مروان فلو
الحوار المتمدن-العدد: 8450 - 2025 / 8 / 30 - 15:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مروان فلو – 29 أغسطس 2025
شهدت العلاقات التركية-الإسرائيلية في الساعات الأخيرة تطورًا دراماتيكيًا وصاعدًا، بعد إعلان أنقرة حزمة إجراءات صارمة تشمل قطعًا تامًا للعلاقات الاقتصادية والتجارية، وإغلاق المجال الجوي في وجه الطائرات الإسرائيلية، ومنع دخول السفن الإسرائيلية إلى موانئها. هذه الخطوة تُعتبر الأشد منذ اندلاع الحرب في غزة، وبالرغم من أن المواجهة لا تزال حتى اللحظة محصورة في الإطارين الإعلامي والسياسي، فإن وتيرة التصعيد بلغت مستويات غير مسبوقة، مما يدفع إلى طرح سؤال مصيري: هل ندخل عصر تصادم مباشر؟
الوقائع الجديدة: حزمة العقوبات التركية
في جلسة طارئة للبرلمان التركي، أعلن وزير الخارجية هاكان فيدان أن بلاده قامت بما يلي:
قطع التجارة بشكل كامل مع إسرائيل.
إغلاق الموانئ التركية أمام السفن الإسرائيلية، ومنع السفن التركية من التوجه إلى الموانئ الإسرائيلية.
منع الطائرات الإسرائيلية من دخول المجال الجوي التركي.
فرض قيود صارمة على السفن التي تنقل أسلحة أو ذخيرة إلى إسرائيل، وإيقاف الرحلات الجوية ذات الصلة[1].
كما أضاف فيدان أن تركيا مستعدة لتنفيذ عمليات إسقاط جوية إنسانية إلى غزة، شرط الحصول على موافقة من الأردن[1]. يُعد هذا التصعيد الأكثر حدة منذ قرار أنقرة وقف التبادل التجاري بين البلدين في مايو 2024[2].
السياق الجيوسياسي: سوريا ومخاوف الطرفين
تكمن جذور الأزمة في عمق المشهد الجيوسياسي الإقليمي، وتحديدًا في سوريا. فتركيا تمتلك مصالح استراتيجية هناك، وقد وُصف موقفها بأنه رافض لقيام "دولة سورية جديدة قوية" تحت النفوذ الإسرائيلي[3]. يُذكر أن هاكان فيدان نفسه كان رئيسًا لجهاز الاستخبارات الوطني (MIT) حتى يونيو 2023، مما يعطي تصريحاته بُعدًا استخباراتيًا وسياسيًا بارزًا[4].
من جهتها، تنظر إسرائيل بتوجس بالغ إلى التمدد التركي في سوريا، وتتهم أنقرة بالسعي للسيطرة على القرار السوري عبر أجهزة الاستخبارات، حيث ترد مزاعم حول وجود رسمي لفروع أمنية تركية في مواقع مثل فندق "فور سيزونز" في دمشق[3]. وردًّا على التصعيد التركي، نفت مصادر إسرائيلية رسمية أن يكون فيدان أعلن عن إجراءات جديدة، واعتبرت أن كلامه مجرد "تأكيد لإجراءات سابقة" وليس إعلانًا عن سياسات غير مسبوقة[5].
ساحات التصعيد المحتملة: من السياسة إلى الاقتصاد
مجال التصعيد الوضع الحالي التهديد المحتمل
العلاقات السياسية قطيعة حادة، ضغط دولي. تصعيد دبلوماسي أوسع
العلاقات الاقتصادية. تجميد تجاري، حظر جوي وبحري أضرار اقتصادية متبادلة
النشاط العسكري. لا مواجهة مباشرة حتى الآن خطر الانزلاق لمواجهة عسكرية
المسرح السوري. وجود استخباراتي تركي مكثف اصطدام عبر وكلاء أو أطراف ثالثة
الإطار الإقليمي والدولي: خطابات التصعيد
لا تأتي هذه الخطوة من فراغ، بل هي استمرار لسلسلة من التصريحات التركية الحادة. ففي 9 أغسطس 2025، دعا فيدان الدول الإسلامية إلى توحيد موقفها ضد ما أسماه "خطة السيطرة الإسرائيلية على غزة"، منددًا بالسياسات التوسعية الإسرائيلية واصفًا إياها بـ"التهديد الدولي"[6]. وفي منحى آخر يخص سوريا، أعلن فيدان في 16 يوليو 2025 أن أنقرة نقلت تحذيرات إلى إسرائيل عبر الاستخبارات بخصوص ضربات محتملة في الأراضي السورية، وهدّد بتعطيل كل أشكال التعاون الدبلوماسي حتى يتم استعادة الاستقرار الإقليمي[7].
