أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جوتيار تمر - ازدواجية القومية العربية ذات الجذور القبلية بين تفكيك الخلافة وإقصاء التعددية العرقية















المزيد.....

ازدواجية القومية العربية ذات الجذور القبلية بين تفكيك الخلافة وإقصاء التعددية العرقية


جوتيار تمر
كاتب وباحث

(Jotyar Tamur Sedeeq)


الحوار المتمدن-العدد: 8380 - 2025 / 6 / 21 - 13:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إن أي تحليل للمفاهيم التي تأسست عليها ما يسمى بالقومية العربية – هذا إن كانت في الاصل قومية عضوية وليست مشروعاً ثقافياً سياسياً يقوم على انتقاء اللغة والتاريخ المشترك - ، يجب ان يبدأ بتحليل الازدواجية التأسيسية للفكر القومي العربي، إذ تكشف الدراسة التاريخية والنقدية للمواقف التي اتخذتها النخب السياسية والثقافية العربية منذ انهيار الخلافة العثمانية عن تناقض صارخ، فالدول القومية العربية ولدت من رحم تحالفات مع القوى العربية مثل( اتفاقيات سايكس بيكو ومراسلات مكماهون)، ثم ما لبثت ان حولت الاسلام الى ايديولوجيا تسويغية وكأداة لشرعنة هيمنتها، حيث جرمت مطالب القوميات غير العربية مثل الكورد والامازيغ والاقباط والكلدان واليهوم الشرقيين، تحت ذرائع الوحدة الاسلامية، والخيانة، تلك الازدواجية لم تكن سوى نتاجاً لبنية قبلية – سياسية، مختلطة، اختزلت الاسلام في العروبة، وروجت لاسطورة التفوق العرقي العربي مستندة الى قراءة انتقائية للتاريخ، فبينما قدم تفكيك الخلافة العثمانية كتحرر من الاستعمار التركي، نظر الى مطالبة الكورد بالحكم الذاتي على سبيل المثال كتمرد على الجامعة الاسلامية، تلك المفارقة تكشف ان المشروع العربي القومي العربي كان في جوهره اداتاً للسلطة أكثر منه تعبيراً عن هوية جماعية حقيقية، مما افرز بنية اقصائية مزقت النسيج الاجتماعي للمنطقة.
شهدت نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين اضطرابات كبرى في بنية الدولة العثمانية، التي كانت تمثل آخر صيغة سياسية جامعة للمسلمين بمختلف اعراقهم، وفي خضم ذلك التفكك نشأت حركات قومية عربية تطالب بالاستقلال، مدفوعة بشعارات التحرر وبفكرة الانعتاق من الاحتلال التركي، وقد لعبت بريطانيا وفرنسا دوراً مركزياً في تشجيع تلك الحركات، عبر وعود بدول عربية مستقلة، كما حصل في المراسلات الشهيرة بين الشريف حسين وهنري مكماهون؛ غير أن تأسيس الدولة القومية العربية لم يتم على أسس مدنية أو ديمقراطية، بل غالباً ما جاء على قاعدة قبلية، مناطقية، وعائلية، كما في الحالة السعودية، الاردنية، اليمنية، وقد غيب مفهوم المواطنة لصالح قيمة القومية العربية التي اعتبرت ذاتها ممثلة الاسلام، رغم كونها نشأت في الاصل على انقاض دولة الخلافة الاسلامية، فاتخذت تلك الدول الحديثة شكلاً هجيناً يجمع بين القومية العرقية والدين، فصاغت هوية وطنية تقوم على العربي المسلم، مما أدى الى تهميش مزدوج لغير العرب مثل الكورد، وغير المسلمين مثل اليهود الشرقيين، بل وحتى للمسلمين غير العرب مثل الامازيغ، تلك المفارقة التأسيسية هي ما ستنتج لاحقاً منظومة مزدوجة في تعاملها مع القوميات الاكثر اصالة في اراضيها، تلك القوميات التي جذورها واضحة في التاريخ بالطبع القوميات غير العربية.
الازدواجية القومية بدأت منذ هدم الخلافة العثمانية الى رفض الاخرين، إذ عملت النخب القومية العربية، خصوصاً الناصرية والبعثية، على ترسيخ فكرة أن العرب هم حماة الاسلام ورعاته الشرعيون، وأن وحدة الامة الاسلامية لاتتحقق إلا تحت راية العروبة- تلك الفكرة لها جذورها في التاريخ العربي الاسلامي منذ عهد النبوة والخلافة الراشدة إذ ترسخ لدى القبائل العربية منذ تلك الفترة أن السلطة يجب ان تبقى عربية - ، وذلك ما جعلهم ينظرون الى كل مطالبة قومية اخرى – سواء من الكورد أو الامازيغ أو حتى الاقباط والكلدان -، كتهديد للوحدة، بل وكخيانة، في المقابل لم تعامل الحركات العربية نفسها بالمنطق ذاته حين تحالفت مع ما كانت تسميه بالاستعمار الغربي ضد الدولة العثمانية، بل اعتبرت حركات تحرر، فعلى سبيل المثال، دعم البريطانيون الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين، في الوقت الذي يُتهم فيه الكورد بالخيانة لمطالبتهم بدولة قومية مستقلة أو حكم ذاتي، كما حدث في استفتاء كوردستان العراق سنة 2017، من جهة اخرى فإن القضية الامازيغية في شمال افريقيا تعاني من التهميش ذاته، ففي الجزائر والمغرب، وعلى الرغم من أن الامازيغ يشكلون نسبة سكانية معتبرة، فقد استبعدت لغتهم وثقافتهم لعقود، ولم يعترف بها إلا مؤخراً بعد نضال طويل.
أما الاقباط في مصر، فقد وُجهت مطالبهم بالمساواة التامة في الحقوق والتمثيل السياسي والثقافي بخطاب ديني وقومي مزدوج، يربط بين المسيحية والتبعية للغرب أو لاسرائيل، في تكرار لنمط التخوين نفسه مع الكورد، وذلك ما يوضح بشكل جلي كيف ان ازدواجية الفكر القومي العربي تظهر من خلال استخدامه الدين كأداة سياسية، فبينما استخدم الاسلام لتبرير الرفض القاطع لمطالب الكورد أو الامازيغ، لم يستخدم بالمثل لمساءلة شرعية التحالفات مع ما تُسَميه بالاستعمار، أو لتبرير الانفصال عن الدولة العثمانية، ذلك الانفصام لا يفسر إلا برغبة السلطة في احتكار الشرعية، وتجريم أي محاولة لبناء هوية خارج الهوية العربية المركزية؛ فالحملات العسكرية ضد الكورد في سوريا والعراق، والضغوطات على نشطاء الامازيغ في الجزائر، والحملات الاعلامية ضد الاقباط في مصر، كلها تبرر باسم حماية وحدة الامة، بينما الحقيقة هي دفاع عن هيمنة الدولة القومية ذات البعد الاحادي.
تزخر المنطقة العربية بتنوع إثني وديني وثقافي، ومن غير الممكن بناء استقرار حقيقي دون الاعتراف بهذا التنوع، التجارب الدولية في سويسرا وبلجيكا وكندا وغيرها، اظهرت أن التعدد لايهدد الوحدة، بل يعززها حين يدار عبر مؤسسات عادلة، لذا فان الاعتراف الدستوري باللغات والثقافات الاخرى، وضمان التمثيل السياسي والمشاركة المتساوية، هي خطوات اساسية للخروج من مأزق الازدواجية القومية، كما أن إعادة النظر في الخطاب الديني القومي وابعاده عن مفاصل القرار السياسي يمثل ضرورة عاجلة؛ مما يعني أن ازدواجية الفكر القومي العربي ليست مجرد مفارقة تاريخية، بل هي منظومة فكرية وممارساتية مستمرة، تقصي الاخر وتشرعن العنف ضده باسم الوحدة، على الرغم من انه نفسه تشكل في بيئة مزجت بين الدين والقبلية والغنيمة، فالتحولات السياسية الكبرى في صدر الاسلام مثلاً لم تكن ابداً دينية خالصة، بل كانت مشبعة بصراعات السلطة والهوية، وما لم يعاد النظر الى تلك البنية، فإن المنطقة ستبقى أسيرة لصراعات داخلية مزمنة تغذيها اسطورة التفرد العروبي باسم الدين والقومية، فبناء مستقبل مشترك يتطلب شجاعة فكرية للاعتراف بالاخر، لا تخوينه، واحترام التعدد لا قمعه، وذلك هو الطريق الوحيد لتحقيق عدالة تاريخية ومجتمعية في منطقة لم تبرأ بعد من جراح تفكيكها الاولي.



