|
قراءة في نص الشاعرة الجزائرية razika boussoualim
فاطمة شاوتي
الحوار المتمدن-العدد: 8472 - 2025 / 9 / 21 - 23:17
المحور:
الادب والفن
1
النّاقدُ قلْعةٌ تمْنحُ النّصَّ حصانةً ولَاتعْترضُ طريقَهُ ، والْكتابةُ سورٌ يتسلّقُهُ النّقْدُ ،متَى اسْتطاعَ فكَّ أحْجيّةِ النْصِ... كلُّ نصٍّ يتضمّنُ نصًّا حاضرًا يباشرُهُ النّاقدُ أوِ النّاقدةُ ، ونصًّا غائبًا يكْتبُهُ الشّاعرُ أوِ الشّاعرةُ دونَ امْتلاكِ الشّعورِ بهِ، لأنَّهُ كُتِبَ لحْظةَ غيابٍ فِي زمنِ الْواقعِ، و لحْظةَ حضورٍ فِي زمنِ الشّعْرِ ، فَالزّمنُ الشّعْريُّ زمنٌ ينْفلتُ منَ الزّمنِ الْواقعِيِّ ،يحوّلُهُ لغةً ومَا وراءَ منْطوقاتِهَا، حيْثُ يتمتْرسُ النّقْدُ لِيميّزَ فِي متْنٍ أوْ نصٍّ مدَى قابليّتِهِ لِلْحوارِ كيْفمَا توقّعَ السّياقُ التّفاعليُّ نتائجَهُ... "لهذَا قالَ" رولانْ بارتْ في كتابِه (النّقْدُ والْحقيقةُ ) :
"يُقالُ لنَا إنَّ النّقْدَ ينْبغِي أنْ يكْشفَ" الْحقيقةَ فِي الْعملِ الْأدبِيِّ، لكنْ أيُّ حقيقةٍ... ؟ الْحقيقةُ الّتِي يدّعيهَا الْمؤلفُ.. ؟ أمْ تلْكَ الّتِي يفْرضُهَا التّاريخُ ... ؟ أمِ الْحقيقةُ الّتِي يتوهّمُهَا النّاقدُ نفْسُهُ...؟ إنَّ مَا نسمّيهِ "حقيقةَ النّصِّ " ليْسَ شيْئًا يُعطَى سلفًا، بلْ هوَ فضاءٌ يتشكّلُ منْ خلالِ اللّغةِ ، ومنْ خلالِ الْقراءةِ . لذلكَ فإنَّ النّقْدَ ليْسَ علْمًا يبْحثُ عنْ نتائجَ ثابتةٍ ونهائيّةٍ، بلْ هوَ نشاطٌ يمارسُ فِي اللّغةِ نفْسِهَا، نشاطٌ يُظْهرُ أنَّ الْمعْنَى لَا يمْكنُ أنْ يكونَ واحدًا أوْ مغْلقًا، وإنّمَا هوَ دائمُ الْانْفتاحِ علَى إمْكانياتٍ أخْرَى. مهمْةُ النّاقدِ إذنْ ليْسَتْ أنْ يضعَ ختْمًا لِلْحقيقةِ، بلْ أنْ يفْتحَ النّصَّ علَى أسْئلةٍ جديدةٍ، علَى قراءاتٍ متعدّدةٍ، وأنْ يكْشفَ أنَّ الْكتابةَ لَا تنْفصلُ عنِ السّياقِ الْاجْتماعِيِّ والثّقافِيِّ الّذِي تنْشأُ فيهِ . رولانْ بارتْ – "النقد والحقيقة" (Critique et vérité, 1966)
يقولُ ستيفان مالارْميهْ : ترْجمةُ Abderrahim Abetti : " ِالشِّعْرُ هوَ التَّعْبيرُ ، عَبْرَ اللُّغة الْإنْسانيّةِ وقدْ أعيدَتْ إلَى إِيقاعِهَا الْجوْهرِي، عَنِ الْمعْنَى الْغامِضِ (الْملغّزِ) لِوُجوهِ الْوجودِ." نَعَمْ، إِنَّهُ عَبْرَ مِرْآةِ اللُّغَةِ إِدْرَاكٌ لِمَا لَا يُقَالُ مِنَ الحَيَاةِ. هُوَ الْإِصْغَاءُ إِلَى كُلِّ مَا يَهْمِسُ فِي أَحْشَاءِ الصَّمْتِ. ٱلشِّعْرُ يَسْعَى إِلَى تَخَطِّي الْمَادِّيَّةِ لِيَبْلُغَ الْجغْرافْيَاتِ الحَمِيمَةَ لِلْإِحْسَاسَاتِ وَالْانْطِبَاعَاتِ وَالبَاطِنَ."
