أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - جوتيار تمر - الازمات الامنية والاجتماعية في ظل غياب العدالة وتفشي المحسوبيات العشائرية (شواهد تاريخية)















المزيد.....

الازمات الامنية والاجتماعية في ظل غياب العدالة وتفشي المحسوبيات العشائرية (شواهد تاريخية)


جوتيار تمر
كاتب وباحث

(Jotyar Tamur Sedeeq)


الحوار المتمدن-العدد: 8421 - 2025 / 8 / 1 - 21:27
المحور: المجتمع المدني
    


قاليم كوردستان / 1-8-2025
تعتبر القدرة الحكومية على الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والسياسي من ابرز مؤشرات قوة الدولة ونجاحها في تحقيق اهدافها الوطنية، فحينما تفقد الحكومة سيطرتها على مكونات المجتمع، لا ينهار النظام الاداري فحسب، بل تتآكل الروابط الاجتماعية وتنتشر مظاهر الفوضى والعنف، ما يؤدي الى زعزعة الامن والاستقرار بشكل شامل، ذلك الواقع ليس مجرد فشل اداري او تقني، بل هو انعكاس لخلل جوهري في طبيعة الحكم وعلاقته بالمجتمع، خصوصا في المجتمعات التي تشكل فيها الانتماءات العشائرية والقبلية مكونات اساسية للهوية الجماعية، وعليه، فان دراسة تداعيات ذلك الفشل لا تقتصر على رصد الظواهر السطحية بل تتطلب تعميق النظر في الاسباب البنيوية التي تؤدي الى انهياء المؤسسات وتفكك النسيج الاجتماعي، وكذلك كيفية استغلال تلك الاوضاع من قبل قوى متعددة – المعارضة – مما يجعل من الفهم المتعمق لذلك الملف ضرورة محلة لضمان استقرار المجتمعات وتنميتها.
تلك الحكومات التي تفشل في توفير أبسط حقوق المواطن تفقد شرعيتها الاخلاقية والسياسية، ويصبح المواطن في ظل ذلك الانهيار أكثر عرضة للانخراط في الصراعات العشائرية أو الجرائم المنظمة كوسيلة للبقاء وتحقيق الامان، كما ان الفشل في ادارة الملفات الاقتصادية والمالية، مع تمحور القرارات حول مصالح حزبية ضيقة، يوسع الفجوة بين الدولة والمواطن، مما يدفع الاخير الى البحث عن بدائل غير قانونية للحماية او لتحقيق العدالة.
يمثل تطبيق القانون بشكل انتقائي في اقليم كوردستان من أخطر مظاهر التقصير الحكومي، إذ غالبا ما يعفى ابناء المسؤولين وكبار العشائر من المحاسبة فضلاً عن اصحاب الاحزاب ذوي النفوذ الاقتصادي واصحاب القنوات الاعلامية المعارضة، وحتى افراد العوائل الحاكمة التي تحتكر كل شيء تقريباً، فلا تحاسب على التقصير ولاتحاسب على التجاوزات غير القانونية، وحتى حين تصدر القرارات الرسمية لمنع التجاوزات من قبل غالبية المذكورين سابقاً، يتم وقف العمل لفترة ثم ما تلبث تلك الاعمال تتصدر المشهد ( كما حدث في اكتوبر 2022 حين صدرت قرارات بمنع العمل بالمصافي النفطية التابعة لاعضاء من الاسرة الحاكمة وكبار المسؤولين )، في حين تمارس اقصى درجات العقاب على عامة المواطنين، لاسيما فيما يتعلق بفرض الضرائب التي تثقل كاهلهم (الكهرباء، الماء، ضرائب اخرى)، وتبرر الحكومة تلك الضرائب على انها مصدر تمويل لديمومة المشاريع الداخلية، بالمقابل لا تستطيع الحكومة حتى تأمين الرواتب التي هي ركيزة اساسية في انتعاش الحياة العامة في الاقليم، ذلك التفاوت في المعاملة يزرع شعورا عميقا بالظلم ناتعدام الثقة تجاه المؤسسات الرسمية، مما يدفع المواطنين للجوء الى ما يسمى بالعدالة العشائرية، أو الانتقام الفردي كبدائل فعلية لحل النزاعات ونتيجة لذلك، تتحول العشائر الجماعات المسلحة الى اللاعبين الاساسيين في ضبط الامن، مما يضعف دور الحكومة القانوني، ويجعلها عاجزة عن فرض سيادتها الحقيقية.
في مدن كالسليمانية واربيل ودهوك، توثق الوقائع أن هذا التطبيق الانتقائي للقانون مستمر ويتفاقم، ففي محافظة اربيل على سبيل المثال – هناك العديد من الانفلاتات الاخرى لكننا نذكر هذه على سبيل المثال لا الحصر - ، شهد قضاء خبات اشتباكات مسلحة بين قوات البيشمركة وافراد من عشيرة الهركية، إثر خلاف حول سقس الاراضي الزراعية بعد تغيير مسار احد الافرع النهرية، مما ادى الى سقوط قتلى وجرحى، وحرق مركبات امنية، وفي ناحية شيلادزي التابعة لمحافظة دهوك، تكررت النزاعات المسلحة بين العشائر، حيث أصيب العديد من الشبان، وفي وقت سابق لتلك الاحداث وقع نزاع مسلح بين عشيرة الشرفانية وخصوم عشائريين، حيث قتل أحد الافراد البارزين في العشيرة – الشرفانية - ، في حين جرح ابن رئيس العشيرة نفسه في المواجهة ذاتها؛ أما في مدينة السليمانية، فقد شهدت حوادث مشابهة من النزاعات العشائرية المسلحة التي أسفرت عن تداعيات أمنية واجتماعية خطيرة؛ إذ قضى ثلاثة اشخاص نحبهم جراء نزاع مسلح بين افراد عائلتين في قرية قاسم بك زاده في جمجمال، ما يؤكد استمرار تفوق القانون العشائري على النظام القانوني في العديد من مناطق الإقليم؛ و يجدر بالذكر أن هذه النزاعات في الأغلب تحل عبر التوافقات العشائرية، التي تستند إلى قوانين عرفية وليس إلى النظام القانوني الرسمي، ما يعزز هيمنة القوانين القبلية على النظام المدني، فغياب حلول قانونية تؤدي غالبا إلى استمرار حل المشاكل عن طريق القوة والانتقام، وهو ما يعكس هشاشة مؤسسات الحكومة في تلك المناطق.
لايخفى على متتبع للواقع الكوردستاني ان الاحزاب تستغل تلك النزاعات العشائرية في الاقليم كوسيلة لضمان مكاسب سياسية قصيرة الامد، خاصة في فترة الانتخابات، إذ تعبأ الولاءات العشائرية لتثبيت سلطات النخب الحاكمة، في المقابل تستغل المعارضة ايضاً تلك الولااءات لزيادة تفكيك الاواصر الاجتماعية داخل العشائر نفسها، ويتجاهل كل الاطراف القيم الاصيلة للعشيرة القائمة على التكافل والعدل، ذلك الاستغلال السياسي يكرس الانقسامات الاجتماعية ويضعف الهوية الوطنية، إذ يتفوق الولاء للعشيرة أو الزعيم المحلي على الولاء للحكومة، مما يخلق مجتمعا ممزقا يعصب فيه بناء وحدة وطنية متماسكة.
تجسد هذه السياسات الحكومية الفاشلة في تفشي الانفلات الأمني وتزايد النزاعات العشائرية المسلحة التي تشهدها مدن إقليم كوردستان، حيث يبرز واقع أن السلطات عاجزة عن فرض القانون بشكل متساو، ويضاف إلى ذلك انتشار السلاح بين الأفراد والعشائر، الذي أدى إلى تقويض سلطة الحكومة على أدوات العنف، مما عزز من تدهور الأوضاع الأمنية والاجتماعية.
لا يمكن للحكومة أن تحافظ على هيبتها وسيادتها دون عدالة ومساواة في تطبيق القانون، ودون إنهاء استغلال الولاءات العشائرية لأغراض سياسية ضيقة؛ فغياب العدالة الحقيقية يجعل من القانون أداة قمع تستهدف فئات محددة، ويتيح للعشائر والجماعات المسلحة أن تلعب دور الحاكم الفعلي في بعض المناطق، مع ما يترتب على ذلك من تهديد للنسيج الاجتماعي ووحدة المجتمع؛ لذلك، تتطلب المرحلة الحالية مراجعة جذرية للسياسات الحكومية في إقليم كوردستان، مع التركيز على تعزيز سيادة القانون، وإرساء العدالة الاجتماعية، وتفعيل المؤسسات القانونية المدنية، بدلا من الاعتماد على العشائر والقوى المسلحة كأدوات لحفظ النظام.؛ فإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن المجتمع سيظل ساحة مفتوحة للفوضى التي لا رابح فيها سوى الفوضى نفسها، بينما يدفع ثمنها الشعب بأكمله، وخاصة الشباب الذين يتحملون أعباء العنف والتشريد.



#جوتيار_تمر (هاشتاغ)       Jotyar_Tamur_Sedeeq#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا..صلاة ( شعر)
- كوردستان وبغداد: تفاهمات مصلحية أم شراكة وطنية ؟
- جمرة لاتخون / شعر
- مشهد سياسي عبثي يتكرر بلا نهاية
- انكسارات على حافة العدم
- ازدواجية القومية العربية ذات الجذور القبلية بين تفكيك الخلاف ...
- التدخل الايراني في الشرق الاوسط: قراءة في الايديولوجيا والمم ...
- هوية تتشظى بين الاڤيستا وحلبچة
- اسم لايُقال إلا بكَ ( اليها..).
- القشرة المزيفة: تناقضات التنمية ورداءة الخدمات في العراق – إ ...
- للتاريخ حكومة بدون منطق
- -الانتخابات وفوضى العقول- أقليم كوردستان انموذجاً
- صدر للكتاب والمؤرخ الكوردستاني (جوتيار تمر صديق) كتاب النزعة ...
- هل نمتلك مفهوماً صحيحاً حول المجتمع المدني
- حين يتحول الفساد الى حِرفَة
- الكوارث البيئية وحتميات الكوارث الطبيعية
- صدر للكاتب الكوردستاني جوتيار تمر كتاب ( مشكلة قطع الطريق عن ...
- لاوعي الشعوب طريق تسلط الحكومات
- هل اصبحنا مصابين بمرض الاسقاط النفسي
- وقفة عند الهجرة


المزيد.....




- اليونيسف: أطفال غزة يموتون بمعدل -غير مسبوق-
- مقتل 82 فلسطينيا في غزة منذ الصباح وسط تحذيرات أممية من تفاق ...
- ديمقراطيون يحذرون عناصر أمن مؤسسة غزة الإنسانية GHF من ارتكا ...
- 71 شهيدا بغزة منذ الفجر وسط تحذيرات أممية من تجاوز عتبة المج ...
- شهداء الجوع في غزة.. ارتفاع حصيلة ضحايا المجاعة وسوء التغذية ...
- الأونروا: 6 آلاف شاحنة مساعدات عالقة خارج غزة
- تفاعل واسع على مواقع التواصل مع الحكم بإعدام نجل الرئيس اليم ...
- استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية وتدهور الوضع الإنساني ...
- ارتفاع عدد وفيات المجاعة في غزة إلى 162 شهيدًا مع تسجيل ثلاث ...
- غزة : الأمم المتحدة تؤكد ضرورة إيصال المساعدات عبر الطرق الب ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - جوتيار تمر - الازمات الامنية والاجتماعية في ظل غياب العدالة وتفشي المحسوبيات العشائرية (شواهد تاريخية)