أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد مهدي غلام - 2//الدِكّاكُ أَرائِكَ المَنامْ والسَّماءُ تَقطُرُ ياقوتا















المزيد.....

2//الدِكّاكُ أَرائِكَ المَنامْ والسَّماءُ تَقطُرُ ياقوتا


سعد محمد مهدي غلام

الحوار المتمدن-العدد: 8477 - 2025 / 9 / 26 - 09:48
المحور: الادب والفن
    


دراسة نقدية وإجرائية لقصيدة: "حَيُّ ابنِ سكران" - بين السيميائيات ونظرية التلقي

المقدمة
قصيدة "حَيُّ ابنِ سكران" ليست مجرد نص شعري يعبر عن الحزن أو الغربة، بل هي نسيج دلالي معقد، تتقاطع فيه الرموز التاريخية والدينية والأسطورية، وتتداخل فيه الأصوات (الذات الشاعرة، المخاطَب، الشخصيات التاريخية، القارئ)، ويُبنى على فجوات نصية متعمدة تُجبر القارئ على المشاركة في إنتاج المعنى. وهذا ما يجعل تحليلها وفق منهجي السيميائيات ونظرية التلقي ضرورة منهجية، لا اختيارًا تقنيًا فقط(1).
الفصل الأول
إن معالجة القصيدة، بطبيعتها، ستكون وفق:
1. المنهج السيميائي (العلامة، الرمز، الطبقات الدلالية، التناص).
2. نظرية التلقي (أفق التوقع، المسافة الجمالية، القارئ الضمني، الفجوات النصية).
ليس هذا خيارًا تقنيًا فحسب، بل ضرورة منهجية لفك شفراتها المتعددة.
أولًا: التحليل السيميائي - العلامة، الرمز، الطبقات الدلالية، التناص
1. العنوان: "حَيُّ ابنِ سكران" - العلامة والرمز
- علامة لسانية: اسم علم مركب، غير مألوف تاريخيًا هو اختراع شعري.
- دلالة أولى (ظاهرية) : شخصية متخيلة، ربما رمز للشاعر أو للإنسان المهمش.
- دلالة ثانية (تناصية) : تلاعب باسم "حَيُّ بن يقظان"، الشخصية الفلسفية الصوفية التي ظهرت في رسائل ابن طفيل وابن سينا رمز الإنسان الذي يصل إلى الحقيقة بالعقل والتجربة دون وحي.
- التلاعب هنا ذكي: "سُكران" مقابل "يقظان" تحويل من اليقظة الفلسفية إلى السُكر الوجودي، أو السُكر بالألم، أو حتى السُكر بالإحباط.
والعنوان يُشكّل أول عتبة دلالية. هو علامة لسانية مركبة، لكنه في جوهره رمز تناصي مُحوَّل من "حي بن يقظان" لابن طفيل والتي يُعتقد أن فكرتها جاءت من "الرجل العائم" لابن سينا - الشخصية الفلسفية التي ترمز إلى اليقظة العقلية. التحوير إلى "سُكران" يعكس انقلابًا وجوديًا، حيث تداخلت الشخصية مع رمز آخر مضمر هو شخصية "آسال" بوجودها المادي، العارف بالدين، الناسك العابد: من اليقظة إلى السُكر، من الوضوح إلى الغياب، من الحكمة إلى الألم.
يقول رولان بارت الناقد السيميولوجي الفرنسي في هذا السياق:
"العلامة لا تشير إلى مرجع خارجي، بل تُنتج دلالتها من خلال شبكة العلاقات داخل النص وخارجه"(2).
وهذا ما يحدث تمامًا في العنوان: "حي ابن سكران" لا يشير إلى شخص حقيقي، بل إلى حالة /حالة الإنسان المعاصر الذي يعي معاناته لكنه عاجز عن الخروج منها، فيعيش هذيانه وتوهانه وحيدًا، يقارع مصيره القدري.
2. الرموز الأساسية في النص
أ. الريح / العاصفة
"جنون الريح" تشخيص للطبيعة كعدو عاتٍ وغادر.
