جوتيار تمر
كاتب وباحث
(Jotyar Tamur Sedeeq)
الحوار المتمدن-العدد: 8476 - 2025 / 9 / 25 - 12:40
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
لم يكن تأييدي لاستفتاء استقلال كوردستان(25-9-2017) لحظة عابرة ولدتها حماسة المناسبة، بل كان ولا يزال قناعة راسخة تنبع من اسس جوهرية تتجاوز التمجيد الشخصي او الحزبي وتعلو على اي اجندة خارجية؛ إذ يصدر هذا الموقف اولا عن الايمان المطلق بحق تقرير المصير كحق انساني اممي اصيل، وليس منحة تمنحها دولة محتلة؛ والامة الكوردية، التي سكنت ارضها منذ فجر التاريخ، هي النموذج الاكبر لامة منع حقها الطبيعي في الوجود السياسي المستقل، مما يجعل ممارسة هذا الحق واجبا اخلاقيا وتاريخيا بعد معاناة طويلة تحت نير الاحتلال ومحاولات طمس الهوية.
انطلاقا من قراءة تاريخية واعية، فان مسار الحركة التحررية الكوردية ارتبط في غالبيته باسماء شخصيات او اماكن محددة، الا ان جمهورية كوردستان في مهاباد عام 1946 مثلت استثناء فارقا انتقل فيه الحلم الكوردي من طور المطالبة الفردية الى طور التأسيس لدولة مؤسساتية؛ لذا لم يكن استفتاء عام 2017 مجرد حدث منعزل بل كان تتويجا تراكميا لكفاح طويل؛ وعلى الرغم من توظيف اعلام الاحزاب للحدث وفق معايير شخصية أو شخصنة الاستفتاء، إلا ان الجوهر الحقيقي يكمن في ايمان الغالبية الساحقة من الشعب الكوردي به كحق مشروع وكتحقيق تاريخي يخلد في سجل النضال الوطني.
كما يتعلق الامر بجوهر العقلية السائدة لدى القوميات المهيمنة في المنطقة، وهي عقلية اقصائية بامتياز تغذيها نزعات قومية متعصبة؛ هذه العقلية تتعامل مع التاريخ والجغرافيا وكأنهما ملك حصري لها، متجاهلة الوجود الكوردي السابق والمتواصل على ارضه؛ لذلك جاء الاستفتاء بعد عقود من النضال رسالة واضحة مفادها ان الكورد "عراقيون" اليوم فقط بسبب حدود رسمها اتفاقيات دولية قسمت ارضهم، وليس لايمانهم بـ"العراق" ككيان طوعي، خاصة وان هذا العراق نفسه تسيره اجندة مذهبية وطائفية تغتال هويته التعددية.
ان هذه المركبة من المبادئ الانسانية والقراءة التاريخية ومواجهة العقلية الاقصائية هي ما جعلت تأييدي للاستفتاء قناعة راسخة؛ لقد تجاوز الامر كونه رايا سياسيا تقليديا ليصبح صوت ضمير، صوت حق مغتصب ووجود مهدد؛ وكم كنا نتمنى ان ترتقي قناعات الاحزاب الكوردية الى مستوى ايمان الشعب الاصيل، فتؤمن بالاستفتاء كمسلمة مصيرية لا تمس، لا كأداة للمساومة او ورقة في لعبة المصالح الضيقة؛ وكم نصبو الى ان يتحول هذا الحدث التاريخي في الوجدان الجمعي الى منجز كوردستاني خالص، يتعالى على العصبيات الحزبية والانتماءات الفرعية الضيقة، ليصبح ركيزة للوحدة الوطنية بدلا من ان يكون ساحة للتنافس العبثي؛ فالاستفتاء، في جوهره، قيمة وجودية تجسد حلم امة ظلت لعقود ضحية لتخاذل ساستها واحزابها من جهة، وقمع محتليها من جهة اخرى؛ انه الصرخة التي يجب ان تلتقي عندها كل الارادات، لا ان تتناحر فوق اطلالها.. لذا اعتذر ان بدا صوت افكاري عاليا، فهو لم يعد تحت سيطرة ارادتي، بل اصبح صدى لارادة شعب يرفض ان يكون ضحية للتاريخ بعد اليوم.
#جوتيار_تمر (هاشتاغ)
Jotyar_Tamur_Sedeeq#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