مروان فلو
الحوار المتمدن-العدد: 8467 - 2025 / 9 / 16 - 17:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يتناول هذا المقال ظاهرة تكثيف الوجود العسكري الإسرائيلي في سوريا ولبنان وارتباطاتها البراغماتية مع سياسات استهداف قيادة حماس المتمركزة في دول الجوار. يفحص المقال آثار هذا التمدد على علاقات إسرائيل مع تركيا واليونان وقبرص، ويدرس فرضية أن استهداف مواقع/قيادات على أراضي دول ثالثة قد يدفع أنقرة إلى مزيدٍ من التقارب العسكري مع موسكو (لا سيما عبر منظومات صواريخ S-400) ويضعف روابطها داخل حلف الناتو، مع قراءة في انعكاسات الضربات الإسرائيلية الأخيرة داخل منطقة الخليج (مثلاً: ضربة داخل الدوحة) على منطق الردع والإرساليات الإستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة. يستعرض المقال الأدلة الميدانية والسياسية ويقترح سيناريوهات مستقبلية وسياسات تخفيف التصعيد.
المقدمة
في أعقاب الحرب المتجددة بين إسرائيل وحماس (منذ أكتوبر 2023 وما تلاها)، برزت سياسة إسرائيلية أكثر تعرضًا للمجال الإقليمي الواسع: من بقاء قوى إسرائيلية في مناطق حدودية داخل سوريا ولبنان إلى شنّ ضربات جوية استهدفت قيادات مُوزَّعة في دول جارة أو وسيطة. هذه المتغيرات تُعيد تشكيل قواعد اللعب الإقليمي، وتطرح أسئلة حول مسؤولية الدول المضيفة، والعلاقة بين العمليات الأمنية العابرة للحدود ومكانة الدول داخل التحالفات الدولية (بما في ذلك حلف الناتو). موقف تركيا كدولةٍ ليست فقط جغرافياً في الوسط بل أيضاً لاعب إقليمي ذي انشغالات عسكرية (قواعد في شمال سوريا، استضافة شخصيات إقليمية، واقتناء منظومات دفاع جوي روسية) يجعل منها محورًا أساسياً في قراءة هذه التداعيات.
الإطار النظري والمنهجي
يستند التحليل إلى منهجٍ متعدد المستويات يجمع بين: (أ) تتبُّع الوقائع الميدانية (بيانات وتصريحات ومسارات ضربات).
(ب) تحليل سياسات التحالفات والاقتناءات العسكرية (مثال: منظومات S-400).
(ج) تقييم سيناريوهات الردع والتصعيد.
اعتمد المقال على تقارير إخبارية رفيعة المستوى وتحليلات مؤسسات فكرية، مع محاولة ربطها بإطار النظريات التقليدية في العلاقات الدولية حول التوازن والتحالفات والهيمنة الإقليمية.
الخلفية الواقعية: الوجود الإسرائيلي والعمليات الخارجية
أعلنت مسؤوليات إسرائيلية أن القوات ستظل متواجدة في مناطق حساسة من سوريا ولبنان (بهدف أمن حدودي وعمليات استخباراتية/عسكرية) وهو ما قوبل بقلق دولي وإقليمي حول مسألة الاحتلال والدور المستقبلي لهذه القوات. في الوقت نفسه، شَهِدت المنطقة موجة ضربات إسرائيلية استهدفت عناصرٍ وقيادات تعتبرها تل أبيب عوائق أمام صفقة تهدئة أو اعتبرتها تهديدًا أمنيًا مستمرًا؛ من بين تلك الضربات كانت استهدافات داخل قطر التي أثارت موجة إدانات واستدعاءات دبلوماسية. هذه التطوّرات تُظهِر تحولاً في منطق المواقع المستهدفة ليشمل أراضٍ كانت تُعتبر حتى وقتٍ قريب ساحات تفاوض ووساطة.
