أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي فضيل العربي - قصة قصيرة : رؤيا في إيكوزيوم















المزيد.....

قصة قصيرة : رؤيا في إيكوزيوم


علي فضيل العربي

الحوار المتمدن-العدد: 8471 - 2025 / 9 / 20 - 16:13
المحور: الادب والفن
    


رؤيا في إيكوزيوم *

فجأة ، و في غمرة من الحزم و العزم و الحماس تدفق خلق كثير نحوالشوارع والأزقة و الساحات .. كأنّ زلزالا عنيفا رمى بهم من وراء الجدران الأبواب و النوافذ و الشرفات ..
يا إلهي ، ماذا حدث ؟ لماذا غادر أهل إيكوزيوم * البيوت و الحوانيت و المقاهي و الحدائق ، و حتى المشافي و العيادات الخاصة ؟ و كان من عادة الناس يوم الجمعة ، و هو عطلة الأسبوع لجل الموظفين ، أن يختفوا عن الأنظار ..و أن يناموا حتى ساعة متأخرة من الضحى .. يمارسون في نومهم عادات التثاؤب و التكاسل و الشخير و التناسل و التمطط تحت الغطاء الدافيء .. و هي عادات محمودة بعد أسبوع من العمل و الخصام و التعصب و السفر و الانتظار و القلق و نزول الضغط الدموي و صعوده ، و كثير من الآلام النفسية و الجسدية ..
ليس من عادة المدينة أن تضج في هذا اليوم .. ثم ما بال الناس مجتمعون عند البريد المركزي ؟ ماذا حلّ بهم ؟ أهي أزمة سحب الرواتب كالعادة ؟ لقد تعودت المدينة على الهدوء كل يوم جمعة .. فلا يخرج بعض أهلها إلاّ للصلاة عند منتصف النهار ، والبعض الآخر فيخرج للتنزه على واجهة البحر ، كون أنّ الحدائق نادرة ، و المساحات الخضراء قد ابتلعها الإسمنت ..أما السواد الأعظم ، فيقبعون في البيوت ، يمارسون القيلولة و الشخير و أشياء أخرى ...
تقول الحكاية ، التي تشبه أساطير ما قبل التاريخ :
إن أصواتا سُمِعت فجرا ، و أمرت أهل إيكوزيوم بالمغادرة نحو الشوارع و الساحات .. وبثت في نفوسهم شغف الخروج ..
و لم ير أحد لتلك الأصوات ظلالا ، و لم تتبين ملامحها لأحد .. و كيف قدمت ؟ و من أين قدمت ؟ و ما مصدرها ؟ أمن السماء أم من البحر أم من كهوف الأرض ؟
الحاصول ، أنّ سكان المدينة ، أصابتهم رغبة شديدة في مغادرة بيوتهم ، و أشباه بيوتهم .. تلك الرغبة التي تتحول بسرعة فائقة إلى نوع من الجنون ، يشبه جنون البقر ، يصيب كل من رفض الخروج ، او أبطأ فيه .. بل إنّ مجرد التفكير في عدم الخروج ، يتحول إلى حكّة جلدية شديدة تشبه حكة الإكزيما و نوبة من القلق الذي يعقب عادة زلزالا عنيفا بعد منتصف الليل ..
و قال آخرون ، إنّهم رأوا رؤيا واحدة موحدة ، طوال الأسبوع الذي سبق تلك الجمعة .. و الغريب أن الناس قد أصابتهم الدهشة ، و هم يروون تلك الرؤيا الموحدة .. فكلّما رواها أحدهم قال آخر :
- لقد رأيت ذلك أنا أيضا ليلة البارحة أو ما قبلها .
و هي ظاهرة غريبة و عجيبة .. أن يرى الناس رؤيا موحدة ، و كأنهم على قلب رجل واحد .. و ملخص الرؤية ، أنّهم رأوا أنّ مدينتهم سيبتلعها البحر، إن لم يخرجوا لإنقاذها من الهلاك و الفناء .. ليس مثلما حدث لمدن التسونامي .. بل إنّ مدينتهم ستهرول مسرعة ناحية البحر .. و ترتمي في أعماقه.. و هي تعتقد أنّها سوف تبتلع البحر بما فيه .. لكن سيحدث العكس .. فقد ولد البحر قبلها بقرون .. كان هو السابق و هي اللاحقة .. هي الجزء و هو الكل .. و البحر ماؤه أجاج .. لا تستسيغ ماءه إلاّ مدن الملح .. و من أجل ذلك خرجوا لدفع الكارثة عن مدينتهم .
و صدّق سكان المدينة الرؤيا ، و خرج منهم الرجال و النساء و الشباب و الشيوخ و العجائز ، و الرضع المحمولين بين الأيدي ، و على الرقاب و الكواهل ، و حتى الأجنة التي مازالت في الأرحام ، إلاّ شرذمة قليلة .. كذّبوا ، و أبوا الخروج من بيوتهم ..
و قالوا عن تلك الرؤيا :
