو ابتزاز من المخابرات المغربية. لكن من غير الواضح إن كان مثل هذا الدفاع سيكفي لإسقاط التهم عنه.
القضية لن تبقى حكرًا على أروقة القضاء، بل انتقلت أيضًا إلى الساحة السياسية. فالضغوط السياسية لتعميق تحقيق شامل تتزايد، والسياسيون وصفوا القضية بأنها "مقلقة للغاية". وفي حال صدور إدانة، قد تمهّد القضية لتشريعات أشد صرامة وتدابير أمنية إضافية لحماية مؤسسات الدولة من الاختراق.
فضيحة التجسس هذه لها أبعاد سياسية خطيرة إلى جانب أبعادها القانونية. التساؤل الملح هو: هل يمكن لهولندا أن تواصل تعاونها مع المغرب دون أن تتعرض الثقة المتبادلة في مجال الأمن والاستخبارات لاهتزاز عميق؟ اعتقال موظف في جهاز بتهمة التجسس قد تكون له انعكاسات مدمرة على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وحتى وإن لم يصدر رد رسمي من السلطات المغربية بعد، يبقى خطر التصعيد قائمًا. ففي تجارب سابقة، قامت دول بطرد دبلوماسيين متورطين في قضايا مشابهة. ومن المحتمل أن يلجأ المغرب بدوره إلى سحب دبلوماسييه من هولندا أو اتخاذ خطوات انتقامية، ملوحًا بورقة "التعاون الأمني ضد الإرهاب" كورقة ضغط. إنه ابتزاز صريح: المغرب يلوّح بالخطر الإرهابي كأداة ضغط، بينما يده ملطخة بتغذية التطرف نفسه لخدمة أجنداته – وضعٌ يلخصه المثل القائل: "يقتل القتيل ويمشي في جنازته". لطالما تعاونت هولندا مع المغرب في ملف مكافحة الإرهاب، خصوصًا في قضايا التطرف وعودة مقاتلي تنظيم "داعش". لكن هذه القضية تهدد بتقويض ذلك التوازن الهش. وإذا تصاعدت الأزمة، قد يمتنع المغرب عن مشاركة معلومات حساسة مع هولندا، مما يضعف فاعلية العمليات المشتركة.
في الداخل الهولندي، تداعيات القضية لا تقل خطورة. فقد ارتفعت الأصوات المطالبة بمزيد من الرقابة على عمل جهاز جهاز مكافحة الإرهاب وبقية أجهزة الاستخبارات. أن يتمكّن موظف في مؤسسة بهذا المستوى من التورط في التجسس، يطرح أسئلة قاسية عن ضعف الرقابة الداخلية وغياب الحماية الكافية للمعلومات الحساسة. فالأمر الجوهري هو معرفة طبيعة الوثائق المسرّبة وأهميتها. المعلومات التي كانت بحوزة المنوزي. قد تكون محورية في القضية. إحدى الوثائق، على سبيل المثال، كانت تحليلًا صادرًا عن جهاز الاستخبارات الهلندية عام 2021، يتناول أنشطة المخابرات المغربية داخل هولندا ، تلك الوثائق تضمنت تفاصيل عن استراتيجيات الرباط للسيطرة على الجالية المغربية في هولندا. هذه المعطيات تعد كنزًا بالنسبة للمغرب، إذ تساعده على تعزيز عملياته هناك وربما توجيه ضربات أكثر تحديدًا ضد معارضيه. إضافة إلى ذلك، يُرجح أن تكون الوثائق المضبوطة قد احتوت على بيانات عن شبكات إرهابية في هولندا مرتبطة بمغاربة. ومع أن هولندا تعتبر المغرب شريكًا مهمًا في هذا الملف، إلا أن الرباط لطالما استغلت هذا الموقع للحصول على مكاسب مالية وسياسية. تسريب مثل هذه المعلومات قد يمنح المغرب اليد العليا في التعامل مع هذه الشبكات وتوظيفها بما يخدم أجنداته. جانب آخر محتمل هو أن الوثائق قد تناولت نشاط المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين للنظام الاستبدادي المغربي في هولندا. المغرب يرزح تحت ضغط دولي متزايد بسبب انتهاكاته الحقوقية، ومن المرجح أن مخابراته تلاحق هؤلاء الناشطين حتى في المنفى. كشف هذه المعلومات علنًا قد يوجه ضربة قاسية لسمعة المغرب الدولية ويؤجج عزلته الدبلوماسية.
دخلت المحاكمة ضد الهولندي من أصل مغربي عبد الرحيم. م، المشتبه في تسريبه لأسرار دولة إلى الحكومة المغربية، مرحلة جديدة. المحكمة الهولندية ترغب في الاستماع إلى المدير العام للمديرية العامة للدرسات و المستندات محمد ياسين المنصوري المقرب من ملك المغرب. هذا ما أوردته صحيفة " ن ر س " وكان عبد الرحيم. المنوزي قد عمل سابقًا محللًا لدى المنسق الوطني لمكافحة الإرهاب والأمن ويُشتبه في أنه سلّم أسرار دولة إلى أجهزة الاستخبارات المغربية على أعلى مستوى.
القضية، التي انطلقت منذ فبراير، عرفت منعطفًا جديدًا عندما اقترحت محكمة روتردام الاستماع إلى ياسين المنصوري، رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية ، بصفته شاهدًا. ويُحتمل أن عبد الرحيم. المنوزي كان على اتصال مباشر معه.
ويرى خبراء أمنيون أن هذا القرار قد يضر بالعلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وصرّح المتخصص في الشأن المغربي باولو دي ماس لصحيفة أن المنصوري يُعد واحدًا من أقوى الرجال في المغرب، وأنه ينتمي إلى الدائرة الضيقة المحيطة بالملك. كما اعتبر أنه من غير المرجح أن يكون لعبد الرحيم. المنوزي اتصالات على هذا المستوى.
وبحسب نفس الصحيفة، توجد مع ذلك أسباب تدعو إلى الاشتباه في تورط المنصوري في التجسس. فقد ورد اسمه في قضية تتعلق بالتدخل المغربي في البرلمان الأوروبي ببروكسل. علاوة على ذلك، تُتهم أجهزة الاستخبارات المغربية باستخدام برامج تجسس لمراقبة صحفيين ونشطاء وسياسيين، سواء داخل البلاد أو خارجها. ووفقًا لجهاز الاستخبارات الهولندي، فإن الحكومة المغربية تتجسس كذلك على الجالية المغربية في هولندا.
وأوردت صحيفة " تراو " الهولندية أن النيابة العامة لا ترى أي فائدة إضافية في الاستماع إلى موظفي أجهزة الاستخبارات المغربية. وفي الأثناء، جرى الاستماع إلى رئيس الوزراء الهولندي " ديك شخوف " ، الذي كان آنذاك المسؤول المباشر عن عبد الرحيم. المنوزي، وذلك لتقديم "رؤية داخلية" بخصوص المشتبه به وإمكانية وصوله إلى الوثائق السرية والسريّة للغاية.
تم اعتقال عبد الرحيم. م سنة 2023 في مطار سخيبول، عندما كان على وشك ركوب رحلة إلى المغرب. وكان بحوزته وثائق سرية كان يرغب، بحسب العدالة، في تسليمها إلى جهاز المخابرات المغربي. كما عُثر على وثائق أخرى في منزله. وستستأنف المحاكمة في فبراير. ويُسمح لعبد الرحيم. م بانتظار ما تبقى من مسار القضية وهو في حالة سراح.

