عبد الكريم حسن سلومي
الحوار المتمدن-العدد: 8472 - 2025 / 9 / 21 - 13:11
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
مقدمة
من المؤكد إن إدارة الأراضي في العراق بكفاءة والمحافظة عليها واستغلالها بصورة سليمة واقتصادية ستلعب دورًا كبيرًا وعظيمًا في تحقيق الامن الغذائي للعراق، وقضية إدارة الأراضي تحتاج الى تعامل على درجة عالية من الحكمة والتخطيط المتقن.
نظرة عامة على الأراضي الزراعية في العراق
يتمتع العراق بإمكانيات زراعية هائلة لكنها غير مستغلة بالكامل فهي تشتمل على
حجم الأراضي الزراعية في العراق
1. المساحة الصالحة للزراعة: تقدر المساحة الصالحة للزراعة في العراق بحوالي 9-10 مليون هكتار وقد ثبتتها, وزارة الموارد المائية بكتابها الصادر منها في شباط 2010 باسم (مشاريع الري والبزل في العراق هي كما يلي
أ- تقدر مساحة الاراضي القابلة للزراعة بالعراق 44.4 مليون دونم مستثمره منها مستصلحة . كما يلي
* 23 مليون دونم مستثمرة مستصلحة وغير مستصلحة
*21 مليون دونم غير مستصلحة لعدم كفاية المياه لها
*ب- ان الاراضي الزراعية القابلة للزراعة والبالغة 23 مليون دونم هي كمل يلي
*14 مليون دونم قابلة للإرواء سيحا وبالضخ من نهر دجلة وروافده والفرات
* 9 مليون دونم ديمي تزرع بالاعتماد على الامطار فقط وتتركز بشمال العراق
*اما ما كان يستغل فعلا قبل حالات الشحة فهي 5.6 مليون دونم على حوض دجلة و4.4 مليون دونم على حوض الفرات
2. الخصوبة: تشتهر تربة العراق خاصة ما بين النهرين (دجلة والفرات) بخصوبتها العالية مما يجعلها صالحة لزراعة مجموعة واسعة من المحاصيل.
3. المناطق الزراعية الرئيسية:
• المنطقة الشمالية والشرقية وتشمل المحافظات (نينوى, أربيل, السليمانية, دهوك و كركوك, ديالى وصلاح الدين) معروفة بإنتاج الحبوب (القمح والشعير)، والفواكه، والخضروات.
• المنطقة الوسطى والجنوبية , وتشمل محافظات ( بغداد وبابل، واسط، ميسان، ذي قار، البصرة والانبار وكربلاء والسماوة والديوانية والنجف ) تزرع الحبوب، التمور (حيث العراق هو الموطن الأصلي لأفضل أنواع التمور في العالم)، والأرز، والذرة الصفراء، ومحاصيل أخرى.
دور الأراضي الزراعية في تعزيز الأمن الغذائي
الأمن الغذائي بمفهومه العام يعني توفر الغذاء الكافي والصالح لجميع السكان لذلك تلعب الزراعة دور كبير ومحوري في ذلك:
1. توفير الغذاء المحلي: تقليل الاعتماد على الاستيراد وتوفير منتجات طازجة وبأسعار معقولة للمواطنين مثل المحاصيل الاستراتيجية ا(لقمح والشعير) التي تعتبر ركيزة الأمن الغذائي.
2. دعم الاقتصاد الوطني: توفر فرص عمل لأكثر من 20% من القوى العاملة تقريبا وتساهم في الناتج المحلي الإجمالي.
3. تحسين الدخل والمعيشة للفلاحين واستقرارهم هو جزء من الأمن الغذائي على المستوى الفردي والعائلي.
4. دعم الصناعات التحويلية: توفير المواد الخام للصناعات الغذائية مثل تعليب الخضروات والفواكه، صناعة السكر، الزيوت، والأعلاف.
كيفية استغلال الأراضي الزراعية بكفاءة
لغرض الاستفادة المثلى والكفؤة من الأراضي بالعراق يجب وضع استراتيجية حديثة ويجب ان تشمل هذه الاستراتيجية المحاور التالية
1. 1-تبني التقنيات الحديثة في الري:
• التحول من الري الغمر (التقليدي) إلى أنظمة الري الحديثة مثل الري بالتنقيط والرش وهذا يقلل هدر المياه بنسبة تصل إلى 50%.