"تقتلع فسائل المُنى" تدمير الأمل في جذوره، حيث لا تبقي نسلًا يُرتقب منه بصيص نور.
الطبقة الدلالية: الزمن/المجتمع/القدر كقوة لا ترحم، تُجهض كل محاولة للنهوض.
وهذا يتوافق مع ما يذهب إليه أمبرتو إيكو السيميولوجي والروائي الإيطالي الذي يقول حول الرمز:
"الرمز ليس مجرد إشارة، بل هو حامل لطبقات دلالية متراكمة، تتطلب من القارئ أن يفككها عبر المعرفة الثقافية والاجتماعية"(3)
ب. الطريق / المفترق
- رمز للبحث، التيه، الاختيار، الغياب.
- "الدروب أكلتنا خطى" نحن لم نأكل الطريق، بل الطريق أكلنا / انعكاس العلاقة بين الإنسان والمصير.
- "جالس عند مفترق الطرق" موقف انتظاري وجودي، قريب من أساطير "هرقل عند المفترق" أو "أوديب".
الطبقة الدلالية : العجز عن الاختيار، أو غياب الخيارات ذاتها.
والجلوس عند المفترق موقف وجودي مألوف في التراث الأدبي والرمزي.
يقول بول ريكور:
"المكان في النص الأدبي ليس خلفية، بل هو فاعل دلالي يُنتج معنى التيه، الاختيار، أو العجز عن الاختيار"(4).
ج. الوقت
- ليس زمنًا خطيًا، بل كيان آكل، قاتل، سجين:
- "الوقت يأكلني"
- "سجين أنا في رئة المنفى"
- "اتسع الوقت صار مدى من ضجيج"
الرمز هنا مادي: الوقت ليس مجرد فكرة، بل جسد يلتهم، يضيق، يتوسع تجسيد للقلق الوجودي. وهو تجسيد للزمن كقوة آكلة تنتهب الأعمار دون رحمة ولا من يصدها.
يقول غاستون باشلار الفيلسوف الفينومينولوجي الفرنسي:
"الزمن في الشعر ليس تسلسلاً، بل هو كثافة، جرح، أو سجن يُعاش ولا يُحسب"(5).
د. الشخصيات التاريخية (التناص المباشر)
- بشار بن برد: شاعر معتزل، مكفوف، اتُهم بالزندقة رمز للمثقف المضطهد.
- الحلاج : "يُقاد إلى مقصلة... ليُقطع رأس الحقيقة" توظيف سياسي ديني عميق. الحقيقة / رأس يُقطع.
- علي بن أبي طالب : "ملأنا قلبه قيحًا" تحوير ديني مؤلم، اتهام جماعي بالتآمر على المقدس.
- حي بن يقظان / جزيرة الواق واق / آسال: تناص فلسفي وأسطوري إشارة إلى عوالم الخيال الفلسفي والروحاني التي هُجرت.
الطبقة الدلالية العليا : النص يُعيد كتابة التاريخ كمسلسل من القمع والخيانات، حيث يُقتل المفكر، يُخان الإمام، يُهمل الحكيم.
استدعاء شخصيات من قبيل "الحلاج" و"علي" و"بشار بن برد" ليس تزيينًا، بل إعادة تأويل للتاريخ وتدوير لوقائعه لمطابقة محصلاتها مع حوادث معاصرة. ولا يفوتنا إمكانية إضمار روح مينيبية في النص، باعتباره يورد إشارات أو أسماء من التاريخ يعيد القارئ من خلالها التفكير في قول مارك توين:
"التاريخ قد لا يعيد نفسه، ولكنه يتشابه كثيرًا".
ومع قناعتنا بأن عبارة "التاريخ يعيد نفسه" ليست صحيحة تمامًا في دورات دون مدة الدورة الكونية، ولا يشتمل قولنا للتكرار على ماورائيات على نقيض تفسير نيتشه فإن التكرارات تقع نتيجة ظروف يمكن التحقق منها وسلاسل سببية تعود إلى قوانين طبيعية. على العموم، نحن نستحضر هنا مقولة كارل ماركس:
"إن التاريخ يعيد نفسه مرتين: مرة على شكل مأساة، ومرة على شكل مهزلة".