#جوتيار_تمر (هاشتاغ)       Jotyar_Tamur_Sedeeq#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التدخل الايراني في الشرق الاوسط: قراءة في الايديولوجيا والمم ...
- هوية تتشظى بين الاڤيستا وحلبچة
- اسم لايُقال إلا بكَ ( اليها..).
- القشرة المزيفة: تناقضات التنمية ورداءة الخدمات في العراق – إ ...
- للتاريخ حكومة بدون منطق
- -الانتخابات وفوضى العقول- أقليم كوردستان انموذجاً
- صدر للكتاب والمؤرخ الكوردستاني (جوتيار تمر صديق) كتاب النزعة ...
- هل نمتلك مفهوماً صحيحاً حول المجتمع المدني
- حين يتحول الفساد الى حِرفَة
- الكوارث البيئية وحتميات الكوارث الطبيعية
- صدر للكاتب الكوردستاني جوتيار تمر كتاب ( مشكلة قطع الطريق عن ...
- لاوعي الشعوب طريق تسلط الحكومات
- هل اصبحنا مصابين بمرض الاسقاط النفسي
- وقفة عند الهجرة
- المنهزمون يعلقون شمعتهم على جدران امريكا
- حكومات من صنع الواقع
- الانحلال يشكو الانسان
- اصداران جديدان للباحث الكوردستاني جوتيار تمر، عن دار تموز – ...
- سابينس: موجز تاريخ الانسان وترجمة مميزة للدكتور جكر عبدالله ...
- الانسان قبل العمران


المزيد.....




- البابا ليو: يجب عدم التساهل مع أي انتهاك في الكنيسة
- حماس: إغلاق المسجد الأقصى تصعيد خطير وانتهاك صارخ للوضع التا ...
- سلي أطفالك في الحر.. طريقة تحديث تردد قناة طيور الجنة 2025 T ...
- صحفي يهودي: مشروع -إسرائيل الكبرى- هدفه محو الشرق الأوسط
- نبوءة حزقيال وحرب إيران وتمهيد الخلاص المسيحاني لإسرائيل
- الجهاد الاسلامي: الإدارة الأميركية الراعي الرسمي لـ-إرهاب ال ...
- المرشد الأعلى علي خامنئي اختار 3 شخصيات لخلافته في حال اغتيا ...
- حماس: إحراق المستوطنين للقرآن امتداد للحرب الدينية التي يقود ...
- عم بفرش اسناني.. ثبت تردد قناة طيور الجنة 2025 على الأقمار ا ...
- تردد قناة طيور الجنة: ثبت التردد على التلفاز واستمتع بأحلى ا ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جوتيار تمر - ازدواجية القومية العربية ذات الجذور القبلية بين تفكيك الخلافة وإقصاء التعددية العرقية