الخاتمة

قضية التجسس المتعلقة بـالمنوزي. لا يمكن النظر إليها بمعزل؛ فهي جزء من نمط أوسع من أنشطة التجسس التي تورّط فيها مواطنون مغاربة داخل هولندا. هذه القضية لا تحمل فقط تداعيات قانونية، بل يمكن أن تترك آثارًا عميقة على العلاقات الدبلوماسية والأمنية بين هولندا والمغرب. إن تحليل الوثائق المسرّبة في سياقها الأشمل يقدّم صورة واضحة عن الدوافع المحتملة للمتهم، وكذلك عن المخاطر الجيوسياسية المرتبطة بالملف. المستقبل وحده سيكشف كيف ستتطور القضية من خلال المحاكمة التي يتعرض لها إلى حد الأن الجاسوسين المغربيين " المانوزي " و الشرطية من أصل مغربي المدعوة " أنيسة "، لكن ما هو مؤكد أن انعكاساتها على الأمن القومي الهولندي، وعلى العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، ستكون جسيمة. إن وجود جواسيس مغاربة في هولندا يمثل تهديدًا مباشرًا وخطيرًا لأمن البلاد ولرفاهية الجالية المغربية نفسها. كما أن هذه الممارسات الاستخباراتية تقوّض القيم الجوهرية التي تفتخر بها هولندا: الحرية والديمقراطية و حقوق الإنسان. وعلى الجالية أن تدرك خطورة هذه السياسات، وأن تواجهها بوعي ومقاومة نشطة، حتى لا يُختطف مستقبل الهولنديين من أصل مغربي بفعل هذه التأثيرات المدمرة.
ورغم حذر هولندا في شؤون أمنها الداخلي، يبدو أن المغرب يعرف عن هولندا أكثر مما تعرفه هي عن نفسها. فكلما سقط جاسوس مغربي في قبضة العدالة، سارع النظام الديكتاتوري المغربي إلى تجنيد آخرين لتعويضه. إن تاريخ التجسس المغربي في هولندا شبكة معقدة من التحديات الجيوسياسية والأمنية الداخلية. فمن قضية رضوان المهاولي سنة 2008 إلى فضائح عبد الرحيم المنوزي وأنيسة موسان سنة 2023، يتضح أن المغرب يستخدم، بشكل منهجي، أساليب متعددة لبسط نفوذه على الجالية المغربية وعلى الأمن القومي الهولندي في آن واحد. فالتداعيات القانونية والسياسية لهذه القضايا لن تتوقف عند اللحظة الراهنة، بل ستظل ترخي بظلالها على العلاقات بين هولندا والمغرب في السنوات المقبلة. إنها تحدٍ مباشر للطريقة التي تتعامل بها هولندا مع تهديدات الأمن والتدخل الأجنبي في شؤونها الداخلية.