- إنّها مجرد أضغاث أحلام لا غير .. و متى كانت الرؤى يقينا .. ربما أكثر هؤلاء الحالمين من أكل الفول و البازلاء في موسم الربيع .. هههههه ..
و كان أن أصابتهم الحكة الشديدة .. و اقتربوا من دائرة الجنون ، بل و صاروا كأبقار مجنونة ، لا يصلح لحمها و لا لبنها ..
وروى شاهد عيان عنهم ، أنّهم فقدوا البصر و البصيرة .. ندم بعضهم ، و تلاوموا ، و اشتدّ تلاومهم إلى حد الخصام و التنابز بألقاب الفسق . تدابروا و تقاطعوا ، و لم يبق منهم رجل رشيد ..
قال شاهد عيان :
- أنّهم ، لمّا فقدوا السمع و البصر و الفؤاد .. و سقط بين أيديهم . ادّعوا أنّ تلك الرؤيا ، ماهي إلا سحر ساحر .. أراد أن يستوليّ على خيرات مدينتهم ...بعد أن يقنع أهلها أنّه منقذهم من الغرق .. و أنّ البحر لا يبتلع مدنه الأصيلة ..
و لمّا قيل لهم بالدليل و الشاهد :
- ألم تروا كيف فعل المحيط بمدن في الشرق ؟ ألم تشاهدوا ذلك التسونامي ؟
قالوا ، بنبرة الجدل العقيم :
- ذاك من عمل المحيط ، وليس البحر .. بحرنا لا يأكل من لحم أبنائه ، و لا يشرب من دمائهم .
و نسوا آلاف الضحايا الحرّاقين الذين غيّبهم البحر ، كما تغيّب أجهزة المخابرات ضحاياها في بلاد العُرب و الأعراب .
والغريب في الأمر – إضافة لعدم تصديقهم للرؤيا – أنّ حكماءهم ، الذين منحوهم صكوك الهلاك و الوباء نصحوهم بأكل نفايات دجاج التريسنتي ( الكهرباء ) ، من (الكاشير) و الجبن ، ليشفوا من سكرهم و كوابيس أحلامهم .. لكن حدث عكس ذلك تماما .. فقد اشتدّ عليهم مرض الجنون .. و أصيبوا بالكساح .. و فقدوا الذاكرة .. و نسوا محل وجودهم و زمانه ..
و أضاف شاهد عيان :
- لقد أصابتهم حشرة " الطكوك "( 4 ) ، و تفاقم داؤهم ، لمّا بقوا مصرين على تكذيب الرؤيا ، و تساقط شعر رؤوسهم ، فصارت قرعاء مثل أرض هجرها الماء .. و ارتخت أطرافهم العليا و السفلى .. حتى عادوا لا يتحركون إلا زحفا على البطون أو الدبر ...
روى أهل إيكوزيوم الحقيقيون ، الراسخون في الصدق و الوفاء لمدينتهم ، لا الوافدون ، المزيّفون ، الذين لا ظلّ لهم .. عن مدينتهم صفحات من عجائب البطولة و الشهامة و الإباء .. فهي ، كما يقولون ، مدينة لا يحكمها إلاّ الرجال الأحرار .. و كم حاول الغرباء من البدو و العجم استمالتها بشتى السبل و الحيل و القسوة و المكر ، لكنّها استعصت عليهم ، و أذاقتهم مرارة الحنظل ...
اكتظت الشوارع و الساحات بسيول بشرية .. لم تشهد مدينة إيكوزيوم مثلها قط من قبل .. كادت الأشجار و الأحجار و الجدران أن تسير في ركب حراكها .. و كانت أسراب من القطا و الحمائم البيضاء و السنونوات تضفي على فضائها ألوانا من بهجة الربيع .. و بدت المدينة تعيش ربيعها الأخضر بعد عقود من اليباب ..
و انبسط البحر هادئا ، ضاحكا ، رومانسيّ الهوى ، غارقا في لجّة الإغراء .. كان فيما يبدو ، يعزف على أوتار الغواية ، و يترنّم نسائم الانتظار .. كان عريسا ينتظر عروسه في ليلة الزفاف .. لكنّ إيكوزيوم ، لم تترجل صوب البحر بفضل أهلها الشجعان ، الأحرار .. و لم يبتلع البحر سوى المكذّبين بالرؤيا . فقد أقدموا على الزحف نحوه مثل السلاحف و كلاب البحر . و كانوا مأدبة نتنة لأسماك البحر .
و عند الأصيل قاءهم البحر و أبصر أهل إيكوزيوم أسرابا من الغربان تنعق و تحوم على الشاطيء حتى أدركها الظلام .
و نجت إيكوزيوم من الغرق و الفناء ، بفضل أهلها الشرفاء .
( تمت )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش :
( 1 ) إيكوزيوم : الاسم التاريخي لمدينة الجزائر ، موقعها هو موقع حي القصبة في العاصمة الجزائرية الحديثة . و من أسمائها : المحروسة ، البهجة ، الجزائر البيضاء .
الطكّوك : حشرة تصيب الأبقار في زمن الربيع ، فتهيّجها ، و تحيلها إلى أبقار ناطحة ، حرونة



#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة بعنوان : ارفع رأسك يا - بّا -
- بين الجدّ و اللعب
- فرس امريء القيس في مخبر الفيزياء
- تفكيك مركزية فكرة تفوّق الثقافة الأوروبية
- أطفال غزّة بين النار و الصمت
- قراءة نقدية لقصة ( المجنونة ) للقاصة البحرينية فاطمة النهام ...
- الحسّ المأساوي في المجموعة القصصية - متنزّه الغائبين - للقاص ...
- ثقافة البؤس و بؤس الثقافة
- 19 مارس عيد النصر في الجزائر
- أدب التوقيعات ، ذلك الفنّ المنسي
- ترحيل تمثال الحريّة إلى غزّة
- جدليّة الثقافة و السياسة في المجتمع الشرقي المعاصر . قراءة ...
- المقامة الغزّاوية ( 2 )
- المقامة الغزّاوية ( 1 )
- أمريكا و أخواتها والمسلمون و مأساة غزة
- مكانة المرأة الريفيّة و دورها في ثورة التحرير الجزائريّة
- تحية إلى أبناء نيلسون مانديلا
- انقلاب النيجر : إصرار في نيامي و هلع في باريس .
- إفريقيا للأفارقة
- ما زلت تلميذا


المزيد.....




- أحمد مهنا.. فنان يرسم الجوع والأمل على صناديق المساعدات بغزة ...
- وَجْهٌ فِي مَرَايَا حُلْم
- أحمد مهنا.. فنان يرسم الجوع والأمل على صناديق المساعدات بغزة ...
- نظارة ذكية -تخذل- زوكربيرغ.. موقف محرج على المسرح
- -قوة التفاوض- عراقجي يكشف خفايا بمفاوضات الملف النووي
- سميح القاسم.. الشاعر المؤرخ و-متنبي- فلسطين
- سميح القاسم.. الشاعر المؤرخ و-متنبي- فلسطين
- -أنخاب الأصائل-.. إطلالة على المبنى وإيماءة إلى المعنى
- -الأشرار 2- مغامرات من الأرض إلى الفضاء تمنح عائلتك لحظات ما ...
- محمد حلمي الريشة وتشكيل الجغرافيا الشعرية في عمل جديد متناغم ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي فضيل العربي - قصة قصيرة : رؤيا في إيكوزيوم