أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - جوتيار تمر - القشرة المزيفة: تناقضات التنمية ورداءة الخدمات في العراق – إقليم كوردستان نموذجاً














المزيد.....

القشرة المزيفة: تناقضات التنمية ورداءة الخدمات في العراق – إقليم كوردستان نموذجاً


جوتيار تمر
كاتب وباحث

(Jotyar Tamur Sedeeq)


الحوار المتمدن-العدد: 8333 - 2025 / 5 / 5 - 22:06
المحور: المجتمع المدني
    


رغم الشعارات المتكررة عن التحديث والنمو، يعيش العراق حالة من التناقض الصارخ بين الصورة التي تروج إعلامياً والواقع الذي يعيشه المواطن، ما يعرض كتحول عمراني أو إنجاز اقتصادي غالباً ما يخفي تحت سطحه أزمات هيكلية عميقة، أبرزها تدهور الخدمات الأساسية وغياب الرؤية التنموية الشاملة، النتيجة هي نموذج هش للتنمية، يهتم بالمظهر ويغفل جوهر البناء الحقيقي، أي الإنسان.
في مدن كوردستان، تتجلى هذه المفارقة بوضوح، في أربيل، ناطحات سحاب شاهقة تطل على شوارع تغمرها مياه الأمطار مع أول زخة، بسبب نظام صرف عاجز، في دهوك، مجمعات سكنية حديثة تقابلها أزمة مرورية خانقة وشوارع غير مهيأة، أما السليمانية، المعروفة بـ"مدينة الثقافة"، فتعيش وسط بنية تحتية متهالكة لا تليق بتاريخها ولا بطموحات أهلها.
هذا التناقض ليس صدفة، بل نتيجة أولويات منحرفة، المشاريع البراقة تستهلك الموارد، بينما تهمل الخدمات الحيوية التي تبنى عليها حياة الناس، في القطاع الصحي مثلاً، لم تنشئ حكومات كوردستان المتعاقبة أي مستشفى حكومي جديد ومتكامل، كل ما حدث هو ترميم مستشفيات قديمة، معظمها شيد في عهد صدام حسين، مع توسعات محدودة لا ترقى إلى مستوى الحاجة، اليوم، يقف المواطن الكوردستاني أمام واقع مرير: لا وجود لبنية صحية تليق بمرحلة ما بعد الاستبداد، ولا بمفاهيم "الحرية والاستقلال" التي طالما رفعت شعاراتها، فحلبجة، المدينة التي عانت من القصف الكيميائي، والمحافظة الوليدة لما بعد التحرير، لا تزال تنتظر مستشفى يليق بضحاياها، في وقت تبنى في غالبية محافظات الاقليم مجمعات تسكنية واخرى تجارية فاخرة على مقربة من عمراكز صحية متداعية لاتمتلك ادنى مقومات حاجيات المواطن في حين هي نفسها تكاد تتحول الى ما يشبه بالمستشفيات الخاصة بسبب انتشار شائعات تدعي باعطاء مختبراتها وبعض مرافقها الى القطاع الخاص، هذه المفارقة ليست فقط فشلاً إدارياً، بل إهانة لذاكرة كوردستان وتاريخها.
في التعليم، تتكرر المأساة، المدارس الحكومية تحولت إلى مبان إسمنتية مكتظة، بلا مختبرات، بلا مرافق، وبلا خطة إصلاح حقيقية، وزارة التربية ما زالت تدير الملف بعقلية إغاثية، معتمدة على منظمات دولية انسحبت، تاركة وراءها فراغاً لم يملأ بعد تارة، وتارة على بعض المستثمرين والاغنياء من اجل احداث تغيرات بسيطة او لنقل ترميمات بسيطة، التعليم العالي ليس أفضل حالاً، التركيز على الشكليات الرقمية من اجل ادخال الجامعات ضمن منصات التحديث العالمية رقمياً دون اي اهتمام بالجوهر التعليمي للطلاب الذين يتخرجون معظهم لايعلم من اختصاصه إلا القشرة، ومع التعليم والتربية بقية الوزارات التي تفتقر لاستراتيجيات طويلة الأمد، وتعمل بلا رؤية حقيقية، وخطط مستقبلية مستديمة.
المشكلة لا تقف عند حد ضعف الخدمات، بل تتعمق مع التحولات الطبقية الحادة التي تشهدها المدن الكوردستانية، المجمعات السكنية المغلقة والقرى الحديثة أصبحت حكراً على النخب الاقتصادية وبعض المستثمرين من خارج الإقليم، الأخطر أن بعض هؤلاء المستثمرين أو لنقل الاغنياء يحملون أجندات سياسية واضحة، يسعون من خلالها إلى فرض أمر واقع مستقبلي عبر السيطرة على الأراضي والعقارات، وهو ما يرقى إلى شكل من أشكال "الاستيطان المقنع"؛ هؤلاء لا يساهمون في البناء، بل في خلق توازنات جديدة قد تهدد الهوية – الكوردية - الديموغرافية والسياسية للإقليم، هذه المسألة تتطلب وقفة جادة، لأنها لم تعد مجرد قضية استثمار، بل مسألة سيادة وكرامة وطنية.
في ظل هذا المشهد، تتفاقم أزمة الرواتب المرتبطة بالحكومة الاتحادية، ما يزيد الضغط على الموظف العادي، ارتفاع الأسعار، الضرائب المتعددة، ورداءة الخدمات تدفع الناس نحو السكن العشوائي، بعيداً عن واجهات التنمية التي تُبنى أساساً للنخبة، الثقافة الاستهلاكية التي تروج لها المشاريع العقارية، ومظاهر التمد الزائف، لا تعكس واقعاً اقتصادياً صحياً، بل تضخمه وتعمق اختلالاته.
النموذج التنموي الحالي في كوردستان لا يصنع مستقبلاً، بل يكرس تفاوتاً، ويعيد إنتاج أزمات الماضي بحلة جديدة، الموارد تستنزف في بناء الأبراج والمولات، بينما الصحة والتعليم والإسكان تنهار، لا تنمية بدون إنسان، ولا حرية بدون كرامة معيشية؛ التنمية الحقيقية لا تقاس بعدد الأبراج أو النوادي الليلية، بل بجودة المدارس والمستشفيات، بشبكات النقل، وبالخدمات التي تمكن المواطن من العيش بكرامة، أمام الإقليم خياران: إما الاستمرار في نموذج يستهلك ذاته ويهمش الإنسان، أو تبني رؤية جذرية تضع المواطن الكوردستاني في صلب الأولويات، المستقبل يبنى الآن، والقرار لا يحتمل مزيداً من التأجيل.