ورغم الإيحاءات الرمزية بالطبقة العليا أو العميقة، والتناص الظاهر أو الغاطس، والعلامات بدلالاتها في نص الشاعر شلال عنوز، فإنها أقرب بالإشارة إلى هذا الفهم المستبطن.
تقول جوليا كريستيفا:
"التناص هو عملية امتصاص نص لآخر، وإعادة إنتاجه في سياق جديد، ليُنتج معنى مغايرًا غالبًا ما يكون ثوريًا أو نقديًا"(6).
التناص: آلية ترميزية تعيد تشكيل التاريخ عبر حوار النصوص
فالتناص هنا ليس زينة، بل آلية بناء المعنى. النص يُقيم حوارًا مع:
أ. التناص الديني والتاريخي
كربلاء، علي، الحلاج كلها رموز للظلم التاريخي ضد الحقيقة والعدل.
"قطع رأس الشمس في كربلاء" تشبيه علي بالشمس (كما في الشعر الشيعي) ثم قطع رأسها / تدمير النور.
ب. التناص الفلسفي والأدبي
"حي بن يقظان" مشروع التنوير العقلي العربي، الذي يتحول هنا إلى "حي ابن سكران" انهيار المشروع.
"جزيرة الواق واق" من أساطير "ألف ليلة" عالم الخيال الذي لم يعد موجودًا.
"آسال" ربما إشارة إلى "آسال" في قصة "حي بن يقظان" لابن طفيل، أو تحريف لـ "سال" أو "آسيا" لكنه يظل رمزًا للرفيق في الغربة الفلسفية.
ج. التناص الثقافي العام
"عنترياتنا الراقصة في الفراغ" إشارة إلى البطولات الوهمية، المبالغ فيها، التي لا تسمن ولا تغني.
"نرقص في متاهات السواد" تناص بصري مع ثقافة الموت والكآبة.
وظيفة التناص: خلق شبكة دلالية تربط الحاضر بالماضي، وتقول: المعاناة اليوم ليست جديدة، بل هي استمرار لسلسلة من الخيانات والقمع.
ثانيًا: نظرية التلقي- القارئ، الفجوات، المسافة الجمالية
1. أفق التوقع
القارئ العربي، حين يقرأ عنوان "حي ابن سكران"، يتوقع:
١ نصًا فلسفيًا (بسبب "حي بن يقظان").
٢ - نصًا صوفيًا أو وجوديًا.
٣ - ربما نصًا تاريخيًا.
- يتوقع السكران هو والد حي ولا يتنبه لإثبات الألف في ابن وهو موضوعة ذات قيمة دلالية لابد للقارئ من تبينها .
لكن ما يجده:
- انقلاب على التوقع: بدل 《اليقظة 》 سُكر. بدل《 الحكمة 》 وجع بدل الخلاص《 انتظار بلا نهاية》.
- خيبة متعمدة: "الكوّة مغلقة... والسعاة لم يأتوا بعد" لا رسالة، لا خلاص، لا إجابة.
هذا الانقلاب يُحدث صدمة تلقي، تدفع القارئ لإعادة القراءة، وإعادة التفكير في العلاقة بين الأمل والواقع.
حين يقرأ القارئ النص، يتوقع نصًا فلسفيًا - لكنه يواجه نصًا موجوعًا، مكسورًا، مكتظًا بدلالات موحية تشير إلى مأساة الإنسان الفرد والبشرية في واقع بعينه أو في مصير جمعي عام.
يقول هانس روبرت ياوس:
"أفق التوقع هو الإطار المعرفي والجمالي الذي يحمله القارئ إلى النص؛ وانقلاب هذا الأفق هو ما يُحدث المتعة الجمالية أو الصدمة الفكرية"(7).
2. المسافة الجمالية
- عالم القارئ (الذي يعيش في عالم مادي، ربما متسارع، مشغول).
- عالم النص (عالم بطيء، متأمل، موجوع، ميتافيزيقي).
هذه المسافة:
- مفيدة: لأنها تُخرج القارئ من روتينه، وتفرض عليه التأمل.
- خطرة: لأنها قد تُشعره بالغربة عن النص، خاصة إذا لم يكن مهيأً ثقافيًا للتعرف على الرموز (كالحلاج، بشار، آسال...).
جازف شلال عنوز: فقد وضع نفسه حيال اختيار صعب فإما أن يربح قارئًا مشاركًا، أو يخسر قارئًا عابرًا. فالنص يخلق مسافة بين عالم القارئ المادي وعالمه الميتافيزيقي في مفارقة تكتم قسوة الحقيقة الصادمة.
يقول فولفغانغ إيزر:
"النص الأدبي لا يُفهم إلا عندما يُدرك القارئ أنه مدعو للعبور من عالمه إلى عالم النص وهذه المسافة هي ما يصنع الأدب"(8).
3. سوء فهم "القارئ الضمني"
أ- بعض النقاد يخلطون بين "القارئ الضمني" و"القارئ الحقيقي".
ب- في هذه القصيدة، القارئ الضمني هو من يعرف الفلسفة الإسلامية، الأدب العباسي، التاريخ الشيعي... بينما القارئ الحقيقي قد لا يعرف شيئًا وهنا تنشأ أزمة تواصل.
ج- النقد العربي نادرًا ما يعالج هذه الأزمة وكأنه يفترض أن كل قارئ "نموذج".
4. إهمال "البعد الأخلاقي" في نظرية التلقي
- نظرية التلقي الألمانية (ياوس، إيزر) تركّز على الجمالي والبنائي، لكن النص العربي خاصة السياسي أو الوجودي لا يمكن فصله عن البعد الأخلاقي.
- في "حي ابن سكران"، هناك اتهام أخلاقي صريح: "نحن نقتل أنفسنا لئلا نكون" هذا لا يمكن تمريره كجمالية فقط.
5. القارئ الضمني
لنص موجه لقارئ مثقف واعٍ: يعرف التراث، الفلسفة، التاريخ الإسلامي، الأدب العربي.
أ- قارئ متأمل: مستعد للجلوس مع الألم، وليس الهروب منه.
ب- قارئ مشارك: لأن النص مليء بالفجوات يجب عليه أن يملأها.
مثال:
"هل رأيتَ حيَّ بن يقظان وأنت تركض عارياً بلا وطن؟"
لا إجابة في النص. الجواب على عاتق القارئ: هل نحن اليوم عراة فعلاً؟ هل فقدنا الوطن الداخلي قبل الخارجي؟
وجهة النص خيار صعب كما نعتقد - اصطدم به الشاعر: فهو لمن يعاني من تقليب النظر في وقائع الحياة ومتغيراتها القدرية، من امتلاكه بخلفية معلوماتية ثرية ومعرفة بالتاريخ وشخوصه.
يقول إيزر أيضًا:
"القارئ الضمني ليس كائنًا حقيقيًا، بل هو بنية نصية مجموعة من التوقعات والمهارات التي يفترضها النص من متلقيه"(9).
6. الفجوات النصية
الفجوات في النص ليست نقصًا، بل استراتيجية.
أمثلة:
أ- من هو "حي ابن سكران"؟ لا يُعرف. الفجوة تدفع القارئ لتعريفه: هل هو الشاعر؟ الإنسان العربي؟ الضمير الجمعي؟
ب-هل وصلت الرسالة؟ لا. "الكوّة مغلقة". الفجوة تخلق التوتر.
ج-من هو الرفيق الذي يغادر؟ لا اسم، لا تفاصيل. فقط: "حتى يرحل بائعو الوطن". الفجوة تفتح المجال لكل تأويل سياسي أو أخلاقي.
د-هل سيعود حي ابن سكران؟ لا إجابة. فقط: "ما زلت أنتظر". الفجوة تجعل الأمل معلقًا وهذا جوهر التجربة الوجودية.
وظيفة الفجوة: تنشيط القارئ، تحويله من متلقٍّ إلى مشارك، ومن مراقب إلى مُنتج للمعنى.
"هل رأيتَ حيَّ بن يقظان؟" سؤال بلا جواب.
يقول إيزر:
"الفجوة النصية ليست نقصًا، بل دعوة للقارئ كي يملأها وهي الآلية التي يصبح بها القارئ شريكًا في إنتاج المعنى"(10).
ثالثًا: الإشكالات التطبيقية في الدرس النقدي العربي
تطبيق المناهج الغربية (كالسيميائيات ونظرية التلقي) على النصوص العربية خاصة الشعرية يواجه عدة إشكالات:
1. الخلط بين التناص والإشارة
كثير من النقاد العرب يتعاملون مع أي إشارة تاريخية أو أدبية على أنها "تناص"، بينما التناص الحقيقي يتطلب حوارًا واعيًا بين النصوص، وليس مجرد استحضار.
في هذه القصيدة، التناص واعٍ ومُخطط: تحويل "حي بن يقظان" إلى "حي ابن سكران" هذا تناص استراتيجي، وليس مجرد ذكر مع الأخذ بالدلالة التي احدثتها الأف التي اثبتت والتي تنفي الأبوة البايولوحية لسكران وليكون هذا الحي كائن هو ذاته السكران مع التأكيد
تُفرّق جوليا كريستيفا:
"ليس كل استشهاد تناصًا. التناص الحقيقي هو عندما يدخل نص في حوار مع آخر، فيُعيد تشكيله أو يُعارضه أو يُعيد تأويله"(11).
2. إغفال البعد الثقافي في تحليل العلامة
السيميائيات الغربية (خاصة عند بارت وغريماس) تفترض قارئًا غربيًا، لكن العلامات في هذا النص (كربلاء، الحلاج، بشار) لها حمولة ثقافية ودينية لا يمكن تفكيكها بمعزل عن السياق العربي الإسلامي.
كثير من الدراسات العربية تطبق "السيميائيات" بشكل ميكانيكي، دون التوقف عند خصوصية الرمز العربي.
يحذر إيكو:
"العلامة لا تحمل معنى مطلقًا بل تحمل ما يمنحه إياها السياق الثقافي للمتلقي"(12).
3. التعامل مع الفجوة كعيب وليس كاستراتيجية
كثير من النقاد العرب خاصة التقليديين يرون أن "عدم اكتمال المعنى" عيب في النص.
لكن في هذا النص، الفجوة جوهرية: فالانتظار، الغياب، اللاجواب هي موضوع القصيدة نفسها.
يقول إيزر:
"الفجوة هي جوهر النص الأدبي. لأنها تُجبر القارئ على التفكير، لا على الاستهلاك"(13).
الخاتمة:
القصيدة كمشروع وجودي (بين السيمياء والتلقي)
"حي ابن سكران" ليست قصيدة حزن، بل مشروع فكري وجودي:
- سيميائيًا: تبني عالمها عبر شبكة من العلامات (الريح، الطريق، الوقت، الشخصيات) التي تتحول إلى رموز للاستلاب، القمع، الانتظار.
- تناصيًا : تعيد كتابة التاريخ كمسرح للخيانة، وتُسقطه على الحاضر.
- تلقيًا: تُجهد القارئ، تُربكه، تُفاجئه، ثم تدعوه للمشاركة في سد الفجوات وهو ما يجعله "شريكًا في الألم".
والشاعر - بفطنته - لا يعطي حلولاً، بل يطرح أسئلة:
أ-"هل رأيته في جزر العجائب؟"
ب-"هل عثرت عليه يشرب حليب الأمان؟"
ج-"هل رأيتَهما يصارعان قلق الاغتراب؟"
هذه الأسئلة لا تُجاب، بل تُعاش. وهذا جوهر الشعر الحقيقي.
ملاحظة أخيرة: لماذا "حي ابن سكران" وليس غيره؟
لأن "السكر" هنا ليس ضد "اليقظة" فقط، بل ضد "الموت" أيضًا للأحياء.
هو "حيّ" موجود، واعٍ، يتألم لكنه "سُكران" - ذاهل عن ذاته، غير قادر على الخروج من دائرة الألم.
إنه الإنسان العربي المعاصر: واعٍ بكارثته، عاجز عن تغييرها، ينتظر ربما دون جدوى - رسالة لن تأتي، وقطارًا لن يعود.
"حي ابن سكران" مشروع فكري وجودي يُعيد صياغة التاريخ كمسلسل من الخيانات، ويُسقطه على الحاضر. وهو لا يُجيب، بل يُسائل وهذا جوهر الشعر الحقيقي.
"وما زلتُ أُصلي عند مسلّة الوقت... علّ الغيث يهطل ويرحل أرق الجفاف"
حتى الصلاة هنا طلب رحيل للألم، لا خلاص منه.