• ترشيد استخدام المياه عبر تحديد الحاجة الفعلية للمحاصيل واستخدام أجهزة الاستشعار لرطوبة التربة.
2. 2-تحسين البنية التحتية:
• إعادة تأهيل المشاريع الإروائية وشبكات القنوات والسدود والصرف الزراعي لمنع مشكلة التملح التي تدمر الأراضي.
• بناء سدود صغيرة للحفاظ على المياه وتخزينها اما لتعزيز الخزين الجوفي وللشرب او للري التكميلي
3. 3-استخدام البذور المحسنة والتقنيات الزراعية:
• إكثار وتوزيع بذور محسنة ذات إنتاجية عالية ومقاومة للجفاف والأمراض.
• تطبيق نظم الزراعة الحديثة التي تحافظ على رطوبة التربة وتقلل التعرية.
• التعاقد مع الفلاحين لضمان أسعار مجزية للمزارعين وتشجيعهم على زيادة الإنتاج.
4. 4-التخطيط لإنتاج محاصيل وتطوير الدورات الزراعية
• تحديد المحاصيل الاستراتيجية التي لها دور كبير بالأمن الغذائي كالقمح والشعير وتخصيص الأراضي والمياه لها.
• تشجيع الزراعة بدورات زراعية لتحسين خصوبة التربة وعدم استنزافها.
5. 5-دعم المزارع الصغيرة والاستثمار في الزراعة:
• توفير القروض والتسهيلات للفلاحين لتمكينهم من شراء المعدات الحديثة والمستلزمات.
• جذب الاستثمار المحلي حصرا في القطاع الزراعي لنقل الخبرات والتكنولوجيا.
كيف يمكن الحفاظ على الأراضي الزراعية
لابد من وضع خطة استراتيجية طويلة المدى لحماية واستدامة الأراضي الصالحة للزراعة وهذه الخطة يجب ان تتضمن
1. مكافحة التصحر والتملح:
• يجب إدارة موارد المياه بطرق علمية لمنع جفاف الأراضي وعدم زيادة ملوحتها.
• إنشاء أحزمة خضراء حول المدن وفي المناطق المتصحرة.
• تحسين شبكات الصرف الزراعي لغسل الأملاح من التربة.
2. حماية الأراضي من التجاوزات :
• تفعيل القوانين الصارمة ضد البناء العشوائي والزحف العمراني على الأراضي الزراعية الخصبة.
• وضع حدود ومساحات واضحة للأراضي الزراعية وحمايتها.
3. الحفاظ على خصوبة التربة:
• التقليل من استخدام الأسمدة الكيميائية والتحول نحو الأسمدة العضوية والمخلفات الزراعية
• تطبيق الدورة الزراعية لمنع استنزاف العناصر الغذائية في التربة.
4. مواجهة التحديات المناخية:
• تبني محاصيل تتحمل الجفاف والملوحة.
• إنشاء أنظمة إنذار مبكر للتنبؤ بالعواصف الترابية والجفاف والفيضانات.
التحديات الرئيسية التي تواجه إدارة الأراضي بكفاءة
هنالك عدة تحديات تواجه إدارة الأراضي بكفاءة واستغلالها بمثالية من اجل تحقيق الامن الغذائي للبلاد وهذه التحديات تشتمل على
1. شح المياه: بسبب بناء السدود في دول المنبع (تركيا وإيران) وسوء إدارة المياه داخليا والتغير المناخي.
2. التملح: واحدة من أكبر المشاكل التي تهدد خصوبة التربة.
3. ضعف البنية التحتية لمشاريع الري وخاصة المنشآت قنوات الري القديمة والمتهالكة.
4. التقلبات السياسية والأمنية: تؤثر على التخطيط طويل المدى والاستثمار.
5. 5-هجرة الريف إلى المدينة: ترك العديد من الفلاحين لمهنتهم لأسباب عديدة.
