أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اكرم حسين - ثمانِ سنوات على الاستفتاء: إرادة شعبية وإصرار على المشروع القومي ؟














المزيد.....

ثمانِ سنوات على الاستفتاء: إرادة شعبية وإصرار على المشروع القومي ؟


اكرم حسين

الحوار المتمدن-العدد: 8476 - 2025 / 9 / 25 - 11:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يُمثّل استفتاء إقليم كردستان العراق في الخامس والعشرين من أيلول 2017 حدثاً استثنائياً في التاريخ السياسي الكردي، إذ شكّل ذروة لمسارٍ طويلٍ من النضال القومي ، وتجسيداً عملياً لحق تقرير المصير الذي ظلّ شعاراً مركزياً في الخطاب الكردي عبر عقود ، وبعد مرور ثمانِ سنوات، ما زال هذا الاستفتاء مثار نقاشٍ وجدلٍ واسعٍ في الأوساط السياسية الكردية والاقليمية ، من زاوية نتائجه المباشرة، و بما يحمله من دلالاتٍ عميقةٍ تتعلق بمستقبل الشعب الكردي وعلاقته بالدولة العراقية والمنظومة الإقليمية والدولية.
لقد تميّز الاستفتاء بكونه لحظة التقاء بين الإرادة الشعبية والقرار السياسي، إذ خرج ملايين الكرد في مدن الإقليم والمهجر للتعبير عن رغبتهم في إقامة دولتهم المستقلة. فقد كانت الاحتفالات العفوية التي عمّت المدن الكردية تجسيداً لتراكمٍ تاريخيٍ لطموحاتٍ ظلّت مُؤجّلة بفعل تعقيدات الداخل العراقي وضغوط الإقليم والمجتمع الدولي ، وفي قلب هذه اللحظة، كان الدور القيادي للرئيس مسعود بارزاني حاسماً، إذ أبدى شجاعةّ ووضوح رؤية عندما أصر على المضي في إجراء الاستفتاء رغم التهديدات والاعتراضات، مؤمناً أن الشعوب لا تنتظرُ إذناً لتقرير مصيرها ، وبذلك عبّر هذا القرار عن إرادة جماعية للكرد ورفض أن تُختزل تطلعاتهم في تفاهماتٍ مؤقتةٍ أو مساوماتٍ آنيةٍ، ما يعكس رمزية قيادته في المرحلة التاريخية.
لكن ما إن انتهى الاستفتاء حتى ظهرت التناقضات الداخلية على السطح. فقد تعاملت بعض القوى السياسية الكردية مع الحدث باعتباره أداةً للاستثمار في الصراع الحزبي، فدعمت الخطوة في البداية ، وأعلنت وقوفها إلى جانب البارزاني ، لكنها سرعان ما انقلبت على مواقفها بعد تصاعد الضغوط الدولية، وخصوصاً عقب استعادة بغداد السيطرة على العديد من المناطق . هذا التحوّل أظهر أن الانقسام الداخلي يظلّ أحد أكبر التحديات أمام مشروع قومي جامع، وأن غياب توافق داخلي واضح يمكن أن يقلّل من أثر الإنجازات التاريخية ، ويجعلها عرضة لإعادة التوظيف في الصراعات السياسية.
وعلى الصعيد الإقليمي، واجه الاستفتاء رفضاً واسعاً من بعض دول الجوار التي رأت فيه تهديداً لمصالحها الاستراتيجية. كتركيا وإيران اللتان وقفتا بوضوح ضد الخطوة، خشية أن يمتد تأثيرها إلى أوضاعهما الداخلية حيث يعيش ملايين الكرد. أما بغداد، فقد استثمرت الموقف الدولي الرافض لفرض وقائع جديدة على الأرض، مستعيدة السيطرة على المناطق المتنازع عليها. هذا التداخل بين العوامل المحلية والإقليمية والدولية يوضّح أنّ القضية الكردية ليست شأناً داخلياً فحسب، بل هي قضية إقليمية ودولية، ما يزيد من تعقيداتها ويجعل أي خطوة نحو الاستقلال مرهونة بتوازن القوى الإقليمي والدولي.
مع ذلك، يظل الاستفتاء حدثاً ذا أثر تاريخي لا يمكن تجاوزه أو إلغاؤه، لأنه رسّخ في الوعي الجمعي الكردي أن الحق في الدولة ليس مجرد شعار نظري فقط ، بل إرادة يتم التعبير عنها عبر صناديق الاقتراع. هذه الحقيقة جعلت من الصعب على أي طرف، داخلياً أو خارجياً، التعامل مع القضية الكردية كمسألة حقوق ثقافية أو إدارية محدودة ، بل إنها قضية شعب يسعى إلى أن يكون سيد قراره على أرضه.
لكن ، لم تتحول هذه الرؤية إلى مشروع سياسي مؤسساتي بسبب غياب العقد الاجتماعي الذي يضمن توافقاً شاملاً بين القوى الكردية. فالتجربة التاريخية للكرد تُظهر أنهم لم يتمكّنوا عبر قرون من بناء دولة مركزية قوية، مما جعلهم عرضة للتدخلات الخارجية والانقسامات الداخلية ، وبعد الاستفتاء، تجلى هذا الإرث التاريخي في شكل صراعات حزبية وفئوية عطّلت إمكانية البناء على الزخم الشعبي، فبدلاً من أن يتحول الاستفتاء إلى منطلق لتوحيد الصفوف وإعادة هيكلة مؤسسات الحكم، أصبح مادة للتجاذب السياسي.
هنا ظهر الدور القيادي للرئيس مسعود بارزاني، إذ أبدى قدرة على تحمل المسؤولية التاريخية عندما اختار الانسحاب من المشهد التنفيذي بعد الأحداث التي أعقبت الاستفتاء، في خطوة عكست فهماً عميقاً لمعنى القيادة باعتبارها تكليفاً لا امتيازاً. فقد أراد أن يرسل رسالة مفادها أن القضية الكردية أكبر من الأشخاص والأحزاب، وأنها قضية أمة ينبغي أن تتجاوز حسابات الربح والخسارة الفئوية، مما عزز مكانته رمزاً قومياً وزعيماً تاريخياً يرتبط بالتحولات الكبرى، لا بالسلطة المباشرة.
الدروس المستفادة من هذه التجربة متعددة: أولها أن الإرادة الشعبية وحدها لا تكفي إذا لم تترافق مع مؤسسات قوية قادرة على حماية القرار السياسي وتحويله إلى سياسات عملية. ثانيها أن غياب التوافق الداخلي يجعل أي إنجاز عرضة للانقسام والتبديد. ثالثها أن الموقع الجغرافي والسياسي لكردستان يجعل أي خطوة مصيرية مرهونة بتوازنات إقليمية ودولية معقدة. رابعها أن القيادة الحقيقية تظل عاملاً حاسماً في تحويل اللحظة التاريخية إلى مسار سياسي مستدام، وهو ما تجلى في دور الرئيس مسعود بارزاني أثناء الاستفتاء وما تلاه.
اذاً، لم يكن الاستفتاء مجرد حدث سياسي عابر، بل محطة فارقة أعادت صياغة الوعي القومي الكردي ، ورسّخت فكرة الدولة في المخيال الجمعي ، ورغم التحديات والانكسارات التي أعقبته، فقد فتح أفقاً جديداً للنقاش حول مستقبل الكرد في العراق والمنطقة ، والتحدي الذي يواجه الكرد اليوم ، يكمن في تحويل هذا الإرث الرمزي إلى مشروع مؤسساتي راسخ يقوم على عقد اجتماعي متين، وحكم رشيد، وموقف قومي موحد يتجاوز الانقسامات الداخلية ، ومن دون ذلك، سيبقى حلم الدولة عرضة للتأجيل والتراجع أمام مصالح القوى الإقليمية والدولية. إلا أن الثابت أن إرادة الشعب الكردي، التي عبّر عنها في استفتاء 2017 ، ستظل معياراً رئيسياً لأي تسوية مستقبلية تخص موقع الكرد وحقوقهم في العراق والمنطقة.