#جوتيار_تمر (هاشتاغ)       Jotyar_Tamur_Sedeeq#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- للتاريخ حكومة بدون منطق
- -الانتخابات وفوضى العقول- أقليم كوردستان انموذجاً
- صدر للكتاب والمؤرخ الكوردستاني (جوتيار تمر صديق) كتاب النزعة ...
- هل نمتلك مفهوماً صحيحاً حول المجتمع المدني
- حين يتحول الفساد الى حِرفَة
- الكوارث البيئية وحتميات الكوارث الطبيعية
- صدر للكاتب الكوردستاني جوتيار تمر كتاب ( مشكلة قطع الطريق عن ...
- لاوعي الشعوب طريق تسلط الحكومات
- هل اصبحنا مصابين بمرض الاسقاط النفسي
- وقفة عند الهجرة
- المنهزمون يعلقون شمعتهم على جدران امريكا
- حكومات من صنع الواقع
- الانحلال يشكو الانسان
- اصداران جديدان للباحث الكوردستاني جوتيار تمر، عن دار تموز – ...
- سابينس: موجز تاريخ الانسان وترجمة مميزة للدكتور جكر عبدالله ...
- الانسان قبل العمران
- وأد الايديولوجيا في الشرق برداء اليوتوبيا
- هل نتعلم من التاريخ ؟
- الوباء ليس فيروساً فحسب
- كورونا تظهر ضعف الانسان وعياً وصحياً


المزيد.....




- سوريون يتظاهرون أمام سفارة إسرائيل بلندن
- تونس: تنديد ومطالبات بالتحقيق في شبهة تعرض تلميذ للتعذيب داخ ...
- اليونيسف: البنية التحتية في غزة مدمرة بالكامل.. والمياه أصبح ...
- المجاعة تتفشى في غزة والسكان على شفا الموت الجماعي
- أجساد هزيلة وأعين غائرة.. أطفال غزة أول ضحايا المجاعة
- إسبانيا تدعم الأمم المتحدة بـ500 ألف يورو للتحقيق بجرائم الح ...
- الأمم المتحدة ترفض خطة إسرائيل -لتوزيع المساعدات- في غزة
- فيديو.. اعتقال 7 إيرانيين في بريطانيا بعد إحباط -هجوم وشيك- ...
- وزير الخارجية اللبناني والمنسقة الخاصة للأمم المتحدة يؤكدان ...
- وكالة أنباء أوكرانية: اعتقال نائب رئيس مكتب زيلينسكي السابق ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - جوتيار تمر - القشرة المزيفة: تناقضات التنمية ورداءة الخدمات في العراق – إقليم كوردستان نموذجاً