أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مروان فلو - تفكك يوغوسلافيا وملامح سوريا: الهويات حين تُكتب بالدم














المزيد.....

تفكك يوغوسلافيا وملامح سوريا: الهويات حين تُكتب بالدم


مروان فلو

الحوار المتمدن-العدد: 8451 - 2025 / 8 / 31 - 19:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في التاريخ الحديث، كانت يوغوسلافيا واحدة من أبرز الأمثلة على دولة كبيرة توحِّد قوميات وأدياناً وهويات مختلفة تحت راية واحدة. لكن هذا الكيان السياسي اختفى من خريطة العالم خلال عقد واحد من الزمن، بعدما اجتاحته النزاعات القومية والصراعات العرقية. وفي المقابل، تشهد منطقة الشرق الأوسط اليوم حالة مشابهة من التفكك، حيث تتحول المجازر الجماعية من مجرد أحداث دموية إلى عوامل تأسيسية تصوغ هويات الشعوب والمجتمعات. فالهويات لا تُبنى فقط بالأساطير والكتب المقدسة، بل غالباً ما يُعيد الدم المسفوك تعريفها وإعادة إنتاجها.

أولاً: يوغوسلافيا – من الوحدة إلى الانقسام

ظلّت يوغوسلافيا متماسكة لعدة عقود بفضل شخصية قائدها جوزيب بروز تيتو الذي حكمها بحد السيف حتى وفاته عام 1980. غير أنّ غيابه فتح الباب لتصاعد النزعات القومية بين مكوناتها المتعددة (الصرب، الكروات، السلوفينيين، البوسنيين، المقدونيين والجبل الأسود). وكان الانهيار متسلسلاً:

سلوفينيا (1991): كانت أولى الجمهوريات انفصالاً بعد حرب استمرت عشرة أيام، أسفرت عن سقوط 66 قتيلاً فقط، مما يعكس الطبيعة المحدودة للصراع فيها مقارنة بغيرها.

كرواتيا (1991 – 1995): أسفرت حرب الاستقلال عن مقتل ما يقدر بـ 20,000 شخص وتشريد مئات الآلاف، معظمهم من المدنيين، في عمليات تطهير عرقي ممنهج.

مقدونيا (1991): حصلت على استقلال سلمي نسبياً.

البوسنة والهرسك (1992 – 1995): كانت مسرحاً لأكثر الصراعات دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وفقاً لأبحاث "نورمان نيمارك" (2001)، أسفرت الحرب عن 100,000 قتيل، 80% منهم من المدنيين البوشناق (المسلمين). بلغ عدد النازحين أكثر من 2.2 مليون شخص. مجزرة سربرينيتسا في يوليو 1995، التي راح ضحيتها أكثر من 8,000 رجل وصبي بوسني، أصبحت لحظة تأسيسية في الهوية البوسنية الحديثة (مالكولم، 2002).

لجبل الأسود (2006): انفصل عن صربيا سلمياً ليكمل سلسلة التفكك.


انتهت يوغوسلافيا إلى سبع دول مستقلة، لكنها تركت وراءها إرثاً من الجروح والذاكرة الجمعية التي لا تزال تحدد الهويات الوطنية لشعوب البلقان.

ثانياً: سوريا والشرق الأوسط – التكرار المأساوي

كما حدث في البلقان بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، يعيش الشرق الأوسط – وخاصة سوريا – حالة تفكك داخلي تهدد بتشظي الكيانات السياسية إلى هويات فرعية متناحرة.
فعبر أكثر من قرن من تشكّل الدولة السورية الحديثة، لم تنصهر مكوناتها الإثنية والدينية(الكوُرد، السريان، الاشورين ،…وغيرهم ،السنة، والعلويون، الدروز، الاسماعيلية ، المسيحية ،الإيزيدية.. وغيرهم) في هوية وطنية واحدة. ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011 وما رافقها من مجازر ومذابح، تصاعدت المطالب بالاعتراف بالهويات الخاصة وحق تقرير المصير.

ثالثاً: المجزرة كمنبع للهوية

المجازر ليست مجرد أحداث عابرة، بل لحظات تأسيسية تعيد صياغة الجماعة وهويتها:

ا،
لأرمن والسريان (1915): بعد مذابح الأرمن والسيفو، لم يعد تعريفهم مرتبطاً فقط بالمهن أو الطبقات الاجتماعية، بل اصبحوا يُعرِّفون أنفسهم كـ"ناجين"، وأصبحت الإبادة حجر الأساس لهويتهم الحديثة.

اليهود في أوروبا: الهولوكوست لم يقتل ستة ملايين فقط، بل حوّل البقية إلى جماعة قائمة على ذاكرة الإبادة، حتى أن قيام إسرائيل بُني على شعار "لن يتكرر أبداً".

الكُرد: فإن حملات الأنفال ومجزرة حلبجة شكّلت الذاكرة الكُردية، وأصبحت القرى المحروقة والمقابر الجماعية جزءاً من هويتهم السياسية.

