أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي فضيل العربي - قصة قصيرة بعنوان : ارفع رأسك يا - بّا -















المزيد.....

قصة قصيرة بعنوان : ارفع رأسك يا - بّا -


علي فضيل العربي

الحوار المتمدن-العدد: 8464 - 2025 / 9 / 13 - 04:56
المحور: الادب والفن
    


ارفع رأسك يا " بّا " *


ضربه على خدّه الأيسر ، و صرخ في وجهه :
- ارفع رأسك " يا بّا "* ، فأنت إنسان حرّ .
و تمنى عبد الله أن يدير له سعيد خدّه الأيمن ليلطمه ثانية . لكنّ سعيد رمق صاحبه باستغراب ، وحكّ اللطمة الأولى دون أنين ، و لم يفكر في ردّها له . و ابتسم ابتسامة عريضة .. ثم طبع على وجنته قبلة ...
و الذين حضروا الواقعة ، و رأوا بأم أعينهم ما جرى بين عبد الله و سعيد ، اسغربوا ، و أصابتهم الدهشة .. و اجتاحتهم الأسئلة الغريبة .. لماذا لطم عبد الله صديقه سعيد ؟ و لماذا لم يغضب سعيد ، و يرد اللطمة باللطمة أو أكثر ؟ لماذا خيّم الهدوء على سعيد ، و كأنّ اللطمة لم تقع على خدّه و لم تعنه ؟ لماذا ابتسم سعيد بعدما لطمه صديقه عبد الله ؟ أم أنّه عجز عن الدفاع عن نفسه ، و ردّ حق من حقوقه ؟
و الحقيقة أن عبد الله ، قد لاحظ منذ أشهر عدة ، أن رقبة سعيد قد بدأت تميل إلى الأمام ، و معها ظهره الذي استمر في أخذ شكل المنجل . و صارت هامته أقرب إلى الأرض ، على هيئة الركوع . أمّا نظراته ، فقد تقلصت مسافاتها .. بدت قزمة كالطحالب التي قهرها البحر .. لا تتعدى ظلّ جسده النحيف عند الظهيرة ..
لاحظ عبد الله أنّ صديقه سعيد على وشك العودة إلى سيرة الحبو على أربع .. ليست مرحلة الصبا ، فذاك حلم مستحيل .. و لكن حبو في مرحلة الكهولة .. فالعودة إلى الوراء ، لن يكون فعلا بيولوجيا و فيزيولوجيا أبدا .. لأنّ ذلك يعني حدوث معجزة ربانيّة ، لا اعتراض عليها .. و لاحظ أنّ سعيد ، قد قلّ كلامه ، و ذبل صوته ، و تحول نقاشه إلى مجرد هزّ للرأس .. كما صار لا يبرح بيته إلا قليلا .. يميل إلى المشي وحيدا ملتصقا بالجدران المهترئة كالحلزون .. و هو الذي عرفه ، قبل سنوات ، رجلا ، ممشوق القوام .. مرفوع الهامة .. رأسه في السماء ، و عيناه كوكبان دريّان .. و صوته يُسمِع الصم ..
لم يدر سبب هذا التغيّر المفاجيء .. أهو مرض جسديّ أم نفسيّ ؟ أم أنّ الهرم قد داهمه قبل الآوان ؟ رغم انّه مازال في عقده الرابع . عقد الحكمة و التعقّل و النبوّة ..
*** ***
قال عبد الله ، و الحيرة تنوش قلبه :
- سعيد انخطف عقله يا ناس . صار كتلة لحم و عظم بلا روح . ضربته على خده ، و قلت له :
- ارفع رأسك " يا بّا " ، فأنت إنسان حرّ .
ظنّ عبد الله في تلك اللحظة ، حين لطم سعيد على خدّه الأيسر ، أن ينتفض سعيد كالأسد الهارب من قفص مروضه . و يردّ له الصاع صاعين .. لكنّ ظنّه ذهب أدراج الرياح .. كأنّ اللطمة أيقظته من غيبوبة استمرت عقدين من الزمن الحجريّ الأسود .. و الحاصول ، أنّ سعيد كان ضحية ما سميّ بحملة الأيدي النظيفة ، و لم تكن نظيفة البتة ، بل وسخة ، نتنة ، مقرفة ، كرائحة الذئاب و الخنازير البريّة .. كان سعيد جمركيّا نابها في مصلحة الاستيراد و التصدير بميناء الجزائر العاصمة ... مجدا ، صادقا في عمله ، حريصا على المال العام ، الذي هو مال الشعوب .. رجلا شهما ، يحارب علل الرشوة و المحاباة و المحسوبية و الغش و التزوير و كل مشتقاتها .. و حدث أن اكتشف عملية غش في الجمركة و الفواتير .. لقد رأى بأم عينه ، كيف كانت تغادر بعض الحاويات المشبوهة أرصفة الميناء دون تفتيش دقيق .. كل ما كان يحدث لها ، عبارة عن مراقبة شكلية .. و تمنح لها تراخيص المغادرة .. لمّا تدخل سعيد لوضع الأمور في نصابها القانوني ، قيل له :
- هذه الحاويات المملوءة هي ملك " للتماسيح " .. و لا واحد يقدر أن يمسّها . فهمت ، يا سعيد .
- لكنّي ، يجب أن أطبّق القانون على الجميع .
- "طز" على القانون . هؤلاء فوق القانون ، يا صاحبي ، يا مغفّل .
و حاول أن يخضعها للتفتيش و الجمركة القانونيين ، لكن جوبه برد قويّ من مسؤوله المباشر . فما كان من سعيد إلا أن كتب تقريرا مفصلا إلى السيد وزير المالية ، يخبره فيه عن كل شيء .. و ممّا جاء فيه :
- سيدي الوزير ... إنّ بعض حاويات المعاليم الكبار ، و الحيتان الضخمة ، لا يُسمح لنا ، نحن كجمركيين ، بمراقبتها و تفتيش محتوياتها ، و الأدهي من ذلك أنّها تغادر الميناء دون جمركة حقيقية . ممّا يكبّد الخزينة العمومية خسائر لا حصر لها ....
و لمّا اُستدعيّ سعيد ، ذات أمسية ماطرة ، إلى مكتب المدير العام للميناء ، ارتعش فرحا و تسارعت نبضات قلبه .. و اعتقد أن رسالته تلك أثمرت ، و أتت أكلها .. و ستمنح له المديرية وسام صون الأمانة ، و سيشكره المدير العام على حرصه الشديد على مال الشعب ..و ربّما سيرقيه لمنصب أعلى .. حدس أنّه سيكون البطل المبجل ، الذي سيؤدي له مسؤوله تحية التقدير و الاحترام على صدق تفانيه في أداء الواجب الوطني ..
*** ***
وكانت المفاجأة ، التي قصمت ظهره .. أحيل على المجلس التأديبي بعد أيام ، بتهمة القذف .. و فُصل من وظيفته .. و بعد شهر ، أُلقي به في غياهب السجن ، بتهمة التبليغ الكاذب ، و إزعاج السلطات الأمنية .. بل اُتهم بطلب رشاوي ، و لمّا لم ينل مرغوبه . كتب تلك الرسالة لقذف غيره من الأبرياء ..و كانت تلك التهمة ملفّقة بإحكام ، و مدعمة بشهود الزور ..
لمّا غادر سعيد السجن ، بعد سبع سنين عجاف ، كان ظهره ، قد بدأ يأخذ شكل المنجل ..أمّا هامته فقد أذبلت رطوبة جدران السجن أوراقها .. لقد حاولوا كسر رقبته ، لكنّه صمد أمام أنيابهم و مخالبهم ...
*** ***
قال عبد الله ، بعد لطمه لسعيد على خدّه الأيسر :
- يجب أن يرفع سعيد رأسه من جديد . يا إخوتي .. زمان الزور راح و ولّى .. يا إخوتي...
و قاده إلى البريد المركزي ، لا ليسحب مبلغا من رصيد زهيد ، بل ليشهد شعلة الحراك .. و ليقطف من مروج الحياة أزهار الحريّة .. و ليرفع رأسه و هامته ، و يستقيم ظهره المنجليّ .. و هنا أدرك شهود الواقعة ؛ واقعة لطم عبد الله لسعيد على خدّه الأيسر ، و قوله له :
- ارفع رأسك " يا بّا " ، فأنت إنسان حرّ ..
تمنى الشهود ، لو يلطم عبد الله كل الخدود النائمة ، لعلها تستيقظ من سباتها .. و تدوي تلك العبارة ؛ ارفع راسك " يا بّا " ، فأنت إنسان حرّ ، مثل صوت المدفع ، في أسماع النائمين على رصيف الاستسلام و الهوان ...
( تمت )