كيف يمكن مواجهة التحديات الرئيسية لإدارة الأراضي بكفاءة
يعتبر شح المياه اليوم و مشاكل التملح والتصحر والتعرية من أخطر التحديات التي تواجه الزراعة في العراق وان مواجهتها تتطلب خطة استراتيجية متكاملة وطويلة الأمد وكما يلي
أولا:- توفير المياه
1. العمل بكل جدية على تنمية موارد المياه وزيادة كمياتها بالسعي لدى دول التشارك المائي لعقد اتفاقيات دائمية لتحديد حصص العراق مع مراعاة الحق التاريخي المكتسب.
2. العمل على انشاء محطات معالجة لغرض معالجة مياه الصرف بكافة أنواعها لغرض تعزيز الأمن المائي.
3. انشاء سدود كبيرة وسدود لحصاد المياه تعزز الخزين المائي السطحي والجوفي والاستفادة منها وقت انحسار الامطار.
4. منع تلوث مصادر المياه بكافة أنواعها.
5. استغلال المياه الجوفية بطرق علمية وضمن ضوابط علمية.
ثانيا: مكافحة التملح
التملح هو تراكم الأملاح الذائبة في منطقة جذور النبات إلى مستوى يضر بالإنتاجية. وهو اليوم يعتبر العدو الأول للزراعة في العراق بسبب سوء الصرف وطريقة الري بالغمر ولذلك يجب مكافحة واستصلاح الاراضي وكما يلي
1. تحسين الغسيل والصرف
• إنشاء شبكات صرف زراعي مغطاة وهو الحل الأساسي والجذري و تقوم هذه الشبكات بتجميع المياه الزائدة والأملاح من حول جذور النباتات ومن ثم تصريفها خارج الحقل مما يمنع تراكمها.
• غسيل التربة: يتم تطبيق كميات مضبوطة من المياه لتذويب الأملاح وغسلها إلى طبقات أعمق شرط وجود شبكة صرف فعالة لتحمل تلك الأملاح بعيدا وبعكسه ستفشل العملية وترتفع الأملاح مرة أخرى.
2. التحسين الكيميائي:
• استخدام مواد مُحسنة للتربة مثل الجبس الزراعي (كبريتات الكالسيوم) حيث يقوم الجبس باستبدال أيون الصوديوم الضار الموجود في التربة بأيون الكالسيوم مما يحسن بنية التربة ويسهل غسل الصوديوم.
• استخدام الأحماض العضوية أو الكبريت لتخفيف قلوية التربة.
3. التحسين الحيوي
• اختيار محاصيل تتحمل الملوحة: مثل التمر، الشعير بعض أصناف القمح والذرة المقاوم للملوحة
• الزراعة على شكل مصاطب وهذا يساعد على تركيز الأملاح في الأماكن البعيدة عن جذور النباتات.
• استخدام الأسمدة العضوية المادة العضوية تحسن من خصوبة التربة وبنيتها وتساعد في تخفيف تأثير الملوحة.
ثالثا: مكافحة التصحر
التصحر هو تدهور الأراضي في المناطق القاحلة وشبه القاحلة بسبب عوامل مختلفة منها تغير المناخ والأنشطة البشرية ولغرض المكافحة والاستصلاح يتطلب ذلك
1. إدارة الموارد المائية:
• تبني أنظمة الري الحديثة )التنقيط، الرش) للحد من الهدر ورفع منسوب المياه الجوفية.
• حظر حفر الآبار العشوائية التي تستنزف المخزون الجوفي.
2. الحفاظ على الغطاء النباتي وإعادة إحيائه:
• زراعة الأشجار حول الحقول وعلى ضفاف الأنهار و القنوات لتثبيت التربة وتقليل التبخر وتشكيل مصدات طبيعية ضد الرياح.
• إنشاء الحزام الأخضر وذلك بأنشاء أحزمة من الأشجار المقاومة للجفاف (مثل الأكاسيا والآثل) حول المدن والمناطق المتصحرة لمنع زحف الرمال.
• الرعي منع الرعي الجائر الذي يدمر النباتات الطبيعية.
3. تثبيت الكثبان الرملية:
• الطرق الميكانيكية: إنشاء حواجز ومصدات من الحصى أو جذوع النخيل أو الألواح الخشبية لكسر حدة الرياح وإيقاف زحف الرمال.