لماذا قد لا تتحول الأزمة إلى صدام مباشر؟
رغم حدة الخطاب، ثمة عوامل تُرجّح احتواء الأزمة ضمن حدود المواجهة غير المباشرة:
1. طبيعة المواجهة: لا تزال المواجهة محصورة في الجانبين الإعلامي والسياسي، ولم يُسجّل أي تبادل ناري مباشر.
2. تعقيدات المواجهة العسكرية: أي تصعيد عسكري مباشر بين قوتين بحجم تركيا وإسرائيل سيكون له تداعيات جسيمة على الاقتصاد الإقليمي والموقف الدولي لتركيا.
3. القدرات غير المتكافئة: بينما تبدو قدرة تركيا على التدخل داخل إسرائيل محدودة للغاية، فإن إسرائيل تمتلك أوراق ضغط حساسة تمكّنها من اللعب بالملف التركي نفسه، عبر تحريك ملفات داخلية أو دعم أطراف معارضة، وهو ما يجعل أنقرة في موقع دفاعي أكثر من كونه هجوميًا.
4. الاستراتيجية التركية: تعتمد أنقرة على التنسيق مع حلفاء إقليميين مثل قطر ومصر، وكذلك مع قوى دولية، للسعي نحو تحقيق وقف إطلاق نار شامل، متكئة على أن الضغوط الدولية المتصاعدة قد تجنب المنطقة حربًا شاملة[1].
الخلاصة: ساعة الصفر لم تحن بعد
خلاصة القول، إن الإجراءات التركية هي الأكثر صرامة منذ سنوات، وتمثل فتح جبهة ضغط جديدة ضد إسرائيل. ومع ذلك، لا تبدو المواجهة العسكرية المباشرة وشيكة. لقد ارتفع منسوب التوتر إلى أقصاه، والمشهد السياسي مشحون، ولكن ساعة الصفر –أي المواجهة المسلحة المباشرة– لم تُضبط بعد. الأهم أن الفوارق في القدرة على الضغط تظل واضحة: تركيا تتحرك ضمن هامش محدود خارج حدودها، بينما تملك إسرائيل القدرة على إرباك الداخل التركي وربما تفجيره من الداخل بسهولة نسبية. هذه المعادلة هي ما يجعل الصدام المباشر أقل احتمالًا، ويُبقي المنطقة والعالم في حالة ترقب وحذر.
—---------
ندوة القراء: نرحب بآرائكم
نفتح النقاش أمام قرائنا الكرام:
هل ستنجح سياسة القطع الكامل للعلاقات في إجبار إسرائيل على التراجع؟
هل ستظل المواجهة سياسية ودبلوماسية، أم أن التصعيد العسكري أصبح وشيكًا؟
ما تأثير هذه الأزمة على المنطقة، خاصة على سوريا وغزة؟
نرحب بمساهماتكم وتحليلاتكم في قسم التعليقات أو عبر مراسلة الصحيفة. رأيكم يثري الحوار ويمنحه أبعادًا جديدة.
—----------
المصادر:
[1]: تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في الجلسة الطارئة للبرلمان التركي – 29 أغسطس 2025.
[2]: "تركيا تعلق كل التبادل التجاري مع إسرائيل" – وكالة رويترز – مايو 2024.
[3]: تحليل استراتيجي: الموقف التركي من سوريا والنفوذ الإسرائيلي – معهد الدراسات الاستراتيجية – يوليو 2025.
[4]: السيرة الذاتية لهاكان فيدان – الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية التركية.
[5]: رد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية على التصريحات التركية – 29 أغسطس 2025.
[6]: خطاب هاكان فيدان في مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية – 9 أغسطس 2025.
[7]: "تركيا تحذر إسرائيل عبر القنوات الاستخباراتية" – صحيفة حرييت.
#مروان_فلو (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