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش : بّا أو بابا : أبي بلهجة مغاربيّة .



#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الجدّ و اللعب
- فرس امريء القيس في مخبر الفيزياء
- تفكيك مركزية فكرة تفوّق الثقافة الأوروبية
- أطفال غزّة بين النار و الصمت
- قراءة نقدية لقصة ( المجنونة ) للقاصة البحرينية فاطمة النهام ...
- الحسّ المأساوي في المجموعة القصصية - متنزّه الغائبين - للقاص ...
- ثقافة البؤس و بؤس الثقافة
- 19 مارس عيد النصر في الجزائر
- أدب التوقيعات ، ذلك الفنّ المنسي
- ترحيل تمثال الحريّة إلى غزّة
- جدليّة الثقافة و السياسة في المجتمع الشرقي المعاصر . قراءة ...
- المقامة الغزّاوية ( 2 )
- المقامة الغزّاوية ( 1 )
- أمريكا و أخواتها والمسلمون و مأساة غزة
- مكانة المرأة الريفيّة و دورها في ثورة التحرير الجزائريّة
- تحية إلى أبناء نيلسون مانديلا
- انقلاب النيجر : إصرار في نيامي و هلع في باريس .
- إفريقيا للأفارقة
- ما زلت تلميذا
- سلام على هيروشيما و نكازاكي


المزيد.....




- أحمد الفيشاوي يعلن مشاركته بفيلم جديد بعد -سفاح التجمع-
- لماذا لا يفوز أدباء العرب بعد نجيب محفوظ بجائزة نوبل؟
- رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر تحتفي بإرث ثقافي يخاطب العالم
- رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر تحتفي بإرث ثقافي يخاطب العالم
- مشاهدة الأعمال الفنية في المعارض يساعد على تخفيف التوتر
- تل أبيب تنشر فيلم وثائقي عن أنقاض مبنى عسكري دمره صاروخ إيرا ...
- قراءة في نقد ساري حنفي لمفارقات الحرية المعاصرة
- ليبيريا.. -ساحل الفُلفل- وموسيقى الهيبكو
- بطل آسيا في فنون القتال المختلطة يوجه تحية عسکرية للقادة الش ...
- العلاج بالخوف: هل مشاهدة أفلام الرعب تخفف الإحساس بالقلق وال ...


المزيد.....

- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي فضيل العربي - قصة قصيرة بعنوان : ارفع رأسك يا - بّا -