أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - كلما تأخر تشكيل حكومة مؤقتة, اتسعت دائرة العنف والمطالبين بالحكم !















المزيد.....

كلما تأخر تشكيل حكومة مؤقتة, اتسعت دائرة العنف والمطالبين بالحكم !


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 547 - 2003 / 7 / 29 - 03:56
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


 

تشير الوقائع الجارية على أرض العراق وفي دول الجوار وعلى الصعيد العالمي إلى وجود قوى سياسية غير قليلة يهمها جداً تشديد التناقضات الاجتماعية الراهنة في العراق وتحويلها تدريجاً إلى نزاعات سياسية يعتقد منظموها بأنها ستقود إلى تحقيق المآرب التي يسعون إليها. وهي إشكالية كبيرة بحد ذاتها لم يلاحظ المتتبع ردود فعل من أصحاب العلاقة الذين لا يريدون الوصول إلى هذا المطب الذي سيكلف الشعب العراقي المزيد من الصراعات الدموية والضحايا البريئة والخسائر المادية, إضافة إلى إعاقة جادة لعملية إعادة البناء وزيادة عدد المشتغلين ورفع وتعجيل معدلات النمو الاقتصادي,وكذلك التعجيل بإنهاء الاحتلال الأمريكي - البريطاني للعراق.