• الطرق الحيوية: زراعة أنواع نباتية سريعة النمو ومتأقلمة (كالأعشاب والشجيرات) لتثبيت الرمال.
رابعا: مكافحة التعرية الريحية والمائية
التعرية هي عملية انجراف الطبقة السطحية الخصبة من التربة بفعل الرياح أو المياه ويمكن مكافحتها ب
1. مكافحة التعرية بفعل الرياح
• زيادة الغطاء النباتي: هو الحل الأفضل وترك بقايا المحاصيل في الحقل بعد الحصاد بدلا من حرثها أو حرقها.
• الحراثة الكنتورية: الحراثة بشكل عمودي على اتجاه الرياح السائدة لإعاقة حركتها.
• إنشاء مصدات الرياح.
2. مكافحة التعرية بفعل المياه
• الحراثة الكنتورية: حيث تتم الحراثة بشكل متعامد مع انحدار الأرض لإبطاء جريان المياه.
• الزراعة على شكل مصاطب تحويل المنحدرات إلى مصاطب مسطحة تشبه الدرجات
• إنشاء الجدران الساندة والقنوات لتصريف المياه بشكل آمن دون أن تسبب انجراف.
خطة عمل متكاملة لاستصلاح الأراضي في العراق:
بغية إدارة الأراضي بالعراق بصورة علمية وكفؤة يتطلب ذلك إعداد خطة استراتيجية علمية دقيقة وقابلة للتطبيق فعلا و يجب ان تشتمل الخطة على
1. التشخيص الدقيق ويتم ذلك عن طريق إجراء مسح شامل للتربة لمعرفة درجة الملوحة ونوعية الأملاح وطبوغرافية الأرض ومصادر المياه.
2. التخطيط على مستوى الأحواض المائية: لا يمكن معالجة المشكلة في مزرعة واحدة بمعزل عن جاراته لذا يجب التخطيط لمشاريع الصرف على مستوى المنطقة أو المشروع الزراعي بالكامل.
3. البدء بالمشاريع النموذجية: يجب أولا تنفيذ مشاريع استصلاح ناجحة على نطاق محدود كنموذج يحتذى به ثم التوسع تدريجيا.
4. التوعية والإرشاد الزراعي: تدريب الفلاحين على تقنيات الري الحديث وإدارة الملوحة وأهمية الصرف واختيار المحاصيل المناسبة.
5. الدعم الحكومي: توفير الدعم المالي لإنشاء شبكات الصرف وتوفير الجبس الزراعي بأسعار مدعومة وتشجيع الزراعة العضوية وتنفيذ القوانين التي تمنع الرعي الجائر والقطع الجائر للأشجار.
أخيرا
ان الأراضي الزراعية في العراق هي ثروة قومية وضامن أساسي للأمن الغذائي الحالي والمستقبلي وان استغلالها بكفاءة يتطلب ثورة زراعية على كل الأصعدة بحيث تعتمد على التكنولوجيا الحديثة والإدارة الرشيدة للمياه وان الحفاظ عليها يتطلب إرادة سياسية وتشريعات صارمة وحماية من التجاوزات والتصحر و بدون ذلك سيستمر العراق في الاعتماد على الاستيراد مما يجعله عرضة لتقلبات الأسعار العالمية والأزمات وهذا يهدد أمنه الغذائي واستقراره.
ويعتبر التملح والتصحر والتعرية من اكثر التحديات لإدارة الأراضي الزراعية بالعراق ولا يمكن مواجهة هذه الآفات واستصلاح الأراضي الا بثورة حقيقية وبمعركة وجودية من أجل الغذاء في العراق وان الحلول التقنية معروفة لكنها تتطلب إرادة سياسية حقيقية واستثمارات وطنية ضخمة وتخطيط استراتيجي طويل الأمد ومشاركة مجتمع بأكمله بفاعلية وان النجاح في هذه المعركة يعني تأمين الغذاء للأجيال القادمة والحفاظ على واحدة من أهم ثروات العراق وهي أرضه الخصبة التي يحسدنا عليها الغير.
#عبد_الكريم_حسن_سلومي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