فهلْ جسّدَ نصُّ الشّاعرةِ الْجزائريّةِ" رزيقةُ بوسْواليمْ" معْنَى أنْ يكونَ النّصُّ حاملًا لِدلالاتِ الْوعْيِ بِكتابتِهِ خارجَ إيحاءِ النّقْدِ ،الّذِي يُعْتبرُ مخْتبرًا لِلذّائقةِ وليْسَ فقطْ تفْعيلًا لِمهاراتِ النّاقدَةِ بعْدَ أنْ يُكْتبَ مرّةً ثانيّةً بِضغْطِ الْكتابةِ الْأولَى... ؟
النص /رزيقة بوسواليم Razika Boussoualim
"مايَا أنْجيلُو ،" الشّاعرةُ تقْضمُ أظافرَ قلقِها تحْتَ الشّمْسِ لنْ تحْتاجَ لونًا أبْيضَ لِيضمّدَ جُرْحَهَا ولَا لِصدْرِ رجلٍ تنامُ عليْهِ كلّمَا كدّهَا الْحزْنُ . أذْكرُ يَا" مايَا" ندوبَكِ رفعتْكِ منْ سلالةِ نسْوةِ التُّخوتِ إلَى امْرأةٍ تغْسلُ جسدَهَا الْموْشومَ بِماءِ فضّةٍ وليْلٍ رصاصِيٍّ. الشِّعْرُ مَا ألْحقَ بكِ صفةَ الْحياةِ ولوْ أنّهَا كانْتْ قارسةً عنْدَ الصّغرِ لكنّكِ طعّمْتِ ربيعًا مهْملًا بِالْورْدِ فاشْتهرَ الْمطرَ علَى كفّيْكِ وعرفْتِ لماذَا يغنِّي الطّائرُ الْحبيسُ*1 ثمَّ اتّسعَتْ نظْرتُكِ و أطْلقَتْ ريحُكِ سيقانَهَا حرّةً كمَا أنْتِ ومَازلْتِ ترْتفعينَ * 2 أنَا هنَا شاعرةٌ لَا أكْترثُ إلَّا لمَا يخصُّ صوْتِي و إذَا أظْهرَ الْحبُّ شارةً قهْقهْتُ عاليًا ولمْ ألتفتُْ.
تعاليْ نفكّكُ الْخيْطَ الْمعْقودَ ونكْتبُ إذْ يمينُكِ تُباركُ وإذِ الرّسائلُ صامتةٌ تظلّلُ حزْنَنَا وإذْ يجْمعُنَا تاريخُ غبارٍ ونحْنُ ذرّاتِ الْأنْثويّةِ نبْلغُ مَا نريدُ بِهذَا الشّعْرِ و هذهِ الْمناطيدُ تدْفعُ نيرانَنَا إلَى الْأعْلَى وإذْ بنَا نطيرُ نسْقطُ و نطيرُ.
رزيقا /
*1إشارة إلى كتاب الشاعرة "أعرف لماذا يغني الطائر الحبيس" وهو من أدب السيرة الذاتية .
*2 إشارة إلى إحدى مجموعاتها "الشعرية "مازلتُ أرتفع.""
2
يقول الكاتب الدكتور "عبد السلام المسدي" في كتابهِ: "اللّسانيّاتُ وأسسُهَا الْمعْرفيّةُص 28 :
"إنَّ علاقةَ اللّغةِ بِالتّفْكيرِ علاقةٌ إجْرائيّةٌ وعلاقةٌ انْعكاسيّةٌ فِي الْآنِ معًا : هيَ إجْرائيّةٌ لِأنَّهَا تتسلّطُ علَى الْخارجِ فبِاللّغةِ يُفْهِمُ الْإنْسانُ غيْرَهُ مادّةَ فكْرِهِ. واللّغةُ هيَ الّتِي تُنْجزُ عمليّةَ الْإدْراكِ الْخارجِيِّ ثمَّ بهَا أيْضًا يتسنَّى لِلْفكْرِ الْمتكلّمِ أنْ يفْهمَ مادّةَ تفْكيرِهِ، فإذَا بِالنّاطقِ يسْتحيلُ مادّةً لِلْإدْراكِ شأْنُهُ فِي ذلكَ شأْنُ الْمنْطوقِ بهِ... "
يقولُ نفْسُ الْكاتبِ فِي ص 33 وص 34: " اللّغةُ تنْبنِي علَى ركْنٍ أوّلَ أصْواتٌ ،و الْأصْواتُ علاماتٌ دالّةٌ (الْفونيماتُ) وهيَ تترابطُ منْسجمةً فِي تكاملٍ بِحيْثُ تشكّلُ (الْبنْيةَ الصّوْتيّةَ) ، و كذلكَ الْالْفاظُ إذْ تولّدُ (الْبنْيةَ الْمعْجميّةَ) ، والْجملُ إذْ تُفْضِي إلَى (الْبنْيةِ التّرْكيبيّةِ) ومنْ كلِّ ذلكَ تنْبعُ (الْبنْيةُ الدّلاليّةُ)..." " إنَّ اللّغةَ فِي تحقّقِهَا وإنْجازِ مسْتعْمليهَا لهَا تسْتدعِي شبكةً منَ الْأنْظمةِ الْمتعدّدةِ كلُّ واحدٍ منْهَا يفْعلُ فعْلَهُ فِي تحْقيقِ الرّسالةِ الْأدائيّةِ فإذَا بِالدّلالةِ حصيلةُ تضافرِ أنْظمةٍ إذَا كانَ النّظامُ الْكلامِيُّ أهمَّهَا فإنَّ سائرَهَا يواكبُهُ مكمّلًا إيّاهُ."...
3
لماذَا أوْردتُ هذهِ الْفكْرةَ فِي سياقٍ شعْرِيٍّ مخْتلفٍ... ؟ الْإجابةُ تشيرُ أنَّ النّصَّ كَلغةٍ يسْتبْطنُ لغةً مغايرةً سابقةً فِي الْمكانِ والزّمانِ ،افتتحَتْ بهَا الشّاعرةُ الْجزائريّةُ كتابتَهَا بِاسْمِ شاعرةٍ أمْريكيّةٍ ذاتِ أصولٍ أفْريقيّةٍ، متعدّدةِ الْمواهبِ وذاتِ ذائقةٍ لهَا لوْنُ الْمعاناةِ الْأمْريكُو أفْريقِي ، ولِأنَّهَا قصيدةٌ داخلَ قصيدةٍ، صوْتٌ داخلَ صوْتٍ، شاعرةٌ تسْتنْطقُ شاعرةً، إنّهُ النّصُّ الْمزْدوجُ يحاورُ نفْسَهُ منْ خارجِهِ منْ خلالِ شخْصيّتيْنِ متغايرتيْنِ ومتضايفتيْنِ، إنّهُ النّصُّ يكْتبُ نفْسَهُ بِلغتيْنِ متناقضتيْنِ، وبِسياقيْنِ متعارضيْنِ ، فهلْ هذَا النّمطُ الشّعْرِيُّ اسْتوْجبَ الْحوارَ بيْنَ قصيدةٍ مغاربيّةٍ شمالِ أفْريقيّةٍ حاضرةٍ هيَ الْأرْضيّةُ ، وقصيدةٍ أمْريكُو أفْريقيّةٍ غائبةٍ كَواقعٍ مادِّيٍّ حاضرةٍ كَواقعٍ شعْرِيٍّ ، وكَحدثٍ تاريخِيٍّ شاهدٍ علَى نَوْعيّةِ الْمعاناةِ بيْنَ جغْرافيّتيْنِ وَ تاريخيْنِ وحضارتيْنِ، يحْكمُهُمَا الصّدامُ لَايتقاطعانِ ،ولاتماثلَ بيْنهُمَا... هذهِ الْفرضيّةُ هيَ الّتِي حثَْتِ النّقْدَ أنْ يعاينَ لحْظتيْنِ فِي لحْظةٍ واحدةٍ...
4
حوارُ امْرأةٍ منْ داخلِ امْرأةٍ / حوارُ شاعرةٍ منْ ذاتِ شاعرةٍ/ حوارُ لغةٍ فِي لغةٍ مناقضةٍ/ فِي البنْيةِ والْمعْجمِ والْمنْطقِ ونوْعيّةِ التّواصلِ...
"مايَا أنْجلُو" شاعرةٌ قدّيسةٌ لِأنَّهَا طهّرَتْ آلامَ النّساءِ منْ ولادتِهِنَّ السّاديةِ ، وإذِ اتّخذتْهَا الشّاعرةُ نموذجًا فهيَ اسْتحقاقُ فارسةِ الْحياةِ ، الّتِي انْتزعَتْهَا منْ نابِ ذئْبٍ هوَ الْحياةُ... هنَّ ذواتُ الْبشَرةِ السّوْداءِ يعانينَ أضْعافَ معاناةِ الْبيْضاواتِ، معاناةِ جنْسِهِنَّ كَنساءَ فِي مجْتمعٍ ذكورِيٍّ يضْطهدُهُنَّ لِكونهِنَّ نساءَ... معاناةُ اللّوْنِ كَتمْييزٍ عنْصرِيٍّ يفاقمُ الضّغْطَ، ثمَّ معاناةٌ طبقيّةٌ إذَا كنَّ ينْتمينَ لِطبقةِ الْقاعِ أوِ الْعالمِ السّفْلِيِّ، الْهوامشِ والْفقراءِ معاناةٌ خاصّةٌ جدًّا يَارزيقةُ نصٌّ يسْتلْهمُ موْقفًا مشرّفًا منْ سيّدةِ الْمقاومةِ فِي مجْتمعٍ لَا إنْسانِيٍّ الْبتّةَ... كانَ انْطباعًا أوّليًا قبْلَ أنْ أنْتقيَ النّصَّ لِلّفحْصِ النّقْدِيِّ، وأمارسَ،تشْريحَا لِجسدٍ شعْرِيٍّ ينْبضُ فِي جسدٍ شعْرِيٍّ ،كأنَّهَا زراعةُ أعضاءَ متبادلةٌ... لماذَا اخْتارتِ الشّاعرةُ الْمغاربيّةُ شاعرةً ذاتَ هوّيةٍ لنْ أصفَهَا بِالْمُهجّنةِ،بلْ هوّيةٍ متعدّدةٍ... ؟ لماذَا اختارتْهَا كَ مقدّمةٍ لِنصٍّ يفورُ ألمًا واضْطرابًا... ؟ أهيَ عمليّةُ إيحاءٍ لِلنّقْدِ بِأنَّ النّساءَ مهْمَا اختلفَتْ إثْنياتُهُنَّ، وألْوانُ بَشراتِهِنَّ ،فلهُنَّ قاسمٌ واحدٌ عابرٌ لِلْجنْسيّاتِ والْقارّاتِ؛ يجْعلُ الْجنْدرَ قضيّةً محْوريّةً خارجَ أيّةِ حساباتٍ فئويّةٍ أوْ طبقيّةٍ أوْجنْسيّةٍ أوْ عقائديّةٍ... فلِماذَا وظّفّتْ شخْصيّةَ "مَايَا أَنْجِيلُو"...؟ هلْ هوَ ذكاءُ الشّاعرةِ لِجذبِ انْتباهِ الْقارئِ ؛ كيْ تجْعلَهُ شريكًا فِي الْكتابةِ عبْرَ الْقراءةِ... ؟ أمْ هوَ فعْلٌ ثقافِيٌّ اقْترحَتْهُ لِبناءِ تصوّرٍ جديدٍ تتداخلُ فيهِ الشّخْصيّاتُ فِي هنْدسةٍ دراميّةٍ ،تتوخَّى إرْساليّةً معيّنَةً... ؟ هوَ مجرّدُ احْتمالٍ افْتِرَاضِيٍّ رسّخَهُ التّأْويلُ دونَ تبنٍّ لهُ كَنتيجةٍ بديهيّةٍ...
"مايَا أنْجْلُو" Maya ANGELOU شاعرةٌ ؛مؤرّخةٌ؛ ممثّلةٌ ؛ كاتبةُ مسْرحٍ ؛ مغنّيةٌ ؛ ناشطةٌ حقوقيّةٌ ، رافقَتِ الْمناضلَ الْأفْريقيَّ "مارْتنْ لُوثَرْ كينْغْ" إسْمُهَا ( مارْغريتْ آنْ جونْسونْ) أوّلُ امْرأةٍ سوْداءَ صكَّتِ الدّوْلةُ إسْمَهَا علَى الْعمْلةِ الْمعْدنيّةِ... عرفَتْ إعاقةً فِي النّطْقِ مَا يُعْرفُ بِالْبكَمِ الْإضْطرارِيِّ لِخمْسِ سنواتٍ، نتيجةَ جريمةِ قتْلِ أعْمامِهَا لِصديقِ أمِّهَا ، الّذِي اغْتصبَهَا وهيَ طفْلةٌ فِي سنِّ السّابعةِ اسْترْجعَتِ الْكلامَ بِمساعدةِ سيّدةٍ أمْريكيّةٍ ذاتِ أصولٍ أفْريقيّةٍ " فْلَاوْرزْ" "تعدّدَتْ مهنُهَا منْ قيادةِ التْرامْوايْ. فِي " سانْ فرانْسيسْكُو" وراقصةٍ فِي نوادٍ ليْليّةٍ ، وطاهيّةٍ فِي مطاعمِ الْهومْبورْغرْ ،وفِي ورْشةِ الصّباغةِ الْميكانيكيّةِ ثمَّ بِتشْجيعٍ منَ الْمؤلّفِ" جيمْسْ بالْدْوينْ " و" روبرْتْ لوميسْ "الْمحرّرُ فِي دارِ نشْرٍ ( RONDOM HOUSE) كتبَتْ سيرتَهَا الذّاتِيْةَ : " أعْرفُ لِماذَا يغنِّي الطّائرُ الْحبيسُ...؟" تجيدُ تقْنيّةَ الْحوارِ و الْخيالِ والْحبْكةِ فهلْ هذَا هوَ دافعُ الشّاعرةِ رزيقةَ وراءَ توْظيفِ شخْصيّةٍ ميلودْراميّةٍ... ؟ أمْ أنَّ الذّائقةَ فرضَتْ حوارَا توْليديًا لِحوارٍ مُوازٍ... ؟ أهوَ نصٌّ داخلَ نصٍّ أمْ هوَ تعدّدُ الْأصْواتِ فِي النّصِّ الْواحدِ ...؟
5
تعدّدُ الْأصْواتِ أوِ الْبُّولِيفُونِيَّةُ (POLYPHONIE) فِي نصِّ تمْثيلِيٍّ لِتجْربةٍ نقْديّةٍ تطْرحُ مقاربةً تعْتمدُ تقْنيّةً ضدَّ تقْنيّةِ الْمونُولوغِ (MONOLOGISME)الْأحاديّةِ الصّوْتِ اعْتمدَ النّصُّ آليّةً سرْديّةً تنْطوِي علَى الْأصْواتِ الْمتزامنةِ، وهيَ منْ إبْداعِ "النّاقدِ الرّوسِيِّ" (ميخائيلْ باخْتينْ) اسْتعارَهُ منَ الْموسيقَى مرْتبطًا بِالْحواريّةِ ( DIALOGISME) وظّفَهُ فِي الرّوايةِ متعدّدةِ الْأصْواتِ، سمّاهَا "جيرارْ جينيتْ" ( التّبْئيرَ) رافضًا الصّوْتَ الْواحدَ، فكانَتْ تجْربةً جديدةً تتداخلُ الشّخْصيّتانِ والصّوْتانِ، وكأنَّ "مايَا" تكْتبُ بِأصابعِ رزيقةَ ؛ و"رزيقةَ" تحاكِي مسارَ الشّاعرةِ الْأمْريكيّةِ ،فيغْدُو النّصُّ نصّيْنِ كُتِبَا بِتناصٍّ مفْترَضٍ ، يتشكّلُ كَحوارٍ متبادلٍ بيْنَ شاعرةٍ فِي الْحياةِ وشاعرةٍ مَاوراءَ الْحياةِ ، وكأنَّ الْقاعدةَ الْفقْهيّةَ تكْتبُ : " قياسُ الشّاهدِ علَى الْغائبِ" ضدَّ قاعدةِ: " لَا قياسَ معَ وجودِ الْفارقِ"
6 فكيْفَ جسّدَ النّصُّ هذهِ التّقْنيّةَ....؟
النّصُّ فِي هنْدستِهِ الْبصريّةِ لَا يتضمّنُ مقاطعَ ، بلْ هوَ يوحِي بِأنَّهُ نصّانِ أحدُهُمَا احْتلَّ حيّزًا خاصًّا بِالشّاعرةِ الْأمْريكيّةِ الْأفْريقيّةِ... توْظيفُ شخْصيّةٍ هيَ كاريزْمَا نسائيّةٍ ،حاولَتِ الشّاعرةُ أنْ تجْعلَهَا تتحدّثُ وكأنَّهَا تكْتبُ نصَّهَا: إنَّهَا شاعرةُ الْمعاناةِ بِامْتيازٍ : " الشّاعرةُ تقْضمُ أظافرَ قلقِهَا تحْتَ الشّمْسِ" هيَ امْرأةٌ لنْ تحلَّ مشْكلَ التّمْييزِ الْعنْصرِيِّ بِتغْييرِ لوْنِهَا ،وكأنَّهَا إشارةٌ خفيّةٌ إلَى الْمغنِّي"مايْكلْ جاكْسونْ" الّذِي غيّرَ لوْنَهُ فِي مجْتمعٍ عنْصرِيٍّ ،ينْكرُ السّوادَ واحْتمالُ أنَّهُ كانَ مصابًا بِمرضٍ جِلْدِيٍّ (الْبُهاقِ والْبرصِ) دفعَهُ بِحكْمِ الْواقعِ كَفنّانٍ عالمِيٍّ اشْتهرٌ بِموسيقَى الْبوبْ والْهيبْ هوبْ والدّيسْكُو ،أنْ يخْضعَ لِعمليّاتِ تجْميلٍ كلّفتْهُ حياتَهُ... وهوَ تعْبيرٌ رائعٌ : " لنْ تحْتاجَ لوْنًا أبْيضَ لِيضمّدَ جرْحَهَا"... عرضَتِ الشّاعرةُ الْجزائريّةُ معاناةَ مايَا فصوّرَتِ الطّفولةَ تصْويرًا ملْموسًا : " مَا ألْصقَ بكِ صفةَ الْحياةِ ولوْ أنّهَا كانَتْ قارسةً عنْدَ الصّغرِ..." وهيَ إشارةٌ إلَى الْاغْتصابِ حينَ كانَتْ طفْلةً ذاتَ السّبْعِ سنواتٍ ،أصابتْهَا بِإعاقةِ النّطْقِ نظرًا لِلصّدْمةِ حينَ شاهدَتْ قتْلَ صديقِ أمِّهَا الّذِي اغْتصبَهَا علَى أيْدِي أعْمامِهَا ،فأصابَهَا الْخرسُ الْإضْطرارِيُّ لِمدّةِ خمْسِ سنواتٍ... لكنَّ الْمعاناةَ تحوّلَتْ مطرًا/ شعْرًا الْمعاناةُ رحمُ الشّعْرِ ظهرَ فِي تعْبيرٍ مثيرٍ شبّهَ الشّعْرَ بِالْمطرِ: "فاشْتهرَ الْمطرُ علَى كفّيْكِ" موظّفةً أوّلَ كتابِ سيرةٍ ذاتيّةٍ لهَا "أعْرفُ لِماذَا يغنِّي الطّائرُ الْحبيسُ...؟ " وهوَ تجْسيدٌ لِحياتِهَا بِمراراتِهَا وإحْباطاتِهَا وانْتكاساتِهَا ،ثمَّ نهوضِهَا عبّرتِ الشّاعرةُ عنْ ذلكَ فِي النّصِّ الْمفْترضِ أنّهُ صوْتُ MAYA ANGELOU: " سيقانُهَا حرّةً كمَا أنْتِ ومٌازلْتِ ترْتفعينَ" فِي تلْميحٍ لِمجْموعتِهَا الشّعْريّةِ" مَازلْتُ أرْتفعُ" إنَّهَا عمليّةُ تحْويلِ الْمعاناةِ فِي مجْتمعٍ لَا يعْترفُ بالسّودِ والْملوّنينَ والْخلاسيّينَ ،إسْقاطَا لِحقوقِهِمُ الْإنْسانيّةِ الّتِي تؤكّدُهَا الْمواثيقُ الدّوْليّةُ خاصّةً الْإعْلانُ الْعالمِيُّ لِحقوقِ الْإنْسانِ ، لِمجرّدِ أنَّ اللّوْنَ مخْتلفٌ ، نزعَ عنْهُمْ إنْسانيّتَهُمْ وكرامتَهُمْ ،أكّدَهُ ديوانُهَا " مَازلْتُ أرْتفعُ" كوْنُهَا تقاومُ السّقوطَ... ينْتهِي النّصُّ الْأوّلُ الّذِي شكّلَتْ مساحتُهُ اعْترافًا بِقيمةِ وجوديّةٍ لِلشّاعرةِ الْأمْريكيّةِ /الْأفْريقيّةِ كَنموذجٍ يمثّلُ قدْوةً صارخةً ضدَّ الْيأْسِ والْإحْباطِ ،ضدَّ كلِّ أشْكالِ الْعنْفِ الّذِي تعْرفُهُ امْرأةٌ سوْداءُ فِي مجْتمعِ الْبيضِ... فِي النّصِّ الثّانِيِّ /الْمقطعِ الْمتخيّلِ تخْرجُ الشّاعرةُ منْ جِلْدةِ (مايَا) لِتتحدّثَ عنْ نفْسِهَا. تسْتهلُّ النّصَّ /الْمقْطعَ /: "أنَا هنَا" مؤكّدةً علَى حضورٍ فعْلِيٍّ كَشاعرةٍ /كَصوْتٍ يشقُّ سماءً تكْتسحُهَا رائحةُ الذّكورةً الّتِي تنْتقصُ منْ قيمةِ النّساءِ ،فتمارسُ الْفحولةُ الْمعْتوهةُ عنْفَهَا ضدَّ صوْتِ النّساءِ الّذِي يتحوّلُ منْ منْظورِ الدّينِ "عوْرةً" إلَى "روْعةٍ" منْ منْظورِ الْإبْداعِ... فِي هذَا الْحوارِ الشّيّقِ تمْتدُّ الدّعْوةُ بِاسْتحْضارِ أيْقونةِ الشّعْرِ النّسائِيِّ ضدَّ التّمْييزِ الْعنْصرِيِّ ، وتدْعوهَا إلَى الْمساهمةِ فِي عملٍ مشْتركٍ : "تعاليْ نفكّكُ الْخيْطَ الْمعقودَ ونكْتبُ" تنْتهِي الثّوْرةُ الْمشْتركةُ بيْنَ نساءِ الْعالمِ مهْمَا تباعدَتِ الْأمْكنةُ ، وفصلَتِ الْجغْرافْيَاتُ بيْنَهُنَّ إلَى الدّعْوةِ لِوحْدةٍ تسمَّى "أخويّةً نسائيّةً" قائلةً: "وإذْ يجْمعُنَا تاريخُ غبارٍ ونحْنُ ذرّاتُ الْأنْثويّةِ نبْلغُ مَا نريدُ بِهذَا الشّعْرِ"
خلاصةٌ : إنَّ قفْلةَ النّصِّ تعْتمدُ تقْنيّةَ التّكْرارِ كَمَا فِي خاتمةِ النّصِّ : "وإذْبنَا نطيرُ نسْقطُ ونطيرُ" كمَا أنّهُ صيغَ علَى شكْلِ حوارٍ يزاوجُ الْمونولوغَ بِالْبُّولِيفُونِيَّةِ منْ خلالِ صوْتِ مايَا يتقمّصُهُ صوتُ رزيقةَ ،فيبْدُو صوْتًا يتمدّدُ فِي صوْتِ الْأخْرَى... إنَّهَا اللّغةُ لدَى الشّاعرةِ الْجزائريّةِ تمْتدُّ فِي حَنْجرَةِ الشّاعرةِ الْأمْريكيّةِ الْأفْريقيّةِ ، وكأنَّهَا بِهذِهِ الْمزاوجةِ تُتوْئمُ السّوادَ بِالْبياضِ ضدَّ الْعنْفِ الْأبّارْتايْدِيِّ الّذِي حاربَهُ الْمناضلُ الْجنوبُأفْريقيُّ، "نلْسونْ مانْديلَا" وآخَى بيْنَ الْعِرْقيْنِ... النصُّ دعْوةٌ صريحةٌ إلَى اعْتناقِ الشّعْرِ بِاعْتبارِهِ أداةً لِلتّحرّرِ... إنَّهَا دعْوةٌ إلَى التّحْليقِ خارجَ مجْتمعٍ يخْنقُ أصْواتَ النّساءِ... إنَّهُ النّصُّ التّعدّدِيُّ النّبراتِ ، نصُّ الْبساطةِ اللّغويّةِ الشّفّافةِ، نصُّ الْأسْلوبِ الْخالِي منَ الْجملِ الْملْتفّةِ بِمبْناهَا علَى الْمعْنَى ،نصُّ الْوحْدةِ والثّنائيّةِ ، نصُّ الْمونُولوغِ البُّوليفُونِيِّ ،نصُّ الْجنْدرةِ بِامْتيازٍ حرّرَ الذّائقةَ منْ عقْدةِ التّفوّقِ الْجنْسانِيِّ ،نصُّ الْمراوحةِ بيْنَ الأشْكلةِ والْحلِّ ،نصُّ الْحرْبِ ضدَّ التّمْييزِ بيْنَ كتابةِ السودِ وكتابةِ الْبيضِ ، نصُّ محْوِ الْخطوطِ الْحمْراءِ ، نصُّ التّوْأمةِ الشّعْريّةِ دونَ تصْنيفٍ... إنَّهُ نصُّ التّحرّرِ منْ نمْذجةٍ اللّوْنِ والْعِرْقِ... نصُّ اعْتناقِ الْإبْداعِ الحرِّ الّذِي يحرّرُ الدّماغَ منْ عبوديّةِ الْغرْبِ والشرْقِ ، نصُّ الْعبورِ إلَى وحْدةِ الْإنْسانِ ... "وإذْ بنَا نطيرُ نسْقطُ ونطيرُ..."
#فاطمة_شاوتي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-إِبْنَةُ الشِّعْرِ...-
-
-رَقْصَةُ الضّْبَابِ...-
-
- كَرْنَفَالُ الْبَصَلِ...-
-
- ذَاكِرَةُ remorque ....-
-
-حَكَايَا لَامَعْقُولَةٌ...-
-
- الْقَصِيدَةُ الْمُشَاكِسَةُ...-
-
- مَوَاسِمُ الشِّعْرِ...-
-
- تَدْوِيرٌ مَجَّانِيٌّ...-
-
-وَتَخْتَفِي السَّمَاءُ...-
-
-زِيَّارَةُ الْفَرَاشَاتِ...-
-
- جَوْلَةٌ فِي السَّمَاءِ...-
-
- ذَكَاءُ الْمِرْآةِ...-
-
-سُقُوطٌ فِي الْوَهْمِ...-
-
-قراءةُ محمّدَ سلْمانْ رسْتمْ في نصِّ فاطمة شاوتي -الذّكاءُ
...
-
- عُمْدَةُ الْمَدِينَةِ...-
-
قراءةُ فاطمة شاوتي في نصّي الشاعر العراقي -ثامر سعيد -: - ال
...
-
-اللُّقْمًةُ الْمًسْرُوقَةُ...-
-
-مَرْكَبَةٌ. خُرَافِيَّةٌ...-
-
-رِحْلَةٌ فِي الْمَجَازِ...-
-
- أَحْلَامٌ افْتِرَاضِيَّةٌ،،،-
المزيد.....
-
تحديات جديدة أمام الرواية الإعلامية حول غزة
-
وفاة الفنان السعودي حمد المزيني عن عمر 80 عامًا
-
حروب مصر وإسرائيل في مرآة السينما.. بطولة هنا وصدمة هناك
-
-لا موسيقى للإبادة الجماعية-.. أكثر من 400 فنانا يعلنون مقاط
...
-
الأوبرا في ثوب جديد.. -متروبوليتان- تفتتح موسمها بعمل عن الأ
...
-
الصّخب والعنف.. كيف عالج وليم فوكنر قضية الصراع الإنساني؟
-
تايلور سويفت تعود لدور السينما بالتزامن مع إصدار ألبومها الج
...
-
تجمع سوداني بجامعة جورجتاون قطر: الفن والثقافة في مواجهة مأس
...
-
سوار ذهبي أثري يباع ويُصهر في ورشة بالقاهرة
-
جان بيير فيليو متجنياً على الكرد والعلويين والدروز
المزيد.....
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|