الهوامش / مراجع الفصل الأول

(1) تيري إيغلتون، مقدمة في النظرية الأدبية، ترجمة: هاشم صالح، دار توبقال للنشر، الطبعة الثانية، 1996، ص 107.
(2) رولان بارت، نظام العلامات، ترجمة: محمد الجرّاح، منشورات عويدات، بيروت، 1981، ص 45.
(3) أمبرتو إيكو، نظرية التأويل، ترجمة: محمد برادة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الثالثة، 1998، ص 89.
(4) بول ريكور، الزمن والسرد - الجزء الأول، ترجمة: طه عبد الرحمن، تحرير: المركز الثقافي العربي، 1995، ص 112.
(5) غاستون باشلار، جدلية الزمن، ترجمة: جورج طعمة، دار التنوير، بيروت، 1990، ص 73.
(6) جوليا كريستيفا، الثورة الشعرية، ترجمة: محمد برادة، دار التنوير، بيروت، 1985، ص 65.
(7) هانس روبرت ياوس،
جماليات التلقي، ترجمة: عبد الله الغذامي، عالم المعرفة، الكويت، العدد 145، 1990، ص 33.
(8) فولفغانغ إيزر، فعل القراءة - نظرية جمالية في التلقي، ترجمة: عبد الله الغذامي، عالم المعرفة، الكويت، العدد 146، 1990، ص 55.
(9) فولفغانغ إيزر، النص والقارئ، ترجمة: محمد برادة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1993، ص 41.
(10) فولفغانغ إيزر، فعل القراءة - نظرية جمالية في التلقي، مرجع سابق، ص 67.
(11) جوليا كريستيفا، الثورة الشعرية، مرجع سابق، ص 72.
(12) أمبرتو إيكو، نظرية التأويل، مرجع سابق، ص 103.
(13) فولفغانغ إيزر، فعل القراءة - نظرية جمالية في التلقي، مرجع سابق، ص 89.

د. سعد غلام



#سعد_محمد_مهدي_غلام (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (على تخوم الشَّمال ومَراتِع الخُزامى: نَزْوة)
- 1//الدِكّاكُ أَرائِكَ المَنامْ والسَّماءُ تَقطُرُ ياقوتا
- (سيميولوجيا الأهواء وتجلياتها في قصيدة -أنثى الرمّان وآلهة ا ...
- (هَلْ مُمْكِنٌ؟)
- (قبسات من وجهها في الليل المتحرك:تواقيع شوارِد سماء رصاصية)
- (مجازُ الانطفاءِ العظيم)
- (وقفة تفكيكية/ثقافية لقصيدة -أنثى الرمّان في رؤيا آلهة الطوف ...
- (وطنٌ نُنشِّقُهُ كمِسْكِ الجِراحِ)
- (وَجْدٌ عَلى جَناحِ نُورس)
- (صَليلُ الذَّاكِرةِ:جَدَلُ الأَجْفانِ الحافيةِ)
- ( مع جُذورُ الحَيْرةِ في مَرافئِ الرَّماد ،حارَتْ إِليَّ وأَ ...
- (رُهابُ الزَّهرةِ: تَراسيمُ الكادابول)
- (بَناتُ الأَفْكارِ – رَقيم)
- (شِباكٌ في العَتْمَة:الشَّيْخُ وَالبَحْرُ)
- (تاجُ بَلقيسَ وَفَسْقيَّةُ المَرْجان)
- (على تخوم الشَّمال ومَراتِع الخُزامى:نَزْوة)
- (مَرْثِيةُ آيْلان – كُورانُ الرَّمادِ)
- الأنوثة المبدعة بين الزمن والرمز: قراءة سيميائية في قصيدتي - ...
- (قِيَام نَوافِل) (تَهَيُّؤات)
- ( فقط اِبْتَعدِي ...!)


المزيد.....




- جواد غلوم: ابنة أوروك
- مظاهرة بإقليم الباسك شمالي إسبانيا تزامنا مع عرض فيلم -صوت ه ...
- ابتكار غير مسبوق في عالم الفن.. قناع يرمّم اللوحات المتضررة ...
- طبيبة تمنح مسنة لحظة حنين بنغمةٍ عربية، فهل تُكمل الموسيقى م ...
- عبد الكريم البليخ في -بكاء الحقل الأخير-... ثلاثون قصة عن ال ...
- استقالة مفاجئة لأشرف زكي من نقابة المهن التمثيلية استعدادا ل ...
- سعيد يقطين: أمريكا توجه دفة الإبادة والتطهير العرقي بدعمها ل ...
- افتتاح مهرجان هولندا السينمائي بفيلم -ناجي العلي- وأفلام عن ...
- -شومان- تستعيد أمجد ناصر: أنا هنا في لغتكم
- افتتاح مهرجان هولندا السينمائي بفيلم -ناجي العلي- وأفلام عن ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد مهدي غلام - 2//الدِكّاكُ أَرائِكَ المَنامْ والسَّماءُ تَقطُرُ ياقوتا