تركيا.. العقدة الأكبر أمام الحل السوري

مروان فلو

الحوار المتمدن-العدد: 8447 - 2025 / 8 / 27 - 00:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

منذ اندلاع الأزمة السورية، لم يكن التدخل التركي مجرد عنصر ثانوي، بل تحوّل إلى العامل الأكثر تأثيراً في تعطيل أي حل سياسي أو تسوية ميدانية. فأنقرة اليوم لا تكتفي بفرض وصايتها على الشمال السوري، بل تمتد يدها لتوجيه دمشق في المفاوضات الدولية، وتفرض واقعاً ميدانياً في المناطق التي تحتلها، وسط صمت دولي وتناقض في مواقف القوى الكبرى.

باريس: وصاية تركية على المفاوضات

في الأسابيع الأخيرة، كشفت تقارير إعلامية غربية، من بينها موقع Linkoli.org، أن جهاز المخابرات التركي (MİT) أصدر توجيهات مباشرة لوفد الحكومة السورية قبيل الاجتماع المزمع عقده في باريس بوساطة فرنسية وبمشاركة المبعوث الأمريكي الخاص توم باراك وممثلي الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
التعليمات التركية تضمنت رفض دمج قوات سوريا الديمقراطية في وزارة الدفاع، والمطالبة بتسليم السجون والمخيمات التي تضم عناصر داعش لدمشق، مع فتح الباب لإطلاق سراح بعضهم، إلى جانب إعادة السيطرة على الرقة والطبقة ودير الزور عبر قوى محلية مرتبطة بأنقرة، وإلغاء مؤسسات الإدارة الذاتية التي بناها الكُرد على مدار 15 عاماً، وأخيراً نقل السيطرة على حقول النفط إلى الحكومة السورية لكن تحت إشراف تركي غير مباشر.

تسريبات كهذه تكشف أن هدف أنقرة ليس استقرار سوريا ولا إعادة توحيدها، بل ضمان السيطرة على مواردها الاستراتيجية واستخدام ملف "الإدارة الذاتية" كورقة ابتزاز سياسية وأمنية.

عفرين: الاحتلال في صورته العارية

لا يقتصر التدخل التركي على الغرف الدبلوماسية المغلقة، بل يتجلى بشكل أوضح في المناطق التي تخضع لسيطرته. ففي عفرين، أفادت منظمات حقوقية محلية بعملية نقل قسري شملت ما بين 600 إلى 700 معتقل كُردي إلى سجني الراعي وحور كلس، وكلاهما خاضع لإشراف مباشر من الاستخبارات التركية.
المعتقلون، وفق التقارير، يواجهون أحكاماً قاسية دون محاكمات عادلة، ويتعرضون للتعذيب وسوء المعاملة والتغييب القسري، مع منع أي تواصل مع ذويهم. هذا السلوك يعكس صورة "احتلال كامل" أكثر منه "وجوداً أمنياً"، ويدحض ادعاءات أنقرة بأنها تسعى لحماية الأمن القومي فقط.

عمّان: دعم أمريكي لا يغيّر المعادلة

في المقابل، يظهر تناقض الموقف الدولي في لقاء العاصمة الأردنية عمّان، حيث اجتمعت السيناتور الأمريكية جين شاهين بالقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، بحضور النائب الأمريكي جو ويلسون والمبعوث الأمريكي توم باراك والسيدة إلهام أحمد عن الإدارة الذاتية.
اللقاء أكد التزام واشنطن بالشراكة مع قوات سوريا الديمقراطية في محاربة الإرهاب، لكن هذا الدعم، مهما بدا مهماً، يبقى مهدداً أمام سياسة المساومات التي تنتهجها الولايات المتحدة مع أنقرة، والتي غالباً ما تضع مصالح تركيا فوق استقرار سوريا.

تركيا.. أصل العقدة

يرى محللون أن خيوط هذه الأحداث جميعها تشير إلى حقيقة واحدة: تركيا هي أصل العقدة السورية. فمن تعطيل المفاوضات إلى ترسيخ الاحتلال في الشمال، وصولاً إلى محاولات منع أي اعتراف بوضع خاص لمكونات محلية مثل الكُرد، تعمل أنقرة على إبقاء سوريا في دائرة الصراع، وتستخدم نفوذها لابتزاز المجتمع الدولي.

ويحذر خبراء من أن استمرار هذا التدخل سيقود بالضرورة إلى انفجار داخلي أكبر، وربما يفتح الباب أمام تصاعد مطالب "تقرير المصير" من مختلف المكونات السورية، كما بدأ يطفو على السطح في السويداء.

الخلاصة

المعادلة واضحة: لا حل سياسياً في سوريا دون كف يد تركيا عن التدخل المباشر. وعلى الولايات المتحدة وفرنسا والتحالف الدولي أن يتحملوا مسؤولياتهم في مواجهة هذا الدور التخريبي، قبل أن تتحول سوريا إلى ساحة مفتوحة لصراعات لا تنتهي وتفكك دائم يهدد المنطقة بأكملها.

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل