|
في هجـاء النـقد ..
هاتف بشبوش
الحوار المتمدن-العدد: 8478 - 2025 / 9 / 27 - 14:08
المحور:
الادب والفن
اليوم ومانراه من نقد أدبي يثير السخرية في صعوبة فهمه لغوياً ومعنىً يثير في النفس نزعة ألإشمئزاز والضحك على الأدب . لنقرأ أدناه ما قاله بعض النقاد في نقدهم لبعض نصوص الشعراء : (إنّ الرمزية حين تقفز في النص تعطينا التكثيف النظيف مع التشبيك العالي في المعنى والمحتوى الذي يبدد خيبة المعقول وانتقاله الى الخيال كي يعطينا نصا براغماتيا يتماشى مع السايكولوجيا وانفعال الذات التكثيرية ضمن التقليل والأبعاد التكعيبية للنص التي تفرز كل مقومات الإنشائية النصية وجدرانها المانعة للتسهيل والمماطلة العاجزة على الاستدراك) . وهناك ناقد آخر يقول : (أن البنية التقليلية المتفاقمة حين ترصد التفكيك الفعلي ضمن المنقول الى الترابط القولي مع النص المقروء الذي يظهر من خلال سببيته وبراهينه وإعطاء الاستنتاجات الدلاليّة، فمثل هذه الأعمال ترشدنا الى الدلالات الحجاجية التقويمية للنص وتأويله المستهام الكينوني ) إنتهى . أتحدى أي ناقد وشاعر وضليع في النقد أن يفسر لي ماجاء في السطور أعلاه . لم أجد مايحفزني أن أطلق على هذه السطور بالنقد أو على صاحبها بالناقد . هذا ليس ناقدا بل شخص مشاغب أراد ألإساءة للأدب والى المهمة العظيمة للنقد وعلاقته بالمتلقي والقاريء. حتى الناقد الشهير(أوكتافيوباث) الذي يوصف بالغموض والتكثيف لم يأت بمثل هذا اللغط والتخريف الكلامي الغير مترابط . أما الناقد اليوناني الشهير ( بيتر بيين) وفي كتابه النقدي ( مدخل الى كافافي ، كزانتزاكيس ، وريتسوس) ومن ترجمة الكاتبة ( سعاد فركوح) في عام 1985 ، كان بيتر واضحاً مباشرا وأعطانا كتابا نقديا بارزا نرى فيه الكثير من الشروحات الجميلة والأبعاد الإنسانية حول أهم أدباء العالم الثلاث المذكورين أعلاه وأدخلنا الى عالم المعرفة الحسية والثقافية والأكاديمية دون ذكر أي مصطلح أو لغة مفرطة في التعقيد الاّ ماهو مهم يتطلب ذكره . اليوم العالم يتجه الى التبسيط والإنشراح في أغلب شؤون الأدب وعلى سبيل المثال كانت القصيدة الرمزية يكتبها الشاعر للتستر خوفا من البطش والتنكيل به من قبل الطغاة فيلجأ الى الغموض والتأويل لكن اليوم هناك فسحة من الديمقراطية تمكّن الأديب شاعرا أو ناقدا أن يكون واضحا في أداء مهمته الأساسية لكي يصل القاريء والمتلقي بأسهل المفاهيم . ما أريد أن اقوله أن يتجه النقد الى الأريحية في الطرح والى مايريده القاريء البسيط والنخبوي معا فاليوم حتى في التكنلوجيا يحرص المخترعون على التبسيط في أختراعهم ويجعلوه سلساً بسيطا إذا ما حمله الإنسان ، على سبيل المثال(التلفون) نراه معقدا في داخله لايفهمه الا صانعوه ومخترعوه لكن حامله يستطيع تشغيله بكل بساطة ان كان أميا أو متعلماً . الطائرة معقدة في صنعها لكن القبطان مهمته الآساسية هو قيادتها بكل أريحية ، أما التفاصيل الآخرى المعقدة فتخص المتخصصين . لذلك حين نقرأ النقد نجده قد إتخذ اشكالاً مختلفة في التبسيط فمنذ بداية تأريخ نشوء النقد كان شفهياً بسيطا ، فعلى سبيل المثال حين يقرأ الشاعر نصا أمام المستمعين فيبادر المرء بالقول ( جميل أو الله الله ) وغيرها من كلمات المديح والثناء . ومنذ ذلك الوقت كان النقد مهمته إظهار الجانب الجمالي في النص أما الجانب المذموم فيلقى على المتلقي . منذ العهود السحيقة كان لسقراط وأرسطو موقفا إيجابياً نقديا حول الشعراء ودور الشعر في الجمالات الكونية والإجتماعية حتى جاء