#اكرم_حسين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل افل نجم المجلس الوطني الكردي؟ قراءة في خطاب التجييش
- الكرد في سوريا بين جغرافيا التاريخ وصراع الديموغرافيا
- اعادة تعريف الدور الكردي في سوريا ما بعد الاسد
- هندسة التموضع الكردي في سوريا الجديدة
- المقامة الكردية -في عبودية القطيع ..!
- الكرد ما بعد الأسد :من التهميش الى الشراكة في صناعة المستقبل
- ورقة سياسية : من أجل إحداث تغيير بنيوي في منهجية العمل السيا ...
- الكرد في سوريا :بين الولاء الوطني والانتماء القومي؟
- الأزمة الكردية في سوريا: بين التعقيدات البنيوية ، والحلول ال ...
- سوريا: خارطة عبور نحو الاستقرار والدولة .
- في اعادة التفكير بالدولة السورية ؟
- عن وحدة الدولة ومسؤولية البناء المشترك: قراءة هادئة في بيان ...
- عن هشاشة القوى الوطنية السورية ..؟
- من -صاحب البيت والضيوف- إلى دولة المواطنة:والمشاركة تأملات ف ...
- سوريا على عتبة التحول: من الإحياء السياسي إلى النهوض الحضاري
- 14حزيران :حين يتحول التاريخ إلى مرآة للذات الحزبية ؟
- - الفكر- الكردي السوري وسوسيولوجيا -الفشل- ...!
- الكرد في سوريا :من خطاب المظلومية الى الشراكة الوطنية
- عن نهاية الأحزاب الكلاسيكية في سوريا ؟
- عن المواطنة المتساوية في سوريا ...؟


المزيد.....




- شوارزنيغر يكشف مشكلته مع ترامب والأمر الذي أثر على دعمه له.. ...
- -شيء مؤسف ومحزن-.. علاء مبارك يعلق على ما أُثير عن مطالبة قط ...
- التراشق بين ترامب والكرملين هل هي بداية القطيعة؟
- الدانمارك: رصد تحليق مسيّرات مجهولة المصدر فوق مطارات في الب ...
- هل اعتقلت واشنطن طياريْن أميركييْن رفضا التحليق بطائرة أسلحة ...
- تخفيض الرواتب وازدياد الوفيات.. ماذا يحدث بمستشفيات أميركية؟ ...
- انبعاثات حرق الوقود الأحفوري تهدد صحة 1.6 مليار شخص
- مقال بإنترسبت: الوشاية والتجسس بقضية تشارلي كيرك تذكر باستبد ...
- عاجل.. سرايا القدس-كتيبة رام الله: استهدفنا دورية للاحتلال خ ...
- شاهد لحظة سرقة لصوص مسلحين مجوهرات بقيمة مليون دولار من متجر ...


المزيد.....

- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اكرم حسين - ثمانِ سنوات على الاستفتاء: إرادة شعبية وإصرار على المشروع القومي ؟