#علي_لهروشي (هاشتاغ)       Ali_Lahrouchi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل سيكسر - الأمير- هشام العلوي طاجين المخابرات المغربية بعدم ...
- المغرب : قضاء التعليمات في مملكة الديكتاتور، حين تُغتال العد ...
- المخابرات المغربية تختطف المناضلة و الحقوقية سعيدة العلمي
- على الجميع أن يستفيد من درس الهجوم الصهيوني الإسرائيلي–الأمر ...
- و فاة رئيس الأوروغواي السابق - خوسيه موخيكا و فقدان الإنساني ...
- العلاقات المغربية الإسرائيلية من السرية إلى التطبيع ، و ضياع ...
- الهدية القطرية الضخمة المسمومة للرئيس الأمريكي ترامب
- ترشيح المغرب لنيل جائزة نيلسون مانديلا: إهانة لمؤسسات الأمم ...
- الخلافات بين المغرب والجزائر: خلفيات وأفق الحل؟
- بيان بمناسبة اليوم العالمي للشغل
- أي مصير ينتظر الأبرياء في سجون المغرب؟
- تطاول - مالي- على الجزائر جزء من المؤامرة الكبرى
- المغرب و اسرائيل : انتهاكات حقوق الإنسان بذريعة فرض - هيبة ا ...
- المغرب في حاجة إلى مناضلين ثوريين وليس إلى إصلاحيين انتهازيي ...
- المغرب وإسرائيل : هدم المنازل و تشريد الأسر إلى أين؟
- المغرب: المرأة بين سندان القوانين المُجحفة ، و مطرقة طُغيان ...
- إخفاق التنظيمات اليسارية الثورية ، و انتصار التنظيمات السلفي ...
- المغرب : هل سلم الملك محمد السادس استقالته للرئيس الفرنسي ، ...
- الاستقالات المتتوالية قد يُعجل بإسقاط الحكومة الهولندية
- الاستقالات المُتتالية قد تُعجل بإسقاط الحكومة الهولندية


المزيد.....




- عرضت رواتب وحماية.. إسرائيل تحذر من مكالمات مفاجئة لمخابرات ...
- الفلسطينيون يشيّعون ضحاياهم وأكثر من 750 ألف فلسطيني غادروا ...
- إيلون ماسك والأمير أندرو: أسماء جديدة في ملفات جيفري إبستين ...
- لأول مرة منذ سقوط النظام.. دمشق تصدر مذكرة توقيف غيابية بحق ...
- ألمانيا تدرس السماح لجيشها بإسقاط المسيرات التي تشكل خطرًا أ ...
- سجن ساركوزي يثير الجدل حول العدالة السياسية في فرنسا قبل است ...
- أوكرانيا -نشرت- منظومة باتريوت للدفاع الجوي -استلمتها من إسر ...
- ليلى شهيد: -الاستيطان هو أداة احتلال أكثر من الجيش الإسرائيل ...
- سوريا تصدر أول مذكرة توقيف غيابية بحق بشار الأسد بتهم القتل ...
- الجزيرة تتوج بجائزة -شبكة العام- في مهرجان كان للإعلام والتل ...


المزيد.....

- مكونات الاتصال والتحول الرقمي / الدكتور سلطان عدوان
- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - علي لهروشي - هولندا تحقق في قضية تجسس المغاربة وتستدعي مدير الاستخبارات المغربية المقرب من الملك محمد السادس