إفلاطون وإستبعد الشعراء من مدينته الفاضلة بإعتبار ان الشاعر ملهم ويدخل في غيبوبة بين الحين والحين في إستلهامه وكتابته لأشعاره ، أي أن الشاعر في حالة حلم وهيام وهذا لاينفع في مدينته الفاضلة فكان إفلاطون يكتب على باب مدخل جامعته ( من لم يمتلك علما في الرياضيات لايستطيع الدخول ) . وأيضا حين جاء القرآن الكريم إستبعد الشعراء في قولته(الشعراء يتبعهم الغاوون) فهذا نقدا صريحا للشعراء والشعر . ثم جاءت مفاهيم أخرى ونصرت النقد والشعر بإسلوب آخر فقال القاهر الجرجاني ( ان عبتَ الناس عابوك وإن تركتهم تركوك) وتعني أن نقدت الناس نقدوك وهذه غالبا مانجدها في حياتنا اليومية وفي التفاصيل الصغيرة للعلاقات العامة بين الناس وانتقادهم لبعضهم مما يسبب المناكفات والكره . حتى تطور النقد بعد مروره بالعديد من الخلافات والمدارس وأصبح له قوانينه المكتوبة والمشروحة ثم أصبح في قمة ذروته في نهاية القرن التاسع عشر ومن ثم في القرن العشرين وظهور مصطلحات مثل ( السيميوطيقي ، السيميولوجي ، السيميائي )،وهي مصطلحات تتعلق بالناطقين باللغة الإنكلوسكسونية واللغة الفرنسية . أما السيميائي فهي بالنسبة لنا نحن العرب والتي تعني السيماء في الوجوه وأنا هنا أختلف ، إذ أن السيماء في ما أقرؤه منك أو ماتقوله . ثم جاءت المدارس المختلفة كالرمزية والرومانسية والتكعيبية والسريالية وغيرها ثم الحداثة ومابعد الحداثة ثم التجريب الذي إنتقل لنا قبل أربعين عاما في حين أنه في الغرب مضى عليه شوطا طويلاً ، وأغلب هذه المفاهيم كانت مدارساً غايتها إعطاء القاريء مفهومية النص الشعري أو السرد الروائي والقصصي. فعليه يجب أن يكون النقد جمالياً بعيدا عن الذم والمشاكسة . أي أن الناقد عليه أن ينأى عن إظهار الجانب القبيح للنص ، بل أن يكون بسيطا وواضحا في كل طروحاته عند تفكيك النصوص أو إبداء الرأي حول رواية أو قصة أو سرد آخر . على الناقد أن يبسّط للقاريء مايقوله الشاعر أو الروائي أو موضوعة لفلم سينمي ، على الناقد ان يفكك المعقد ولا يعقد المعقد بل يجعله في متناول فهم المستقطب كي نرتقي لسلّم الأدراك والنفعية من الأدب وباقي الفنون الأخرى . يتوجب على الناقد إختزال المضاربات المصطلحية وعدم اللجوء اليها الاّ مايستحق لأنها ترهق القاريء بل تجعله ساخرا ضاحكا من الأدب الذي بالأساس هو فن ضئيل الإنتشار بين الناس إذا ماقورن بالغناء والموسيقى والرقص فهذه هي طبيعة غالبية البشر تميل الى البساطة وعدم الغوص في تعقيدات الأمور . واليوم ومانراه من نقد يثير السخرية في تعقيداته ، بل أجزم أنه ليس نقدا بل ضحك على الذقون مثلما قرأنا في بداية المقال وما أكثرهم على هذه الشاكلة القميئة . بل هناك من يكتب نقداً بالجمع والطرح والقسمة يعني على سبيل المثال يقول : الحياة + الهواء - الموت = دلالات اخرى في التصرف البشري . فهل هذا نقدا أم حسابات ورياضيات . هذا النوع من النقد إنتهى ولم يعد ينفع بل يجعلنا أمما ًمتأخرة لانفع منها ، تضيف لما نحن متأخرين به من قصائد الجعجعة فقط ، حتى وصلنا الى مانحن عليه بحيث نرى حتى شعر المقاومة أصبح أنطولوجيا لم يعد يؤثر في حماسة الجماهير بدليل تراجع العرب في كافة الميادين السياسية والمعارك التي تقضم أراضيهم شبراً شبراً من قبل الصهيونية والإستعمار . اليوم وفي بادرة عظيمة من مجمع اللغة العربية في القاهرة أجازوا بالإبقاء على حرف العلة عند الجزم . يعني مثلما نقول : لم يرى ، أو لم يتباهى ، او لم يتقاضى ، فكان حرف العلّة يلغى من هذه