عبد الكريم حسن سلومي
الحوار المتمدن-العدد: 8472 - 2025 / 9 / 21 - 13:11
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
مقدمة
يعتبر تحديث وتطوير القطاع الزراعي بالعراق اليوم هو ضرورة استراتيجية لمواجهة أزمة المياه التي تهدد الأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في البلاد. ان تحديث الزراعة في العراق هو استثمار في المستقبل و هو السبيل الوحيد لتحقيق الأمن المائي والأمن الغذائي معا وبدون هذا التحديث سيواجه العراق مخاطر كبيرة تتراوح بين انخفاض الإنتاج الزراعي وزيادة الاعتماد على الاستيراد وصولا إلى التدهور البيئي (مثل التصحر والعواصف الترابية) والنزوح الداخلي للسكان من المناطق الريفية.
وان البدء بهذا التحديث يتطلب دعم حكومي قوي وشراكة مع القطاع الخاص والفلاحين وهو الطريق الاستراتيجي لضمان أن يكون للعراق زراعة مستدامة قادرة على الصمود في وجه أزمة المياه.
الواقع الزراعي وتحدياته
1. الواقع المرير للزراعة التقليدية: تعتمد الغالبية العظمى من الزراعة العراقية على طرق الري التقليدية (الغمر)، والتي تهدر ما يصل إلى 50-60% من المياه بسبب التبخر والتسرب.
2. الضغوط الخارجية على الموارد: تقلصت حصص العراق المائية بسبب بناء السدود الكبيرة على نهري دجلة والفرات في الدول المجاورة (تركيا وإيران)، مما يجعل كل قطرة ماء ثمينة.
3. التغير المناخي: ارتفاع درجات الحرارة وزيادة حالات الجفاف يجعلان من الزراعة التقليدية غير مجدية ومحفوفة بالمخاطر.
4. النمو السكاني: تزايد عدد سكان العراق يزيد من الطلب على الغذاء والماء، مما يتطلب كفاءة أعلى في استخدام الموارد المائية الشحيحة.
محاور تحديث الزراعة لمواجهة أزمة المياه
1- تحسين كفاءة الري
• التحول من الري بالغمر إلى أنظمة الري الحديثة: مثل الري بالتنقيط والري بالرش. هذه الأنظمة تقلل من هدر المياه بنسبة تصل إلى 40-70% مقارنة بالطرق التقليدية.
• تحديث القنوات المائية: تبطين القنوات الترابية بالإسمنت أو المواد البلاستيكية لمنع تسرب المياه.
• اعتماد تكنولوجيا الري الذكية: استخدام أجهزة استشعار لرطوبة التربة وأجهزة قياس الطقس لتحديد الوقت والمقدار الدقيقين لاحتياجات النبات من الماء.
2-اختيار المحاصيل
• التخفيض من زراعة المحاصيل الشرهة للماء: مثل الأرز والذرة الصفراء في المناطق التي تعاني من شح حاد في المياه.
• التشجيع على زراعة محاصيل ذات قيمة مالية عالية وتستهلك ماءً أقل: مثل الزيتون والنخيل والخضروات في البيوت المحمية.
• تشجيع زراعة الأصناف المحلية المقاومة للجفاف والملوحة والتي تتكيف مع الظروف المناخية للعراق.
3- اعتماد التكنولوجيا والزراعة الذكية
• الزراعة الذكية استخدام تقنيات تساعد المزارع على التكيف مع تقلبات المناخ، مثل أنظمة الإنذار المبكر للجفاف.
• الزراعة بدون تربة: خاصة في البيوت المحمية، والتي توفر ما يصل إلى 90% من استهلاك المياه.
• استخدام الطائرات بدون طيار (الدرونز) والاستشعار عن بعد: لمراقبة صحة المحاصيل وترشيد استخدام المياه والمبيدات.
4-إدارة المياه ومعالجتها
• إنشاء محطات معالجة المياه الزراعية: إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة بشكل آمن في ري المحاصيل غير الغذائية أو الأشجار.
• حصد مياه الأمطار: بناء السدود الصغيرة والخزانات في المناطق التي تتساقط فيها الأمطار لتجميعها واستخدامها خلال مواسم الجفاف.
• إدارة المياه الجوفية: تنظيم استخراج المياه الجوفية ومنع الاستنزاف الجائر لها.
5- إعادة هيكلية المؤسسات والتشريعات
• إصلاح السياسات المائية: وضع قوانين صارمة لتنظيم استخدام المياه وفرض رسوم على الهدر.
• دعم المزارعين ماديا وتقنيا: تقديم قروض ميسرة ودعم لشراء أنظمة الري الحديثة وتدريبهم على استخدامها.
• تعزيز دور البحث العلمي: دعم مراكز الأبحاث الزراعية لتطوير بذور وأساليب زراعية ملائمة لأزمة المياه.
• اصلاح هيكل المؤسسات المتعلقة بالري والزراعة بما يتلاءم مع التحديث
التحديات والمعوقات التي تواجه التحديث الزراعي
• أنظمة الري الحديثة تتطلب استثمارات أولية كبيرة.
• قلة الوعي والمعرفة: يحتاج المزارعون إلى برامج توعية وتدريب مكثفة.
• البيروقراطية والفساد: قد تعيق وصول الدعم للمزارعين الحقيقيين.
• عدم الاستقرار الأمني والسياسي: يؤثر على قدرة الحكومة على تنفيذ مشاريع طويلة الأمد.
الخطوات العملية لتحديث الزراعة في العراق وكيفية مواجهة تحديات التحديث
التحديث الزراعي في العراق يتطلب خطة عملية واضحة وواقعية لمواجهة التحديات وكما قلنا بإدارة الموارد المائية اننا نحتاج لثورة حقيقية للتغير والتحديث كذلك بالزراعة نحتاج لثورة على كل محاور الزراعة و فيما يلي الخطوات العملية المقترحة للتحديث ومواجهة المعوقات:
أولا :-خطوات التحديث
المرحلة الأولى: التأسيس بمدة لا تزيد عن سنة
1. إنشاء (الهيئة العليا لتحديث الزراعة)
•
o تكون تحت إشراف مجلس الوزراء مباشرة تضم ممثلين من وزارات الزراعة والموارد المائية والمالية والتخطيط والبيئة والنفط والكهرباء بالإضافة إلى خبراء وممثلين عن الفلاحين .
o يجب وضع الاستراتيجية الشاملة والإشراف على تنفيذها وتذليل المعوقات بين الوزارات.
2. عمل مسح شامل للواقع الزراعي بكل مجالاته وجمع البيانات
•
o استخدام الاستشعار عن بعد ووسائل التقنيات الحديثة لإعداد خريطة دقيقة لاستخدامات الأراضي والمياه وأنماط الزراعة السائدة وحالة البنية التحتية للري.
o تحديد المناطق الأكثر معاناة من شح المياه والمناطق ذات الإمكانيات الجيدة
3. وضع استراتيجية حقيقية واضحة قابلة للتنفيذ
مثلا العمل على خفض استهلاك المياه في قطاع الزراعة بنسبة 30% خلال 3 سنوات وزيادة مساحة الأراضي التي تستخدم الري الحديث بنسبة 30% سنوياً
المرحلة الثانية: الدعم للمشاريع الأولية
1. عمل برنامج لدعم الفلاحين ماليا وتقنيا
•
o إنشاء (صندوق تحديث الري) يقدم منح بنسب جيدة (مثل 50% من التكلفة) أو قروض ميسرة بدون فائدة او بفوائد قليلة جدا لشراء أنظمة الري بالتنقيط والرش.
o تقديم الدعم الفني تشمل التركيب لأنظمة الري الحديث والتدريب والصيانة لمدة محددة.
2. انشاء مشاريع نموذجية
•
o إنشاء مزارع نموذجية في كل محافظة تطبق أحدث التقنيات (ري حديث محاصيل بديلة زراعة ذكية و بيوت محمية)
o جعل هذه المزارع مفتوحة للمزارعين لرؤية النتائج على أرض الواقع مما يحفزهم على التقليد
3. إصلاح السياسات الزراعية
•
o تحويل زراعة المحاصيل الشرهة للماء (مثل القمح والأرز) إلى دعم مباشر للمزارع الذي يتحول لزراعة محاصيل أقل استهلاكا للماء أو يطبق أنظمة الري الحديثة.
o إنتاج وتوزيع بذور لأصناف مقاومة للجفاف والملوحة مجانا أو بأسعار مدعومة.
المرحلة الثالثة: التشريع والتوسع بعد فترة سنتين
1. تحديث البنية التحتية الكبرى
•
o وضع برنامج طموح لتبطين القنوات الرئيسية والفرعية لتقليل الفاقد من المياه.
o إنشاء محطات معالجة مياه الصرف الصحي الزراعي والبلدي للمعالجة بشكل آمن لإعادة استخدامها في ري المساحات الخضراء والمحاصيل الصناعية.
2. تعزيز الإطار التشريعي:
•
o إصدار قانون ترشيد استخدام المياه والذي ينظم حصص المياه للمزارع وفقاً لنوع المحصول ومساحة الأرض وكفاءة نظام الري المستخدم ويفرض غرامات على الهدر.
o حماية الأراضي الزراعية: منع التعدي عليها وتحويلها إلى أغراض سكنية أو تجارية.
المرحلة الرابعة :- الاستدامة بعد 3 سنوات
1. ربط الزراعة بالصناعة الوطنية
وهذا يتم بتشجيع إنشاء معاصر للزيوت ومصانع تعليب الخضروات والفواكه ومصانع اعلاف ومعامل المنتجات الحيوانية كافة.
2. إرشاد زراعي
•
o اعداد برنامج ارشاد حديث ومتطور وإعادة تأهيل مهندسي الإرشاد الزراعي وتدريبهم على أحدث التقنيات.
o إنشاء منصات الكترونية لتقديم النصائح والأسعار والإنذارات المبكرة للمزارعين مباشرة على هواتفهم.
ثانيا:-مواجهة التحديات
ان مواجهة التحديات التي تعترض التحديث للزراعة تتطلب
1. يجب البدء بالمنح الجزئية وزيادة نسبة الدعم للمناطق الأكثر فقرا.
2. العمل والسعي للحصول على قروض ميسرة ومنح من منظمات اممية وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية لدعم صندوق تحديث الري.
3. تأسيس شراكة مع القطاع الخاص و تشجيع الشركات على استثمار وتقديم أنظمة الري عن طريق التأجير وفق ضوابط .
4. إقامة ورش عمل في المزارع النموذجية.
5. إنتاج ونشر برامج تلفزيونية وإذاعية ونشرات بلغة بسيطة تشرح فوائد الري الحديث.
6. إشراك قادة المجتمعات المحلية ونماذج يحتذى بها.
7. تتولى الهيأة العليا الرقابة المباشرة هي ومجالس محلية من شيوخ العشائر والفلاحين المعروفين خلال توزيع الدعم.
8. إنشاء منصة إلكترونية لتقديم طلبات الدعم ومتابعتها بشكل شفاف لتقليل التعامل المباشر والوساطات.
9. لضمان النجاح الأول يتم البدء بالمناطق المستقرة.
10. تسليط الضوء الإعلامي بكافة مفاصله على التجارب الناجحة.
11. إنشاء مراكز صيانة محلية في كل منطقة، وتدريب كوادر محلية على إصلاح الأعطال البسيطة مع توفير دعم عن بعد باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الالكترونية.
وأخيرا
ان النجاح يعتمد على القيادة السياسية الموحدة والإرادة الحقيقية، والمشاركة الفعالة للفلاح العراقي او المستثمر الوطني الذي يجب أن يكون شريك فعال في صنع القرار وليس مجرد متلقي له ويجب البدء بمشاريع صغيرة ناجحة وإظهار نتائجها سيكون دافع قوي لدفع عملية التحديث بسرعة إلى الأمام بدلا من البدء في مشاريع ضخمة قد تفشل بسبب البيروقراطية أو قلة التمويل.
المهندس الاستشاري
14-9-2025
#عبد_الكريم_حسن_سلومي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