حضور قيادات حماس في تركيا وخطر التمدد/الاستهداف خارج الحدود
تُشير تقارير إعلامية وتحليلية إلى أن بعض قيادات حماس تتواجد وتتحرّك داخل دول إقليمية، وأن توجُّه تل أبيب لاستهدافها — حتى على أراضٍ تعتبرها دول رعاية/وساطة — قد يوسع دائرة المواجهة. تركيا، التي لا تُصنّف حماس كمنظمة إرهابية رسمياً وتستضيف شخصيات فلسطينية، اعتُبرت عرضةً لأن تصبح مجالًا للضربات الإسرائيلية أو للاشتباك الدبلوماسي – وهو ما أثاره مسؤولو أنظمة وسياسيون عقب الضربات الأخيرة في الدوحة. هذا الواقع يعيد طرح تساؤلات حول سياسات الدول المستضيفة: هل تراقب وتمنع نشاطات معينة؟ أم تقف موقف الوسيط السياسي الذي قد يتعرض للضغط الدولي؟
تبعات عسكرية وسياسية: منظومات S-400 والعلاقة مع الناتو
من الناحية العسكرية، قد يؤدي إحساس أنقرة بتهديدٍ على أراضيها إلى تعزيز توجهاتها نحو منظومات دفاعٍ مستقلة أو صديقة لروسيا، كما جرى سابقًا مع عملية اقتناء S-400 التي أثارت أزمة في علاقات تركيا مع حلفائها الغربيين وأدت إلى استبعادها من برنامَج F-35. نقل أو تشغيل منظومات بعيدة المدى على الحدود الجنوبية لأنقرة قد يُستخدم كأداة ردع، لكنّه في الوقت نفسه يفاقم التوترات داخل حلف الناتو ويفتح احتمال تراجعات في التعاون التقني والاستخباراتي مع واشنطن وبرلين. ومع أن تحوّلًا مفاجئًا وكليًا لتركيا إلى حلف موسكو يبدو غير مرجّح، فإن أيّ تحرّكٍ يُنمّي الاعتماد العسكري على موسكو سيزيد من تعقيد المعادلات الإقليمية.
إسرائيل، قبرص واليونان: شراكات موازية لتعزيز الردع
توسيع إسرائيل لشراكات دفاعية مع قبرص واليونان ينبني على منطقٍ استراتيجي مماثل: خلق محاور إقليمية قادرة على الحدّ من التحركات البحرية والجوية لخصوم محتملين وحماية خطوط الطاقة والبحرية. تزويد هذه الدول بمنظومات دفاع متقدمة أو مقاتلات يقوّي قدرة المنطقة على النفاذ للردع ويقوّي أيضًا قدرة إسرائيل على تحييد مخاطر استراتيجية بعيدة. هذا التطور يزيد من تعقيد خيارات تركيا ويشجّع تراكمًا مناصريًا في الجناح المتوسطي.
قراءة في حادث قطر: درس للانتشار وعدم اليقين
الضربة الإسرائيلية داخل العاصمة القطرية—التي استهدفت عناصر مرتبطين بحماس وفق تقارير—تُعدّ مؤشرًا على أن أي دولة تستضيف عناصر فاعلة قد تُجدِّد استهدافها من قِبل أجهزة استخبارات/عسكرية لإسرائيل عند تقديرها ذلك ضروريًا لأمنها. هذا يخلق منطقًا للانكشاف لدى الدول الوسيطة ويعزّز منطق البحث عن ضمانات أو إجراءات دفاعية جديدة، أو إعادة التوازن في مواقفها وسياساتها الخارجية.
سيناريوهات مستقبلية مختصرة
1. تصعيد محدود عابر للحدود: استمرار ضربات إسرائيلية على أهداف داخل دولٍ قريبة (بهدف تعطيل قيادات/شبكات) مع ردود دبلوماسية وإجراءات أمنية من الدول المتضررة، لكن من دون تحويل الصراع إلى مواجهة عسكرية مباشرة طويلة الأمد بين الدول.
2. تدهور ثقة أنقرة في الناتو: تحرّكات دفاعية تركية مع موسكو (مزيد من تكامل منظومات S-400/شراءات روسية) قد تؤدي إلى تفكك تقني وسياسي جزئي في التعاون مع شركاءٍ غربيين.
3. تبلور محاور إقليمية مضادة: تعميق التعاون العسكري بين إسرائيل واليونان/قبرص كحاجز ضد أي تهديدات بحرية أو جوية، ما قد يؤدي إلى تكاثف سباق تسليحي إقليمي محدود.
سياسات مقترحة لتقليل مخاطر التصعيد
1. آليات شفافة للوساطة: تعزيز دور الوسطاء الدوليين (أو المؤسسات الإقليمية) بوصفها منصات لاحتواء ملفات استضافة القيادات وإجراء رقابة سياسية-قانونية واضحة.
2. قنوات إخطارات أمنية: اعتماد قنوات إخطارات أمنية فورية بين الدول المجاورة وإسرائيل لتفادي إساءات التقدير وعمليات عسكرية غير محسوبة.
3. حوار نواتي داخل الناتو: مناقشة مخاوف تركيا التقنية والأمنية وإيجاد حلول لتقنية التكامل أو بدائل تقلّل من الاعتماد على منظوماتٍ منفردة تعزّز التوترات.
الخاتمة
المشهد الإقليمي بعد أكتوبر 2023 وما تلاه يُظهر أن سياسات الاستهداف العابر للحدود تُعيد تعريف قواعد الاحتواء والردع في الشرق الأوسط. استمرار الوجود الإسرائيلي في سوريا ولبنان، واستهداف قيادات على أراضٍ ثالثة، ووضعية تركيا بين الانفتاح على أنظمة روسية من جهة وعضويتها في الناتو من جهة أخرى، كل ذلك يجعل المنطقة معرضة لمزيدٍ من التعقيد والاحتمالات غير الخطية. إدارة هذا التعقيد تستدعي سياسات وسيطة معلوماتية ودبلوماسية وتقنية تراعي حساسية سيادة الدول ومخاوف الأمن القومي، مع بناء آليات تتيح الحدّ من مخاطر الانزلاق نحو صراع إقليمي أوسع.
—------------------&&&&
المراجع (مرقَّمة كما وردت داخل النص)
1. Reuters — Netanyahu says getting rid of Hamas chiefs in Qatar would remove main obstacle to Gaza deal. (تقرير حديث حول تصريحات نتنياهو وضربات استهداف قيادات حماس في قطر).
2. AP News — Qatar denounces Israel before major summit on Israel s attack in Doha targeting Hamas leaders. (تغطية لردود الفعل القطرية والدولية على الضربة).
3. Al Jazeera — Israel says its troops will remain in Gaza, Lebanon and Syria indefinitely. (تقرير عن تصريح وزارة الدفاع/القيادات الإسرائيلية حول البقاء في مناطق حساسة).
4. Politico — Israeli defense minister says troops will remain in Gaza, Lebanon and Syria indefinitely. (تحليل إضافي حول تبعات الإبقاء العسكري).
5. The National — Hamas presence in Turkey under spotlight after Israeli air strike on Doha. (مناقشة لمسألة وجود قيادات حماس في تركيا وتداعيات الضربات).
6. Forbes — The Truth About Risks Of A Turkey-Israel S-400 Missile Crisis In Syria. (تحليل استراتيجي حول مخاطر تحريك/استخدام منظومات S-400 التركية في مواجهة طيران غربي أو إسرائيلي).
7. Carnegie Endowment — Turkey s Foreign Policy Ambitions Meet Reality. (مقال تحليلي حول تحولات السياسة الخارجية التركية والتوازن بين الناتو وروسيا).
8. JINSA (PDF) — Flight Risk: Turkey and the F-35 (مراجعة تاريخية لتأثير اقتناء S-400 على علاقات تركيا العسكرية مع الغرب وبرنامج F-35).
9. Reuters — Arab-Islamic summit to back Qatar after Israeli attack. (تغطية اجتماعات القمة وتداعيات الضربة الدبلوماسية).
10. Al Jazeera — Maps: Israel has attacked six countries in the past 72 hours. (رصد خرائطي لتوسع الضربات الإسرائيلية خلال موجات متلاحقة).
#مروان_فلو (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