وإذا بدأنا من الصعيد العالمي سنجد أن هناك رغبة جادة لدى مجموعة من دول الاتحاد الأوروبي, وخاصة فرنسا, وروسيا الاتحادية والصين الشعبية وإلى حد غير قليل اليابان أيضاً في ممارسة الضغط المتواصل على الولايات المتحدة الأمريكية لتأمين مجموعة من القضايا المهمة بالنسبة للسياسة الدولية, وأبرزها:
• أن تواجه كل من الولايات المتحدة وبريطانيا إشكاليات غير قليلة وتتحملان خسائر بالأرواح والأموال لكي لا تعمدا إلى الحرب ضد أي بلد آخر دون موافقتهم, أو موافقة مجلس الأمن الدولي, وبالتالي هي محاولة للحد من جبروت وغطرسة الولايات المتحدة ومحاولتها فرض هيمنتها وسياستها على بقية بلدان العالم, وخاصة الدول الصناعية السبع الكبار.
• أن تتراجع الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص عن هيمنتها الكلية على العراق وتصرفها المنفرد بالعقود النفطية وإعادة إعمار البلاد وبقية القرارات الاقتصادية والسياسية دون العودة إليها أو إلى مجلس الأمن الدولي وبالشكل الذي يسمح لها بالمشاركة في كل شيء وخاصة في مسألة النفط الخام.
• وبالتالي فأن الشرط الذي تطرحه هذه الدول هو مقاسمتها بالوجود في العراق رسمياً من خلال مجلس الأمن الدولي وليس برغبة الولايات المتحدة الأمريكية, وهو الموقف الذي رفضته حتى الآن. وأتوقع بأن إدارة بوش ستجبر على ذلك بسبب الخسائر الكبيرة التي تتحملها الآن وعواقبها السلبية على حملة انتخابات الرئاسة التي بدأت منذ فترة غير قصيرة عملياً.
• والدول الأوروبية وروسيا وغيرها تمتلك أوراقاً مهمة في المنطقة وعلى الصعيد العالمي تلعب بها للتأثير على الوضع في العراق, خاصة وأن الولايات المتحدة ما تزال تعيش تخبطاً كبيراً في معالجاتها للوضع في العراق.        
وإذا انتقلنا إلى الصعيد الإقليمي غير العربي سنجد بأن الدولتين المجاورتين للعراق, إيران وتركيا, تلعبان دوراً مشوشاًً, وأن كان متبايناً من حيث الغاية, لكنه يقود في المحصلة النهائية إلى نتائج سلبية حول الأمن والاستقرار في العراق.
فتركيا لا تكف عن التحري عن عوامل تساعدها في تحقيق أطماعها المعروفة في كردستان العراق والموصل (ولاية الموصل سابقاً), وبالتالي فهي مستعدة لتحريك مجموعات معينة من الناس المؤيدين لها من التركمان, وليس كل التركمان, أو مجموعات من المناهضين للولايات المتحدة الأمريكية لتتفق وإياهم حول إثارة مشكلات معينة في العراق, وخاصة في كركوك. وهي غير مهتمة بتأمين الأمن والاستقرار في العراق حالياً بأمل أن تجد فرصة من خلالها للضغط على الولايات المتحدة للتجاوب النسبي مع مشروعاتها في العراق. وهي التي تصطدم بمصالح الغالبية العظمى من العراقيين وبمصالح التركمان أيضاً. كما أن تركيا تلتقي مع القوميين العرب المتطرفين في الموقف من المسألة الكردية, إذ أنها ترفض الإقرار بوجود اتحادية (فيدرالية) كردستان العراق, رغم أن القضية لا تمس الدولة التركية, ولكنها تخشى من ذلك, إذ من المحتمل جداً أن يطالب الشعب الكردي في كردستان تركيا بمطلب مماثل لإقامة اتحادية (فيدرالية) كردستان تركيا. وهي مهتمة بهذا الأمر إلى أقصى الحدود ومستعدة لتقديم الدعم الذي تطلبه الولايات المتحدة إن وافقت الأخيرة على منع إقامة هذه الاتحادية الكردستانية في العراق.   
أما إيران فتلتقي مع تركيا في الموقف من الفيدرالية الكردستانية, إذ تخشى أيضاً مطلباً مماثلاً للشعب الكردي في كردستان إيران. ولكن لإيران مصالح أخرى في العراق يمكن بلورتها في ثلاث نقاط مهمة:
• تحريك قوى من الشيعة ذات السلوك الطائفي في العراق للدعوة إلى إقامة دولة إسلامية (شيعية) تتماثل مع النظام القائم في إيران. والصوت المرتفع لمثل هذه الدعوات في الوقت الحاضر هو السيد مقتدى الصدر, الذي يعتقد بأنه قادر على لعب دور الخميني في العراق! 
• رغبتها في تأمين وصول الشيعة الإيرانيين إلى العراق لزيارة العتبات المقدسة للشيعة الإمامية أو الجعفرية, وهي كثيرة مثل النجف وكربلاء والكوفة والكاظمية وسامراء وبلد ...الخ. 
• رغبتها المساومة مع الولايات المتحدة من خلال تشديد نشاط الشيعة في العراق للقبول بالتخلي عن دعم منظمة مجاهدي خلق الإيرانية التي ما زالت في عهدة الأمريكيين في العراق. وهي الجماعات التي احتضنها صدام حسين لممارسة الضغط والتهديد والاستنزاف ضد إيران. ويبدو أن الولايات المتحدة تريد استخدامهم لنفس الغاية ضد إيران.
• إن انشغال القوات الأمريكية في العراق والمصاعب التي تواجهها هناك يجعل من إمكانية الدخول في صراع سياسي وحرب ضد إيران من الناحية العملية أكثر تعقيداً مما كانت تتصوره الإدارة الأمريكية, سواء على صعيد الشعب الأمريكي ذاته أم على الصعيد الإقليمي والدولي.

أما إسرائيل فإنها تواجه وضعاً خاصاً. فسقوط النظام العراقي جاء في مصلحتها, رغم أن النظام الدكتاتوري لم يهددها يوماً في ما عدا بعض الصواريخ الخائبة التي قذف بها باتجاه إسرائيل في فترة حرب الخليج الثانية. وهي ترى بأن معالجة المشكلة العراقية وتفرغ الولايات المتحدة للمشكلة الفلسطينية يمكن أن يدفع بالحل السلمي مع الفلسطينيين إلى الأمام. ومثل هذا الاتجاه لا ينسجم مع سياسة شارون الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية أصلاً, أو جعل المتبقي من فلسطين محمية إسرائيلية صغيرة مليئة بالمستوطنات التي تتسع تدريجاً لتحتل فلسطين كلها بعد عشر أو عشرين سنة. ولذلك فهي تتحرى عن قوى تدعم استمرار الفوضى بصورة غير مباشرة في العراق. ويمكن أن تجد هؤلاء في إطار الإدارة الأمريكية ذاتها وفي مراكز القوة الأخرى في الولايات المتحدة, فاللوبي الإسرائيلي كبير ونشيط وفعال ومؤثر بشكل حاسم.   

أما على الصعيد العربي فالأمر أكثر تعقيداً وتشابكاً. إذ نجد في العالم العربي لقاء لقوى متضادة كثيرة في مواجهة المشاريع الأمريكية في العراق, لا حباً في العراق, بل في محاولة لتخفيف الضغط الذي تريد الولايات المتحدة تسليطه على بعض النظم السياسية في الدول العربية. فعلى سبيل المثال تجد المملكة السعودية نفسها قد دفعت وحشرت في زاوية حادة من جانب السياسة والإعلام في الولايات المتحدة. فهناك محاولات جادة لربط أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 بصيغة ما بسياسة الرياض وبدور ما لها في تلك الأحداث. كما أن هناك هجوماً واسعاً على سبل التثقيف الديني السعودي المتعصب الذي يعتمد المذهب الوهابي المتطرف في مواقفه الدينية والذي ينحدر منه أسامة بن لادن والشيخ عمر محمد وبقية جماعات القاعدة وطالبان وجماعات الجهاد وغيرهم من جماعات الإسلام السياسي المتطرف المبثوثة في أرجاء مختلفة من العالم. ولهذا السبب نلاحظ بوضوح ثلاثة مظاهر مهمة في السياسة السعودية إزاء العراق والوجود الأمريكي فيه:
• الدعوة الصريحة ضد الوجود الأمريكي في العراق وطلب انسحاب القوات الأجنبية منه.
• الدعم الواسع النطاق للقوى الدينية العاملة في العراق, وخاصة أئمة الجوامع السنية ودعوتها للتعاون مع أئمة الشيعة, بشكل خاص مع مقتدى الصدر, لمواجهة الوجود الأمريكي.
• الإعلام الذي تمارسه الفضائية "العربية", وهي سعودية الولادة والملكية والسياسة, الذي يروج بشكل واسع ضد مجلس الحكم الانتقالي وينشر باستمرار أخباراً عن نشاطات وتصريحات السيد مقتدى الصدر, وخاصة دعوته إلى تشكيل جيش المهدي وتعاونه مع السنة وما إلى ذلك, علماً بأن المذهب الوهابي على طرفي نقيض مع المذهب الشيعي وعدو لدود له. وعودة إلى تاريخ العراق في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين يذكرنا بهجمات الوهابيين الشرسة ضد مراقد أئمة الشيعة وتدميرها في العراق وقتل أعداد كبيرة من السكان الشيعة ونهب وسلب واستباحة المدن.
• ربما يساهم انشغال الولايات المتحدة بالوضع في العراق في التخفيف من احتمال تنشيط مشاريعها الجديدة إزاء السعودية ومنطقة الخليج عموماً.

وهناك بلدان عربية أخرى تجد من مصلحتها أن تبقى الفوضى وانعدام الأمن والاستقرار هي الحالة السائدة في العراق لفترة أخرى إلى حين يتم الاتفاق مع الولايات المتحدة للحصول على مساعدات مالية. وفي هذا الإطار تلتقي دول مثل الأردن ومصر, وكلاهما يعاني من أوضاع اقتصادية صعبة وعجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات ومشكلات اجتماعية وسياسية غير قليلة.
وعلى الصعيد الشعبي فأن الحقد والكراهية الكبيرين ضد الولايات المتحدة وسياساتها في المنطقة هما المحرك الفعلي لمواقف الشعوب العربية في المنطقة, وهي التي تريد دعم النشاطات التخريبية الراهنة التي تقوم بها قوى مختلفة ابتداءاً من فلول صدام حسين, إلى بعض المجموعات القومية العربية وبعض قوى الإسلام السياسي المتطرفة.             

إن جميع هذه الاتجاهات في السياسة والمواقف الدولية والإقليمية والعربية إزاء الوضع في العراق لها في المحصلة النهائية تأثيرات مباشرة باتجاهات ثلاثة, وهي:
• إن الولايات المتحدة الأمريكية, ورغم أنها سوف لن تتخلى عن مشاريعها في الهيمنة على العالم, سوف تجبر على الأخذ بنظر الاعتبار وبهذا القدر أو ذاك مصالح حلفائها في مجموعة السبع الكبار وكذلك روسيا الاتحادية والصين واليابان, كما سيقلل من احتمالات حصول اعتداءات أو نشوب حروب جديدة ضد دول أخرى من جانب الولايات المتحدة الأمريكية, ولكن لن يلغي احتمال وقوعها.
• وأن الدول الأخرى ستحصل على مشاركة في الكعكة العراقية التي يراد التهامها من قبل الجميع. وستضطر الولايات المتحدة على المساومة الدولية على نفط العراق والمنطقة بأسرها.
• ولكن تلك الاتجاهات والجهود ستأتي على حساب مصالح واستقرار وأمن الشعب العراقي وعملية إعادة البناء فيه وإرساء دعائم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان فيه والتخلص من قوات الاحتلال على المدى القصير والمتوسط, ولكنه سيكون أقل ضرراً على المدى الأبعد. إذ أن بعض المواقف الدولية ستكون ذات نفع غير مباشر للشعب العراقي وخاصة الأصرار على تحديد فترة زمنية للانتهاء من فترة الانتقال وإنهاء الاحتلال.
وعلينا حين ندرس الوضع الداخلي أن نتذكر باستمرار بأن تلك الاتجاهات والمواقف لها تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على القوى السياسية العراقية. وهو الذي يفترض معالجته.
تشير المعلومات المستندة إلى الأفعال الجارية على الأرض العراقية إلى أن هناك جهوداً كبيرة تبذل اليوم لتأمين إقامة تحالفات سياسية مصلحية جديدة ستكون لبعضها عواقب وخيمة على مستقبل العراق إن نجحت في تحقيق أهدافها. فالمعلومات المتوفرة تشير إلى أن سياسات وإجراءات الولايات المتحدة الخاطئة في العراق هي التي تسمح أيضاً بنشوء أرضية صالحة لنمو تحالفات مناهضة للديمقراطية والاتجاهات العلمانية في العراق. إذ يبدو لي بأن تعاوناً سياسياً جديداً بين جماعة السيد مقتدى الصدر, وهو سياسي إسلامي لا يتمتع بمكانة دينية متميزة ويعتمد بالأساس على مكانة المرحوم والده السيد محمد صادق الصدر وآخرين من عائلته, ورجل الدين السني الشيخ مكي الكبيسي. الأول بدأ يستفيد من الدعم المتنوع القادم من إيران عبر بعض الجماعات الشيعية في البصرة والعمارة ذات الارتباطات السياسية والمذهبية مع إيران, في حين يحصل الثاني على تأييد السعودية على نحو خاص, ولكنه يحظى بتأييد القوى القومية الشوفينية وجماعة البعث العدوانية. وهذا التحالف المؤقت يشكل تهديداً فعلياً للاتجاهات الديمقراطية في العراق ويريد فرض تصوره الفكري والسياسي على البلاد. وهمها الآن ينصب باتجاهات ثلاثة:
• رفع شعار الكفاح ضد الاحتلال وضرورة خروجه من العراق حالاً.
• عدم الاعتراف بمجلس الحكم الانتقالي واعتباره يعمل يداً بيد مع القوات الأجنبية المحتلة.
• السعي إلى تشكيل قوة عسكرية منظمة ومدربة وإقامة مجلس شعبي وانتخاب حكومة في البلاد, أي خلق سلطتين وتقسيم المجتمع إلى معسكرين لإثارة الصراع والنزاع بينهما. وينبغي أن ننتبه إلى أن هناك مشاريع تقسيمية بائسة تجمع بين المنطقة الجنوب وبعض أجزاء المنقطة الوسطى, علماً بأن هذه القوى لا تتمتع إلا بتأييد ضئيل من جماهير الشيعة العراقيين أو السنة على صعيد العراق كله.