الكلمات في اللغة الصحيحة فنقول : لم يرَ ، لم يتباه ، لم يتقاضَ . ولذلك أجازها مجمع اللغة للتبسيط ولتسهيل المفهومية لدى القاريء البسيط أو لدى الظليع المتخصص . وهناك مقترح أيضا حول الهمزة أن كانت حرة طليقة أو على الكرسي ، يعني ماالفرق ان قلنا في ( سماءك) أو (سمائك) فهي تؤدي ذات المعنى . ولذلك قبل سنوات طالب عالم الإجتماع العراقي الراحل (علي الوردي) بتبسيط اللغة وإرحام القاريء بمنحه الفهم السريع . أضف الى ذلك كان الشاعر السوري( محمد الماغوط ) يقول : ليتني أرفع المنصوب وأنصب المرفوع . ثم جاء نزار قباني وقال ( قتلتنا القصيدة الكيمياء) أي القصيدة الصعبة على الفهم وماأكثر شعراء النثر وما أكثر النقاد اليوم الذين يكتبون بما لايقبله العقل من تعقيد مفرط . وفي النهاية أود أن أشير : أن معظم الأدباء والشعراء الذي نالوا العالمية كانوا مباشرين واضحين ابتداءّ من بابلو نيرودا وناظم حكمت ولوتريامون ولوركا وبوشكين وسعدي يوسف والسياب ومظفر النواب ومحمود درويش والقائمة تطول . وفي مجال النقد إشتهر الكثيرون في تبسيطهم للنصوص أو السرد وحرصوا أن يكون في متناول القاريء بإسلوبه السهل الرصين والواضح دون الغوص في التشكيل الكلماتي المعقد الذي غايته إبراز العظلات وحسب ، مثل شخص فوضوي يبولُ على جدار البنتاغون ، ظناً منه أن سيغيّر من مفاهيم الهيمنة الأميركية بفعلته هذي ، لكنه كمن يبصق في الرمل . وأخيرا اتمنى من كل ناقد حقيقي أن يلجأ الى المفاهيم والحبكة والنسق والثقافة النقدية والقابلية على إمتاع القاريء وجذبه بدلاً من نفوره ، فكل هذه تسير بنا الى الطريق الصواب خدمة للأدب والذوق العام . هاتف بشبوش/ شاعر وناقد عراقي
#هاتف_بشبوش (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رحمّ الله أمّي ..وأمّي الثانية خالتي ..
-
شمشون اليهودي والخائنة دليلة الفلسطينية (غزّة )..
-
حياةٌ تافهةٌ ، ليس لها معنى..
-
ليس لي مزاجُ
-
المناضلة الشيوعية اللبنانية ( سهى بشارة)..
-
زياد رحباني ، موتٌ غنائيٌ وشيوعي ..
-
الملك أو النبي داوود وباتشيباه زنا ورومانس / جزءٌ ثانٍ..
-
محمود درويش ومحمود المشهداني …
-
الساحل السوري ، قبلَ الخيانةِ
-
الملك(النبيّ) داوود وباتشيباه زنا ورومانس ..جزءٌ أول
-
الصليبي المجرم وزير الدفاع الأمريكي ..
-
ممتلكاتُ أمريكا في العقار الإسلامي ..
-
المهرجان الدولي في المملكة المغربية (آسفي) ..
-
مُسافرُ
-
وزيرٌ مجرم في حكومة المجرم ابي محمد الجولاني ..
-
سماح عباس قايش ، والغضاضة ُفي الصحافة ..
-
برتراند راسل،وعشوائية الكون / جزءٌ أول
-
فيصل جابر عوض ، رحمكَ الله ..
-
عبد الرزاق جاسم ، بين العاطفيّةِ والعَدَم ..
-
أنا هنا ، أيّها الطغاه ..
المزيد.....
-
-للقصة بقية- يحقق أول ترشّح لقناة الجزيرة الإخبارية في جوائز
...
-
الكاتبة السورية الكردية مها حسن تعيد -آن فرانك- إلى الحياة
-
إصفهان، رائعة الفن والثقافة الزاخرة
-
سينمائيون إسبان يوقعون بيانًا لدعم فلسطين ويتظاهرون تنديدا ب
...
-
وفاة الفنانة التركية غُللو بعد سقوطها من شرفة منزلها
-
ديمة قندلفت تتألق بالقفطان الجزائري في مهرجان عنابة السينمائ
...
-
خطيب جمعة طهران: مستوى التمثيل الإيراني العالمي يتحسن
-
أعداء الظاهر وشركاء الخفاء.. حكاية تحالفات الشركات العالمية
...
-
طريق الحرير.. القصة الكاملة لأروع فصل في تاريخ الثقافة العال
...
-
جواد غلوم: ابنة أوروك
المزيد.....
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|