في سوريا أيضاً تتكرر الظاهرة:

مجزرة حماة (1982): صاغت شعوراً سنياً إسلامياً بالظلم.

مجازر كوباني وعفرين و تل ابيض و راس العين وغيرها.. (الكُرد): كرست سردية الاستهداف القومي.

مجازر الساحل (العلويون): عززت لديهم هاجس الخوف من الفناء.

مجازر السويداء (الدروز): أعادت فتح "الدفتر الأسود" من قرون الاضطهاد، كما عبّر الشيخ الهجري باستحضار مجازر أنطاكية القديمة.

رابعاً: الذاكرة الجماعية و الحاجز الدموي

تصبح المجزرة بمثابة حاجز دم بين الجماعات، إذ يصعب بعدها مشاركة هوية مشتركة أو كتابة سردية جامعة. فإما أن يُنكر الطرف الآخر المجزرة، أو يتحول الألم إلى معنى وهوية راسخة.
كما يقول الشاعر الكُردي جكرخوين في قصيدته الشهيرة Kîna Em (من نحن؟)، إن المذبحة نفسها قد تكون الجواب الأوضح: "نحن الناجون".

خاتمة

إذا كانت يوغوسلافيا مثالاً على سقوط هوية جامعة بسبب تصاعد القوميات والمجازر، فإن الشرق الأوسط – وسوريا بشكل خاص – يسير في طريق مشابه. هنا، تُبنى الهويات لا عبر المؤسسات السياسية فقط، بل عبر الذاكرة الدموية التي تتحول إلى سرديات مؤسسة، تصوغ علاقة الجماعات مع نفسها ومع الآخرين.
إن فهم دور المجازر في صناعة الهوية ليس مجرد تأمل تاريخي، بل ضرورة لفهم مستقبل المنطقة، إذ أن كل مجزرة جديدة لا تكتب فقط صفحة دماء، بل أيضاً هوية جماعية جديدة.


—-------------

مراجع مقترحة:

1. Misha Glenny, The Fall of Yugoslavia: The Third Balkan War, Penguin, 1996.


2. Noel Malcolm, Bosnia: A Short History, Pan Macmillan, 2002.


3. Norman Naimark, Fires of Hatred: Ethnic Cleansing in Twentieth-Century Europe, Harvard University Press, 2001.


4. Uğur Ümit Üngör, The Making of Modern Turkey: Nation and State in Eastern Anatolia, 1913-1950, Oxford University Press, 2011.


5. Raymond Kévorkian, The Armenian Genocide: A Complete History, I.B. Tauris, 2011.


6. David McDowall, A Modern History of the Kurds, I.B. Tauris, 2004.


7. مجموعة تقارير صادرة عن منظمات حقوق الإنسان (Human Rights Watch، Amnesty International) حول سوريا ما بعد 2011.



#مروان_فلو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريا بين تفكك السلطة المركزية وصعود الأقليات: مفترق طرق إقل ...
- هل اقتربت ساعة الصفر للتصادم التركي–الإسرائيلي؟
- أوجلان ومسلم: بين خطاب الاندماج ومأزق الشعارات
- الصراع على سوريا إلى أين؟.. ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الإق ...
- نحو اتحاد ديمقراطي يعيد صياغة مستقبل سوريا
- الانتخابات السورية على محك الشرعية: قراءة في الثغرات القانون ...
- تركيا.. العقدة الأكبر أمام الحل السوري
- بعد قرن من الخيانة.. هل حان الوقت لاعتراف أمريكا بكوردستان ا ...
- إسرائيل وتركيا والجيش السوري: صراع النفوذ وإعادة تشكيل المنط ...


المزيد.....




- لحظة نادرة.. الزعيم الصيني يُحيي الرئيس الروسي بحماسة
- بعبارات ترامب.. هكذا هنأت سفارة واشنطن في الرياض ولي العهد ا ...
- ميرتس يدق ناقوس الخطر ـ انتهاء الدولة الاجتماعية في ألمانيا! ...
- مقتل المئات وإصابة ما لا يقل عن ألف شخص إثر زلزال قوي ضرب شر ...
- كيف تشتعل الحرب الأوروبية في أفريقيا؟
- هل يتمكن الباحثون من ابتكار أول مضاد فيروسات واسع الطيف؟
- قمة منظمة شنغهاي: الرئيس الصيني يدين -عقلية الحرب الباردة- و ...
- بريطانيا تغلق سفارتها في القاهرة -مؤقتاً- بعد إزالة السلطات ...
- إدانات لقصف استهدف مستشفى شهداء الأقصى، وانطلاق أسطول كسر ال ...
- مؤسسة هند رجب تكشف تسلسل المجزرة الإسرائيلية بمستشفى ناصر


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مروان فلو - تفكك يوغوسلافيا وملامح سوريا: الهويات حين تُكتب بالدم