وعلى صعيد آخر بدأت قوى صدام حسين  المدحورة تحاول إعادة تنظيم صفوفها حتى بعد مقتل قائد فدائيي صدام حسين, عدي صدام حسين, وقائد جماعات الأمن والحرس الجمهوري والمسؤول عن قيادة بغداد في فترة الحرب, قصي صدام حسين. كما بدأت قوى أخرى نشاطها المعادي للوضع القائم تنظيم عمليات عسكرية خاطفة ضد القوات الأمريكية غير الحذرة. وهذا يعني أن مجمل هذه العمليات تستهدف الوصول إلى الأهداف التالية:
• إشاعة البلبلة والخوف وعدم الاستقرار في صفوف ونفوس الجماهير في العديد من مناطق العراق وخاصة بغداد العاصمة وضواحيها.                
• توريط القوات الأمريكية بعمليات عسكرية تؤدي إلى قتل مواطنين أبرياء مما يزيد من نقاط الاحتكاك بين الجماهير وقوات الاحتلال, ومحاولة دفع الناس إلى مقاومة الوجود العسكري الأمريكي, مما يقود إلى إدامة وجودهم في العراق عملياً.
• إفشال جهود مجلس الحكم الانتقالي الموجهة إلى إنجاز المهمات الملقاة على عاتقه من خلال إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار والتشكيك بصلاحيته ودوره في إعادة إعمار البلاد والتهيئة للوضع المنشود لما بعد فترة الانتقال.
• إقامة تحالف غير مكتوب بين كل القوى الطامعة بالحكم في العراق لمحاربة الوضع الجديد, رغم التباين الشديد الموجود في ما بينها, علماً بأن هذه القوى كلها تقريباً لها من يسندها داخل البلاد وخارجه, وعلى الصعيدين العربي والإقليمي بشكل خاص.

ويبدو لي بأن سياسة الولايات المتحدة غير واضحة المعالم حتى الآن بالنسبة لما يجري في العراق حالياً. وهي تقوم بإرسال الوفود الدراسية الأمريكية إلى بغداد والتي تعود بمقترحاتها التي لا يمكن تطبيقها والمستعجلة وذات الأحكام السريعة, وبالتالي تزيد من فوضى الحلول المطروحة واتخاذ القرارات المطلوبة إزاء الوضع الجاري. فالبطء الشديد بتشكيل مجلس الحكم ورفض إقامته على أساس المؤتمر الوطني العام من جهة, وتوزيع قواه بشكل غير مقبول على أساس طائفي من جهة ثانية. وتقليص صلاحيات المجلس وربطها بموافقة السيد بريمر من جهة ثالثة, وعدم تشكيل حكومة عراقية مؤقتة حتى الآن لتمارس صلاحياتها في إعادة بناء الوزارات والمؤسسات والهيئات المسؤولة عن أمن البلاد وسلامة المواطنين وتمشية أعمال الناس وتوفير الخدمات الأساسية من جهة رابعة, ...الخ كلها عوامل تساهم في إعطاء القوى المناهضة لمجلس الحكم فرصة نشر الدعاية المغرضة ضده والتأليب عليه ومناوأته وتعبئة الناس ضده. وهذا ما يقوم به اليوم كل من مكي الكبيسي ومقتدى الصدر وصدام حسين وحازم الكبيسي وغيره من الذين يتمنون أن يقيموا نماذجهم المستبدة في العراق على أنقاض حكم الدكتاتور صدام حسين, بدلاً من فسح المجال لبناء العراق الحر الديمقراطي المستقل.
إن إطالة أمد الفترة الضبابية الراهنة من جانب الإدارة الأمريكية وقوات الاحتلال يفسح في المجال إلى تلك القوى لتطالب بالسلطة السياسية وتطرح نفسها بديلاً عن القوى التي كافحت أكثر من ثلاثة عقود من السنين ضد صدام حسين ورهطه. إن هذا البطء في الإجراءات والفراغ في وجود سلطة عراقية مؤقتة ذات صلاحيات واضحة سيعقد الأمور على الولايات المتحدة أكثر فأكثر, كما سيحرم الشعب العراقي من نعمة الأمن والاستقرار والحرية والديمقراطية والحكم الوطني الديمقراطي المنشود.
إن الإدارة الأمريكية, وبدلاً من أن تدفع بالمجتمع العراقي صوب مواقف أكثر عقلانية وحضارية وإنسانية, كالموقف من القتلى ورفض عرض جثث القتلى, كما حصل مع جثتي عدي وقصي صدام حسين, راحت تساير التقاليد الحكام العراقيين السيئة الموروثة من ممارسات الخلفاء والولاة والحكام المستبدين في العراق, ومن المجازر التي كانوا ينظمونها ويدعون الناس للاحتفال بعمليات قطع الرؤوس أو أساليب أخرى في التعذيب والقتل ثم التعليق على أسوار وأبواب المدن. وهي العمليات الانتقامية التي مارسها الحكام في العراق على امتداد قرون طويل, إضافة على العهد الملكي والعهد الجمهوري بنظمه المختلفة. وكانت من بينها مجزرة تعليق الأشخاص الذين أعدموا وعلقوا في ساحة التحرير ببغداد ودعوا الناس للاحتفال بذلك في عام 1969. وكذلك عمليات إعدام القيادة البعثية في عام 1979 وغيره من الإعدامات العلنية وإقامة المهرجانات الشعبية للاحتفاء بتلك المجازر. 
كلما طال أمد وجود القوات الأمريكية في العراق, ازداد عدد الحوادث التي ترتكب يومياً وبالتالي تؤجج مشاعر الناس ضدهم. وهو ما يعول عليه الطرف العراقي المناهض للوضع الجديد. إلا أن المعاناة ستكون كبيرة للشعب العراقي, كما سيزداد عدد القتلى في الجانب الأمريكي وكذلك في الجانب العراق. وهو ما ينبغي تجنبه.

برلين في 27/07/2003        كاظم حبيب 



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أجل أن نترك وراءنا مظاهر الاستبداد والعنف والقسوة في السل ...
- ماذا يجري في العراق, ولمصلحة من, وكيف نواجهه؟
- الأهمية المتنامية لوحدة قوى الشعب في مواجهة تحديات القوى الف ...
- ما هي طبيعة الصراع حول شؤون ومستقبل الاقتصاد العراقي بين سلط ...
- الدروس التي يمكن استخلاصها من الحرب الأخيرة واحتلال العراق
- التركة الثقيلة لنظام صدام حسين الاستبدادي على المرأة العراقي ...
- الجولة الأخيرة واليائسة لصدام حسين وعصابته أو صحوة موت
- لمواجهة نشاط قوى صدام حسين بعد سقوط النظام - الحلقة الخامسة ...
- أفكار حول الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في العراق
- العوامل المحركة للقضية العراقية والصراع حول السلطة في العراق
- كيف يفترض أن نتعامل مع فتوى آية الله العظمى السيد كاظم الحسي ...
- موضوعات للحوار في الذكرى الأربعينية لثورة تموز عام 1958
- لِمَ هذه الخدمات المجانية لدعم غير مباشر لقوى صدام حسين التخ ...
- هل الدور الجديد الذي يراد أن تلعبه العشائر العراقية في مصلحة ...
- من أجل أن لا ننسى ما فعله الاستعمار البريطاني والنظام الملكي ...
- من أجل التمييز الصارم بين مواقف الشعب ومواقف أعداء الحرية وا ...
- قراءة في كتاب -دراسات حول القضية الكردية ومستقبل العراق- للأ ...
- انتفاضة السليمانية وثورة العشرين
- إجابة عن أسئلة تشغل بال مواطنات ومواطنين عرب ينبغي إعارتها ك ...
- من أجل مواصلة حوار هادئ, شفاف وبعيد عن الحساسية والانغلاق وا ...


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - كلما تأخر تشكيل حكومة مؤقتة, اتسعت دائرة العنف والمطالبين بالحكم !